الأحاديث الواردة حول أحداث العراق وأوضاعه في عصر الظهور كثيرة، يظهر منها أن العراق يكون ساحة صراع لاتهدأ بين قوى متعددة، وأنه تمر عليه أربعة عهود أو فترات:
الفترة الأولى: فترة تسلط الجبابرة على العراق مدة طويلة قبل ظهور المهدي عليه السلام ، وشمول أهله قتل ذريع وخوف لا يقر لهم معه قرار.
الفترة الثانية: صراع النفوذ فيه بين اتجاه أتباع اهل البيت عليهم السلام، والإتجاه المؤيد للسفياني حاكم بلاد الشام.
الفترة الثالثة: احتلال السفياني العراق وتنكيله بأهله، ثم دخول جيش الإمام المهدي عليه السلام ، وهزيمته جيش السفياني وطرده من العراق.
الفترة الرابعة: دخول الإمام المهدي عليه السلام العراق وتطهيره من مؤيدي السفياني وفئات الخوارج، واتخاذه مقراً له عليه السلام وعاصمةً لدولته.
وقد وردت روايات عن أحداث فيه خلال هذه المراحل الأربع مثل: خروج الشيصباني المعادي للإمام المهدي عليه السلام قبل السفياني، وشهادة نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وخروج عوف السلمي من الجزيرة أو تكريت، ومنع أهل العراق من الحج ثلاث سنين، وخسف البصرة وخرابها قبيل ظهور المهدي عليه السلام، وخسف في بغداد والحلة. ودخول قوات مغربية أو غربية إلى العراق. وخروج أحد الصالحين في مجموعة قليلة لمقاومة جيش السفياني. وخروج عدة فئات من الخوارج على المهدي عليه السلام من الشيعة والسنة. وآخر فئة منهم خوارج (رميلة الدسكرة) الواقعة قرب شهربان في محافظة ديالى.
وفيما يلي عرض لأهم أحاديث هذه الفترات:
وأبرز ما في أحاديثها شدة البلاء على أهل العراق من حكامه الجبابرة، واختلاف هؤلاء الحكام مع أصحاب الرايات السود الإيرانيين.
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري عليه السلام قال: ( يوشك أهل العراق أن لايجبى إليهم قفيز ولادرهم. قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك) (البحار:51/92).
والقفيز كيل للغلات، والمعنى أنه لا يكاد يصل إليهم مواد تموينية أو مساعدات مالية، بسبب الإيرانيين وحربهم معهم.
وقد تكون هذه الأزمة هي الجوع والخوف الموعود الذي وردت فيه رواية عن جابر الجعفي قال: (سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام (أي الإمام الباقر) عن قول الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشيء مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ)، فقال: يا جابر ذلك خاص وعام. فأما الخاص من الجوع فبالكوفة يخص الله به أعداء آل محمد فيهلكهم. وأما العالم فبالشام يصيبهم خوف وجوع ما أصابهم قط. أما الجوع فقبل قيام القائم. وأما الخوف فبعد قيام القائم). البحار:52/229.
ولا أجد وجهاً لأن يكون الجوع خاصاً بأعداء اهل البيت عليهم السلام إلا أن يكون أزمة اقتصادية تعاني منها حكومة الجبابرة في العراق.
وهذا الخوف المذكور في بلاد الشام بعد ظهور المهدي عليه السلام،لا ينفي وجوده قبل ظهوره، وقد نصت الرواية التالية على أنه يكون شديداً في العراق قبل الظهور، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء، وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها. وشمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار) (البحار:52/221)، وليس من الضروري أن تكون هذه العلامات متسلسلة حسب ما وردت في الرواية، بل قد يكون الخوف والخسف قبل الآيات السماوية.
والظاهر أن نار السماء وحمرتها آية ربانية وليست نار انفجارات مثلاً.
وتذكر الرواية التالية عن أمير المؤمنين عليه السلام عدة أحداث في العراق في مرحلة حكم الجبابرة قبل السفياني وظهور المهدي عليه السلام.
