المسألة 1 : يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد، أن يكون في جميع عباداته ومعاملاته، وسائر أفعاله، وتروكه : مقلدا، أو محتاطا، الا ان يحصل له العلم بانه لا يلزم من فعله او تركه مخالفة لحكم الزامي ولو مثل حرمة التشريع، أو يكون الحكم من ضروريات الدين او المذهب كما في بعض الواجبات والمحرمات وكثير من المستحبات والمباحات ويحصل له العلم الوجداني أو الاطمينان الحاصل من المناشئ العقلائية كالشياع وإخبار الخبير المطلع عليها بكونه منها.
المسألة 2 : عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل، بمعنى انه لا يجوز له الاجتزاء به ما لم يعلم بمطابقته للواقع الا ان يحصل له العلم بموافقته لفتوى من يجب عليه تقليده فعلا، أو ما هو بحكم العلم بالموافقة، كما سيأتي بيان بعض موارده في المسالة الحادية عشرة.
المسألة 3 : الاقوى جواز ترك التقليد، والعمل بالاحتياط، سواء اقتضى التكرار ك إذا ترددت الصلاة بين القصر والتمام أم لا، كما إذا احتمل وجوب الاقامة في الصلاة. لكن معرفة موارد الاحتياط متعذرة غالبا، أو متعسرة على العوام.
المسألة 4 : يكفي في التقليد تطابق العمل مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجة ف حقه فعلا مع احراز مطابقته لها، ولا يعتبر فيه الاعتماد، نعم الحكم بعدم جواز العدول الآتي في المسالة الرابعة عشرة مختص بمورد التقليد بمعنى العمل اعتمادا على فتوى المجتهد.
المسألة 5 : يصح التقليد من الصبي المميز، فاذا مات المجتهد الذي قلده الصبي قبل بلوغه فحكمه حكم غيره الآتي في المسالة السابعة إلا في وجوب الاحتياط بين القولين قبل البلوغ.
المسألة 6 : يجوز تقليد من اجتمعت فيه أمور : البلوغ، والعقل، والايمان، والذكورة، والاجتهاد، والعدالة، وطهارة المولد، والضبط بالمقدار المتعارف، والحياة فلا يجوز تقليد الميت ابتداء.
المسألة 7 : اذا قلد مجتهدا فمات، فان لم يعلم ولو اجمالا بمخالفة فتواه لفتوى الحي في المسائل التي هي في معرض ابتلائه جاز له البقاء على تقليده، وان علم بالمخالفة كما هو الغالب فان كان الميت أعلم وجب البقاء على تقليده، ومع كون الحي أعلم يجب الرجوع اليه ومع تساويهما في العلم يجري عليه ما سيأتي في المسالة التالية ويكفي في البقاء على تقليد الميت وجوبا او جوازا الالتزام حال حياته بالعمل بفتاواه ولا يعتبر فيه التعلم او العمل على الاظهر.
المسألة 8 : اذا اختلف المجتهدون في الفتوى وجب الرجوع إلى الاعلم ( اي الاقدر على استنباط الاحكام، بان يكون اكثر احاطة بالمدارك، وبتطبيقاتها، بحيث يكون احتمال اصابة الواقع في فتاويه اقوى من احتمالها في فتاوي غيره ). ولو تساووا في العلم، او لم يحرز وجود الاعلم بينهم، فان كان احدهم اورع من غيره في الفتوى اي اكثر تثبتا واحتياطا في الجهات الدخيلة في الافتاء تعين الرجوع اليه، وإلا فالاحوط الاحتياط بين اقوالهم مطلقا، وان كان الاظهر كون المكلف مخيرا في تطبيق عمله على فتوى اي منهم مالم يحصل له علم اجمالي منجز او حجة اجمالية كذلك في خصوص المسالة، كما اذا افتى بعضهم بوجوب القصر وبعض بوجوب التمام فيجب عليه الجمع بينهما، او افتى بعضهم بصحة المعاوضة وبعض ببطلانها فانه يعلم بحرمة التصرف في احد العوضين فيجب عليه الاحتياط حينئذ.
