العصر الذهبی للإسلام یمتد لغایة القرن الرابع عشر والخامس عشر المیلادی. خلال هذه الفترة، قام مهندسو وعلماء وتجار العالم الإسلامی بالمساهمة بشکل کبیر فی الحقول التالیة: الفن والزراعة والاقتصاد والصناعة والأدب والملاحة والفلسفة والعلوم والتکنولوجیا، من خلال المحافظة والبناء على المساهمات السابقة وبإضافة العدید من اختراعاتهم وابتکاراتهم.
خلق الفلاسفة والشعراء والفنانین والعلماء والأمراء المسلمون ثقاثة فریدة من نوعها والتی أثرت بدورها على المجتمعات فی کل القارات.
إهتمت الدولة الإسلامیة التی انشأها رسول الله صل الله علیه وسلم محمد بن عبد الله واستمرت تحت مسمى الخلافة فی الفترات الأمویة والعباسیة بالعلوم والمدنیة کما اهتمت بالنواحی الدینیة فکانت الحضارة الإسلامیة حضارة تمزج بین العقل والروح فامتازت عن کثیر من الحضارات السابقة. فالإسلام کدین عالمی یحض على طلب العلم ویعتبرهُ فریضة على کل مسلم ومسلمة، لتنهض أممه وشعوبه. فأی علم مقبول باستثناء العلم الذی یخالف قواعد الإسلام ونواهیه. والإسلام یکرم العلماء ویجعلهم ورثة الأنبیاء. وتتمیز الحضارة الإسلامیة بالتوحید والتنوع العرقی فی الفنون والعلوم والعمارة طالما لاتخرج عن نطاق القواعد الإسلامیة. لأن الحریة الفکریة کانت مقبولة تحت ظلال الإسلام. وکانت الفلسفة یخضعها الفلاسفة المسلمون للقواعد الأصولیة مما أظهر علم الکلام الذی یعتبر علماً فی الإ لهیات. فترجمت أعمالها فی أوروبا وکان له تأثیره فی ظهور الفلسفة الحدیثة وتحریر العلم من الکهنوت الکنسی فیما بعد. مما حقق لأوربا ظهور عصر النهضة بها. لهذا لما دخل الإسلام هذه الشعوب لم یضعها فی بیات حضاری ولکنه أخذ بها ووضعها على المضمار الحضاری لترکض فیه بلا جامح بها أو کابح لها. وکانت مشاعل هذه الحضارة الفتیة تبدد ظلمات الجهل وتنیر للبشریة طریقها من خلال التمدن الإسلامی. فبینما کانت الحضارة الإسلامیة تموج بدیار الإسلام من الأندلس غربا لتخوم الصین شرقا کانت أوروبا وبقیة أنحاء المعمورة تعیش فی جهل وظلام حضاری.
وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه. فنهل منها معارفه وبهر بها لأصالتها المعرفیة والعلمیة. مما جعله یشعر بالدونیة الحضاریة. فثار على الکهنوت الدینی ووصایة الکنیسة وهیمنتها على الفکر الإسلامی حتى لا یشیع. لکن رغم هذا التعتیم زهت الحضارة الإسلامیة وشاعت. وأنبهر فلاسفة وعلماء أوروبا من هذا الغیث الحضاری الذی فاض علیهم. فثاروا على الکنیسة وتمردوا علیها وقبضوا على العلوم الإسلامیة کمن یقبض على الجمر خشیة هیمنة الکنیسة التی عقدت لهم محاکم التفتیش والإحراق. ولکن الفکر الإسلامی تمکن منهم وأصبحت الکتب الإسلامیة التراثیة والتی خلفها عباقرة الحضارة الإسلامیة فکراً شائعاً ومبهراً.
فتغیرت أفکار الغرب وغیرت الکنیسة من فکرها ومبادئها المسیحیة لتسایرالتأثیر الإسلامی على الفکر الأوربی وللتصدی للعلمانیین الذین تخلوا عن الفکر الکنسی وعارضوه وانتقدوه علانیة. وظهرت المدارس الفلسفیة الحدیثة فی عصر النهضة أو التنویر فی أوروبا کصدى لأفکار الفلاسفة العرب. وظهرت مدن تاریخیة فی ظلال الحکم الإسلامی کالکوفة وحلب والبصرة وبغداد ودمشق والقاهرة والرقة والفسطاط والعسکر والقطائع والقیروان وفاس ومراکش والمهدیة والجزائر وغیرها. کما خلفت الحضارة الإسلامیة مدنا متحفیة تعبر عن العمارة الإسلامیة کإستانبول بمساجدها ودمشق والقاهرة بعمائرها الإسلامیة وحلب وبخارى وسمرقند ودلهی وحیدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطلیطلة وقرطبة وإشبیلیة ومرسیة وسراییفو وأصفهان وتبریز ونیقیا وغیرها من المدن الإسلامیة
مدن الحضارة الإسلامیة :
کانت بدایة الدولة الإسلامیة على یدی النبی محمد بن عبد الله صلی الله علیه وآله وسلم بوضع وثیقة المدینة والتی ألغت کثیراً من العادات القبلیة لصالح دولة حضاریة،وتوسعت بعد ذلک حتى بلغت فی التاریخ الإسلامی من حدود الصین وبورما شرقآ وأراکان المسلمة والهند وباکستان الشرقیة (منطقة صاتغاونغ) شرقاً وحتى حدود فرنسا وإسبانیا الأندلس غرباً و توسعت الأراضی إلى أوروبا والیونان وبعد سقوط الدولة العثمانیة بدأ التوسع الأوربی فی البلاد الإسلامیة.
خلال قرنین من بعد وفاة نبی الإسلام صلی الله عیه وآله وسلم کانت صناعة الکتب منتشرة فی کل أنحاء العالم الإسلامی وکانت الحضارة الإسلامیة تدور حول الکتب. فقد کانت توجد المکتبات الملکیة والعامة والخاصة فی کل مکان حیث کانت تجارة الکتب ومهنة النساخة رائجة وکان یقتنیها کل طبقات المجتمع الإسلامی الذین کانوا یقبلون علیها إقبالا منقطع النظیر. وکان سبب هذا الرواج صناعة الورق بدمشق وسمرقند وبغداد. کانت المکتبات تتیح فرص الاستعارة الخارجیة. وکانت منتشرة فی کل الولایات والمدن الإسلامیة بدمشق والقاهرة وحلب وإیران ووسط آسیا وبلاد الرافدین والأندلس وشمال أفریقیا.و شبکات المکتبات قد وصلت فی کل مکان بالعالم الإسلامی.
وکان الکتاب الذی یصدر فی دمشق أو بغداد تحمله القوافل التجاریة فوق الجمال لیصل لقرطبة بأسبانیا فی غضون شهر. وهذا الرواج قد حقق الوحدة الثقافیة وانتشار اللغة العربیة. وکانت هی اللغة العلمیة والثقاقیة فی شتی الدیار الإسلامیة. کما کان یعنی بالنسخ والورق والتجلید. مما ماجعل صناعة الکتب صناعة مزدهرة فی العالم الإسلامی لإقبال القراء والدارسین علیها واقتنائها. وکانت هذه الکتب تتناول شتی فروع المعرفة والخط وعلوم القرآن وتفاسیره واللغة العربیة والشعر والرحلات والسیر والتراث والمصاحف وغیرها من آلاف عناوین الکتب. وهذه النهضة الثقافیة کانت کافیة لازدهار الفکر العربی وتمیزه وتطوره.وفی غرب أفریقیا فی مملکتی مالی وتمبکتو أثناء ازدهارهما فی عصریهما الذهبی، کانت الکتب العربیة لها قیمتها. وکان من بینها الکتب النادرة التی کانت تنسخ بالعربیة، وکانت المملکتان قد أقامتا المکتبات العامة مع المکتبات الخاصة.
یعتبر القرن التاسع المیلادی له أهمیته فی ثبت الحضارة الإسلامیة المتنامیة. لأن أعمال العلماء المسلمین کانت رائعة وکانوا رجال علم متمیزین. وقد أنشأ لهم بیت الحکمة لتکون أکادیمیة البحث العلمی ببغداد،واقیم هناک مرصدا ومکتبة ضخمة. کما احدث مرصدا ثانیا فی سهل تدمر بالشام. وجمعت المخطوطات من کل الدنیا لتترجم علومها. وحقق هذا التوجه قفزة حضاریة غیر مسبوقة رغم وجود النهضة العلمیة وقتها. وهذا ما لم یحدث بعد إنشاء جامعة ومکتبة الإسکندریة فی القرن الثالث ق.م. وبأنشاء مرصد تدمر قام الفلکیون والعلماء بتحدید میل خسوف القمر ووضعوا جداول لحرکات الکواکب وتم تحدید حجم الأرض، وقاسوا محیطها، فوجدوه 20400 میل ،وقطرها 6500 میل. وهذا یدل علی أن العرب کانوا علی علم وقتها ،بأن الأرض کرویة قبل کویرنیق بخمسة قرون. وفی عصر المأمون عمل الفلکیون فی تدمر على وضع خریطة للأرض وأثبت علماء الفلک دورانها. وقیاساتهم تقریبا لها تطابق ما قاسه علماء الفلک بالأقمار الصناعیة، وأنهم کانوا یعتقدون خطأ أنها مرکز الکون، یدورحولها القمر والشمس والکواکب. وهذا الاعتقاد توارد إلیهم من فکر الإغریق. واکتشفوا الکثیر من النجوم والمجرات السماویة وسموها بأسمائها العربیة التی ما زالت تطلق علیها حتی الآن. وکانت کل الأبحاث فی الفلک والریاضیات قد إنفرد بها العلماء المسلمون وقد نقلوها عن الهنود الذین قد ترجموها عن الصینیین للعربیة وقاموا بتطویرها بشکل ملحوظ.
