عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

مکانة الرسول الأکرم عند الله

مکانة الرسول الأکرم عند الله

إنّ للنبی الأکرم مکانة مرموقة عند ربّه لیس لأحد مثلها، فهو أفضل الخلیقة، وقد بلغت عنایة القرآن الکریم ببیان نواح من مناقبه إلى حد لا ترى مثل ذلک إلاّ فی حق القلیل من أنبیائه، وربما یطول بنا الکلام إذا قمنا بعرض جمیع الآیات الواردة فی حقّه، وإنّما نشیر إلى بعضها.
فقد أشار الذکر الحکیم إلى مکانته المرموقة ولزوم توقیره وتکریمه وأنّه لا یصلح دعاؤه کدعاء البعض للبعض بقوله سبحانه: { یا أیّها الذین آمنوا لا ترفعوا أصواتکم فوق صوت النبیِّ ولا تجهروا له بالقول کجهر بعضکم لبعض أن تحبط أعمالکم وأنتم لا تشعرون } (1) وقال سبحانه أیضاً: { لا تجعلوا دعاء الرسول بینکم کدعاء بعضکم بعضاً } (2).
وإلى کماله الرفیع وإمامته وکونه قدوة وأُسوة للمؤمنین یتأسّون به فی قِیَمه ومُثُله العلیا، بقوله سبحانه: { لقد کان لکم فی رسول الله أُسوة حسنة لمن کان یرجوا الله والیوم الآخر وذکر الله کثیراً } (3).
وإلى عظمته وکرامته عند الله بحیث یصلّی علیه سبحانه وملائکته فأمر المؤمنین أن یصلّوا علیه بقوله: { إنّ الله وملائکته یصلّون على النبیّ یا أیّها الذین آمنوا صلّوا علیه وسلّموا تسلیماً } (4).
وإلى صفاء نفسه وقوة روحه وجمال خلقه بقوله: { إنّک لعلى خُلق عظیم } (5).
وإلى عکوفه على عبادة ربّه وتهجّده فی اللیل وسهره فی طریق طاعة الله بقوله: { إنّ ربّک یعلم أنّک تقوم أدنى من ثلثی اللیل ونصفه وثلثه وطائفة من الذین معک } (6).
وإلى غزارة علمه بقوله: { وعلّمک ما لم تکن تعلم وکان فضل الله علیک عظیماً } (7).
وإلى أنّه (صلى الله علیه وآله وسلم) أحد الأمانین فی الأرض بقوله: { وما کان الله لیعذّبهم وأنت فیهم وما کان الله معذّبهم وهم یستغفرون } (8).
قد بلغت کرامة الرسول ـ عند الله ـ إلى حدّ یتلو اسمه، اسم الله وینسب إلیهما فعل واحد ویقول: { وسیرى الله عملکم ورسوله ثم تردّون إلى عالم الغیب والشّهادة } (9).
وقال سبحانه: { من یطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظیماً } (10).
وقال الله سبحانه: { وما نقموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله من فضله } (11).
إلى غیر ذلک من الآیات التی اقترن فیها اسم نبیه إلى اسمه سبحانه ونسب إلیهما فعل واحد وشهدت بکرامته عند الله وقربه منه، فإذا کانت هذه منزلته عند الله، فلا یرد دعاؤه، وتستجاب دعوته، فیکون دعاء مثل تلک النفس غیر مردود، والمتمسک بدعائه متمسکاً برکن وثیق وعماد رصین، ولأجل تلک الخصوصیة نرى أنّه سبحانه یأمر المذنبین من المسلمین إلى التمسّک بذیل دعائه، ویأمرهم بأن یحضروا الرسول الأعظم ویستغفروا الله فی مجلسه ویسألونه أن یستغفر لهم أیضاً، فکان استغفاره لهم سبباً لنزول رحمته وقبوله توبتهم، قال سبحانه: {وما أرسلنا من رسول إلاّ لیطاع بإذن الله ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءُوکَ فاستغفروا الله واستغفر لهم الرَّسول لوجدوا الله توّاباً رحیماً } (12).
نرى أنّه سبحانه فی آیة أُخرى یندّد بالمنافقین بأنّه، إذا قیل لهم تعالوا یستغفر لکم رسول الله، لوّوا رؤوسهم، یقول سبحانه: { وإذا قیل لهم تعالوا یستغفر لکم رسول الله لوّوا رؤوسهم ورأیتهم یصدّون وهم مستکبرون } (13).
