عربي
Saturday 18th of May 2024
0
نفر 0

الشیعة وآیة التطهیر

الشیعة وآیة التطهیر

قال الله تعالی فی کتابه الکریم (إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا) ( 1)
قال ابن منظور: الرجس: القذر، وکل قذر رجس، وفی الحدیث: أعوذ بک من الرجس النجس. وقد یعبر به عن الحرام والفعل القبیح والعذاب واللعن والکفر. قال الزجّاج: الرجس فی اللغة کل ما استقذر من عمل... فبالغ اللّه فی ذم أشیاء وسمّـاها رجساً، وقال ابن الکلبی: رجس من عمل الشیطان أی مأثم.(2)
وقد استعملت هذه اللفظة فی الذکر الحکیم ثمانیة مرات: ووصف به الخمر والمیسر والاَنصاب والاَزلام والکافر غیر الموَمن باللّه والمیتة والدم المسفوح ولحم الخنزیر والاَوثان وقول الزور... إلى غیر ذلک من الموارد التی وصفت به فی الذکر الحکیم.
ونکتفی بنقل بعض الآیات قال سبحانه: (إِنَّمَا الخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالاَنْصَابُ وَالاَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ) . (3)
وقال سبحانه: (إِلاَّ أَن یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) . (4)
وقال سبحانه: (کَذَلِکَ یَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِینَ لا یُوَمِنُونَ) (5) ، إلى غیر ذلک من الآیات.
والمتفحص فی کلمات أئمّة أهل اللغة، والآیات الواردة فیها تلک اللفظة،
یصل إلى أنّها موضوعة بمعنى القذارة التی تستنفر منها النفوس، سواءً أکانت مادیة، کما وردت فی الآیات، أم معنویة کما هو الحال فی الکافر وعابد الوثن ووثنه.
فلو وصف به العمل القبیح عرفاً أو شرعاً، فلاَجل انّ العمل القبیح یوصف بالقذارة التی تستنفرها الطباع السلیمة، وعلى هذا فالمراد من الرجس فی الآیة هی الاَعمال القبیحة عرفاً أو شرعاً، ویدل علیه قوله سبحانه بعد تلک اللفظة: (ویطَّهرکُم تَطْهیراً) ، فلیس المراد من هذا التطهیر إلاّ تطهیرهم من الرجس المعنوی الذی لا تقبله النفوس السلیمة.
وقد ورد نظیر قوله: (ویطهرکم تطهیراً) فی حق السیدة مریم «علیها السلام» ، قال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاکِ وَطَهَّرَکِ وَاصْطَفَاکِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِین) .(6)
نعم: انّ لتطهیر النفوس وطهارتها مراتب ودرجات، ولا تکون جمیعها مستلزمة للعصمة، وانّما الملازم لها هو الدرجة العلیا، قال سبحانه: (فِیهِ رِجَالٌ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا وَاللّهُ یُحِبُّ الْمُطَّهِرِینَ) .(7)
قال العلاّمة الطباطبائی: الرجس ـ بالکسر والسکون ـ صفة من الرجاسة وهی القذارة، والقذارة هیئة فی النفس توجب التجنّب والتنفّر منها، وهی تکون تارة بحسب ظاهر الشیء کرجاسة الخنزیر، قال تعالى: (أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) وبحسب باطنه، أُخرى، وهی الرجاسة والقذارة المعنویة کالشرک والکفر وأثر العمل السیّء، قال تعالى: (وأمّا الّذِینَ فِی قُلوِبِهمَ مٌرضَ فزَاْدُتْهمِ رجساً إلى رِجْسِهِمْ ومَاتُوا وَهُمْ کافِرون) (8) ، وقال: (وَمَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقاً حَرَجاً کَأَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی السَّمَاءِ کَذَلِکَ یَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِینَ لا یُوَمِنُونَ) .(9)
