عربي
Tuesday 23rd of July 2024
0
نفر 0

مراسم يوم عاشوراء زمن الفاطميين

قال ابن زولاق في كتاب سيرة المعز لدين اللّه: في يوم عاشوراء من سنة ثلاثة وستين وثلثمائة، انصرف خلق من الشيعة، وأشياعهم إلى المشهدين : قبر كلثوم ونفيسة، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة، ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين(عليه السلام)، وكسروا أواني السقائين في الأسواق، وشققوا الروايا، وسبّوا من ينفق في هذا اليوم، ونزلوا حتى بلغوا مسجد الريح .

وثارت عليهم جماعة من رعية أسفل، فخرج أبو محمّد الحسين بن عمار، وكان يسكن هناك في دار محمّد بن أبي بكر، وأغلق الدرب .

ومنع الفريقين، ورجع الجميع، فحسن موقع ذلك عند المعز، ولولا ذلك لعظمت الفتنة، لأن الناس قد غلَّقوا الدكاكين وأبواب الدور، وعطلوا الأسواق، وإنما قويت أنفس الشيعة بكون المعز بمصر .

وقد كانت مصر لا تخلو منهم في أيام الإخشيدية، والكافورية في يوم عاشوراء عند قبر كلثوم، وقبر نفيسة؟

وكان السودان وكافور يتعصبون على الشيعة، وتتعلّق السودان في الطرقات بالناس، ويقولون للرجل : من خالك ؟ فإن قال : معاوية، أكرموه، وإن سكت لقي المكروه، وأخذت ثيابه، وما معه حتى كان كافور قد وكل بالصحراء ومنع الناس من الخروج.

وقال المسبحي : وفي يوم عاشوراء، يعني من سنة ست وتسعين وثلثمائة جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الأسواق، وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة، ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد ثمّ جمع بعد هذا اليوم قاضي القضاة عبد العزيز بن النعمان، سائر المنشدين الذين يتكسبون بالنوح والنشيد وقال لهم : لا تلزموا الناس أخذ شيء منهم إذا وقفتم على حوانيتهم، ولا تؤذوهم، ولا تتكسبوا بالنوح والنشيد، ومن أراد ذلك فعليه بالصحراء .

ثمّ اجتمع بعد ذلك طائفة منهم يوم الجمعة في الجامع العتيق بعد الصلاة، وأنشدوا، وخرجوا الى الشارع بجمعهم، وسبّوا السلف  ([514]).

وقال ابن المأمون : وفي يوم عاشوراء، يعني من سنة خمس عشر وخمسمائة عُبئ السماط بمجلس العطايا من دار الملك بمصر، التي كان يسكنها الأفضل بن أمير الجيوش، وهو السماط المختص بعاشوراء، وهو يعبئ في غير المكان الجاري به العادة في الأعياد، ولا يعمل مدورة خشب بل سفرة كبيرة من أدم، والسماط يعلوها من غير مرافع نحاس، وجمع الزبادي أجبان، وسلائط ومخللات، وجميع الخبز من شعير، وخرج الأفضل من باب وجلس على بساط صوف من غير مشورة، واستفتح المقرئون، واستدعى الأشراف على طبقاتهم، وحمل السماط لهم، وقد عمل في الصحن الأوّل الذي بين يدي الأفضل إلى آخر السماط عدس أسود، ثمّ بعده عدس مصفى إلى آخر السماط، ثمّ رفع وقدّمت صحون جميعها عسل نحل.

ولما كان يوم عاشوراء من سنة ست عشرة وخمسمائة جلس الخليفة الآمر بأحكام اللّه على باب الباذهنج يعني من القصر بعد قتل الأفضل وعود الأسمطة إلى القصر على كرسيّ جريد بغير مخدّة متلثماً هو وجميع حاشيته، فسلم على الوزير المأمون وجميع الأمراء الكبار، والصغار بالقيراميز، وأذن للقاضي، والداعي، والأشراف، والأمراء بالسلام عليه، وهم بغير مناديل ملثمون حفاة، وعبئ السماط في غير موضعه المعتاد، وجميع ما عليه خبز الشعير والحواضر على ما كان في الأيام الأفضلية، وتقدّم إلى والي مصر والقاهرة بأن لا يمكنا أحداً من جمع ولا قراءة مصرع الحسين (عليه السلام)، وخرج الرسم المطلق للمتصدّرين والقرّاء الخاص، والوعاظ، والشعراء، وغيرهم على ما جرت به عاداتهم.