وما هذا إلاّ لأنّ دعاء الرسول دعاء مستجاب، ودعوته مقبولة، واستغاثته مستجابة، لأنّه نابع من نفس طاهرة مؤمنة راضیة مرضیة.
إنّ من الظلم الواضح تسویة دعاء النبی بسائر المسلمین والتعبیر عن دعائه (صلى الله علیه وآله وسلم) بدعاء الأخ المؤمن! وجعل الجمیع تحت عنوان واحد، فانّ لدعاء الأخ المؤمن مقاماً رفیعاً، ولکن أین هو من دعاء الرسول؟!
إنّ التوسّل بدعاء الإنسان الأمثل کان رائجاً فی الرسالات السابقة، نرى أنّ أبناء یعقوب بعدما کُشِفَ أمرهم وبان ظلمهم توسّلوا بدعاء أبیهم النبیّ وقالوا له: { یا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا کنّا خاطئین * قال سوف أستغفر لکم ربّی إنّه هو الغفور الرحیم } (14).
ففی هذه الآیات دلالة واضحة على أنّ رحمة الله الواسعة تارة تنزل على العبد مباشرة وبدون واسطة، وأُخرى تنزل على طریق أفضل خلائقه وأشرف رسله، بل مطلق رسله وسفرائه.
وفی ذلک دلالة على وهن ما یلوکه بعض الناس ویقولون: إنّه سبحانه أعرف بحال عبده وأقرب إلیه من حبل الورید یراه ویسمع دعاءه، فلا حاجة لتوسط سبب والتوسّل بمخلوق و...، هذه الکلمات تصدر عمّن لیس له إلمام بالقرآن الکریم ولا بالسنّة النبویة ولا بسیرة السلف الصالح إذ لیس الکلام فی علمه سبحانه، بل الکلام فی أمر آخر وهو أنّ دعاء الإنسان الظالم لنفسه ربما لا یکون صاعداً إلى الله تبارک وتعالى ومقبولا عنده، ولکنّه إذا ضمّ إلیه دعاء الرسول أصبح دعاؤه مستجاباً وصاعداً إلیه سبحانه.
وللشیخ محمد الفقّی ـ من علماء الأزهر الشریف ـ کلام فی المقام نأتی بملخّصه.
لقد شرّف الله تعالى نبیّه (صلى الله علیه وآله وسلم) بأسمى آیات التشریف، وکرّمه بأکمل وأعلى آیات التکریم، فأسبغ علیه نِعَمه ظاهرة وباطنة، وتوّجه بأعظم أنواع التیجان قدراً وذکراً، وأرفع الأکالیل شأناً وخطراً. فذکر منزلته منه جلّ شأنه حیاً ومیتاً فی قوله تعالى: { إنّ الله وملائکته یصلّون على النبیّ یا أیّها الّذین آمنوا صلّوا علیه وسلّموا تسلیماً } فأیّ تشریف أرفع وأعظم من صلاته سبحانه وتعالى هو وملائکته علیه (صلى الله علیه وآله وسلم)؟ وأیّ
تکریم أسمى بعد ذلک من دعوة عباده وأمره لهم بالصلاة والسلام علیه (صلى الله علیه وآله وسلم)؟
ولم یقف تقدیر الله تعالى له عند هذا التقدیر الرائع، بل هناک ما یدعو إلى الإعجاب ویلفت الأنظار إلى تعظیم على جانب من الأهمیة، ألم تر فی قوله تعالى: { لعمرک إنّهم لفی سکرتهم یعمهون } ما یأخذ بالألباب ویدهش العقول، فقد أقسم سبحانه وتعالى بنبیّه فی هذه الآیة: { وإنّه لقسم لو تعلمون عظیم } قال ابن عباس (رضی الله عنه): ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفساً أکرم على الله من محمد (صلى الله علیه وآله وسلم):
وما سمعتُ أنّه تعالى أقسم بحیاة أحد غیره، والقرآن الکریم تفیض آیاته بسموّ مقامه، وتوحی بعلوّ قدره، وجمیل ذکره، فقد جعل طاعته (صلى الله علیه وآله وسلم) طاعة له تعالى وقوله عزّ من قائل: { من یطع الرَّسول فقد أطاع الله } وعلّق حبّه تعالى لعباده على اتّباعه (صلى الله علیه وآله وسلم) فیما بعث به وأرسل للعالمین، إذ یقول سبحانه: { قُلْ إِن کُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللَّهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِیمٌ }(15).
