بسم الله الرحمن الرحيم
الحوراء الإنسيّة
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، فإنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً»(1).
فقوله: «لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة» يعني أنّها جمال الله وحسنه.
ثمّ خلق الله سبحانه آدم أبا البشر من ماء وتراب بيد ملائكته، فهو في خلقته العنصريّة من العناصر الأربعة المادّية، ولكن خلق فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خلقتها العنصرية إنّما كان من شجرة طوبى في الجنّة التي غرسها الله بيده يد القدرة المطلقة، فهي من عنصر ملكوتي في صورة إنسان ناسوتي، فهي الحوراء الإنسيّة.
عن العيون وأمالي الشيخ بسندهما، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة، فناولني من رطبها، فأكلت فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة(2).
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكثر تقبيل فاطمة عليها وعلى أبيها وبعلها وأولادها ألف ألف تحيّة وسلام، فأنكرت عائشة ذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عائشة، إنّي لمّا اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فأكلته فحوّل الله ذلك ماءً في ظهري، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبّلتها قطّ إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبى منها(3).
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: شجرة طوبى شجرة يخرج من جنّة عدن غرسها ربّها بيده(4).
عن حارثة بن قُدامة قال: حدّثني سلمان قال: حدّثني عمّار وقال: اُخبرك عجباً؟ قلت: حدّثني يا عمّار؟ قال: نعم شهدت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ولج على فاطمة (عليه السلام) فلمّا أبصرت به نادت: اُدن لاُحدّثك بما كان وبما هو كائن وبما يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة. قال عمّار: فرأيت أمير المؤمنين (عليه السلام)يرجع القهقرى، فرجعت برجوعه إذ دخل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال له: اُدن يا أبا الحسن، فدنا فلمّا اطمأنّ به المجلس قال له: تحدّثني أم اُحدّثك؟ قال: الحديث منك يا رسول الله، فقال: كأنّي بك قد دخلت على فاطمة وقالت لك كيت وكيت فرجعت، فقال عليّ (عليه السلام): نور فاطمة من نورنا؟ فقال (عليه السلام): أوَ لا تعلم؟ فسجد عليّ شكراً لله تعالى. قال عمّار: فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجت بخروجه، فولج على فاطمة (عليها السلام) وولجت معه، فقالت: كأنّك رجعت إلى أبي (صلى الله عليه وآله)فأخبرته بما قلته لك؟ قال: كان كذلك يا فاطمة، فقالت: اعلم يا أبا الحسن إنّ الله
تعالى خلق نوري، وكان يسبّح الله جلّ جلاله، ثمّ أودعه شجرة من شجر الجنّة، فأضاءت، فلمّا دخل أبي الجنّة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك، ففعل، فأودعني الله سبحانه صلب أبي (صلى الله عليه وآله) ثمّ أودعني خديجة بنت خويلد، فوضعتني، وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن، المؤمن ينظر بنور الله تعالى(5).
عن زيد بن موسى بسنده عن عليّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ فاطمة خُلقت حورية في صورة إنسيّة، وإنّ بنات الأنبياء لا يحضن(6).
ففاطمة الزهراء حوراء إنسيّة، اشتقّ اسمها من اسم الله ومسمّاها من شجرة غرسها الله بيده، فما أحلى اسمها ومعناها وجمالها وكمالها وجلالها.
«سبحان من فطم بفاطمة من أحبّها من النار»(7).
نبذة من الأحاديث الشريفة في فضائلها (عليها السلام)
1 ـ سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن فاطمة: لِمَ سمّيت زهراء؟ فقال:
«لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض».
2 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«فاطمة بضعة منّي من سرّها فقد سرّني ومن ساءها فقد سائني، فاطمة أعزّ الناس عليّ».
3 ـ ومن ألقابها (عليها السلام): اُمّ أبيها.
فقيل: الاُمّ بمعنى الأصل والأصالة، فالزهراء (عليها السلام) بأولادها الطاهرين الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ومواقفهم وفدائهم وتضحياتهم أعطوا الأصالة لرسالة أبيها (صلى الله عليه وآله)، فالإسلام محمّدي الحدوث وحسيني البقاء وكلّهم نور واحد، فأصبحوا بمنزلة الأصل في ديموميّة الرسالة المحمّديّة، كما قالها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):
«حسين منّي وأنا من حسين».
وفاطمة الزهراء سيّدة النساء (عليها السلام) اُمّ أبيها.
4 ـ عن زيد بن موسى بسنده عن عليّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«إنّ فاطمة خلقت حوريّة في صورة إنسيّة، وإنّ بنات الأنبياء لا يحضن»(8).
