إنّ الارتباط بأئمة النور والهداية هو الطريق الوحيد للسعادة والفلاح. إذاً ينبغي الجدّ في تحصيله، وأن لا ندع مجالاً للسعي في هذا الإطار إلّا وسلكناه لأن مفارقتهم لا تؤدي إلّا إلی الضلال في الدنيا والحسرة في الآخرة.
فمن نحّى المعصومين (عليهم السلام) جانبا فأنّه بذلك ابتعد عن رحمة الله تعالى ولطفه وسيقول في القيامة كما جاء في القران الكريم:
يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (1 )
وهنا ينبغي أن نعمل لتحصيل هذه العلقة والارتباط المؤثر والمصيري لنعمل ولنوجد ارتباطا وثيقاً وحسنا بيننا وبين المعصومين (عليهم السلام). إنّ هذه السبل تشبه كلّ سجية حسنة أخلاقية بنوعيها حيث تنقسم إلى الطرق "العلمية" و"العملية".
أ-السبل العلمية
1- التعرّف على خصال المعصومين (عليهم السلام)
إنّ الإنسان محبّ للكمال وباحث عنه؛ ولذلك تراه يهوى كلّ من يجد ما يروم إليه متوفرا عنده، و يقترب إليه بإرادة منه أو من غير إرادة ليبدأ بإيجاد علقة معه. إنّ التعرّف على كمالات المعصومين (عليهم السلام) يملأ قلب الإنسان بالمحبّة إليهم (عليهم السلام)، وهذا بالذات ما يربط روح الإنسان وقلبه بأرواحهم المشرقة. فكلما ازدادت المعرفة بفضائل المعصومين (عليهم السلام) ازدادت محبتهم وتوفرت الأرضية اللازمة للارتباط القلبي بهم وإيجاد العلقة معهم بشكل أكبر. فلقد ساهمت معرفة كثير من المسلمين بشجاعة، وعدل، ورأفة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في اجتذابهم نحوه وكانت سببا لذكره والتوسل بولائه عند وقوع الأزمات وتبجيل شأنه في الحوادث. إن اتساع هذه المعرفة هو ما جعل مفكرين أحبّوا مقامه ومكانته السامية أن يتمنّوا أن تجمع الدنيا كل ما لديها لتلد اليوم رجلاً يشبه في خصاله علي بن أبي طالب رغم أنهم لا ينتحلون الإسلام دينا لهم.
2- التعرف على حسن التعلق والارتباط
إنّ للتعلق بالمعصومين سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم، بركات معنوية وماديّة جمة حيث أن التعرف على هذه النتائج هو ما يجعل الإنسان ولهاً في إيجاد العلاقة والارتباط. فالمحتاجون الغائثون إنّما يعقدون الأمل على لطف وكرم هذا البيت وينبعثون إلى جوار قبورهم ويتوسلون بأرواحهم العظيمة لأنهم يرون أن إرادة الله هي من أجرت الأمور على أيديهم فقد روي عن الإمام الهادي (عليهم السلام) في الزيارة الجامعة الكبيرة قوله (عليه السلام):
وبكم ينزل الغيث والرحمة، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبكم ينفس الهم ويكشف الضر.(2 )
وليس هذا إلّا لأنهم (عليهم السلام) مظاهر لطف وكرم الله تعالى ولقد أورد تعالى كما جاء كلامه على لسان أوليائه في حق هذا البيت:
...وعادتكم الإحسان وسجيتكم الكرم(3 )
فبكرمهم تقضي الحوائج المادية بل وتؤدّى الحاجات الروحية والمعنوية عند أبوابهم (عليهم السلام)، فبفضلهم وشفاعتهم إذاً تقضى كل حاجة دنيوية كانت أو أخروية، فقد روي عن ابن بابويه عن المعصومين (عليهم السلام):
... وبحبكم وبقربكم أرجو نجاةً من الله(4 )
3- التعرف على النتائج السيئة لمفارقتهم
إن قطع الارتباط بمن هم واسطة فيض الله تعالى هو حرمان الذات من فيض لطف الله تعالى. ومن نتائج فك الارتباط عن هذه الأسرة الطاهرة زوال قيمة العبادات والسلوك الحسن. فانفراط العلقة مع مرشدي البشرية الحقيقيين لا يؤدي إلّا إلى الضلال.