وأیّاً ما کان فهو إدراک نفسانی وأثر شعوری یحدث من تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السیّء وإذهاب الرجس عبارة عن إزالة کل هیئة خبیثة فی النفس تضاد حق الاعتقاد والعمل، وعند ذلک یکون إذهاب الرجس معادلاً للعصمة الاِلهیة التی هی صورة علمیة نفسانیة، تحفظ الاِنسان من رجس باطنی الاعتقاد وسیّء العمل.(10)
إذا کان المراد من الرجس فی الآیة الکریمة هو الاَفعال القبیحة عرفاً أو شرعاً والمعاصی صغیرها وکبیرها، فیجب أن یقال: إنّ المنفی فی الآیة هو عموم الرجس، وذلک لاَنّ المنفی هو جنس الرجس لا نوعه ولا صنفه، ونفی الجنس یلازم نفی الطبیعة بعامة مراتبها، ولاَجل ذلک لم یکتف سبحانه بقوله: (لیذهب عنکم الرجس) بل أکّده بقوله: (ویطهّرکم تطهیراً) ، فلو کان المراد نفی قسم خاص من الرجس ـ أعنی: الشرک، أو الاَوسع منه کالمعاصی الکبیرة ـ لما کان لهذه العنایة وجه.
والحاصل: انّ المفهوم من قول القائل لا خیر فی الحیاة، أو لا رجل فی الدار، هو المفهوم من قوله: لیذهب عنکم الرجس، والتفکیک بین المقامین غیر مقبول. هذا هو الاَمر الاَوّل وإلیک الکلام فی الاَمر الثانی:
هل الاِرادة فی الآیة تکوینیة أم تشریعیة؟
إنّ انقسام إرادته سبحانه إلى تکوینیة وتشریعیة من الانقسامات الواضحة التی لا تحتاج إلى بسط فی القول، ومجمل القول فیها هو انّه إذا تعلّقت إرادته سبحانه على إیجاد شیء وتکوینه فی صحیفة الوجود، فهی الاِرادة التکوینیة ولا تتخلّف تلک الاِرادة عن مراده، وربّما یعبّـر عنها بالاَمر التکوینی قال سبحانه: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُون) .(11)
ففی هذا المجال یکون متعلّق الاِرادة تکوّن الشیء وتحقّقه وتجسّده، واللّه سبحانه لاَجل سعة قدرته ونفوذ إرادته لا تنفک إرادته عن مراده ولا أمره التکوینی عن متعلّقه.
وأمّا إذا تعلّقت إرادته سبحانه بتشریع الاَحکام وتقنینها فی المجتمع حتى یقوم المکلّف مختاراً بواجبه، فهی إرادة تشریعیة، ففی هذا المجال یکون متعلّق الاِرادة تحقیقاً هو التشریع والتقنین، وأمّا قیام المکلّف فهو من غایات التکلیف، ولاَجل ذلک ربّما تترتب علیه الغایة، وربّما تنفک عنه، ولا یوجب الانفکاک خللاً فی إرادته سبحانه، لاَنّه ما أراد إلاّ التشریع وقد تحقق، کما انّه ما أراد قیام المکلّف بواجبه إلاّ مختاراً، فقیامه بواجبه أو عدم قیامه من شعب اختیاره، هذا هو إجمال القول فی الاِرادتین، وللتفصیل محل آخر.
والقرائن التی ستمر علیک تدل على أنّ الاِرادة فی الآیة تکوینیة لا تشریعیة بمعنى انّ إرادته التکوینیة التی تعلّقت بتکوین الاَشیاء وإبداعها فی عالم الوجود، تعلّقت أیضاً بإذهاب الرجس عن أهل البیت، وتطهیرهم من کل رجس وقذر، ومن کل عمل یستنفر منه، وإلیک تلک القرائن:
1. انّ الظاهر من الآیة هو تعلّق إرادة خاصة بإذهاب الرجس عن أهل البیت، والخصوصیة إنّما تتحقّق لو کانت الاِرادة تکوینیة، إذ لو کانت تشریعیة لما اختصت بطائفة دون طائفة، لاَنّ الهدف الاَسمى من بعث الاَنبیاء هو إبلاغ تشریعاته ودساتیره إلى الناس عامة لا لا ناس معیّنین، ولاَجل ذلک ترى أنّه سبحانه عندما شرّع للمسلمین الوضوء والغسل بقوله: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إِلَى الْکَعْبَیْنِ وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا...) علّله بقوله: (وَلَکِنْ یُریدُ لِیُطَهِّرَکُمْ وَلِیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ) (12) خاطب سبحانه الموَمنین عامة بالوضوء والغسل وعلّل تشریعه العام بتطهیرهم وإتمام نعمته علیهم وهذا بخلاف الآیة التی نحن بصددها، فإنّـها خصّصت إرادة تطهیره بجمع خاص تجمعهم کلمة «أهل البیت» وخصّهم بالخطاب وقال: «عنکم أهل البیت» أی لا غیرکم.