نهضة علمیة مع هذه النهضة العلمیة ظهرت الجامعات الإسلامیة لأول مرة بالعالم الإسلامی قبل أوروبا بقرنین.وکانت أول جامعة بیت الحکمة أنشئت فی بغداد سنة 830 م، ثم تلاها جامعة القرویین سنة 859 م فی فاس ثم جامعة الأزهر سنة 970 م فی القاهرة. وکانت أول جامعة فی أوروبا أنشئت فی "سالرنو" بصقلیة سنة 1090 م على عهد ملک صقلیة روجر الثانی. وقد أخذ فکرتها عن المسلمین هناک. ثم تلاها جامعة بادوفا بإیطالیا سنة 1222 م. وکانت الکتب العربیة تدرس بها وقتها. وکان للجامعات الإسلامیة تقالید متبعة وتنظیم.فکان للطلاب زی موحد خاص بهم وللأساتذة زی خاص. وربما اختلف الزی من بلد إلی بلد ومن عصر إلی عصر. وقد أخذ الأوربیون عن الزی الجامعی الإسلامی الروب الجامعی المعمول به الآن فی جامعاتهم. وکان الخلفاء والوزراء إذا أرادوا زیارة الجامعة الإسلامیة یخلعون زی الإمارة والوزراة ویلبسون زی الجامعة قبل دخولها.وکانت اعتمادات الجامعات من ایرادات الأوقاف. فکان یصرف للطالب المستجد زی جدید وجرایة لطعامه. وأغلبهم کان یتلقى منحة مالیة بشکل راتب وهو ما یسمى فی عصرنا بالمنحة الدراسیة. فکان التعلیم للجمیع بالمجان یستوی فیه العربی والأعجمی والأبیض والأسود.
وبالجامعات کان یوجد المدن الجامعیة المجانیة لسکنی الغرباء وکان یطلق علیها الأروقة. والطلبة کان یطلق علیهم المجاورون لسکناهم بجوارها. وکان بالجامعة الواحدة أجناس عدیدة من الأمم والشعوب الإسلامیة یعیشون فی إخاء ومساواة تحت مظلة الإسلام والعلم. فکان من بینهم المغاربة والشوام والأکراد والأتراک وأهل الصین وبخارى وسمرقند. وحتى من مجاهل أفریقیا وآسیا وأوروبا. وکان نظام التدریس فی حلقات بعضها یعقد داخل الفصول. وأکثرها کان فی الخلاء بالساحات أو بجوار النافورات بالمساجد الکبری. وکان لکل حلقة أستاذها یسجل طلابها والحضور والغیاب.ولم یکن هناک سن للدارسین بهذه الجامعات المفتوحة. وکان بعض الخلفاء والحکام یحضرون هذه الحلقات.وکانوا یتنافسون فی استجلاب العلماء المشهو رین من أنحاء العالم الإسلامی ،ویغرونهم بالرواتب والمناصب، ویقدمون لهم أقصى التسهیلات لأبحاثهم. وکان هذا یساعد على سرعة انتشار العلم وانتقال الحضارة الإسلامیة بدیار الإسلام. ویمکن القول أن ظهور الحضارة مفهوماً إسلامیاً قد ترجم الرحمة التی بعث بها الأنبیاء على أرض الواقع.
کانت الدولة الإسلامیة تعنی بالمرافق الخدماتیة والعامة بشکل ملحوظ. فکانت تقیم المساجد ویلحق بها المکتبات العامة المزودة بأحدث الإصدارات فی عصرها ودواوین الحکومة والحمامات العامة ومطاعم الفقراء وخانات المسافرین علی الطرق العامة ولاسیما طرق القوافل التجاریة العالمیة، وطرق الحج التراثیة کما کان على طریق الحج من دمشق إلى الدیار المقدسة وإنشاء المدن والخانقاهات والتکایا المجانیة للصوفیة والیتامی والأرامل والفقراء وأبناء السبیل. واقیمت الأسبلة لتقدم المیاه للشرب بالشوارع. وکان إنشاء (البیمارستانات)(المستشفیات الإسلامیة) سمة متبعة فی کل مکان بالدولة الإسلامیة یقدم بها الخدمة المجانیة من العلاج والدواء والغذاء ومساعدة أسر المرضی الموعزین.وکلمة بیمارستان بالفارسیة هو مکان تجمع المرضی ،وکلمة مستشفی معناها بالعربیة مکان طلب الشفاء.لهذا کان الهدف من إنشاء هذه المستشفیات غرضا طبیا وعلاجیا. عکس المستشفیات فی أوروبا وقتها ،کانت عبارة عن غرف للضیافة ملحقة بالکنائس والأدیرة لتقدم الطعام لعابری السبیل أو ملاجیء للعجزة والعمیان والمقعدین ولم تکن للتطبیب. وکان یطلقون على هذه الغرف کلمة مضیفة، وهی مشتقة من کلمة ضیافة. وأول مستشفی بنی بإنجلترا فی القرن 14 م. بعد انحسار الحروب الصلیبیة علی المشرق العربی، بعدما أخذ الصلیبیون نظام المستشفیات الإسلامیة والطب الاسلامی.
وکان أول مستشفی فی الإسلام بناه الولید بن عبد الملک سنة 706 م (88 هـ) فی دمشق. وکان الخلفاء المسلمون یتابعون إنشاء المستشفیات الإسلامیة الخیریة باهتمام بالغ. ویختارون مواقعها المناسبة من حیث الموقع والبیئة الصالحة للاستشفاء والإتساع المکانی بعیدا عن المناطق السکنیة. وأول مستشفى للجذام بناه المسلمون فی التاریخ سنة 707 م بدمشق، فی حین أن أوروبا کانت تنظر إلى الجذام على أنه غضب من الله یستحق الإنسان علیه العقاب حتى أصدر الملک فیلیب أمره سنة 1313 م بحرق جمیع المجذومین فی النار. وکانت المستشفیات العامة بها أقسام طب المسنین، بها أجنحة لکبار السن وأمراض الشیخوخة. وکانت توجد المستشفیات الخاصة. والمستوصفات لکبار الأطباء بالمستشفیات العامة.
ومن المعروف أن الدولة الإسلامیة فی عصور ازدهارها کانت تعطی أهمیة قصوى لمرافق الخدمات العامة مثل المساجد ودواوین الحکومة والحمامات والمطاعم الشعبیة واستراحات المسافرین والحجاج. وبدیهی أن تکون أهم هذه المرافق المستشفیات.. فقد کانت تتمیز بالاتساع والفخامة والجمال مع البساطة. ومن بین هذه المستشفیات التراثیة الیوم مستشفی السلطان قلاوون ومستشفی أحمد بن طولون بالقاهرة والمستشفی السلجوقی بترکیا. وکانت مزودة بالحمامات والصیدلیات لتقدیم الدواء والأعشاب. والمطابخ الکبیرة لتقدیم الطعام الطبی الذی یصفه الأطباء للمرضی حسب مرضهم. لأن الغذاء المناسب للمرض کانوا یعتبرنه جزءا من العلاج.
ویشتمل المستشفیات تحتوى على قاعات کبیرة للمحاضرات والدرس وامتحان الأطباء الجدد وملحق بها مکتبة طبیة ضخمة تشمل على المخطوطات الطبیة. والمشاهد لهذه المستشفیات سیجدها أشبه بالقصورالضخمة والمتسعة، بل والمنیفة. وحول المبنی الحدائق ومن بینها حدیقة تزرع فیها الأعشاب الطبیة.ولم یأت منتصف القرن العاشر المیلادی. حتى کان فی قرطبة بالأندلس وحدها خمسون مستشفی وأکثر منها فی دمشق وبغداد وحلب والقاهرة والقیروان علاوة المستشفیات المتنقلة والمستشفیات المیدانیة لجرحی الحرب، والمستشفیات التخصصیة کمستشفیات الحمیات التی کان بها معزل طبی لعزل الأمراض المعدیة.
وفیها کان یبرد الجو وتلطف الحرارة بنوافیر المیاه أو بالملاقف الهوائیة. ومستشفیات للجراحة التی کان یشترط فیها الجو الجاف لیساعد على التئام الجروح. لکثرة حروب المسلمین فقد طوروا أسالیب معالجة الجروح فابتکروا أسلوب الغیار الجاف المغلق وهو أسلوب نقله عنهم الأسبان وطبقوه لأول مرة فی الحرب الأهلیة الأسبانیة ثم عمم فی الحرب العالمیة الأولى بنتائج ممتازة. وهم أول من استعمل فتیلة الجرح لمنع التقیح الداخلی وأول من استعمل خیوطا من مصارین الحیوان فی الجراحة الداخلیة.. ومن أهم وسائل الغیار على الجروح التی أدخلها المسلمون استعمال عسل النحل الذی ثبت حدیثا أن له خصائص واسعة فی تطهیر الجرح ومنع نمو البکتریا فیه..هذا بالإضافة للتطورات الهائلة فی مجال الطب والتی اعتمدت فی معظمها على هذه المنجزات والاکتشافات الطبیة العربیة.
الحضارة الاسلامیة
الدولة الاسلامیة عام 750م
أسست القوات المسلمة خلال فترة الغزوات الأولى الممتدة ما بین بدایات القرن السابع والقرن الثامن میلادی، تأثرت الخلافة بالفرائض القرآنیة و الأحادیث النبویة الشریفة مثل "مداد العلماء افضل من دماء الشهداء" مشدداً على أهمیة المعرفة. خلال هذه الفترة أصبح العالم الإسلامی المرکز الثقافی والفکری المنفرد فی العالم للعلم والفلسفة والطب والتعلیم حیث أرسخ الأمویون أسباب المعرفة ونشروا الإسلام فی مناطق شتى من الشرق والغرب، وتم تأسیس الکثیر دور العلم والمعرفة وجذبوا العلماء، وقد اطلق أول عملة إسلامیة هی الدینار وواسسوا أول اسطول بحری وشیدوا واشادوا معالم إسلامیة خالدة فی دمشق وقرطبة والقدس والمدینة وحلب وغیرها من المدن الإسلامیة، وأسسوا المستشفیات والمکتبات ودور العلم والعبادة والقصور، وفی العصر العباسی شید بیت الحکمة فی بغداد؛ وهو مکان سعى إلیه کل من العلماء المسلمین وغیر المسلمین لترجمة وجمع وخلق المعرفة من کل العالم إلى اللغة العربیة.