فعن أنس بن مالك قال: (لما رجع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من قتال أهل النهروان نزل براثا وكان بها راهب في قلايته وكان اسمه الحباب فلما سمع الراهب الصيحة والعسكر أشرف من قلايته إلى الأرض فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين فاستفظع ذلك ونزل مبادراً فقال: من هذا، ومن رئيس هذا العسكر؟ فقيل له: هذا أمير المؤمنين وقد رجع من قتال أهل النهروان. فجاء الحباب مبادراً يتخطى الناس حتى وقف على أمير المؤمنين فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين حقاً حقاً. فقال له: وما علمك بأني أمير المؤمنين حقاً حقاً؟ قال له: بذلك أخبرنا علماؤنا وأحبارنا. فقال له: يا حباب! فقال الراهب: وما علمك باسمي؟! فقال: أعلمني بذلك حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له الحباب: مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنك علي بن أبي طالب وصيه. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام وأين تأوي؟ فقال: أكون في قلاية لي هاهنا. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: بعد يومك هذا لا تسكن فيها، ولكن ابن هاهنا مسجداً وسمه باسم بانيه (فبناه رجل اسمه براثا فسمي المسجد ببراثا باسم الباني له) ثم قال: ومن أين تشرب يا حباب؟ فقال: يا أمير المؤمنين من دجلة هاهنا. قال: فلم لا تحفر عيناً أو بئراً؟ فقال له: يا أمير المؤمنين كلما حفرنا بئراً وجدناها مالحة غير عذبة. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إحفر هاهنا بئراً فحفر فخرجت عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها، فقلعها أمير المؤمنين عليه السلام فانقلعت عن عين أحلى من الشهد، وألذ من الزبد. فقال له: يا حباب يكون شربك من هذه العين. أما إنه يا حباب ستبنى إلى جنب مسجدك هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها، ويعظم البلاء، حتى أنه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام، فإذا عظم بلاؤهم شدوا على مسجدك بفطوة ثم- وابنه بنين ثم وابنه لايهدمه إلا كافر ثم بيتاً- فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثلاث سنين، واحترقت خضرهم وسلط الله عليهم رجلاً من أهل السفح لا يدخل بلداً إلا أهلكه وأهلك أهله، ثم ليعد عليهم مرة أخرى، ثم يأخذهم القحط والغلا ثلاث سنين حتى يبلغ بهم الجهد، ثم يعود عليهم، ثم يدخل البصرة فلا يدع فيها قائمة إلا سخطها وأهلكها وأسخط أهلها. وذلك إذا عمرت الخربة وبني فيها مسجد جامع، فعند ذلك هلاك البصرة، ثم يدخل مدينة بناها الحجاج يقال لها واسط، فيفعل مثل ذلك، ويتوجه نحو بغداد فيدخلها عفواً، ثم يلتجئ الناس إلى الكوفة. ولا يكون بلد من الكوفة تشوش الأمر له. ثم يحرج هو والذي أدخله بغداد نحو قبري لينبشه فيتلقاهما السفياني فيهزمهما ثم يقتلهما، ويوجه جيشاً نحو الكوفة فيستعبد بعض أهلها. ويجئ رجل من أهل الكوفة فيلجؤهم إلى سور فمن لجأ إليها أمن. ويدخل جيش السفياني إلى الكوفة فلا يدعون أحداً إلا قتلوه، وإن الرجل منهم ليمر بالدرة المطروحة العظيمة فلا يتعرض لها، ويرى الصبي الصغير فيلحقه فيقتله.
فعند ذلك يا حباب يتوقع بعدها هيهات هيهات وأمور عظام، وفتن كقطع الليل المظلم. فاحفظ عني ما أقول لك يا حباب). (البحار:52/217).
والتشويش في نص الرواية ظاهر، وقد قال المجلسي(ره) بعد نقلها: (إعلم أن النسخة كانت سقيمة فأوردت الخبر كما وجدته).
