بتدأ الإمام الخميني (قدس سره) جهاده في عنفوان شبابه، وواصله طوال فترة الدراسة بأساليب مختلفة بما فيهما مقارعته للمفاسد الاجتماعية والانحرافات الفكرية والأخلاقية.
ففي عام 1943م، ومن خلال تأليفه ونشره لكتاب "كشف الأسرار"، قام سماحته بفضح جرائم فترة العشرين عاماً من حكم رضا شاه - والد الشاه الفاسد المخلوع- وتولى الرد على شبهات المنحرفين دفاعاً عن الإسلام وعلماء الدين، كما أثار في كتابه هذا فكرة الحكومة الإسلامية وضرورة النهوض لإقامتها.
وانطلق الإمام الخميني (قدس سره) في نضاله العلني ضد الشاه عام 1962م، ذلك حينما وقف بقوّة ضد لائحة "مجالس الأقاليم والمدن" والتي كان محورها محاربة الإسلام.
فالمصادقة على هذه اللائحة من قِبَل الحكومة آنذاك كانت تعني حذف الاسلام كشرط في المرشّحين والناخبين، وكذلك القبول باستبدال اليمين الدستورية بالكتاب السماوي بدلاً من "القرآن المجيد".
بيد أن سماحته هبّ لمعارضة هذه اللائحة، ودعا مراجع الحوزات العلمية وأبناء الشعب للانتفاض والثورة.
وعلى أثر برقيات التهديد التي بعث بها الإمام إلى رئيس الوزراء وقتئذٍ، وخطابات سماحته التي فضحت الحكومة وبياناته القاصمة، وتأييد المراجع لمواقفه.
انطلقت المسيرات الشعبية الحاشدة في كل من مدينة قم وطهران وسائر المدن الأخرى، مما اضطر نظام الشاه إلى إلغاء اللائحة والتراجع عن مواقفه.
ودفعت مواصلة النضال الشاهَ لارتكاب إحدى حماقاته التي تمثّلت في مهاجمة المدرسة الفيضية بمدينة قم في الحادي والعشرين من آذار عام 1963م، وما هي إلاّ فترة وجيزة حتى انتشر خطاب سماحة الإمام وبياناته حول هذه الفاجعة في مختلف أنحاء إيران.
وفي عصر العاشر من محرم الحرام عام 1383 للهجرة – الثالث من حزيران 1963م – فضح الإمام الخميني (قدس سره) عبر خطاب حماسي غاضب، العلاقات السرية القائمة بين الشاه وإسرائيل ومصالحهما المشتركة.
وفي الساعة الثالثة من بعد منتصف ليل اليوم التالي حاصرت القوات الحكومية الخاصة بيت الإمام (قدس سره)، وتم اعتقاله وإرساله مكبلاً إلى طهران.
انتشر خبر الاعتقال بسرعة خاطفة في مختلف أنحاء إيران. وبمجرد أن سمعت الجماهير نبأ اعتقال الإمام (قدس سره)، نزلت إلى الشوارع من الساعات الأولى لفجر الخامس من حزيران 1963، وراحت تعبّر عن استنكارها لعمل الحكومة في تظاهرات حاشدة، أعظمها تظاهرة في قم المقدسة التي شهدت أكبر هذه الاستنكارات والتي هاجمتها قوات النظام بالأسلحة الثقيلة، وكان نتيجتها سقوط العديد من المتظاهرين مضرّجين بدمائهم.
ومع إعلان نظام الشاه الأحكام العرفي في طهران، اشتد قمع تظاهرات أبناء الشعب في تلك الأيام، حيث قتلت وجرحت قوات الحكومة العسكرية الآلاف من أبناء الشعب الأبرياء.
وكانت مذبحة الخامس من حزيران 1963م بدرجة من القسوة الوحشية. وأخذت تتناقل أخبارها وسائل الإعلام العالمية والمحلية.
وأخيراً ونتيجة لضغط الرأي العام واعتراضات العلماء وأبناء الشعب في داخل البلاد وخارجها، اضطر النظام إلى إطلاق سراح الإمام بعد عشرة أشهر تقريباً من المحاصرة والاعتقال.
واصل الامام جهاده عبر خطاباته الفاضحة للنظام وبياناته المثيرة للوعي. وفي هذه الأثناء تأتي مصادقة الحكومة على لائحة "الحصانة القضائية" التي تنص على منح المستشارين العسكريين والسياسيين الأميركيين الحصانة القضائية، لتثير غضب قائد الثورة وسخطه. فما أن يطلع الإمام الخميني على هذه الخيانة حتى يبدأ تحركاته الواسعة ويقوم بإرسال مبعوثيه إلى مختلف أنحاء إيران، ويعلن لأبناء الشعب عن عزمه بإلقاء خطاب في العشرين من جمادى الآخرة عام 1383هـ.
ألقى سماحة الإمام خطابه الشهير في اليوم المعلن دون أن يعبأ بتهديد النظام ووعيده.
فانتقد لائحة الحصانة القضائية وحمل بشدّة على الرئيس الأميركي وقتئذ.
أما نظام الشاه فقد رأى أنّ الحل الأمثل يكمن في نفي الإمام إلى خارج إيران. ومرة أخرى حاصرت المئات من القوات الخاصة والمظليين بيت الإمام وذلك في سحر يوم الثالث من تشرين الثاني عام 1964م.
وبعد اعتقال سماحته اقتيد مباشرة إلى مطار مهر آباد بطهران. ومن هناك وطبقاً للاتفاق المسبق، تم نفيه أولاً إلى مدينة أنقرة (تركيا) ومن ثم نُقل إلى مدينة بورساي التركية. وقامت قوات الأمن الإيراني والتركي المكلّفة بمراقبة سماحة الإمام، بمنعه من ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي.
* كتاب لمحات من حياة وجهاد الإمام الخميني (قدس سره)، مركز الإمام الخميني الثقافي.
source : abna