وترجمت العدید من الکتب إلى اللغة العربیة ومن ثم ترجمتها إلى اللغة الترکیة والفارسیة والعبریة واللاتینیة. خلال تلک الفترة کان العالم الإسلامی قدر من الثقافات التی جمعت وألفت وحسنت وطورت الأعمال المجمعة من الحضارات الصینیة والفارسییون والمصریون وشمال أفریقیا والإغریقیة والإسبانیة والصقلیة والبیزنطیة. کانت العائلات الحاکمة الإسلامیة الأخرى فی تلک الفترة مثل الفاطمیین فی مصر والأمویین فی دمشق والأندلس مراکز ثقافیة وفکریة لها مزدهرة مثل دمشق وقرطبة والقاهره. ساعدت الحریة الدینیة فی خلق حضارة ثقافیة متقاطعة حیث أن الحضارة الإسلامیة جذبت المثقفین المسلمین والمسیحیین والیهود الأمر الذی ساعد فی خلق أعظم فترة فلسفیة إبداعیة فی العصور الوسطى وذلک خلال الفترة ما بین القرن الثانی عشر والثالث عشر میلادی
أهم الاختراعات فی تلک الفترة کانت الورق والذی کان فیما سبق سراً یحافظ علیه الصینیون. تم أخذ سر صناعة الورق من أسرى حرب وقعوا أسرى فی ید المسلمین بعد معرکة تالاس سنة 751 میلادی، مما أدى إلى تأسیس مصانع الورق فی سمرقند. مع حلول سنة 900 میلادی کان هناک المئات من المحلات التی اشتغلت بالکتب والنسخ وکما بدأ تأسیس المکاتب العامة. وکما تم تأسیس أول المکاتب التی تعیر الکتب. ثم انتقلت صناعة الورق إلى فاس ومن ثم الأندلس فی العصر الأموی ومن هناک إلى أوروبا وذلک فی القرن الثالث عشر میلادی.
یمکن ربط العدید من هذا التعلم والتطور بالجغرافیا. حتى قبل الإسلام کانت مدینة مکة مرکز التجارة فی شبه الجزیرة العربیة والرسول محمد صلی الله علیه وآله وسلم کان تاجراً. وأصبح تقلید الحج إلى مکة مرکزاً لتبادل الأفکار والبضائع. کان الأثر الذی أحدثه التجار العرب على طرق التجارة العربیة الإفریقیة والتجارة العربیة الآسیویة هائلاً. کنتیجة لذلک، نمت الحضارة الإسلامیة وتوسعت على أساس اقتصاد تجارها، على عکس زملائهم المسیحیین والهنود والصینیین الذین بنوا مجتمعات زراعیة. نقل التجار بضائعهم وإیمانهم إلى الصین والهند (تحوی شبه القارة الهندیة حالیاً على أکثر من 450 ملیون مسلم)، وجنوب آسیا (یتواجد فیها قرابة 230 ملیون مسلم) والممالک المتواجدة فی شمال أفریقیا وعادوا أیضاً باختراعات عظیمة. استعمل التجار أموالهم للاستثمار فی القماش والزراعة.
بالإضافة إلى التجار، لعب المسلمون دوراً مهماً فی نشر الإسلام، من خلال نشر رسائلهم إلى مناطق متنوعة حول العالم. شملت المناطق الأساسیة: فارس وبلاد ما بین النهرین وآسیا الوسطى وشمال أفریقیا. کذلک الأمر کان للصوفیین أثراً رئیسیاً فی نشر الإسلام إلى مناطق مثل شرق أفریقیا والأناضول (التی تشمل ترکیا) وجنوب آسیا وشرق آسیا وجنوب شرق آسیا .
الأخلاق الإسلامیة :
قام العدید من المفکرین المسلمین فی العصور الوسطى بمطاردة وتضمین النزعة الإنسانیة والعقلانیة فی أبحاثهم عن المعرفة والقیم.
ساعد التسامح الدینی فی الإسلام بخلق شبکة متعددة من الثقافات حیث تم جذب المثقفین المسلمین والمسیحیین والیهود مما أتاح وجود أعظم فترة من الإبداع الفلسفی فی العصور الوسطى وذلک فی الفترة من القرن الثامن وحتى الثالث عشر میلادی. هناک سبب آخر لازدهار العالم الإسلامی فی هذه الفترة وهو ترکیز الحضارة الإسلامیة على حریة الکلام،
تعنبر الدراسات العربیة الإسلامیة بمثابة أحدث الدراسات التی تناولت البیئة وعلم البیئة، وخصوصاً التلوث، من الأمثلة على هذه الدراسات ما کتبه الکندی والرازی وابن الجزار والتمیمی وابن النفیس. حیث غطت کتاباتهم عدد من الموضوعات المرتبطة بالتلوث مثل: التلوث الجوی وتلوث المیاه وتلوث التربة وسوء التصرف بالمخلفات الصلبة وتقییم التأثیر البیئی فی مواقع معینة. وجد فی قرطبة فی الأندلس أول صنادیق قمامة وأول منشآت لجمع القمامة والتخلص منها.
المؤسسات :
وجد العدید من المؤسسات التعلیمة والعلمیة المهمة فی العالم الإسلامی، مثل: المستشفیات العامة والمستشفیات النفسیة. والمکتبات العامة ومکتبات الإعارة والجامعات التی کانت تمنح درجات علمیة والمراصد الفلکیة .
کانت أول الجامعات التی قامت بإصدار إجازات دراسیة فی البیمارستان والتی کانت تعتبر جامعات طبیة-علاجیة حیث کانت تمنح لمن یصبح مؤهلاً لممارسة الطب. کتب السیر جون باجوت جلب:
فی العصر الأموی تم العنایة بالطبابة والمعالجة فی دمشق وإنشاء المستشفیات وتنظیم عمل المعالجین والصیادلة والادویة وتدریس الطب،
«"مع حلول عام 870م کانت المدارس الطبیة فعالة جداً فی بغداد. تم فتح أول مستشفى عام مجانی فی بغداد خلال فترة خلافة هارون الرشید. مع تطور النظام، تم تعیین الأطباء والجراحین والذین أعطوا محاضرات لطلاب الطب وکما قاموا بمنح درجة الدبلوم لمن اعتبروهم مؤهلین لممارسة المهنة. تم افتتاح أول مستشفى فی مصر فی سنة 872 میلادی، وقد انتشرت المستشفیات فی کل أنحاء الامبراطوریة الإسلامیة من الشرق إلى الأندلس والمغرب إلى فارس»
یعتبر کتاب جینیس للأرقام القیاسیة أن جامعة القرویین فی فاس فی المغرب أقدم جامعة فی العالم حیث تم تأسیسها فی سنة 859 میلادی. قدمت جامعة الأزهر والتی تم تأسیسها فی القاهرة فی مصر فی القرن العاشر شهادات أکادیمیة منوعة ومن ضمنها شهادات علیا، وکثیراً ما یتم اعتباره أول جامعة کاملة.
بحلول القرن العاشر کان فی قرطبة (حالیا إسبانیا) 700 مسجد و60000 قصر و70 مکتبة، کانت تحوی أکبرها 600000 کتاب. کان یتم نشر ما مجموعه 60000 دراسة وقصیدة ومؤلفة کل سنة. کان یوجد فی مکتبة القاهرة ما یقارب ملیونین کتاب. و کما یقال أن مکتبة طرابلس فی لبنان تحوی على أکثر من 3 ملیون کتاب قبل أن یتم تدمیرها من قبل الصلیبیین. کما یذکر أن عدد الأعمال العلمیة المهمة التی أنجزها العرب المسلمین والتی نجت من التدمیر تزید عن عدد الأعمال العلمیة التی نجت والمکتوبة باللغة اللاتینیة والیونانیة مجتمعین.
قام العالم الإسلامی بتقدیم العدید من مزایا المکاتب الحدیثة حیث لم تعد هذه المکاتب مکان لجمع الکتب فقط، بل تعتبر مکاتب عامة وکما یتم فیها إعارة الکتب، کما کانت تعتبر مرکزاً للتعلیم ونشر العلم، ومرکزاً للنقاش والاجتماع، وفی بعض الأحیان مساکن للعلماء. وکما تم تصنیف الکتب فی هذه المکتبات ولأول مرة بناء على نوع الکتاب..
تم تبنی العدید من المؤسسات القانونیة المتواجدة فی الشریعة الإسلامیة والفقه الإسلامی من قبل الإنکلیز حیث تم هذا النقل من قبل النورمندیین أبان احتلالهم لها کذلک فعل الصقلیین والصلینیین. ومن الأمثلة على هذا ما یلی: العقد الملکی الإنجلیزی یماثل العقد الإسلامی، وکذلک هیئة المحلفین الإنکلیزیة مماثلة للفیف الإسلامی. قادت هذه التأثیرات بعض العلماء إلى اقتراح أن القانون الإسلامی الشریعة الإسلامیة قد تکون أدت إلى تأسیس القانون.
الجوانب الثقافیة المتعددة :
من المظاهر الأخرى للعصر الذهبی للإسلام وجود عدد کبیر من العلماء المسلمین الذین کانوا یلقبوا ب (الحکماء/جمع، حکیم/مفرد)، حیث قام کل منهم بالمساهمة فی مجموعة متنوعة من الحقول الدینیة والعلمیة والتعلیمیة، وهذا یشبه رجالات عصر النهضة مثل لیوناردو دا فینشی. فی هذا العصر کان یتمتع العلماء المسلمین بمعرفة واسعة وعریضة فی مختلف المجالات والحقول ولم یکونوا متخصصین فی مجال واحد.
