الخلاصة
المعالم الاجتماعية تقوم علی أساس تحقيق الاهداف العامة والاساسية للحكومة المهدوية والتي تسعی الی تحقيق الامان العام لجميع الناس بحيث يكونوا امنين علی أرواحهم وأعراضهم وأموالهم فلا يبقی اضطراب ولا قلق ولا خوف عليها.
ومن هذه المعالم التالف والاتحاد وانتهاء الخلافات والصراعات المتشنجة التي يصاحبها العنف والارهاب والقتل الذي كان سائدا قبل الظهور وقد تطرقت الی أسباب الفرقة بجميع الوانها والی المعالجة الموضوعية لجذورها.
وفي عهده تنتهي المذاهب فلا يبقی الا الدين الواحد الذي يبين الامام أسسه وقواعده وأركانه كما نزل.
وفي ظل حكومته تنتهي العنصرية وهي أساس البلاء والمحن والفتن لعودة الامام الی الاسس التي تساوي بين الجميع كما خلقهم الله تعالی.
المعالم الاجتماعية في حكومة الامام المهدي (عج) تدخل في اطار مل الأرض عدلا وقسطاً؛ حيث الأمان العام، وانتهاء الشحناء والتباغض وانتهاء الخلافات بانتهاء اسبابها وعواملها، وانتهاء التعصب والعنصرية وشيوع المحبة والمودة والالفة في أنحاء الأرض؛ حيث التعاون والتآزر والتكاتف؛ وشيوع التكافل الاجتماعي، وانتهاء جميع المظاهر السلبية في المشاعر والمواقف والعلاقات.
ومن أهم المعالم الاجتماعية في حكومة الامام المهدي (عج):
الأمان العام
الاسلام دين الرحمة والمسامحة والعفو، دين التعاون والتآلف والوئام، دين السلام والأمان، وهي الاسس التي يتعامل مع غيره من العقائد والوجودات، ويتعامل بها داخل المجتمع الاسلامي، والاصل هو السلام، امّا القتال فهو أمر طارئ فرضته الظروف؛ لذا فانّ الاسلام ينتهز أقرب الفرص للعودة الی الأصل.
قال سبحانه وتعالی: (وَإن جَنَحُوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَهَا...).
وكان رسول الله (ص) ينهی عن تمني لقاء العدو، فيقول: «لا تتمنوا لقاء العدو، فاذا لقيتموه فاصبروا».
والاسلام لم يشرع القتال والجهاد للسيطرة علی الاراضي والسكان، ولا طلباً للغنيمة، ولم يكن القتال من أجل مجد شخصي أو طبقي أو قومي، وانّما لإعلاء كلمة الله ودفاعاً عن القيم النبيلة وردعاً للعدوان.
ولا نبالغ اذا قلنا: ان جميع معارك الاسلام التي قادها رسول الله (ص) كانت معارك دفاعية لرد عدوان واقعي أو محتمل الوقوع، ويمكن تحديد دوافع القتال وأهدافه القريبة والبعيدة كما جاء في القرآن الكريم بالنقاط التالية:
1. دفع العدوان.
2. الدفاع عن المستضعفين.
3. نصرة المظلومين.
4. قتال ناكثي العهد.
5. حماية المسلمين ورد العدوان المحتمل الوقوع.
واكد المنهج الاسلامي علی اشاعة قيم الرحمة والشفقة والعفو حتی في ساحة القتال، وتتجسد أخلاقية القتال وانسانية التعامل في المظاهر التالية – كما جاء في القرآن والسنة وآراء الفقهاء من مختلف المذاهب-:
1. حرمة القتال قبل القاء الحجة.
2. النهي عن قتل المستضعفين كالصبي والشيخ الفاني والمرأة.
3. حرمة القاء السم في بلاد المشركين.
4. حرمة الغدر والغلول.
5. حرمة المثلة.
6. حرمة التخريب الاقتصادي.
7. وجوب الاستجابة للاستجارة وطلب الأمان.
8. الوفاء بالعهد.
9. حسن المعاملة مع الأسری.
ودوافع القتال المتقدمة وكذلك أخلاقيته قد جسدّها رسول الله (ص) والامام علي (ع) في الواقع العلمي، وجسدّها الكثير من المسلمين وان كانوا يقاتلون تحت راية حكام الجور والانحراف، وسيجسدها الامام المهدي (عج) في حكومته لانّه جاء من أجل إقامة القسط والعدل في جميع انحاء الأرض، وقد دلت الروايات علی ذلك.
قال رسول الله (ص): «تأوي اليه أمته كما تأوي النحلة يعسوبها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، حتی يكون الناس علی مثل أمرهم الأول، لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً».
وفي نسخة اخری «كما يأوي النحل الی يعسوبها».
وقال الامام علي (ع): «... فيسير المهدي (عج) بمن معه لا يُحدث في بلد حادثة إلّا الأمن والأمان والبشری».
وعنه (ع) قال: «لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السبّاع والبهائم، حتی تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدماً الّا علی النبات، وعلی رأسها مكتلها لا يهيجها سبع ولا تخافه».
وعن الامام جعفر الصادق (ع) أنّه قال: «اذا قام القائم (عج) حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وآمنت به السبل».
ولاتضاد بين الروايات المتقدمة والرويات التالية:
روي عن الامام الحسين (ع) انّه قال: «اذا خرج المهدي (عج) لم يكن بينه وبين العرب وقريش الّا السيف، وما يستعجلون بخروج المهدي! والله ما لباسه الّا الغليظ، ولا طعامه الّا الشعير، وما هو الّا السيف، والموت تحت ظل السيف».
وعن الامام محمد الباقر (ع) انّه قال: «يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد علی العرب شديد، ليس شأنه إلّا السيف لا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم».