5 ـ عن الله تبارك وتعالى:
«يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»(9).
6 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله):
«لو كان الحُسنُ شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، إنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً»(10).
7 ـ عن الحسين عن رسول الله (عليهما السلام) قال:
«فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا، ومن تخلّف عنه هوى»(11).
8 ـ عن أبي جعفر عن آبائه (عليهم السلام):
«إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد (الطاهرة) لطهارتها من كلّ دنس وطهارتها
من كلّ رفث، وما رأت قطّ يوماً حمرةً ولا نفاساً»(12).
9 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام):
«حرّم الله النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيّة ; لأنّها طاهرة لا تحيض»(13).
10 ـ عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام):
«لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو فاطمة من النساء (عليهم السلام)»(14).
11 ـ عن الرضا (عليه السلام)، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله):
«لمّا عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام)، فأدخلني الجنّة، فناولني من رطبها، فأكلته، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة (عليها السلام)، ففاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة»(15).
12 ـ عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله عزّ وجلّ فطمها وفطم من أحبّها من النار»(16).
13 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل:
«على ساق العرش مكتوب: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، وعليّ وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله»(17).
14 ـ في تفسير نور الثقلين والبرهان وكتاب بحار الأنوار(18)، عن تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي مسنداً عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير سورة القدر قال:
«إنّ فاطمة هي ليلة القدر، من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها، ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى».
15 ـ وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال:
«{إنَّا أنزَلْـنَاهُ فِي لَـيْلَةِ القَدْرِ}(19) الليلة فاطمة الزهراء، والقدر الله، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها»(20).
ولنعم ما قيل:
مشكاة نور الله جلّ جلاله زيتونة عمّ الورى بركاتها
هـي قطب دائرة الوجود ونقطة لـمّا تـنـزّلت أكثـرت كثراتها
هي أحمد الثاني وأحمد عصرِها هي عنصر التوحيد في عرصاتها
* * *
فاطمةٌ خير نـسـاء البشرِ ومن لـهـا وجه كوجهِ القمرِ
فضّلكِ الله على كلّ الورى بـفـضل من خصّ بآي الزُمَرِ
زوّجـكِ اللـه فتىً فاضلا أعني عليّاً خيرُ من في الحضرِ
* * *
شـرّف الله جـمادى الآخرة فغدت وهي جمادى الفاخرة
وتباهت أشهرُ الحول بـهـا حيث جاءت بالبتول الطاهرة
وانظروا العشرين منها لتروا فـرحة الهادي عليه ظاهرة
واجـعـلوه بالتأسّي عـيدكم فـمن الإسلام ذكرى عطرة
اسمها في العرش:
16 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:
«لمّا خلق الله تعالى آدم أبو البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرش، فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا ربّ، هل خلقت أحداً من طين قبلي؟
قال: لا يا آدم.
قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟
قال: هؤلاء الخمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار ولا العرش
ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ، فأنا المحمود وهذا محمّد، وأنا العالي وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزّتي أنّه لا يأتيني أحد بمثقال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا اُبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم اُنجيهم وبهم اُهلكهم، فإذا كان لك إليَّ حاجة فبهؤلاء توسّل.
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا، ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت»(21).
17 ـ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال:
«إنّ الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) حين لا سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة، ولا ظلمة ولا نور، ولا شمس ولا قمر، ولا جنّة ولا نار، فقال العباس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله؟ فقال: يا عمّ، لمّا أراد الله أن يخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نوراً، ثمّ تكلّم بكلمة اُخرى فخلق منها روحاً، ثمّ مزج النور بالروح فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح ونقدّسه حين لا تقديس.
فلمّا أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش، ثمّ فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور عليّ ونور عليّ من نور الله وعليّ أفضل من الملائكة، ثمّ فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض
من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض، ثمّ فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر، ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة والحور العين فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله وولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين»(22).
18 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبّة تحت العرش»(23).
19 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل:
«ولقد كانت (عليها السلام) مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة»(24).
20 ـ عن مجاهد: خرج النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بيد فاطمة فقال:
«من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي، وهي روحي التي بين جنبيّ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله»(25).
حبّها الإكسير الأعظم:
21 ـ في حديث طويل عن الله عزّ وجلّ:
«يا فاطمة، وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني، لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا اُعذّب محبّيكِ ومحبّي عترتك بالنار»(26).