الاقتصاد :
یعد الاقتصاد فی الدولة الإسلامیة هو أقوى اقتصاد حدث فی العالم منذ قدیم الأزل, ففی عهد الخلیفة عمر بن عبد العزیز کان بیت المال قد امتلأ بالأموال فتم فتحه لمن یرید أن یأخد أی أموال ومع ذلک لم یأت أحد من الناس من کثرة الأموال لدیهم, فکانوا یشترون من بیت المال طعاما للطیور ویلقون بها على الجبال حتى تأکل هذه الطیور
الثورة الزراعیة الإسلامیة :
شهد العصر الذهبی للإسلام تحولاً رئیسیاً فی الزراعة وعرف هذا التحول بالثورة الزراعیة الإسلامیة أو الثورة الخضراء.
وقد أتاح الوضع الاقتصادی العالمی الذی أسسه التجار المسلمون فی جمیع أنحاء العالم القدیم، نشر العدید من النباتات والتقنیات الزراعیة بین أجزاء مختلفة من العالم الإسلامی، فضلا عن تکییف نباتات وتقنیات من خارج العالم الإسلامی.
تم توزیع محاصیل من أفریقیا مثل الذرة ومحاصیل من الصین مثل الحمضیات، ومحاصیل عدیدة من الهند مثل المانجو والأرز وبخاصة القطن وقصب السکر، فی جمیع أنحاء الأراضی الإسلامیة، والتی لم تکن تستطیع أن تنمو من قبل بشکل طبیعی. وقد أشار البعض إلى انتشار العدید من المحاصیل الزراعیة خلال هذه الفترة بـ "عولمة المحاصیل"، والذی، جنبا إلى جنب مع زیادة المیکنة الزراعیة، أدا إلى تغییرات کبیرة فی الاقتصاد والتوزیع السکانی والغطاء النباتی والإنتاج والدخل الزراعی ومستویات السکان والنمو الحضری وتوزیع القوة العاملة والصناعات المترابطة والطبخ والغذاء والملبس، والعدید من الجوانب الأخرى للحیاة فی العالم الإسلامی.
خلال الثورة الزراعیة الإسلامیة، تحول إنتاج السکر إلى صناعة واسعة النطاق من قبل العرب، والذین قاموا ببناء أول معامل لتکریر السکر ومزارع لقصب السکر. العرب والبربر قاموا بتوزیع السکر فی جمیع أنحاء الإمبراطوریة الإسلامیة من أول القرن الثامن.
أدخل المسلمون زراعة المحاصیل النقدیة ونظام حدیث لتناوب المحاصیل، حیث کانت الأراضی المزروعة تزرع أربع مرات أو أکثر فی فترة سنتین، المحاصیل الشتویة کانت تزرع وتلیها المحاصیل الصیفیة.
فی المناطق التی کان یزرع فیها نباتات ذات موسم نمو قصیر، مثل السبانخ والباذنجان، یمکن أن تتم الزراعة ثلاث مرات أو أکثر فی السنة.
وفی أجزاء من الیمن، کان یتم حصاد محصول القمح مرتین فی السنة على نفس الأرض، وکذلک کان الحال بالنسبة للأرز فی العراق.
طور المسلمون منهجا علمیا للزراعة یستند إلى ثلاثة عناصر رئیسیة: أنظمة متطورة لتناوب المحاصیل، ودرجة عالیة من التطور فی تقنیات الری، وإدخال مجموعة کبیرة ومتنوعة من المحاصیل التی تمت دراستها وتصنیفها تبعاً للموسم ونوع الأرض وکمیة المیاه التی تحتاج إلیها.وتم إنتاج موسوعات عدیدة فی الزراعة وعلم النبات تحتوی على تفاصیل دقیقة.
الصناعة :
إن للمهندسین المسلمین فی العالم الإسلامی بشکل عام، عدد من الاستخدامات الصناعیة المبتکرة للطاقة المائیة، واستخدامات صناعیة مبکرة لطاقة المد والجزر وطاقة الریاح والطاقة البخاریة والوقود الأحفوری مثل النفط، وأیضاً مجمعات صناعیة کبیرة (تسمى "طراز" باللغة العربیة).
تعود الاستخدامات الصناعیة للسواقی فی تاریخ العالم الإسلامی إلى القرن السابع المیلادی، بینما کانت تستخدم السواقی ذات العجلات الأفقیة والرأسیة بشکل واسع النطاق منذ القرن التاسع المیلادی على الأقل.
وتم توظیف مجموعة متنوعة من الطواحین الصناعیة فی وقت مبکر فی العالم الإسلامی، بما فی ذلک آلات دعک الملابس ومطاحن الحبوب وبکرات التقشیر ومصانع الورق والمناشر والمطاحن العائمة ومطاحن الطوابع ومطاحن الصلب ومطاحن السکر وطواحین المد والجزر وطواحین الهواء.
بحلول القرن الحادی عشر، کانت کل مقاطعة فی جمیع أنحاء العالم الإسلامی قد تم تشغیل هذه المطاحن الصناعیة فیها، من الأندلس وشمال أفریقیا إلى الشرق الأوسط وآسیا الوسطى.
أیضا اخترع المهندسون المسلمون المحرکات وتوربینات المیاه والتروس المستخدمة فی مصانع وآلات رفع المیاه، وکانوا رواداً فی استخدام السدود کمصدر للطاقة المیاه واستخدامها لتوفیر طاقة إضافیة لطواحین المیاه وآلات رفع المیاه.
هذا التقدم فی العالم الإسلامی فی العصور الوسطى، جعل من الممکن لکثیر من المهام الصناعیة التی کانت تتم فی السابق یدویاً فی العصور القدیمة، أن تتم بدلاً من ذلک بشکل میکانیکی وأن تقودها الآلات.
وکان لنقل هذه التکنولوجیات إلى أوروبا فی العصور الوسطى، تأثیر على الثورة الصناعیة.
تولدت عدد من الصناعات نتیجة للثورة الإسلامیة الزراعیة، بما فی ذلک الصناعات القائمة على الزراعة، والأدوات الفلکیة والسیرامیک والمواد الکیمیائیة والتکنولوجیات والتقطیر والساعات والزجاج والآلات المعتمدة على طاقتی المیاه والریاح والحصیر والفسیفساء والورق والعطور ومنتجات البترول والأدویة وصنع الحبال والشحن وبناء السفن والحریر والسکر والمنسوجات والمیاه والأسلحة والتنقیب عن المعادن مثل الکبریت والأمونیا والرصاص والحدید.
تم بناء المجمعات الصناعیة الکبیرة (الطراز) لکثیر من هذه الصناعات وذلک فی وقت مبکر، وتم فی وقت لاحق نقل المعرفة بهذه الصناعات إلى أوروبا فی القرون الوسطى، وخصوصا عبر الترجمات اللاتینیة التی تمت فی القرن الثانی عشر، وکذلک فیما قبله وبعده.
فعلى سبیل المثال، تم تأسیس أول مصانع للزجاج فی أوروبا فی القرن الحادی عشر على ید حرفیین مصریین فی الیونان. کما شهدت الصناعات الزراعیة والحرفیة مستویات عالیة من النمو خلال هذه الفترة أیضاً.
صناعة السفن والملاحة :
وکانت صناعة السفن فی کل أنحاء العالم الإسلامی فی ظلال الخلافة الإسلامیة الأمویة والعباسیة. فقام الأمویون بتأسیس أول أسطول بحری إسلامی ولقد ظهرت صناعة السفن والأساطیل بموانیء الشام بعکا وارواد وصور وطرطوس وطربلس واللاذقیة وحیفا. وفی المغرب کانت هناک طرابلس وتونس وسوسة وطنجة ووهران والرباط. وفی الأندلس اشتهرت إشبیلیة ومالقة ومرسیة، وفی مصر اشتهرت المقس الإسکندریة ومحافظة دمیاط وعیذاب (على ساحل البحر الأحمر).وکانت المراکب النیلیة تصنع بالقاهرة.وکانت ترسانات البحریة لصناعة السفن یطلق علیها دور الصناعة وکان المسلمون أول من نظم صناعة السفن فی العصر الإسلامی. وکان الأسطول یتکون من عدة أنواع من السفن مختلفة الحجم ولکل نوع وظیفة. فالشونة کانت حاملات للجنود، والأسلحة الثقیلة.
'وفی علوم الملاحة وعلوم البحار کتب الجغرافیون المسلمون کتبهم. فضمنوها وصفا دقیقا لخطوط الملاحة البحریة، کماوضعوا فیها سرودا تفصیلیة لکل المعارک الإسلامیة البحریة، ثم وصفوا فیها البحار والتیارات إلمائیة والهوائیة، ومن أشهر الجغرافیین المسلمین المسعودی والمقدسی ویاقوت الحموی والبکری والشریف الادریسی ومن الرحالة ابن جبیر وابن بطوطة. وهناک کتب ابن ماجد فی علوم البحار مثل کتاب "الفوائد فی أصول علم البحر والقواعد" وأرجوزته بعنوان "حاویة الاختصار فی أصول علم البحار" وهناک مخطوط باسم سلیمان المهری عنوانه "المنهاج الفاخر فی العلم البحری الزاخر: و"العمدة المهریة فی ضبط العلوم البحریة".
العمالة :
لقد أعز الإسلام العامل ورعاه وکرمه، واعترف بحقوقه لأول مرة فی تاریخ العمل، بعد أن کان العمل فی بعض الشرائع القدیمة معناه الرق والتبعیة، وفی البعض الآخر معناه المذلة والهوان.
فقد قرر الإسلام للعمال حقوقهم الطبیعیة – کمواطنین – من أفراد المجتمع، کما جاء بکثیر من المبادئ لضمان حقوقهم – کعمال – قاصداً بذلک إقامة العدالة الاجتماعیة وتوفیر الحیاة الکریمة لهم ولأسرهم فی حیاتهم وبعد مماتهم.