المسألة 9 : اذا علم ان احد الشخصين اعلم من الاخر مع كون كل واحد منهما اعلم من غيرهما، او انحصار المجتهد الجامع للشرائط فيهما فان لم يعلم الاختلاف بينهما في الفتوى تخير بينهما. وان علم الاختلاف وجب الفحص عن الاعلم، فان عجز عن معرفته كان ذلك من اشتباه الحجة باللاحجة في كل مسالة يختلفان فيها في الرأي، ولا أشكال في وجوب الاحتياط فيها مع اقترانه بالعلم الاجمالي المنجز، كما لا محل للاحتياط فيما كان من قبيل دوران الامر بين المحذورين الذي يحكم فيه بالتخيير مع تساوي احتمال الاعلمية في حق كليهما، والا فيتعين العمل على وفق فتوى من يكون احتمال اعلميته اقوى من الاخر. واما في غير الموردين فالاحوط مراعاة الاحتياط بين قوليهما مطلقا، وان كان الاقوى هو التفصيل : ووجوب الاحتياط فيما كان من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة في الاحكام الالزامية، سواء أكان في مسالة واحدة كما اذا أفتى أحدهما بوجوب الظهر والاخر بوجوب الجمعة مع احتمال الوجوب التخييري، أم في مسألتين كما اذا افتى أحدهما بالحكم الترخيصي في مسالة والاخر بالحكم الالزامي فيها وانعكس الامر في مسالة اخرى. واما اذا لم يكن كذلك فالظاهر عدم وجوب الاحتياط، كما اذا لم يعلم الاختلاف بينهما على هذا النحو الا في مسالة واحدة، أو علم به في أزيد مع كون المفتي بالحكم الالزامي في الجميع واحدا.
المسألة 10 : إذا قلد من ليس أهلا للفتوى وجب العدول عنه إلى من هو أهل لها. وكذا إذا قلد غير الاعلم وجب العدول إلى الاعلم، مع العلم بالمخالفة بينهما. وكذا لو قلد الاعلم ثم صار غيره أعلم.
المسألة 11 : إذا قلد مجتهدا ثم شك في أنه كان جامعا للشرائط أم لا، وجب عليه الفحص. فإن تبين له أنه كان جامعا للشرائط بقي على تقليده، وإن تبين أنه كان فاقدا لها، أو لم يتبين له شئ عدل إلى غيره. وأما أعماله السابقة : فإن عرف كيفيتها رجع في الاجتزاء بها إلى المجتهد الجامع للشرائط، فمع مطابقة العمل لفتواه يجتزي به، بل يحكم بالاجتزاء في بعض موارد المخالفة ايضا كما اذا كان تقليده للاول عن جهل قصوري وأخل بما لا يضر الاخلال به لعذر، كالاخلال بغير الاركان من الصلاة، أو كان تقليده له عن جهل تقصيري واخل بما لا يضر الاخلال به الا عن تعمد كالجهر والاخفات في الصلاة. واما ان لم يعرف كيفية اعماله السابقة بنى على الصحة الا في بعض الموارد، كما اذا كان بانيا على مانعية جزء أو شرط واحتمل الاتيان به غفلة، بل حتى في هذا المورد اذا لم يترتب على المخالفة أثر غير وجوب القضاء، فانه لا يحكم بوجوبه.
المسألة 12 : إذا بقي على تقليد الميت غفلة أو مسامحة من دون أن يقلد الحي في ذلك كان كمن عمل من غير تقليد، وعليه الرجوع إلى الحي في ذلك، والتفصيل المتقدم في المسالة السابقة جار هنا أيضا.
المسألة 13 : إذا قلد من لم يكن جامعا للشرائط، والتفت إليه بعد مدة فان كان معتمدا في ذلك على طريق معتبر شرعا وقد تبين خطأه لاحقا كان كالجاهل القاصر، والا فكالمقصر، ويختلفان في المعذورية وعدمها، كما قد يختلفان في الحكم بالاجزاء وعدمه، كما مر بيانه في المسالة الحادية عشر.
المسألة 14 : لا يجوز العدول من الحي إلى الميت الذي قلده أولا، كما لا يجوز العد من الحي إلى الحي، إلا إذا صار الثاني أعلم أو كانا متساويين ولم يعلم الاختلاف بينهما.
المسألة 15 : إذا تردد المجتهد في الفتوى، أو عدل من الفتوى إلى التردد، تخير المقلد بين الرجوع إلى غيره والاحتياط إن أمكن.