22 ـ في حديث طويل قال أبو جعفر (عليه السلام):
«والله يا جابر، إنّها ذلك اليوم (يوم القيامة) لتلتقط شيعتها ومحبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا فيقول الله عزّ وجلّ: يا أحبّائي، ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا ربّ، أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبّائي ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة، انظروا من سقاكم شربة لحبّ فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبةً في حبّ فاطمة، خذوا بيده وأدخلوه الجنّة، قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لا يبقى في الناس إلاّ شاكّ أو كافر أو منافق(27).
23 ـ عن ابن عباس:
«والله ما كان لفاطمة كفؤ غير عليّ (عليه السلام)»(28).
24 ـ وعنه (عليه السلام):
«واللهِ لقد أخذتُ في أمرها وغسّلتها في قميصها ولم أكشفه عنها، فوالله كانت ميمونة طاهرة مطهّرة.
ثمّ حنّطتها من فضلة حنوط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكفّنتها وأدرجتها في أكفانها، فلمّا هممت أن أعقد الرداء ناديت: يا اُمّ كلثوم، يا زينب، يا سكينة، يا فضّة، يا حسن، يا حسين، هلمّوا تزوّدوا من اُمّكم فهذا الفراق، واللقاء في الجنّة.
فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان: وا حسرتاه، لا تنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمّد المصطفى واُمّنا فاطمة الزهراء، يا اُمّ الحسن يا اُمّ الحسين إذا لقيت جدّنا محمّداً المصطفى فاقرئيه منّا السلام وقولي له: إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا».
فقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام):
«إنّي اُشهد الله أنّها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمّتهما إلى صدرها مليّاً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن، ارفعهما عنها فقد أبكيا والله ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب».
قال: «فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء وأنا أنشد بهذه الأبيات:
فـراقكِ أعظم الأشياء عندي وفـقـدكِ فاطم أدهى الثكول
سأبكي حسرة وأنوح شجواً عـلى خِلٍّ مضى أسنى سبيل
ألا يا عين جودي واسعديني فحزني دائم أبكي خليلي»(29)
نجاة محبّيها من النار بيدها المباركة:
25 ـ في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لفاطمة وقفةٌ على باب جهنّم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ بين عينيه محبّاً (محبّنا) فتقول: إلهي وسيّدي سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاّني وتولّى ذرّيتي من النار، ووعدُك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عزّ وجلّ: صدقتِ يا فاطمة، إنّي سمّيتكِ فاطمة، وفمطتُ بكِ من أحبّكِ وتولاّكِ وأحبّ ذرّيتكِ وتولاّهم من النار، ووعدي الحقّ وأنا لا اُخلف الميعاد، وإنّما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه، فاُشفّعكِ ليتبيّن لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفكِ منّي ومكانتك عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً، فجذبت بيده وأدخلته الجنّة.
26 ـ عن أبي الحسن الثالث (الإمام الهادي (عليه السلام)) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله عزّ وجلّ فطمها وفطم من أحبّها من النار(30).
حديث «لولاك»
من الأحاديث المشهور، بل كاد أن يكون متواتراً، من طرق الشيعة، بل وعند السنّة، أنّه ورد في الحديث القدسي في ليلة المعراج: قال الله تعالى: «يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك».
وعن ابن عساكر عن سلمان: قال رسول الله: هبط جبرئيل عليّ فقال: إنّ ربّك يقول إن كنت اتّخذت إبراهيم خليلا فقد اتّخذتك حبيباً، وما خلقت خلقاً أكرم عليّ منك، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لاُعرّفهم كرامتك ومنزلتك عندي، ولولاك ما خلقت الدنيا(31).
في الدلائل والحاكم والطبراني والعسقلاني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن عمر بن الخطّاب عن رسول الله قال: لمّا اقترف آدم الخطيئة قال: ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي، فقال تعالى: يا آدم، وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟ قال: لأنّك يا ربّ لمّا خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك فرفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فعلمت
أنّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق لديك، فقال تعالى: صدقت يا آدم إنّه لأحبّ الخلق إليّ، فقال تعالى: وإذا سألتني بحقّه فقد غفرت لك، ولولا محمّداً لما خلقتك(32). وزاد الطبراني: وهو آخر الأنبياء.
وفي المواهب من طرق العامّة روي أنّه لمّا اُخرج آدم من الجنّة رأى مكتوباً على ساق العرش وعلى كلّ موضع من الجنّة اسم محمّد (صلى الله عليه وآله) مقروناً باسم الله تعالى، فقال: يا ربّ، هذا محمّد من هو؟ فقال الله: هذا ولدك الذي لولاه لما خلقتك، فقال: يا ربّ، بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد، فنودي يا آدم: لو تشفّعت إلينا بمحمّد في أهل السماوات والأرض لشفّعناك(33).