کما دعا الإسلام أصحاب الأعمال إلى معاملة العامل معاملة إنسانیة کریمة، وإلى الشفقة علیه والبر به وعدم تکلیفه ما لا یطیق من الأعمال إلى غیر ذلک من الحقوق التی منحها الإسلام للعامل .
التقنیة :
الحضارة الاسلامیة
قام عباس بن فرناس بالطیران من فوق منارة المسجد الکبیر بقرطبة
تم إنتاج عدد کبیر من الاختراعات من قبل المهندسین والمخترعین المسلمین فی العصور الوسطى، مثل عباس بن فرناس والأخوة الثلاثة بنو موسى وتقی الدین الشامی وأبرزهم کان بدیع الزمان الجزری.
من بعض الابتکارات التی یعتقد أنها نتاج العصر الذهبی للإسلام تشمل کامیرا بدائیة واکتشاف البن واختراع الصابون ومعجون الأسنان والشامبو والتقطیر النقی والتسییل والبلورة والتنقیة والأکسدة والتبخیر والترشیح والکحول المقطر وحمض الیوریک وحامض النیتریک والإنبیق والمحرک المرفقی والصمام ومضخة مکبس الشفط الترددیة وصناعة الساعات المیکانیکیة عن طریق المیاه والأوزان والأقفال المجمعة وصناعة النسیج والمشرط ومنشار العظام والملقط والخیوط الجراحیة وطواحین الهواء والتطعیم ولقاح الجدری وقلم الحبر والترمیز والتحلیل المتواتر والوجبة الثلاثیة والزجاج الملون وزجاج الکوارتز والسجاد الفارسی والعالم السماوی.
التحضر :
بازدیاد التوسع العمرانی، نمت المدن الإسلامیة بشکل غیر منظم، مما أدى إلى وجود شوارع ضیقة ومتعرجة ووجود فواصل فی أحیاء المدن بین خلفیات عرقیة وانتماءات دینیة مختلفة.
مثل هذه الصفات أثبت کفاءة فی نقل البضائع من وإلى المراکز التجاریة الکبرى مع الحفاظ على الخصوصیة التی تقدرها الحیاة الأسریة الإسلامیة. وتقع المناطق السکنیة خارج المدینة المسورة، وتتراوح بین مجتمعات سکنیة غنیة وأخرى عاملة شبه فقیرة.
مقالب القمامة کانت تقع على مسافة بعیدة من المدینة، وکذلک کانت المقابر، والتی کانت واضحة المعالم وکانت غالبا ما تکون سکناً للمجرمین. مکان الصلاة کان یوجد بالقرب من إحدى البوابات الرئیسیة.
وبالمثل، فإن أماکن التدریب العسکری کانت توجد بالقرب من إحدى البوابات الرئیسیة.
أیضاً کان یوجد بمدن المسلمین نظم میاه للأغراض المنزلیة وشبکات للصرف الصحی وحمامات عامة ونوافیر وانابیب میاه للشرب، وکانت تنتشر المراحیض العامة والخاصة ومرافق الاستحمام على نطاق واسع. بحلول القرن العاشر المیلادی کان بقرطبة 700 مسجد و60000قصر و70 مکتبة.
کما شهدت زیادة فی متوسط العمر المتوقع عند الولادة فی الأراضی الواقعة تحت ظل الحکم الإسلامی، وذلک بسبب الثورة الزراعیة فضلا عن تحسین الرعایة الطبیة.
وعلى النقیض من متوسط العمر فی العصر الیونانی والرومانی القدیم العالم (22-28 سنة)، کان متوسط العمر فی بدایة الخلافة الإسلامیة أکثر من 35 عاما.
ومتوسط أعمار طبقة علماء الإسلام على وجه الخصوص کان أعلى من ذلک بکثیر: 84.3 سنة فی العراق وبلاد فارس فی القرنین العاشر والحادی عشر، و72.8 سنة فی الشرق الأوسط فی القرن الحادی عشر، و69-75 سنة فی أسبانیا الإسلامیة فی القرن الحادی عشر، و75 سنة فی بلاد فارس فی القرن الثانی عشر، و59 - 72 عاما فی بلاد فارس فی القرن الثالث عشر.
شهدت أیضا الإمبراطوریة الإسلامیة نموا فی مجال محو الأمیة، وکان معدل معرفة القراءة والکتابة الأعلى فی العصور الوسطى، بالمقارنة بمثیله فی أثینا فی العصور الکلاسیکیة القدیمة وکان أیضاً على نطاق أوسع.
العلوم :
تم تطویر أسالیب علمیة مبکراً فی العالم الإسلامی، وحدث تقدم کبیر فی المنهجیة، ولا سیما فی القرن الحادی عشر المیلادی وذلک من خلال أعمال ابن الهیثم، والذی یعتبر رائدا فی الفیزیاء التجریبیة.
أهم تطور فی المنهج العلمی هو استخدام التجریب والقیاس الکمی للتمییز بین مجموعة من النظریات العلمیة المتکافئة فی إطار توجه تجریبی بشکل عام. قام ابن الهیثم بتألیف "کتاب البصریات"، والذی صحح فیه الکثیر فی مجال البصریات، وأثبت تجریبیا أن الرؤیة تتم بسبب أشعة الضوء التی تدخل العین، واخترع أول جهاز یشبه الکامیرا کانو یسمونها(القمرة) للتدلیل على الطبیعة الفیزیائیة للأشعة الضوئیة.
کما تم وصف ابن الهیثم بأنه "العالم الأول" لابتکاره المنهج العلمی، وعمله الرائد فی مجال علم نفس الإدراک البصری یعتبر مقدمة لعلم النفس الطبیعی وعلم النفس التجریبی.
مراجعة الأقران :
عملیة مراجعة الأقرآن الطبیة، هی العملیة التی تقوم فیها لجنة من الأطباء بالتحقیق فی الرعایة الطبیة المقدمة، من أجل تحدید ما إذا کان قد تم الوفاء بمعاییر مقبولة من الرعایة، ووجدت أقدم هذه المراجعات فی کتاب "أدب الطبیب" الذی کتبه إسحاق بن علی الرهاوی (854 -931) من الرها فی سوریا.
تقول أعماله وکذلک الأدلة الطبیة العربیة فی وقت لاحق عنه، أن الطبیب الزائر یجب دائما أن یسجل ملاحظات مکررة لحالة المریض فی کل زیارة.
وعندما یشفى المریض أو یموت، یتم استعراض تلک الملاحظات من قبل مجلس طبی محلی مکون من أطباء آخرین، وتتم مراجعتها وتقریر ما إذا کان أدائه قد استوفى المعاییر المطلوبة من الرعایة الطبیة.
وإذا کانت نتائج تلک المراجعات سلبیة، یمکن أن یواجه الطبیب الممارس دعوى قضائیة من قبل مریض تم علاجه بشکل سیء.
وقد تم وصف أول مراجعة أقرآن طبیة، وتقییم نتائج البحوث من حیث الکفاءة والأهمیة والأصالة من خبراء مؤهلین، وذلک فی "الملاحظات والمقالات طبیة" والتی نشرتها الجمعیة الملکیة فی ادنبره فی عام 1731.
وقد تطور نظام مراجعة الأقرآن الحالی من هذه العملیة التی تمت فی القرن الثامن عشر.
علم الفلک :
عرف العلماء المسلمون علم الفلک وتعمقوا فیه وطوروه، فعرفوا المواقیت الزمانیة والمکانیة، وحددوا جهة القبلة ومواقع البلاد الإسلامیة حسب خطوط الطول ودوائر العرض.
الکیمیاء :
الحضارة الاسلامیة
رسم ثلاثی الأبعاد للإنبیق
یعتبر جابر بن حیان رائداً فی الکیمیاء، وذلک لکونه مسؤولاً عن إدخال المنهج العلمی التجریبی فی وقت مبکر فی هذا المجال، فضلاً عن اختراعه للإنبیق والمقطرة والمعوجة والعملیات الکیمیائیة للتقطیر النقی والترشیح والتسامی والتبلور والتنقیة والأکسدة والتبخر.
کان الکندی أول من دحض دراسة الکیمیاء التقلیدیة ونظریة تحویل الفلزات، وتلاه فی ذلک أبو الریحان البیرونی وابن سینا وابن خلدون.
کان الرازی أول من أثبت، باستخدام طریقة تجریبیة، خطأ نظریة أرسطو للعناصر الکلاسیکیة ونظریة جالینوس عن تکوین جسم الإنسان وذلک فی کتابه "شکوک حول جالینوس".
وقدم نصیر الدین الطوسی إصداراً مبکراً لقانون حفظ الکتلة، مشیرا إلى أن جسم المادة قابل للتغیر، ولکنه لا یستطیع أن یفنى.
یعتبر الکسندر فون همبولت وویل دیورانت الکیمیائیین المسلمین فی العصور الوسطى، أنهم مؤسسی الکیمیاء.
الریاضیات :
من بین انجازات علماء الریاضیات المسلمین خلال هذه الفترة, تطویر علم الجبر والخوارزمیات وذلک بواسطة عالم الریاضیات العربی المسلم محمد بن موسى الخوارزمی، واختراع علم المثلثات الکرویة، وإضافة العلامة العشریة إلى الأرقام العربیة، واکتشاف جمیع وظائف علم المثلثات بالإضافة إلى الوظیفة السینیة، ومقدمة الکندی فی تحلیل الشفرات وتحلیل التردد، ومقدمة الکرجی فی حساب التفاضل والتکامل والإثبات عن طریق الحث الریاضی، وتطویر ابن الهیثم للهندسة التحلیلیة ووضعه لأقدم صیغة عامة لحساب التفاضل والتکامل المتناهی فی الصغر والذی لا یتجزأ، وبدایة الهندسة الجبریة بواسطة عمر الخیام، والتفنیدات الأولى من نصیر الدین الطوسی للهندسة الإقلیدیة والمسلمة المتوازیة، وأول محاولة من صدر الدین فی الهندسة الغیر الإقلیدیة، وتطویر علم الجبر الرمزی بواسطة أبو الحسن علی بن محمد القلصدی، والعدید من التطویرات الأخرى فی الجبر والحساب وحساب التفاضل والتکامل والترمیز والهندسة ونظریة الأعداد وعلم المثلثات.