وأمر سندها ومتنها قابل للمناقشة، ولكن مهما يكن أمر صحتها فهي تتضمن أموراً عما يعانيه أهل العراق من حكم الجبابرة وبطشهم وردت في روايات أخرى بعضها صحيح، وقد يكون الأحداث المذكورة فيها من هدم مسجد براثا، وتفاقم الفساد في بغداد، وتسلط قادة عسكريين عليها من جبال كردستان أو إيران وغيرها.. قد مرت وحدثت في القرون السابقة، ولكن الأحداث المتعلقة بالسفياني لم تحدث.
قال الشيخ المفيد قدس سره: (قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام، وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد الكوفة، وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد، وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث رايات فيه. ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر، ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من بني العباس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد، وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض، كل أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون.
ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة، تتصل فتحيا بها الأرض بعد موتها، وتعرف بركاتها، ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السلام ، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته، كما جاءت بذلك الأخبار.
وجملة من هذه الأحداث محتومة، ومنها مشروطة. والله أعلم بما يكون، وإنما ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول، وتضمنها الأثر المنقول. وبالله نستعين. (الإرشاد للمفيد ص 336 والبحار:52/219-221)
وما ذكره المفيد+تعدادٌ مجملٌ لعلامات الظهور البعيدة والقريبة، ولايقصد أنها متسلسلة حسب ما عددها، فمنها علامات قريبة لايفصلها عن ظهوره عليه السلام أكثر من أسبوعين، مثل قتل النفس الزكية بين الركن والمقام. بل هو في الحقيقة جزء من حركة الظهور لأنه رسول المهدي عليه السلام .
ومنها ما يفصله عن ظهور المهدي عليه السلام قرون عديدة مثل اختلاف بني العباس فيما بينهم، وظهور المغربي في مصر وتملكه الشامات في حركة الفاطميين.
وقصده(ره) بالمحتوم والمشروط من هذه العلامات أن منها حتمي الوقوع على كل حال، كما ورد في عدة علامات النص على حتميتها، مثل السفياني واليماني وقتل النفس الزكية والنداء السماوي والخسف بجيش السفياني وغيرها. ومنها مشروط بأحداث أخرى في علم الله سبحانه ومقاديره، والله الأمر من قبل ومن بعد فيها وفي غيرها.
ويبدو أن المقصود بالحسني النفس الزكية في مكة، أو الغلام الذي يقتله جيش السفياني في المدينة قرب ظهور المهدي عليه السلام ، وإن كان يحتمل أنه سيد حسني صاحب حركة الإسلامية في العراق، فقد ورد في بعض الروايات (وتحرك الحسني).
أما (قتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين) فيحتمل بعضهم أن ينطبق على الشهيد الصدر+والذين استشهدوا معه حيث كان عددهم نحو سبعين رضوان الله عليهم. وظهر الكوفة هو النجف، وتسمى أيضاً نجف الكوفة، ونجفة الكوفة أي مرتفعها وجبلها.
وقد وردت روايات في خيل المغرب التي تنزل في فناء الحيرة، أي تستقر قرب الكوفة، وأن هذا الحدث يكون في أيام السفياني أو قربه. ولكن الملفت في نص المفيد(ره) قوله: (وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة)، فيحتمل أن تكون هذه القوات غربية تدخل العراق لمعاونة السفياني، أو تكون قبل السفياني.
والمقصود برايات المشرق: الرايات السود الخراسانية التي تدخل مع قوات اليماني لمواجهة السفياني عندما يغزو العراق.
أما بثق الفرات وفيضانه في الكوفة، فقد ورد في الأحاديث أنه يكون في سنة الظهور، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (عام- أو سنة- الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل أزفة الكوفة) ( البحار:52/217).
وشهادة الشيخ المفيد بأن هذه العلامات والأحداث ثبتت في الأصول الحديثية، تعطي رواياتها قيمة كبيرة لدقته وجلالة قدره، ولأنه أقرب إلى المصادر والتابعين والائمة عليهم السلام فقد توفي(ره) سنة 413 هجرية.