قال : وفي ليلة عاشوراء من سنة سبع عشرة وخمسمائة : اعتمد الأجل الوزير المأمون على السنة الأفضلية من المضي فيها إلى التربة الجيوشية، وحضور جميع المتصدّرين، والوعاظ، وقراء القرآن إلى آخر الليل، وعوده إلى داره، واعتمد في صبيحة الليلة المذكورة مثل ذلك، وجلس الخليفة على الأرض متلثماً يُرى به الحزن، وحضر من شرف بالسلام على، والجلوس على السماط بما جرت به العادة([515]).

قال ابن الطوير : إذا كان اليوم العاشر من المحرّم : احتجب الخليفة عن الناس فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة، والشهود، وقد غيروا زيهم فيكونون كما هم اليوم، ثمّ صاروا إلى المشهد الحسيني، وكان قبل ذلك يعمل في الجامع الأزهر، فإذا جلسوا فيه، ومن معهم من قرّاء الحضرة، والمتصدّرين في الجوامع جاء الوزير، فجلس صدراً، والقاضي والداعي من جانبيه، والقرّاء يقرؤون نوبة بنوبة، وينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة شعراً يرثون به أهل البيت (عليهم السلام)  .

فإن كان الوزير رافضياً تغالوا، وإن كان سنياً اقتصدوا، ولا يزالون كذلك إلى  أن تمضي ثلاث ساعات، فيستدعون إلى القصر بنقباء الرسائل، فيركب الوزير، وهو بمنديل صغير إلى داره، ويدخل قاضي القضاة والداعي، ومن معهما إلى باب الذهب .

فيجدون الدهاليز قد فرشت مصاطبها بالحصر بدل البسط، وينصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتلحق بالمصاطب لتفرش، ويجدون صاحب الباب جالساً هناك، فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه، والناس على اختلاف طبقاتهم، فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون أيضاً ثمّ يفرش عليهم سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس، والملوحات، والمخللات، والأجبان والألبان الساذجة وأعسال النحل، والفطير والخبز المغير لونه، فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب، وصاحب المائدة، وأدخل الناس للأكل منه، فيدخل القاضي والداعي، ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير، والمذكوران إلى جانبه، وفي الناس من لا يدخل ولا يلزم أحد بذلك، فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركباناً بذلك الزي الذي ظهروا فيه، وطاف النوّاح بالقاهرة ذلك اليوم، وأغلق البياعون حوانيتهم إلى جواز العصر، فيفتح الناس بعد ذلك أو يتصرّفون ([516]).

المشهد الحسيني 491 هـ

وفي شعبان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، خرج الأفضل بن أمير الجيوش بعساكر جمة إلى بيت المقدس، وبه : سكان وابلغازي ابنا ارتق في جماعة من أقاربهما، ورجالهما وعساكر كثيرة من الأتراك، فراسلهما الأفضل يلتمس منهما تسليم القدس إليه بغير حرب، فلم يجيباه لذلك .

فقاتل البلد، ونصب عليه المجانيق، وهدم منها جانباً، فلم يجدا بدّاً من الإذعان له، وسلّماه إليه، فخلع عليهما، وأطلقهما، وعاد في عساكره، وقد ملك القدس، فدخل عسقلان.

وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين بن على أبي طالب(عليهما السلام) فأخرجه وعطره، وحمله في سفط إلى أجل دار بها، وعمّر المشهد، فلما تكامل، حمل الأفضل الرأس الشريف على صدره وسعى به ماشياً إلى أن أحله في مقرّه، وقيل : إنّ المشهد بعسقلان بناه أمير الجيوش بدر الجمالي، وكمله ابنه الأفضل وكان حمل الرأس إلى القاهرة من عسقلان، ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ([517]).

وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان : الأمير سيف المملكة تميم وكان واليها، والقاضي المؤتمن بن مسكين مشارفها، وحصل في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكور.

ويذكر أن هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف، وله ريح كريح المسك، فقدمه الاستاذ مكنون في عشاري([518]) من عشاريات الخدمة، وأنزل به إلى الكافوري، ثمّ حمل في السرداب إلى قصر الزمّرد، ثمّ دفن عند قبة الديلم بباب دهليز الخدمة .

فكان كل من يدخل الخدمة يقبل الأرض أمام القبر، وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم، ويكثرون النوح والبكاء، ويسبون من قتل الحسين (عليه السلام)، ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم.

وقال ابن عبد الظاهر : مشهد الإمام الحسين صلوات اللّه عليه، قد ذكرنا أن طلائع بن رزيك المنعوت بالصالح، كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج، وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به، ويفوز بهذا الفخار، فغلبه أهل القصر على ذلك، وقالوا : لا يكون ذلك إلاّ عندنا، فعمدوا إلى هذا المكان، وبنوه له، ونقلوا الرخام إليه، وذلك في خلافة الفائز على يد طلائع في سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وسمعت من يحكي حكاية يستدل بها على بعض شرف هذا الرأس الكريم المبارك، وهي أن السلطان الملك الناصر الايوبي، لما أخذ هذا القصر وُشي إليه بخادم له قدر في الدولة المصرية، وكان زمام القصر، وقيل له :

إنه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن، فأخذ وسئل، فلم يجب بشيء، وتجاهل، فأمر صلاح الدين الايوبي نوّابه بتعذيبه، فأخذه متولي العقوبة، وجعل على رأسه خنافس وشدّ عليها قرمزية، وقيل :

إن هذه أشدّ العقوبات، وإن الإنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلاّ تنقب دماغه وتقتله ففعل ذلك به مراراً، وهو لا يتأوّه، وتوجد الخنافس ميتة، فعجب من ذلك، وأحضره، وقال له :

هذا سرّ فيك، ولابدّ أن تعرّفني به؟

فقال : واللّه ما سبب هذا إلاّ أني لما وصل رأس الإمام الحسين (عليه السلام) حملته  .

قال : وأي سرّ أعظم من هذا وراجع في شأنه فعفا عنه([519]).

رأس الحسين (عليه السلام) في القاهرة

اهتم المصريون برأس الإمام الحسين (عليه السلام) اهتماماً بالغاً لمنزلته الدينية المتمثلة في الآيات القرآنية والاحاديث النبوية في فضله .

ومشهد رأس الحسين (عليه السلام) الذي بناه طلايع احترق سنة 740 فأعيد بناؤه مرارا وأخيرا أقيم في جواره جامع حتى إذا كانت أيام الأمير عبد الرحمن كخيا أحد أمراء المماليك أعيد بناء المشهد الحسيني في أواخر القرن الماضي للميلاد .

وبعد ذلك أعيد بناؤه برمته في أيام الخديوي السابق، ولم يبق من البناء القديم إلا القبة المغطية لمقام الإمام فأصبح على ما نشاهده الآن وهو الجامع المعروف بجامع سيدنا الحسين(عليه السلام)([520]) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قبول الخلافة
تأملات وعبر من حياة يوسف (ع) - ج 2
أقوال علماء السنة في المذهب الشيعي
الثورة الحسينية اسبابها ومخططاتها القسم الاول
الكمالات المحمدية تصنيف مبتكر في الإعجاز الخلقي
صور التقية في كتب العامة
غزوة بدر تكسر شوكة الكفر والشرك
ما المقصود بليلة الهرير؟
يوم عاشوراء في اللغة والتاريخ والحديث
الشيعة في ألبانيا

 
user comment