المقدمة الموضوعية
لانعتقد بأن الصدف قد جمعت بين الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه ، فأصحاب الإمام عليه السلام هم صفوة المجتمع ، الذين كانت لديهم ضمائر حيّة غير ملوثة بالأطماع وحب الدنيا ، وهؤلاء أصحاب مبادئ وقيم ، يعرفونها تماماً ، ويعلمون من هو إمامهم ، وأن الواجب يحتم عليهم الوقوف بصلابة وصمود لنصرته عليه السلام ..
لذا فإن هؤلاء يشكلون النخبة ، والأعلام المضيئة في عالم الجهاد والشهادة ، وهم مصابيح مضيئة في عالم الجهاد ومسيرة الأحرار ، وهؤلاء خطّوا لنا الطريق عبر الأجيال المتعاقبة ، فانتقلت خطاهم الى مسامعنا ، ولم تزل دمائهم الطاهرة رطبة لم تجف بعد ، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
ويتضمن مقالنا الكلام حول هويته الشخصية وأهمية مكانته لدى كل من أمير المؤمنين ، والإمام الحسين والإمام المهدي عليهم أفضل الصلاة والسلام ، وكانت له مكانته الخاصة في صحبة أمير المؤمنين والإمام الحسين عليهما السلام ، ويعتبر مؤذناً للإمام الحسين عليه السلام ، وقد قدمه الإمام الحسين عليه السلام كرسول من قبله لإنجاز بعض المهمات الحركية في التعبئة لمواجهة الأعداء ، وكان الحجاج بن مسروق يحضر حوارات الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، عندما كان يتكلم ويتواصل مع الجماهير ، والقواعد الشعبية ويحثها على الجهاد في سبيل الله.
المقدمة التعريفية
الحجاج بن مسروق بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي: ورد ذكره في الطبري ، وفي الزيارة وبحار الأنوار ، وذكره الخوارزمي ، وذكر في الرجبية ، وذكره ابن شهرآشوب وصحفه الشيخ (الحجاج بن مرزوق) ، وبهذا العنوان ذكره سيدنا الأستاذ الفقيه الكبير السيد الخوئي قدس سره (معجم الرجال: 4/239) ، وذكر سيدنا الأستاذ الحجاج بن مسروق الجعفي ، تحت عنوان مستقل (ج4/ص239 - ص240) والظاهر اتحادهما.
المقدمة التأريخية
الحجاج بن مسروق من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام .
قال العسقلاني في الإصابة: هو الحجاج بن مسروق بن عوف بن عمير بن كلب بن ذهل بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي ، وكان الحجاج من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ولما خرج الحسين عليه السلام إلى مكة خرج من الكوفة لملاقاته فصحبه وكان مؤذناً له في أوقات الصلاة ، ولما كان يوم العاشر ، وقد اشتد القتال تقدم الحجاج بن مسروق كما نقل ابن شهر اشوب إلى الحسين عليه السلام ، واستأذن في القتال ، ثم دعا إليه وهو مخضب بدمائه ، فقاتل حتى قَتلَ من القوم خمساً وعشرين رجلاً سوى من جرح ، ثم قتل رضوان الله عليه ، وورد في زيارة الناحية في إقبال الأعمال (ج3. ص79): ((السلام على الحجاج بن مسروق الجعفي)) .
الحجاج بن مسروق مؤذناً للإمام الحسين عليه السلام
خرج من الكوفة إلى مكة فلحق بالحسين في مكة ، وصحبه منها إلى العراق ، أمره الحسين بالأذان لصلاة الظهر عند اللقاء مع الحر بن يزيد ، وصفت في بعض المصادر بأنه (مؤذن الحسين) - العسقلاني في الإصابة - ، كوفي ، الجعفي: نسبة إلى جعفي بن سعد العشيرة ، من مذحج ، من القحطانية ، (يمن ، عرب الجنوب).
وقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية
وجاء في أعيان الشيعة للعلامة الكبير السيد محسن الامين قدس سره الشريف (ج 4 ص 568) : الحجاج بن مسروق الجعفي ، عد من المستشهدين بين يدي الحسين عليه السلام ، وقد وقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية.
الحجاج بن مسروق الجعفي رسول الإمام الحسين عليه السلام الى عبيد الله بن الحر الجعفي
ورد في إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام لمؤلفه الشيخ محمد بن طاهر السماوي: كان الحجاج من الشيعة ، صحب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الكوفة ، ولما خرج الإمام الحسين (عليه السلام) إلى مكة ، خرج من الكوفة إلى مكة لملاقاته فصحبه ، وكان مؤذنا له في أوقات الصلوات .
قال صاحب خزانة الأدب الكبرى: لما ورد الحسين ( عليه السلام ) قصر بني مقاتل ، رأى فسطاطاً مضروبا، فقال: لمن هذا ؟ فقيل: لعبيد الله بن الحر الجعفي ، فأرسل إليه الحجاج بن مسروق الجعفي ، ويزيد بن مغفل الجعفي فأتياه وقالا : إن أبا عبد الله يدعوك ، فقال لهما: أبلغا الحسين ( عليه السلام ) أنه إنما دعاني من الخروج إلى الكوفة حين بلغني أنك تريدها فرار من دمك ودماء أهل بيتك ، ولئلا أعين عليك ، وقلت إنْ قاتلته كان علي كبيراً وعند الله عظيماً ، وإن قاتلت معه ولم أقتل بين يديه كنت قد ضيعته ، وإن قتلت فأنا رجل أحمى أنفا من أن أمكن عدوي فيقتلني ضيعة ، والحسين ليس له ناصر بالكوفة ، ولا شيعة يقاتل بهم.