المسألة 16 : إذا قلد مجتهدا يجوز البقاء على تقليد الميت مطلقا أو في الجملة فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسالة، بل يجب الرجوع فيها إلى الاعلم من الاحياء. وإذا قلد مجتهدا فمات فقلد الحي القائل بجواز العدول إلى الحي، أو بوجوبه مطلقا، او في خصوص ما لم يتعلمه من فتاوى الاول، فعدل اليه ثم مات، يجب الرجوع في هذه المسالة إلى أعلم الاحياء، والمختار فيها وجوب تقليد اعلم الثلاثة مع العلم بالاختلاف بينهم في الفتوى كما هو محل الكلام فلو كان المجتهد الاول هو الاعلم في نظره من الاخرين لزمه الرجوع إلى تقليده في جميع فتاواه.
المسألة 17 : إذا قلد المجتهد وعمل على رأيه، ثم مات ذلك المجتهد فعدل إلى المجتهد الحي لم يجب عليه إعادة الاعمال الماضية، وإن كانت على خلاف رأي الحي في ما إذا لم يكن الخلل فيها موجبا لبطلانها مع الجهل القصوري، كمن ترك السورة في صلاته اعتمادا على رأي مقلده ثم قلد من يقول بوجوبها فلا تجب عليه إعادة ما صلاها بغير سورة. بل لا يبعد عدم وجوب اعادتها والاجتزاء بها مطلقا حتى في غير هذه الصورة.
المسألة 18 : يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشرائطها، ويكفي أن يعلم إجما أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الاجزاء والشرائط، ولا يلزم العلم تفصيلا بذلك. وإذا عرضت له في أثناء العبادة مسالة لا يعرف حكمها جاز له العمل على بعض الاحتمالات، ثم يسأل عنها بعد الفراغ، فإن تبينت له الصحة اجتزأ بالعمل، وإن تبين البطلان أعاده.
المسألة 19 : يجب تعلم مسائل الشك والسهو، التي هي في معرض ابتلائه، لئلا يق لولا التعلم في مخالفة تكليف الزامي متوجه اليد عند طروهما.
المسألة 20 : تثبت عدالة المرجع في التقليد بأمور : الاول : العلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائية كالاختبار ونحوه. الثاني : شهادة عادلين بها. الثالث : حسن الظاهر، والمراد به حسن المعاشرة والسلوك الديني، وهو يثبت ايضا باحد الامرين الاولين. ويثبت اجتهاده وأعلميته أيضا بالعلم، وبالاطمئنان، بالشرط المتقدم، وبشهادة عادلين من أهل الخبرة، بل لا يبعد ثبوتها بشهادة من يثق به من أهل الخبرة وان كان واحدا، ولكن يعتبر في شهادة أهل الخبرة ان لا يعارضها شهادة مثلها بالخلاف، ومع التعارض يأخذ بشهادة من كان منهما اكثر خبرة بحد يكون احتمال اصابة الواقع في شهادته اقوى من احتمالها في شهادة غيره.
المسألة 21 : يحرم الافتاء على غير المجتهد مطلقا، واما من يفقد غير الاجتهاد من سائر الشرائط فيحرم عليه الفتوى بقصد مل غيره بها. ويحرم القضاء على من ليس اهلا له، ولا يجوز الترافع اليه، ولا الشهادة عنده اذا لم ينحصر استقاذ الحق المعلوم بذلك، وكذا المال المأخوذ بحكمه حرام اذا لم يكن شخصيا او مشخصا بطريق شرعي والا فهو حلال حتى فيما اذا لم ينحصر استنقاذه بالترافع اليه وان أثم في طريق الوصول اليه.
المسألة 22 : المتجزي في الاجتهاد يجوز له العمل بفتوى نفسه، بل الظاهر انه يجو لغيره العمل بفتواه إلا مع العلم بمخالفة فتواه لفتوى الافضل، أو فتوى من يساويه في العلم على تفصيل علم مما سبق وينفذ قضاؤه ولو مع وجود الاعلم اذا عرف مقدارا معتدا به من الاحكام التي يتوقف عليها القضاء.
المسألة 23 : إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده، جاز البقاء على تقليده إلى أن يتبين الحال.