وعن الامام الحسين (ع) قال: «ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبراً، ثم قدّم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً، ثم قدّم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً؟».
وعن الامام محمد الباقر (ع) انّه قال: «انّ رسول الله (ص) سار في امّته باللين كان يتألف الناس، والقائم (عج) يسير بالقتل، بذلك أمر في الكتاب الذي معه: أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه».
وعن الامام جعفر الصادق (ع) أنّه قال: «إنّ علياً (ع) قال: كان لي ان اقتل المولّي واجهز علی الجريح، ولكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا م يقتلوا، والقائم له ان يقتل المولّي ويجهز علی الجريح».
وعن الامام محمد الباقر (ع) أنّه قال: «لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم ان لا يروه ممّا يقتل من الناس، أما إنّه لا يبدء إلّا بقريش، فلا يأخذ منها إلّا السيف ولا يعطيها إلّا السيف، حتی يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم».
وقيل له (ع): انّهم يقولون إنّ المهدي لو قام لاستقامت له الامور عفواً ولا يهريق محجمة دم، فقال: «كلّا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله (ص) حين ادميت رباعيته، وشجّ في وجهه، كلّا والّذي نفسي بيده حتی نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته».ووردت رواية عنه (ع) انّه قال: «...ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها حتی يرضی الله عزّ وجلّ».
وإذا تتبعنا الروايات – بغض النظر عن السند – لوجدنا امكانية الجمع بينها، فالروايات المتقدمة الأولی التي تشير إلی الأمن والسلام ناظرة إلی ما بعد استقرار حكومة الامام المهدي (عج)، اما الروايات المتأخرة فانها تشير إلی مرحلة ما قبل الاستقرار، حيث يكو القتل كنتيجة طبيعية للمقاومة والدفاع، وخصوصاً ان الكفار والمنحرفين والمجرمين سيواجهون الامام المهدي (عج) مواجهة عنيفة للقضاء عليه وعلی حركته وهذه المواجهة تؤدي إلی قتلهم، فهم يستحقون القتل لتآمرهم علی الامام (ع)، وسيقتلون داخل المعركة، ومن جهة اخری انهم سيقفون أمام طريق الخلاص من الظلم والاضطهاد والعبودية، بحيث يصبحون أداة تعويق لبسط العدل، ومن جهة ثالثة انهم يستحقون القتل لقيامهم بأعمال اجرامية بحق البشرية قبل واثناء الظهور، فتكون عقوبتهم القتل.
ويمكن الجمع من ناحية اخری من خلال الرجوع الی الاصل وهو تجنب القتل والقتال ابتداءً كما ورد في الرواية المتقدمة «لا يوقظ نائماًت ولا يهريق دماً» وتوقفه علی المقاومة والمواجهة، فحينما يجد الامام (ع) مقاومة ومواجهة يقابلها بالمثل فيكون القتل والقتال وإلّا فلا.
وقتل الكفار المعاندين والمحاربين، وكذلك قتل المجرمين يكون مقدمة للعدل والقسط ومقدمة للأمان العام، لأن هؤلاء هم مصدر الاضطراب وإنعدام الأمن، وبقتلهم واستئصالهم يتحقق الأمان في الأرض وهذه حقيقة لا تقبل مزيداً من إمغان النظر.
وهؤلاء يستحقون القتل لأنهم مروا بمراحل من الامتحان والتمحيص، ويستحقون الاجهاز علی جريحهم أيضاً، لانهم فشلوا في التمحيص بعد سلسلة من الدلائل والبينات علی احقية الامام المهدي (عج) وأحقية نهجه، وفي ظرف ومرحلة تتطلع فيها الانسانية إلی منقذ ومصلح بعد طول المعاناة واستشراء الظلم والجور، فان بقاءهم احياءً يعيق تحقيق العدل والقسط ويعيق تحقيق الأمن والأمان، ومع جميع ذلك فانهم لم يتخلوا عن المواجهة ولم يتخلوا عن اهدافهم المعلنة في القضاء علی الامام المهدي (عج) والقضاء علی المنهج والنظام العادل المراد اقراره في الأرض.
وفي جميع الظروف والأحوال وعلی جميع التقديرات فانّ فترة القتل والقتال لاتدوم أكثر من ثمانية أشهر.
عن الامام علي (ع) انه قال: «تفرج الفتن برجل منّا يسومهم خسفاً لا يعطيهم إلّا السيف، يضع السيف علی عاتقه ثمانية أشهر، حتی يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة، ولو كان من ولدها لرحمنا».
وهنالك روايات عديدة تؤكد علی مباشرة الحرب أو القتل أو تجريد السيف لمدة ثمانية أشهر، ويعلق السيد محمد الصدر علی ذلك قائلاً: انّ لتبرير القتل الكثير الذي يقع خلال الثمانية أشهر اطروحتين رئيسيتين:
الاطروحة الأولی: إن هذا القتل، هو الذي يحدث خلال الغزو العالمي، والثمانية اشهر هي المدة التي يتم فيها الاستيلاء علی العالم.
الاطروحة الثانية: إن هذا القتل الكثير الذي يحدث خلال الثمانية اشهر، ليس للفتح العالمي، بل لا جتثاث المنحرفين نحو الباطل من المجتمع.
ومعنی ذلك: أن الفتح العالمي سينتهي بمدة أقل من ذلك بزمن غير يسير، وخاصة إذ كان الفتح سلمياً، إلا أن المنحرفين سوف يبقی وجودهم ونشاطهم إلی جانب الباطل ساري المفعول، ومن ثم سيحتاجون إلی قتل إضافي بعد إس
source : abna