الطب
الحضارة الاسلامیة
مخطوطة تصف العین
کان الطب الإسلامی نوعاً من أنواع الکتابة الطبیة التی تأثرت بالعدید من الأنظمة الطبیة المختلفة. فقد کان لأعمال الأطباء الیونانیین والرومان القدماء مثل أبقراط ودایوسکوریدس وسورانوس وسلسوس وجالینوس، تأثیر دائم على الطب الإسلامی.
أیضاً قدم الأطباء المسلمون مساهمات متمیزة کثیرة فی الطب، وذلک فی التشریح والطب التجریبی وطب العیون والأمراض والعلوم الصیدلانیة والفیزیولوجیا والجراحة، الخ.
کما أنشؤوا أوائل المستشفیات المتخصصة، بما فی ذلک أول مدارس طبیة ومستشفیات للأمراض النفسیة.
وقد کتب الکندی "رسالة فی معرفة قوى الأدویة المرکبة"، والذی أظهر أول تطبیق للقیاس الکمی والریاضیات فی الطب والصیدلة، مثل المقیاس الریاضی لقیاس قوة الأدویة والتنبؤ بأخطر أیام المرض لدى الشخص المصاب.
واکتشف الرازی الحصبة والجدری، وفی کتابه "شکوک حول جالینوس"، أثبت خطأ نظریة جالینوس للأخلاط.
ساعد أبو القاسم فی إرساء أسس الجراحة الحدیثة، وذلک فی "کتاب التصریف"، والذی اخترع فیه العدید من الأدوات الجراحیة، بما فی ذلک الأدوات الأولى التی تخص المرأة، فضلا عن الاستخدامات الجراحیة للخیوط الجراحیة والملقط والضمد والإبر الجراحیة والمشرط والمجرفة والضام والملعقة الجراحیة والصوت والخطاف الجراحی والقضیب الجراحی والمناظیر ونشر العظام.
وأحدث ابن الهیثم تقدما هاما فی جراحة العیون، کما شرح بشکل صحیح وللمرة الأولى عملیة الإبصار والإدراک البصری وذلک فی کتابه "کتاب البصریات".
وقدم العالم الفارسی ابن سینا الطب التجریبی واکتشف الأمراض المعدیة وابتکر الحجر الصحی وتجربة الأدویة، ووصف العدید من مواد التخدیر والعقاقیر الطبیة والعلاجیة، وذلک فی کتابه "القانون فی الطب".
ساعد ابن سینا فی إرساء أسس الطب الحدیث وذلک من خلال کتابه "القانون فی الطب"، والذی کان مسؤولا عن إدخال التجریب المنظم والکمی فی علم وظائف الأعضاء، واکتشاف الأمراض المعدیة وإدخال الحجر الصحی للحد من انتشارها، وإدخال الطب التجریبی، والعلاج المبنی على الأدلة، وتجربة الأدویة، والتجارب العشوائیة المحکومة، واختبارات الفعالیة، والصیدلة السریریة، والوصف الأول للبکتیریا والکائنات الفیروسیة، والتمییز بین التهاب الأنسجة الصدریة والتهاب الغشاء الرئوی، والطبیعة المعدیة لمرض السل، وانتشار الأمراض عن طریق المیاه والتربة، والاضطرابات الجلدیة، والأمراض المنقولة جنسیا، والانحرافات، والأمراض العصبیة، واستخدام الثلج لعلاج الحمى، والفصل بین الطب وبین علم الصیدلة.
وکان ابن زهر أول جراح تجریبی معروف، فقد کان مسؤولاً عن إدخال الأسلوب التجریبی فی الجراحة وذلک فی القرن الثانی عشر. کما أنه کان أول من قام بالاختبارات على الحیوانات لتجربة العملیات الجراحیة قبل تطبیقها على المرضى من البشر.
کما أجرى أول تشریح للجثة بعد الوفاة وذلک على البشر والحیوانات.
وضع ابن النفیس أسس علم وظائف الأعضاء الدوری، کما أنه کان أول من وصف الدورة الدمویة الرئویة والدورة الدمویة للشریان التاجی، والتی تشکل الأساس لنظام الدورة الدمویة، والذی اعتبر بسببه "أعظم فیزیولوجی فی العصور الوسطى". کما وصف أیضاً المفهوم المبکر لعملیة الأیض، ووضع نظم جدیدة للفیزیولوجیا وعلم النفس لتحل محل نظم ابن سینا وجالینوس ونقد العدید من نظریاتهما الخاطئة بشأن الخلاط والنبض والعظام والعضلات والامعاء والحواس والقنوات الصفراویة والمریء والمعدة، الخ.
ورفض ابن اللبودی نظریة الخلاط، واکتشف أن الجسم والحفاظ علیه یعتمد حصریاً على الدم، وأن المرأة لا یمکنها إنتاج الحیوانات المنویة، وأن حرکة الشرایین لا تعتمد على حرکة القلب، وأن القلب هو أول عضو یتم تشکله فی جسم الجنین، وأن العظام المکونة للجمجمة یمکن أن تتحول إلى أورام.
کما اکتشف ابن خاتیمة وابن الخطیب أن الأمراض المعدیة تسببها الکائنات الحیة الدقیقة التی تدخل جسم الإنسان.
وقام منصور بن الیاس برسم مخططات شاملة لهیکل الجسم، والجهاز العصبی والدورة الدمویة.
الفیزیاء
الحضارة الاسلامیة
أثبت ابن الهیثم أن الضوء یسافر فی خطوط مستقیمة
بدأت دراسة الفیزیاء التجریبیة مع ابن الهیثم، وهو أحد رواد علم البصریات الحدیث، وقد أدخل المنهج العلمی التجریبی وقام باستخدامه لیحدث تغییر جذری فی فهم ورؤیة الضوء وذلک فی کتابه "کتاب البصریات" والذی تم وضعه جنبا إلى جنب فی المرتبة مع کتاب اسحق نیوتن "المبادئ الریاضیة للفلسفة الطبیعیة" باعتباره واحد من أکثر الکتب تأثیرا فی تاریخ الفیزیاء، وذلک لقیامه بعمل ثورة علمیة فی مجال البصریات والإدراک البصری.
وسرعان ما تم إدخال المنهج العلمی التجریبی فی المیکانیکا من قبل البیرونی، وتم اکتشاف مؤشرات مبکرة لقوانین نیوتن فی الحرکة من قبل العدید من العلماء المسلمین.
قانون القصور الذاتی، والمعروف باسم قانون نیوتن الأول للحرکة، ومفهوم الزخم قد تم اکتشافهما من قبل ابن الهیثم وابن سینا.
تم اکتشاف التناسب بین القوة والتسارع، وهو ما یعتبر "القانون الأساسی لعلم المیکانیکا الکلاسیکیة" والذی یمثل مؤشر لقانون نیوتن الثانی للحرکة، من قبل هبة الله أبی البرکات البغدادی، فی حین أن مفهوم رد الفعل، والذی یمثل مؤشر لقانون نیوتن الثالث للحرکة، قد تم اکتشافه من قبل ابن باجة.
وتم وضع نظریات تمثل مؤشرات لقانون نیوتن فی الجاذبیة الکونیة من قبل جعفر محمد بن موسى بن شاکر وابن الهیثم وعبدالرحمن الخزینی.
وقد أثریت المعالجات الریاضیة للتسارع والتی قام بها غالیلیو غالیلی، وأیضاً مفهومه للدفعة، وذلک من خلال التعلیقات التی قام بها ابن سینا وابن باجة على فیزیاء أرسطو، فضلا عن المدرسة الأفلاطونیة الحدیثة فی الإسکندریة، والتی یمثلها جون فیلوبوناس.
علوم أخرى :
قام العلماء المسلمون بالعدید من التطورات الأخرى فی مجال البیولوجیا (علم التشریح وعلم النبات والتطور والفیزیولوجیا وعلم الحیوان)، وعلوم الأرض (الأنثروبولوجیا وعلم رسم الخرائط والجیودیسیا والجغرافیا والجیولوجیا)، وعلم النفس (علم النفس التجریبی والطب النفسی وعلم النفس البدنی والعلاج النفسی)، والعلوم الاجتماعیة (الدیموغرافیا والاقتصاد وعلم الاجتماع والتاریخ والتأریخ).
ومن العلماء المسلمین المشهورین خلال العصر الذهبی للإسلام یذکر الفارابی (عالم موسوعی) والبیرونی (عالم موسوعی وکان واحدا من العلماء المبکرین فی الانثروبولوجیا ورائدا فی الجیودیسیا)، ونصیر الدین الطوسی (عالم موسوعی)، وابن خلدون (الذی یعتبر رائداً فی علوم اجتماعیة عدیدة مثل الدیموغرافیا والاقتصاد والتاریخ الثقافی والتأریخ وعلم الاجتماع)، وآخرین.
الإنجازات الأخرى
الهندسة المعماریة
الحضارة الاسلامیة
قصر الحمراء بغرناطة.