فعاقبة الشؤم وعذاب الآخرة سيكون المآل لمن نقض نسج الارتباط بهم (عليهم السلام) وقد أورد الله تعالی في القرآن الكريم صورة بيانيّة لمن قطع حبل الوصل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تعالی:
يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا.(5 )
فحينما يكون حب أهل البيت (عليهم السلام) من جملة الأسئلة المهمة التي سيواجهها كل عبد يوم القيامة، فإن فك هذا الارتباط بهم (عليهم السلام) سيؤدي إلی عاقبة مشئومة للإنسان. وقد ورد الحديث في ما مضي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول:
لا يزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله عزّ وجل حتى يسأله عن أربع خصال:
1- عمرك فيما أفنيته؟
2- وجسدك فيما أبليته؟
3- ومالك من أين اكتسبته وأين وضعته؟
3- وعن حبنا أهل البيت...(6 )
إنّ التذكير بهذا الأمر المهمّ، سيحرك الإنسان نحو إيجاد وتحصيل الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام). يقول الإمام الكاظم (عليه السلام):
من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا ومن لم يستطع أن يزور قبورنا فليزر قبور صلحاء إخواننا.(7 )
ب) السبيل العملي:
إن إيجاد الارتباط، يمثل بحد ذاته سلوكا من السلوك الاختياري للإنسان، ولكي يتجلی ويتحوّل إلی خصلة مستقرة يمكن انتهاج بعض السلوك العملي الذي يؤدي إلی هذا الأمر، غير السلوك العلمي. فإلزام الذات لإيجاد هكذا علاقة إذا كان مترافقا ومتوافقا مع كسب المعرفة المذكورة سلفا في منهج علمي سيؤدي بالعلاقة إلی خصلة من خصال الفرد.
إنّ الوصيّة وإرشاد الآخرين وخصوصا الأبناء إلی محبة أهل البيت (عليهم السلام) هي السبيل إلی إيلاج هذه الحقيقية القيمة في قلوبهم. يقول جابر بن عبد الله الأنصاري وهو من كبار صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واتباع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ارض منی.... فرفع (صلى الله عليه وآله وسلم) رأسه وقال:
معاشر الأنصار أعرضوا أولادكم على محبة عليّ
قال جابر بن عبد الله: فكنا نعرض حب علي (عليه السلام) على أولادنا فمن أحب عليا علمنا أنه من أولادنا، ومن أبغض عليا انتفينا منه(8 )
إن إزالة الموانع بعد معرفتها، تمثل السبيل العملي الآخر لإيجاد هذه الخصلة، فإخراج محبّة أعداء أهل البيت (عليهم السلام) من القلب تمثل الأرضيّة لإيجاد علاقة قيّمة مع الأئمة (عليهم السلام). فترك الذنوب التي تلوّث القلب بشكل لاتدع شيئا فيه يميل إلی إيجاد العلقة معهم (عليهم السلام)، لا يمثل نوعا من الارتباط بهم وحسب بل يودي إلی إحداث ارتباطات داخلية وخارجية أوثق معهم (عليهم السلام). إنّ المحبة والخدمة التي تقدم لمحبّي أهل البيت (عليهم السلام) والتي يخلص فيها الإنسان إلی الله تعالی ولا يهدف إلّا إلی إيجاد أرضيّة تتبع من خلالها لطفهم في إلهام حبّهم إلی القلب. فالعلاقة التي يوجدها المعصوم (عليه السلام) تكون أقوى من كل جهد يفعله المحبّ لترسيخ الارتباط، وبعبارة أخری فإن ما يملكه المعصوم (عليه السلام) في التصرف بقلب الناس، لطالما جذب أناسا إليه وجعلهم يهوونه ويتخذونه خلّا، لكن كلّ هذا لا يتحقق إلّا حين يهيئ الإنسان الأرضية لهذا التصرّف لتتحول قابلياته من القوة إلی الفعل. كما ويمكن الزعم أنّ محبة المعصومين (عليهم السلام) تمثل الجوهرة التي تقتبسها نفوس الأبرار منهم (عليهم السلام). إذاً ينبغي أن يسعى المرء في تحصيل وإنماء هذه الكفاءة والتريث في انتظار لطفهم رأفتهم فقد ورد عن الإمام الحسن العسكري عن أبائه عن أجداده:
أن رسول الله ( ص) قال لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله أحبب في الله وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فإنه لن تنال ولاية الله إلّا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا عليها يتوادون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئا، فقال الرجل: يا رسول الله فكيف لي أن أعلم أني قد واليت في الله، وعاديت في الله، ومن وليّ الله حتى أواليه، ومن عدوه حتى أعاديه؟ فأشار له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) فقال: أترى هذا؟ قال: بلى، قال: وليّ هذا وليّ الله فواله، وعدو هذا عدو الله فعاده، وال وليّ هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك، وعاد عدوه هذا ولو أنه أبوك أو ولدك.(9 )
إنّ من الواضح أن يكون المراد من فعل المحبّة مختلفا عن الحبّ، فكثيرا ما تكون المحبّة غير ظاهرة في قلب الإنسان، لكن وبحكم العقل يرتبط معه في صداقة وهذه الصداقة ينتج عنها المحبّة. ففي الوقت الذي يرتبط فيه الإنسان مع أحباء أهل البيت (عليهم السلام) في علاقة إلهيّة، فإن ذلك سيعزز من محبة الله وأوليائه في قلبه.
(1) الفرقان: 27.
(2) مستدرك الوسائل: الميرزا النوري، ج 10، ص 423، ح12274.
(3) المصدر السابق.
(4) بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج99 ص249، ح9.
(5) الفرقان: 27.
(6) بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج27 ص103 ، ح70.
(7) الكافي: الشيخ الكليني، ج 4، ص 60، ح7.
(8) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج27، ص151، ح 20؛ نقلا عن علل الشرائع، ج 1، ص 142، ح7.
(9) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج 16، ص 178، ح 21287.