وبالجملة فتخصیص تعلّق الاِرادة بجمع خاص على الوجه الوارد فی الآیة، یمنع من تفسیر الاِرادة بالاِرادة التشریعیة التی عمّت الامّة جمیعاً.
نعم لا یتوهم من ذلک انّ أهل البیت خارجون عن إطار التشریع، بل التشریع فی کل المجالات یعمّهم کما یعم غیرهم، ولکن هنا إرادة تکوینیة مختصة بهم.
2. انّ العنایة البارزة فی الآیة المبارکة أقوى شاهد على أنّ المقصود بالاِرادة، الاِرادة التکوینیة لا التشریعیة، لوضوح أنّ تعلّق الاِرادة التشریعیة بأهل البیت لا یحتاج إلى العنایة فی الآیة، وإلیک بیان تلک العنایة:
أ. ابتدأ سبحانه کلامه بلفظ الحصر، ولا معنى له إذا کانت الاِرادة تشریعیة، لاَنّها غیر محصورة بأُناس مخصوصین.
ب. عیّـن تعالى متعلّق إرادته بصورة الاختصاص، فقال: (أهل البیت) أی أخصّکم أهل البیت.
ج. قد بیّـن متعلّق إرادته بالتأکید، وقال بعد قوله: (لیذهب عنکم الرجس ... ویطهرکم) .
د. قد أکّده أیضاً بالاِتیان بمصدره بعد الفعل، وقال: (ویطهّرکم تطهیراً) لیکون أوفى فی التأکید.
هـ. انّه سبحانه أتى بالمصدر نکرة، لیدل على الاِکبار والاِعجاب، أی تطهیراً عظیماً معجباً.
و. انّ الآیة فی مقام المدح والثناء، فلو کانت الاِرادة إرادة تشریعیة لما ناسب الثناء والمدح.
وعلى الجملة: العنایة البارزة فی الآیة تدل بوضوح على أنّ الاِرادة هناک غیر الاِرادة العامة المتعلّقة لکل إنسان حاضر أو باد، ولاَجل ذلک فإنّ المحقّقین من المفسرین یفسرون الاِرادة فی المقام بالاِرادة التکوینیة ویجیبون عن کل سوَال یطرح عنها.
قال الشیخ الطبرسی: إنّ لفظة (إنّما) محقّقة لما أُثبت بعدها، نافیة لما لم یثبت، فإنّ قول القائل: إنّما لک عندی درهم، وإنّما فی الدار زید، یقتضی انّه لیس عنده سوى الدرهم ولیس فی الدار سوى زید، وعلى هذا فلا تخلو الاِرادة فی الآیة أن تکون هی الاِرادة المحضة التشریعیة، أو الاِرادة التی یتبعها التطهیر وإذهاب الرجس؛ ولا یجوز الوجه الاَوّل، لاَنّ اللّه تعالى قد أراد من کل مکلّف هذه الاِرادة المطلقة، فلا اختصاص لها بأهل البیت دون سائر الخلق، ولاَنّ هذا القول یقتضی المدح والتعظیم لهم بغیر شک وشبهة ولا مدح فی الاِرادة المجرّدة، فثبت الوجه الثانی، وفی ثبوته ثبوت عصمة المعنیین بالآیة من جمیع القبائح.(13)
استدلت الشیعة عن بکرة أبیها بآیة التطهیر على عصمة العترة الطاهرة، وأفاض المفسرون منهم القول حول الآیة وأتوا ببیانات شافیة فی وجه دلالتها على عصمتهم.
المصادر :
1- الاحزاب 33
2- . لسان العرب: 6|94 ـ 95، مادة «رجس».
3- . المائدة: 90
4- . الاَنعام: 145.
5- . الاَنعام: 125
6- 6. آل عمران: 42.
7- التوبة: 108.
8- 8. التوبة: 125.
9- 1. الاَنعام: 125.
10- 2. المیزان: 16|330.
11- . یس: 82.
12- . المائدة: 6.
13- . مجمع البیان: 4|357 تفسیر سورة الاَحزاب؛ وقریب منه ما أفاده الشیخ الطوسی فی تبیانه: 8|340.


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

نظرية عدالة الصحابة ق (1)
معني الايمان لغويا
ما هو تفسیر الآیتین 199 و 200 من سورة الاعراف مع أن ...
الإرادة إعمال القدرة
مفهوم البَدَاء في عالم الخلق والتكوين
في صفات الواجب الوجود تعالى معنى اتصافه بها
- نفي العبث و ما يوجب النقص من الاستهزاء و ...
الرجعة بین القبول والرفض
الصديق و الفاروق لقبان لعلي.. سرقوهما !!
البدعة 5

 
user comment