وممّا یدل على مبلغ تقدیره، ومدى محبة الله تعالى، وتشریفه لرسوله (صلى الله علیه وآله وسلم) قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِیثَاقَ النَّبِیِّینَ لَمَا آتَیْتُکُم مِّن کِتَابٍ وَحِکْمَةٍ ثُمَّ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِکُمْ إِصْرِی قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَکُم مِّنَ الشَّاهِدِینَ } (16)، قال علیّ (رضی الله عنه): " لم یبعث الله نبیاً من آدم فمن بعده إلاّ أخذ علیه العهد فی محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) لئن بعث وهو حیّ لیؤمننّ به ولینصرنّه ویأخذ العهد ".
ففی ملازمة جبریل له (صلى الله علیه وآله وسلم) من مکّة إلى بیت المقدس أکبر مظهر من مظاهر الشرف والفخار، وأسمى آیة من آیات التقدیر للرسول الأعظم فی حیاة الأُمم وتأریخها. فهذه الآیات التی قصصتها وجئتکم بها وإن کانت کلّها بصائر وهدى ورحمة لقوم یؤمنون لا أرى مانعاً من ذکر ما عداها، ففیها تنبیه الغافلین إلى مزید من النظر فیما عساه أن یقنعهم ویهدیهم إلى الإیمان بما جاءت به الآیات البیّنات، وما یوحی به الدین وتعالیمه القویمة، فمن روائع ما یتمتع به من العظمة الصلاة علیه (صلى الله علیه وآله وسلم) عند بدء الدعاء وختمه، فانّ فی ذلک القبول والاستجابة، فقد صحّ عن عمر وعلیّ ـ رضی الله عنهما ـ أنّهما قالا لرجل دعا ولم یصلِّ على النبی (صلى الله علیه وآله وسلم): إنّ الدعاء موقوف بین السماء والأرض لا یرفع ولا تفتح له الأبواب حتى یصلّی الداعی على النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، ومثل هذا لا یقال من قبیل الرأی فهو فی حکم المرفوع، بل قد ثبت هذا مرفوعاً إلى رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم).
وأخیراً قد دلّ قوله تعالى: { ورفعنا لک ذکرک } على علوّ مکانته وجلیل قدره وعظم شأنه، إذ المعنى فی ذلک انّنا قرنّا اسمک باسمنا، وجعلنا الإیمان لا یتحقّق إلاّ بالنطق بالشهادتین، وغیر ذلک من براهین الشریعة وأدلّتها التی لا تحصى ولا یمکن أن تستقصى.
وإلیک ما قاله حسان بن ثابت صاحب الرسول وشاعره:
اغرَّ علیه للنبوّة خاتم من الله من نور یلوح ویشهد
وضمّ الإله اسم النبیّ إلى اسمه إذا قال فی الخمس المؤذن أشهد
وشقَّ له من اسمه لِیُجلَّه فذوالعرش محمود وهذا محمد(17)
إنّ السبب الواقعی لاستجابة دعائه إنّما هو روحه الطاهرة ونفسه الکریمة وقربها من الله سبحانه، وهی التی تضفی للدعاء أثر التأثیر وتجعله صاعداً ومدعماً لدعاء الغیر.
نعم هناک کلام فی اختصاص ذلک الأمر بحیاة النبی الجسمانیة، أو یعمّ حیاته البرزخیة التی فیها یُرزق ویفرح ویستبشر، فهناک من یخص الآیة بحیاته الجسمانیة بحجة وروده فیها.
المصادر :
1- الحجرات/2
2- النور/63
3- الأحزاب/21
4- الأحزاب/56
5- الشعراء/137
6- المزمل/20
7- النساء/113
8- الأنفال/33
9- التوبة/94
10- الأحزاب/71
11- التوبة/74
12- التوبة/74
13- التوبة/74
14- یوسف/97 ـ 98
15- آل عمران /31
16- آل عمران /81
17- محمد الفقّی: التوسّل والزیارة ص 156 ـ 160،


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أدب الامام الجواد عليه السلام
مناظرات الامام الصادق علیه السلام
أهل البيت: من حرمت عليهم الصدقة:
المعرفة النورانية لها عليها السلام
المنهج الاصلاحي عند الإمام الصادق(ع)
معالم المدينة الفاضلة في عصر الظهور
ذكرى استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) هل هي ...
ما هي العصمة
دموع الحسين ودموعنا....
دعاء النور لدفع الحمى

 
user comment