وکان المعمار الإسلامی یعتمد علی النواحی التطبیقیة لعلم الحیل وهذا یتضح فی إقامة المساجد والمآذن والقباب والقناطر والسدود فلقد برع المسلمون فی تشیید القباب الضخمة ونجحوا فی حساباتها المعقدة التی تقوم علی طرق تحلیل الإنشاءات القشریة. فهذه الإنشاءات المعقدة والمتطورة من القباب مثل قبة الصخرة فی بیت المقدس وقباب مساجد الأستانة ودمشق والقاهرة وحلب والأندلس والتی تختلف اختلافا جذریاً عن القباب الرومانیة وتعتمد اعتمادا کلیا علی الریاضیات المعقدة. فلقد شید البناؤن المسلمون المآذن العالیة والطویلة والتی تختلف عن الأبراج الرومانیة. لأن المئذنة قد یصل ارتفاعها إلى سبعین مترا فوق سطح المسجد.وأقاموا السدود الضخمة أیام العباسیین والفاطمیین وفی الشام والأندلسیین فوق الأنهار کسد النهروان وسدود عدیدة فی سوریا. کما أقاموا سور مجری العیون بالقاهرة وقناطر وسواقی المیاة فی حماة التی لا مثیل لها فی العالم. وکانت هناک سواقی فی بعض البلاد الإسلامیة تدار بالحیوانات لتروی المزارع والحقول أو السواقی التی تدور بقوة الماء ترفع المیاه لعشرة أمتار لیتدفق فی القناة فوق السور وتسیر بطریقة الأوانی المستطرقة کما هو الحال بالسواقی الضخمه (النواعیر) على نهر العاصی فی حماه وسط سوریا. تتمیز الحضارة الإسلامیة بالتوحید والتنوع العرقی فی الفنون والعلوم والعمارة طالما لاتخرج عن نطاق القواعد الإسلامیة. ففی العمارة بنى أبو جعفر المنصور الخلیفة العباسی، على نهر دجلة عاصمته بغداد سنة (145- 149 هـ) على شکل دائری، وهو اتجاه جدید فی بناء المدن الإسلامیة، لأن مـعظم المدن الإسلامیة، کانت إما مستطیلة کالفسطاط، أو مربعة کالقاهرة، أو بیضاویةکصنعاء. ولعل السبب فی ذلک یرجع إلى أن هذه المدن نشأت بجوار مرتفعات حالت دون استدارتها. ویعتبر تخطیط المدینة المدورة (بغداد)، ظاهرة جدیدة فی الفن المعماری الإسلامی ولاسیما فی المدن الأخرى التی شیدها العباسیون مثل مدینة سامراء وما حوته من مساجد وقصور خلافیة فخمة. وظهرت مدن تاریخیة فی ظلال الحکم الإسلامی کالکوفة والبصرة وبغداد والقاهرة والرقة والقطائع والقیروان وفاس ومراکش والمهدیة والجزائر وغیرها. کما خلفت الحضارة الإسلامیة مدنا متحفیة تعبر عن العمارة الإسلامیة کإستانبول بمساجدها والقاهرة ودمشق بعمائرها الإسلامیة وحلب وحمص وبخاری وسمرقند ودلهی وحیدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطلیطلة وقرطبة وإشبیلیة ومرسیة وسراییفو وأصفهان وتبریز ونیقیا والقیروان والحمراء وغیرها من المدن الإسلامیة. وکان تخطیط المدن سمة العمران فی ظلال الخلافة الإسلامیة التی إمتدت من جتوب الصین حتی تخوم جنوب فرنسا عند جبال البرانس. وکانت المدن التاریخیة متاحف عمرانیة تتسم بالطابع الإسلامی. فکانت المدینة المنورة قد وضع النبی أساسها العمرانی والتخطیط حیث جعل مسجده فی وسط المدینة ،وألحق به بیته وجعلها قطائع حددلها إتساع شوارعها الرئیسیة. وکلها تتحلق حول مسجده. وجعل سوقها فی قلب مدینته. لتکون بلد جنده. وعلى نمط مدینة رسول الله فی الإسلام أقیمت مدن الکوفة والفسطاط لتکون أول بلدة إسلامیة بأفریقیا. وقد أقامها عمرو بن العاص کمدینة جند فجعل مسجده فی قلبها وبجواره دوواین الجند ودار الإمارة. وکذلک کانت مدینة القیروان بشمال أفریقیا.وکان التخطیط العمرانی له سماته الشرعیة حیث تشق الشوارع بالمدینة الإسلامیة تحت الریح لمنع التلوث وتقام الورش تحت خارج المدینة لمنع الإقلاق. وکان تمنح تراخیص للبناء بحیث یکون المبنی من طابق أو طابقین. والأسواق کانت مسقوفة لمنع تأثیر الشمس.
کان لکل سوق محتسب لمراقبة البیع والأسعار وجودة البضائع والتفتیش علی المصانع للتأکد من عدم الغش السلعی والإنتاجی.وبکل مدینة أو بلدة کانت تقام الحمامات العامة لتکون مجانا. وکان لها مواصفات وشروط متفقط متبعة.وکان یتم التفتیش علی النظافة بها واتباع الصحة العامة. حقیقة کانت الحمامات معروفة لدی الإغریق والرومان، لکنها کانت للموسرین. والعرب أدخلوا فیها التدلیک کنوع من العلاج الطبیعی. واقاموا بها غرف البخار (السونا).والمسلمون أول من أدخلوا شبکات المیاه فی مواسیر الرصاص أو الزنک إلى البیوت والحمامات والمساجد.. وقد أورد کتاب "صناعات العرب" رسما وخرائط لشبکات المیاه فی بعض العواصم الإسلامیة. ومعروف أن الکیمیائیین العرب قد اخترعوا الصابون. وصنعوا منه الملون والمعطر وانتشرت صناعته فی حلب وطرابلس. وکان فی کل حمام مدلک مختص. وآخر للعنایة بالیدین. والقدمین وبه حلاق للشعر کما کان یلحق به مطعم شعبی. وقد قدر عدد الحمامات فی بغداد وحدها فی القرن الثالث الهجری (955 م) حوالی عشرة آلاف حمام وفی مدن الأندلس الأمویة أضعاف هذا العدد.
ویعتبر المسلمون المسجد بیتا من بیوت الله حیث یؤدی به شعائر الخمس صلوات وصلاة الجمعة التی فرضت علی المسلمین ویقام فیه تحفیظ القرآن. وبکل مسجد قبلة یتوجه کل مسلم فی صلاته لشطر الکعبة بیت الله الحرام. وأول مسجد أقیم فی الإسلام(مسجد قباء) مسجد الرسول بالمدینة المنورة. وکان ملحقا به بیته. وانتشرت إقامة المساجد کبیوت لله فی کل أنحاء العالم لیرفع من فوق مآذنها الآذان للصلاة. وقد تنوعت فی عمارتها حسب طرز العمارة فی الدول التی دخلت فی الإسلام. لکنها کلها موحدة فی الإطار العام ولاسیما فی اتجاهمحاریب القبلة بها لتکون تجاه الکعبة المشرفة. وبکل مسجد یوجد المنبر لإلقاء خطبة الجمعة من فوقه. وفی بعض المساجد توجد أماکن معزولة مخصصة للسیدات للصلاة بها. وللمسجد مئذنة واحدة أو أکثر لیرفع المؤذن من فوقها الآذان للصلاة وتنوعت طرزها. وبعض المساجد یعلو سقفها قبة متنوعة فی طرزها المعماریة.
وفی المساجد نجد المحراب علامة دلالیة لتعیین اتجاه القبلة (الکعبة). وهذه العلامة على هیئة مسطح أو غائر(مجوف) أو بارز.والمسلمون استعملوا المحاریب المجوفة ذات المسقط المتعامد الأضلاع. أو المسقط النصف دائری. وقداختیرت الهیئة المجوفـة للمحراب لغرضین رئیسین هما، تعیین اتجاه القبلة، وتوظیف التجویف لتضخیم صوت الإمام فی الصلاة لیبلغ المصلین خلفه فی الصفوف. وکانت تجاویف المحاریب تبطن وتکسى بمواد شدیدة التنـوع کالجص والرخام والشرائط المزخرفة بالفسیفساء أو المرمر المزخرف.ونری المحاریب التی شیدها الممالیک فی مصر والشام من أبدع المحاریب الرخامیة، حیث تنتهی تجویفة المحراب بطاقیة على شکل نصف قبـة مکسوة بأشرطة رخامیة متعددة الألوان. وأبرع الفنانون المسلمون فی استخدام مختلف أنواع البلاطات الخزفیة لتغشیة المحاریب أما الخزافون فی الشرق، فقد إساخدموا استخداموا بلاطات الخزف ذات البریق المعدنی والخزف الملون باللون الأزرق الفیروزی. وقد حفلت المحاریب بالکتابات النسخیة التی تضم آیات من القرآن، بجانب الزخارف النباتیة الممیزة بالتوریق والأرابیسک. کما استخدمت فیها المقرنصات الخزفیة لتزیین طواقی المحاریب. وجرت العادة وضع المحراب فی منتصف جدار القبلة بالضبط لیکون محوراً لتوزیع فتحات النوافذ على جانبیه بالتوازن.
و المئذنة(المنارة) الملحقة ببنایات المساجد لها سماتها المعماریة.و تتکون من کتلة معماریة مرتفعة کالبرج وقد تکون مربعة أو مستدیرة أو بها جزء مربع وأعلاها مستدیر. وبداخلها سلم حلزونی (دوار) یؤدی إلی شرفة تحیط بالمئذنة لیؤذن من علیها المؤذن ولیصل صوته أبعد مدى ممکن. والمآذن المملوکیة تتکون من جزء مربع ثم جزء مثمن ثم جزء مستدیر بینهم الدروات ویعلوها جوسق ینتهى بخوذة یثبت بها صوارى تعلق بها ثرایات أو فوانیس. ومئذنة مدرسةالسلطان الغورى بالقاهرة، أقیم فی طرفها الغربی منار مربع یشتمل على ثلاثة أدوار یعلو الدور الثالث منها أربع خوذ کل خوذة منها فی دور مستقل، ومحمولة على أربعة دعائم وبکل خوذة ثلاث صوارى لتعلیق القنادیل أو الثریات ومأذن دمشق المتنوعة فی مساجد وجوامع دمشق التاریخیة بین الطراز الأموی والمملوکی والأیوبی وفی الجامع الأموی حیث ترتفع أقدم مأذنة فی الإسلام.