المسألة 24 : الوكيل في عمل يعمل بمقتضى تقليد موكله، لا تقليد نفسه فيما لا يكو مأخوذا بالواقع بلحاظ نفس العمل او آثاره، والا فاللازم مراعاة كلا التقليدين، وكذلك الحكم في الوصي.
المسألة 25 : المأذون، والوكيل عن المجتهد في التصرف في الاوقاف أو في أموال القاصرين ينعزل بموت المجتهد. وكذلك المنصوب من قبله وليا وقيما فإنه ينعزل بموته على الاحوط.
المسألة 26 : حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر، إلا إذا ك مخالفا لما ثبت قطعا من الكتاب والسنة. نعم لا يكون حكمه مغيرا للواقع، مثلا من علم ان المال الذي حكم به للمدعي ليس ملكا له لا يجوز ترتيب آثار ملكيته.
المسألة 27 : إذا نقل ناقل ما يخالف فتوى المجتهد، وجب عليه على الاحوط إعلام سمع منه ذلك اذا كان لنقله دخل في عدم جري السامع على وفق وظيفته الشرعية، والا لم يجب اعلامه. وكذا الحال فيما اذا اخطأ المجتهد في بيان فتواه. وأما إذا تبدل رأي المجتهد، فلا يجب عليه إعلام مقلديه فيما إذا كانت فتواه السابقة مطابقة لموازين الاجتهاد.
المسألة 28 : اذا تعارض الناقلان في فتوى مجتهد فان حصل الاطمينان الناشئ من تجم القرائن العقلائية بكون ما نقله أحدهما هو فتواه فعلا فلا إشكال، والا فان لم يمكن الاستعلام من المجتهد عمل بالاحتياط، او رجع إلى غير الاعلم، او أخر الواقعة إلى حين التمكن من الاستعلام.
المسألة 29 : العدالة المتبرة في مرجع التقليد عبارة عن : الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة الناشئة غالبا عن خوف راسخ في النفس. وينافيها ترك واجب، او فعل حرام من دون مؤمن، ولافرق في المعاصي في هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة. وفي عدد الكبائر خلاف. وقد عد من الكبائر : الشرك بالله تعالى. واليأس من روح الله تعالى. والامن من مكر الله تعالى. وعقوق الوالدين، وهو الاساءة إليهما. وقتل النفس المحترمة. وقذف المحصنة. وأكل مال اليتيم ظلما. والفرار من الزحف. وأكل الربا بعد البينة. والزنا. واللواط. والسحر. واليمين الغموس الفاجرة، وهي : الحلف بالله تعالى كذبا في مقام فصل النزاع. ومنع الزكاة المفروضة. وشهادة الزور. وكتمان الشهادة. وشرب الخمر. ومنها : ترك الصلاة أو غيرها مما فرضه الله متعمدا. ونقض العهد. وقطيعة الرحم، بمعنى : ترك الاحسان إليه من كل وجه في مقام يتعارف فيه ذلك. والتعرب بعد الهجرة، وقيل إنه الاقامة في البلاد التي ينقص بها الدين. والسرقة. وإنكار ما أنزل الله تعالى. والكذب على الله، أو على رسوله صلى الله عليه وآله، أو على الاوصياء عليهم السلام، بل مطلق الكذب. وأكل اليمتة. والدم. ولحم الخنزير. وما أهل به لغير الله. والقمار. وأكل السحت، وقد مثل له : بثمن الخمر، والمسكر، وأجر الزانية، وثمن الكلب الذي لا يصطاد، والرشوة على الحكم ولو بالحق، وأجر الكاهن، وما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، وثمن الجارية المغنية، وثمن الشطرنج، وثمن الميتة. ولكن في حرمة الاخير فضلا عن كونه من الكبائر إشكال. ومما عد من الكبائر ايضا : البخس في المكيال والميزان. ومعونة الظالمين، والركون إليهم، والولاية لهم. وحبس الحقوق من غير عسر. والكبر. والاسراف، والتبذير. والاستخفاف بالحج. والمحاربة لاولياء الله تعالى. والاصرار على الذنوب الصغار. والاشتغال بالملاهي، كضرب الاوتار ونحوها مما يتعاطاه اهل الفسوق. والغناء، والظاهر انه الكلام اللهوي الذي يؤتى به بالالحان المتعارفة عند اهل اللهو واللعب، وفي مقومية الترجيع والمد في صدقه اشكال، والعبرة بالصدق العرفي. ومما عد من الكبائر : البهتان على المؤمن، وهو ذكره بما يعيبه وليس هو