عودة الحجاج الى الإمام الحسين عليه السلام بعد تبليغ رسالته الى عبيد الله بن الحر
فأبلغ الحجاج وصاحبه قول عبيد الله إلى الحسين (عليه السلام) فعظم عليه ، ودعا بنعليه ، ثم أقبل يمشي حتى دخل على عبيد الله بن الحر فسطاطه ، فأوسع له عن صدر مجلسه واستقبله إجلالا ، وجاء به حتى أجلسه ، كتاب خزانة الأدب الكبرى لمؤلفه عبد القادر عمر البغدادي.
الحوار الذي جرى بين الإمام الحسين عليه السلام وعبيد الله بن الحر بحضور الحجاج بن مسروق
وورد أيضا في خزانة الأدب: قال يزيد بن مرة : فحدثني عبيد الله بن الحر ، قال: دخل على الحسين ( عليه السلام ) ولحيته كأنها جناح غراب ، فما رأيت أحداً قط أحسن ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قط رقتي عليه ، حين رأيته يمشي وصبيانه حوله ، فقال الحسين ( عليه السلام ): ما يمنعك يا بن الحر أن تخرج معي! ؟ ، فقال ابن الحر: لو كنت كائنا مع أحد القريقين لكنت معك ، ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك ، فأنا أحب أن يعفيني من الخروج معك ، ولكن هذه خيل لي معدة وأدلاء من أصحابي ، وهذه فرسي المحلقة ، فوالله ما طلبت عليها شيئا قط إلا أدركته ، ولا طلبني أحد إلا فته ، فاركبها حتى تلحق بمأمنك ، وأنا لك ضمين بالعيالات حتى أديهم إليك ، أو أموت وأصحابي عن آخرهم دونهم ، وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لم يضمني فيه أحد ، قال الإمام الحسين ( عليه السلام ): (( أفهذه نصيحة لنا منك يا بن الحر )) ؟ قال : نعم ، والله الذي لا شئ فوقه ، فقال له الحسين ( عليه السلام ): (( إني سأنصح لك كما نصحت لي ، إن استطعت أن لا تسمع صراخنا ، ولا تشهد واعيتنا فافعل ، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا أكبه الله في نار جهنم )) . ثم خرج الحسين ( عليه السلام ) من عنده ، وعليه جبة خز وكساء وقلنسوة موردة ، ومعه صاحباه الحجاج ويزيد وحوله صبيانه ، فقمت مشيعا له وأعدت النظر إلى لحيته ، فقلت: أسود ما أرى أم خضاب ؟ فقال ( عليه السلام ): (( يا بن الحر عجل علي الشيب )) ، فعرفت أنه خضاب وودعته ، وقال ابن شهرآشوب وغيره: لما كان اليوم العاشر من المحرم ، ووقع القتال تقدم الحجاج بن مسروق الجعفي إلى الحسين ( عليه السلام ) واستأذنه في القتال ، فأذن له ثم عاد إليه وهو مخضب بدمائه ، فأنشده:
فدتك نفسي هاديا مهديا * اليوم ألقى جدك النبيا
ثم أباك ذا الندى عليا * ذاك الذي نعرفه الوصيا (1)
فقال له الإمام الحسين ( عليه السلام ): (( نعم ، وأنا ألقاهما على أثرك )) ، فرجع يقاتل حتى قتل رضي الله عنه.. ( كتاب خزانة الأدب الكبرى ) .
رؤية وتحليل
أولاً: كان الحجاج بن مسروق صاحباً لأمير المؤمنين عليه السلام.
ثانياً: وكان من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ، وكان له مؤذناً ورسولاً معتمداً.
ثالثاً: قاتل يوم الطف قتال الشجعان ، وأوقع خسائر كبيرة في صفوف العدو حتى استشهد رضوان الله تعالى عليه.
رابعاً: ورد ذكره في الرجبية وفي زيارة الناحية المقدسة: ((السلام على الحجاج بن مسروق الجعفي)) .
خاتمة
لقد شارك هذا البطل هموم الأئمة عليهم السلام ، وصاحبهم واشترك معهم في خطواتهم الجهادية ، وبذل مهجته من أجل نصرة الحق ، لأنه أدرك أن الوقوف الى جانب الإمام عليه السلام ، هو السبيل الى الجنة وأن خذلانهم هو المصير الى النار ، لأجل ذلك ، فإنه قاتل قتال الأبطال حتى استشهد ، وهو مطمئن بأنه قريب الى الجنة وهو على يقين منها..
فسلام على الإمام الحسين وسلام على أصحاب الحسين ، ولعن الله كل من قاتل الإمام الحسين وقاتل أصحابه..
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بهدي الإمام الحسين عليه السلام ، وأن يرزقنا شفاعته وشفاعة أصحابه.
---------------------------------
مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .
----------------------------------
(1) (ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 252)