وفي خبر آخر قرن اسم عليّ مع محمّد، وفي آخر: محمّد رسول الله أيّدته بعليّ.
وفي الدلائل بأسانيده عن عمر بن الخطّاب في ذيل قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات}(34)، قال آدم: أسألك بحقّ محمّد وآله إلاّ غفرت لي، فتاب الله عليه وقال: ولولا هو ما خلقتك.
وفي الخصائص العلويّة عن ابن عباس في حديث: ولمّا نفخ في آدم من روحه تداخله العجب فقال: يا ربّ خلقت خلقاً هو أحبّ إليك منّي؟ فقال تعالى: نعم ولولاهم ما خلقتك، فقال: يا ربّ أرنيهم، فرفعت الملائكة الحجب فرأى آدم بخمسة أشباح قدّام العرش فقال: يا ربّ من هؤلاء؟ قال تعالى: هذا نبيّي وهذا
عليّ أمير المؤمنين ابن عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهذه فاطمة بنت نبيّي، وهذان الحسن والحسين أبناء عليّ وولد نبيّي، ثمّ قال: يا آدم هم ولدك، ففرح بذلك، فلمّا اقترف الخطيئة قال آدم: أسألك بمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين لمّا غفرت لي، فغفر الله له فلمّا هبط إلى الأرض، فنقش على خاتمه: محمّد رسول الله، عليّ أمير المؤمنين، ويكنّى آدم بأبي محمّد(35) وأبي البشر، وكنية حوّاء اُمّ الزهراء.
ومن طرق الإمامية ما رواه الصدوق في الإكمال بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله: فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال (عليه السلام): يا عليّ إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا عليّ وللأئمة من بعدك، فإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا، يا علي، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتا، يا عليّ، لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربّنا عزّ وجلّ وتسبيحه وتقديسه وتهليله، لأنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده، ثمّ خلق الملائكة، فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا اُمورنا، فسبّحنا لتعلم الملائكة إنّا خلق مخلوقون وأنّه منزّه عن صفاتنا، فسبّحت الملائكة لتسبيحنا ونزّهته عن صفاتنا، فلمّا شاهدوا عظم شأننا، هلّلنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلاّ الله
35- تفسير البرهان 1: 89، عن الخصائص العلويّة، تأويل الآيات 1: 27، والبحار 26: 325.
وأنّا عبيد ولسنا بآلهة، يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلاّ الله، فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا الله لتعلم الملائكة أنّ الله أكبر من أن ينال، وأنّه عظيم المحلّ، فلمّا شاهدوا ما جعله الله لنا من العزّة والقوّة، قلنا: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فقالت الملائكة: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله، لتعلم الملائكة ما يحقّ لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نِعمه، فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده، ثمّ إنّ الله تعالى خلق آدم (عليه السلام) وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبوديّة، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون(36).
الهوامش
1- فرائد السمطين 2: 68.
2- البحار 8: 119.
3- المصدر: 120.
4- المصدر: 143، عن العيّاشي.
5- بهجة قلب المصطفى: 287، عن عوالم المعارف 11: 6 ـ 7.
6- دلائل الإمامة: 52.
7- مصباح المتهجّد ; للشيخ الطوسي، في أعمال شهر رمضان: 575.
8- دلائل الإمامة: 52.
9- كشف اللآلئ لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس: فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى: 9، في جنّة العاصمة للسيّد ميرجاني: 148، وملتقى البحرين للعلاّمة المرندي: 14.
10- فرائد السمطين 2: 68.
11- فرائد السمطين 2: 66.
12- البحار 43: 19.
13- المناقب ; لابن شهرآشوب 3: 33.
14- سفينة البحار 1: 663.
15- عوالم العلوم والمعارف 6: 10.
16- العوالم 6: 30.
17- بحر المعارف: 428.
18- بحار الأنوار 42: 105.
19- القدر: 1.
20- بحار الأنوار 43: 13.
21- فرائد السمطين 1: 36.
22- بحارالأنوار 15: 10.
23- كفاية الطالب: 311.
24- دلائل الإمامة: 228.
25- نور الأبصار ; للشبلنجي: 52.
26- سفينة البحار 2: 375.
27- بحار الأنوار 43: 65.
28- البحار 43: 101.
29- البحار 43: 179.
30- العوالم 6: 30.
31- الزاهب اللدنيّة 1: 12، تهذيب تأريخ دمشق 1: 323.
32- كنز العمّال 6: 114، دلائل الإمامة 5: 489، المستدرك 2: 615، المواهب 1: 43.
33- المواهب 1: 12.
34- البقرة: 37.
36- مكيال المكارم 1: 33.
source : sibtayn