فيه. وسب المؤمن واهانته واذلاله. والنميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم. والقيادة، وهي : السعى بين اثنين لجمعهما على الوطئ المحرم. والغش للمسلمين. واستحقار الذنب، فان أشد الذنوب ما استهان به صاحبه. والرياء. والغيبة، وهي : أن يذكر المؤمن بعيب في غيبته، سواء أكان بقصد الانتقاص، أم لم يكن، وسواء أكان العيب في بدنه، ام في نسبه، أم في خلقه، أم في فعله، أم في قوله، أم في دينه، أم في دنياه، أم في غير ذلك مما يكون عيبا مستورا عن الناس. كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول، أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب. والظاهر اختصاصها بصورة وجود سامع يقصد إفهامه وإعلامه او ما هو في حكم ذلك. كما أن الظاهر أنه لا بد من تعيين المغتاب، فلو قال : واحد من أهل البلد جبان لا يكون غيبة، وكذا لو قال : أحد أولاد زيد جبان. نعم قد يحرم ذلك من جهة لزوم الاهانة والانتقاص لا من جهة الغيبة. ويجب عند وقوع الغيبة التوبة والندم والاحوط استحبابا الاستحلال من الشخص المغتاب إذا لم تترتب على ذلك مفسدة أو الاستغفار له. وقد تجوز الغيبة في موارد : منها المتجاهر بالفسق، فيجوز اغتيابه في غير العيب المتستر به. ومنها : الظالم لغيره، فيجوز للمظلوم غيبته والاحوط وجوبا الاقتصار على ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقا. ومنها : نصح المؤمن، فتجوز الغيبة بقصد النصح، كما لو استشار شخص في تزويج امراة فيجوز نصحه، ولو استلزم اظهار عيبها بل لا يبعد جواز ذلك ابتداء بدون استشارة إذا علم بترتب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة. ومنها : ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر، فيما إذا لم يمكن الردع بغيرها. ومنها : ما لو خيف على الدين من الشخص المغتاب، فتجوز غيبته، لئلا يترتب الضرر الديني. ومنها : جرح الشهود. ومنها : ما لو خيف على المغتاب الوقوع في الضرر اللازم حفظه عن الوقوع فيه، فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه. ومنها : القدح في المقالات الباطلة، وإن أدى ذلك إلى نقص في قائلها، وقد صدر من جماعة كثيرة من العلماء القدح في القائل بقلة التدبر، والتأمل، وسوء الفهم ونحو ذلك، وكأن صدور ذلك منهم لئلا يحصل التهاون في تحقيق الحقائق. عصمنا الله تعالى من الزلل، ووفقنا للعلم والعمل، إنه حسبنا ونعم الوكيل. وقد يظهر من الروايات عن النبي والائمة عليهم أفضل الصلاة والسلام أنه : يجب على سامع الغيبة أن ينصر المغتاب، ويرد عنه. وأنه إذا لم يرد خذله الله تعالى في الدنيا والآخرة. وأنه كان عليه كوزر من اغتاب.
المسألة 30 : ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية وتعود بالتوبة والندم. وقد مر أنه لا يفرق في ذلك بين الصغيرة والكبيرة.
المسألة 31 : الاحتياط المذكور في مسائل هذه الرسالة إن كان مسبوقا بالفتوى أو ملحوقا بها فهو استحبابي يجوز تركه، وإلا تخير العامي بين العمل بالاحتياط والرجوع إلى مجتهد آخر الاعلم فالاعلم. وكذلك موارد الاشكال والتأمل، فإذا قلنا: يجوز على إشكال أو على تأمل فالاحتياط في مثله استحبابي. وإن قلنا : يجب على إشكال، أو على تأمل فإنه فتوى بالوجوب. وإن قلنا المشهور كذا، أو قيل كذا، وفيه تأمل، أو فيه إشكال، فاللازم العمل بالاحتياط، أو الرجوع إلى مجتهد آخر.
المسألة 32 : إن كثيرا من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن، ولما لم تثبت عندنا فيتعين الاتيان بها برجاء المطلوبة. وكذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبية، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.