الفنون :
الحضارة الاسلامیة
مخطوط أندلسی للقرآن من القرن الثانی عشر.
فن التصویر، أی رسم الإنسان والحیوان. فبالرغم من أن بعض علماء المسلمین الأولین، اعتبروه مکروهاً، إلا أنهم لم یفتوا بتحریمه. فقد ترخصوا فی ذلک حیث خلفوا صورا آدمیة متقنة على جدران قصورهم التی اکتشفت آثارها فی بادیة الشام فی سوریا مثل قصر الحیر الشرقی وقصر الحیر الغربی وقصر ابن وردان وفی شرق الأردن وسامراء، أو فی الکتب العربیة الموضحة بالصور الجمیلة التی رسمها المصورون المسلمون کالواسطی وغیره، فی مقامات "الحریری " وکتاب "کلیلة ودمنة التصویر فی الفن الإسلامی وفن التصویر إقتصر أول الأمر على رسوم زخرفیة لمناظر آدمیة وحیوانیة رسمت بالألوان على جدران بعض قصور الخلفاء والأمراء کما یری فی إطلال قصور الشام وقصیر عمرو وبصرى وسامراء ونیسابور وغیرها، غیر أن التصویر فی الفنون الإسلامیة اکتشف مجاله الحقیقی فی تصویر المخطوطات منذ القرن الثالث الهجری – التاسع المیلادی – ومن أقدم المخطوطات المصورة مخطوطة فی علم الطب محفوظة بدار الکتب المصریة بالقاهرة وأخرى لکتاب مقامات الحریری ومحفوظة بالمکتبة الأهلیة فی باریس وهما مزدانتان بالرسوم والصور وتمت کتابتها وتصویرها فی بغداد سنة 619 – 1222- وکانت فارس قد تولت ریادة فن التصویر الإسلامی إبان العصر السلجوقی ونهض نهضة کبیرة فی عصر المغول فی أواخر القرن السابع حتى منتصف القرن الثامن -الثالث عشر والرابع عشر المیلادی – وکان أشهر المخطوطات المصورة (جامع التواریخ) للوزیر رشید الدین فی أوائل القرن السابع الهجری والشاهنامة للفردوسی التی ضمت تاریخ ملوک الفرس والأساطیر الفارسیة والمخطوطات المصورة فی بغداد لکتاب کلیلة ودمنة.وکان الأسلوب الفنی فی صور هذه المخطوطات المغولیة متأثرا إلى حد کبیر بالأسلوب الصینی سواء من حیث واقعیة المناظر أو استطالة رسوم الأجسام أو اقتضاب الألوان.وأخذ فن التصویر الإیرانی ینال شهرة عالمیة فی العصر التیموری وبخاصة فی القرن التاسع الهجری – الخامس عشر المیلادی - وقد ظهرت فیه نخبة من کبار الفنانین الذین اختصوا بتصویر المخطوطات مثل خلیل وأمیر شاهی وبهزاد ویتمیز التصویر الإیرانی بصیاغة المناظر فی مجموعات زخرفیة کاملة تبدو فیها الأشکال کعناصر تنبت من وحدة زخرفیة وتتجمع حولها أو تمتد وتتفرع مع حرص المصورین على ملاحظة الطبیعة ومحاولاتهم محاکاتها والتعبیر عن مظاهر الجمال والحرکة فیها بسمائها ونجومها وأقمارها وبما تحتویه من جبال وودیان وأشجار وأزهار وبما فیها من رجال ونساء وأطفال وطیور وحیوان. وکانت العلاقة قویة بین الشعر والتصویر حیث کان التصویر نوعا من الموسیقى والمصور أشبه بالملحن لکتاب الشاعر. فکان یضع الشعر المکتوب فی أشکال محسوسة لیطبع التفکیر والخیال بنوع من الحقیقة والحرکات المتنوعة. مما یجعله یعبر فی ألوانه عن هذه الروح الموسیقیة وتلک الحساسیة الشاعریة. فکانت الألوان تمتزج فی صوره امتزاجا عجیبا بین الزهاء والهدوء وتنسجم انسجام الألحان فی المقطوعة الموسیقیة بحیث تختلف الألوان فی الصورة الواحدة وتتعدد. کما تختلف فیها درجات اللون الواحد الذی ینبثق من صفاء السماء وینعکس فیه أشعة الشمس الذهبیة الصافیة. فالتصویر الإیرانی کان فنا تعبیریا عن الشاعریة والعاطفة من خلال تسجیل ما فی الطبیعة من حقائق جذابة وما فی القلوب من خیال أخاذ ونغمات دفینة..
الزخرفة :
وتعتبر الزخرفة لغة الفن الإسلامی، حیث تقوم على زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشکال هندسیة أو نباتیة جمیلة تبعث فی النفس الراحة والهدوء والانشراح. وسمی هذا الفن الزخرفی الإسلامی فی أوروبا باسم "أرابسک" بالفرنسیة وبالأسبانیة "أتوریک" أی التوریق. وقد اشتهر الفنان المسلم فیه بالفن السریالی التجریدی من حیث الوحدة الزخرفیة النباتیة کالورقة أو الزهرة،
الحضارة الاسلامیة
توقیع طغرة السلطان عبد الحمید الأول
وکان یجردها من شکلها الطبیعی حتى لا تعطى إحساسا بالذبول والفناء، ویحورها فی أشکال هندسیة حتى تعطی الشعور بالدوام والبقاء والخلود. ووجد الفنانون المسلمون فی الحروف العربیة أساسا لزخارف جمیلة. فصار الخط العربی فناً رائعاً، على ید خطاطین مشهورین. فظهر الخط الکوفی الذی یستعمل فی الشئون الهامة مثل کتابة المصاحف والنقش على العملة، وعلى المساجد، وشواهد القبور. ومن أبرز من اشتهر بکتابة الـخط الکوفی، مبارک المکی فی القرن الثالث الهجری، وخط النسخ الذی استخدم فی الرسائل والتدوین ونسخ الکتب، لهذا سمی بخط النسخ. وکان الخطاطون والنساخ یهتمون بمظهر الکتاب، ویزینونه بالزخرف الإسلامیة. کما کانت تزین المصاحف وتحلى المخطوطات بالآیات القرآنیة والأحادیث المناسبة التی کانت تکتب بماء الذهب.
الأدب :
الموسیقى
إهتم المسلمون بالموسیقى والنغم والإیقاع وازدهرت هذه الفنون خاصة فی العهد العباسی حیث اخترع الفرابی آلة القانون وأشهر الموسیقیین إسحاق الموصلی, الأصفهانی وزریاب. اعتمدت هذه الموسیقى على القانون والکمان والعود وتسمى الموسیقى الاندلسیة
دور المسیحیین :
الحضارة الاسلامیة
تشریح العین لحنین بن اسحق من کتابه المسائل فی العین.
لعب المسیحیون دورا مهما فی ظل الدولة الإسلامیة حیث برزت مساهمة القبائل المسیحیة ابان الفتوحات الاسلامیة، وفی تثبیت ارکان الحکم، وبقیت مجتمعات مسیحیة على دینها مثل أقباط مصر، وموارنة لبنان، وتغالبة الجزیرة، وکان مسیحیو الشام من القبائل التغلبیة یشکلون سندًا للامویین فی الجیش، وفی الاسطول اعتمدت الدولة الإسلامیة على المسیحیین فی إدارة الدولة ودواوینها فقد کان للمسیحیین العرب دور بارز فی العصر الأموی، فی إنشاء الدواوین، فاستفاد الأمویون والعباسیون منهم فی تعریب الدواوین والإدارة وأبقوهم على رأس وظائفهم؛ وکذلک فعل الفاطمیون فی مصر، ولم یقتصر الأمر على موظفی الإدارة، بل تعداه إلى الوظائف الکبیرة فی الدولة.
فی العصر الاموی شغل المسیحیون وظائف هامة منهم من کان أطباء وزراء وشعراء فقد عین معاویة الطبیب ابن آثال عاملاً على ولایة حمص، کان منصور بن یاسر سرجیون وزیراً، وکان طبیبه الخاص کان عربیاً مسیحیاً کما وتقلد بعض المسیحیین تقلد الوزارة کسعید بن ثابت وکان شاعر البلاط فی عهده الأخطل وکان ثالث أشهر شعراء فی «النقائض» مع جریر والفرزدق.وکان منهم أیضاً حرفیون مهرة، شارک عدد غیر قلیل منهم فی بناء الجامع الأموی الکبیر، الذی أمر الخلیفة الولید بن عبد الملک ببنائه. وعین سلیمان بن عبد الملک کاتباً نصرانیاً، کما عین المأمون العباسی اسطفان بن یعقوب مدیراً لخزینة الخلیفة، وتم تقلید دیوان الجیش لمسیحی مرتین، وشغل سعید بن ثابت وزارة، وتولى عبید بن فضل قیادة الجیش، وکان عیسى بن نسطور وزیراً فی بلاط العزیز الخلیفة الفاطمی، وکان لعضد الدولة وزیر نصرانی اسمه نصر بن هارون، وکلف مسیحیون کثیرون بمسؤولیات حکومیة أیام الدولة الفاطمیة.(1)
کان للمسیحیین خاصًة السریان والنساطرة دور مهم فی الترجمة والعلوم،(2)بخاصة أیام الدولة العباسیة، وأدت الترجمة مهمة رئیسة فی ازدهار الحضارة العربیة الإسلامیة، وقد أتقن العرب، والمسیحیون منهم خاصة، الترجمة واستوعبوا محتویات الکتب المترجمة، بعدما عربوها وأعادوا صیاغتها وطوروا مضمونها وأجروا عملیات نقد علیها وأعادوا إنتاج الثقافات السابقة لهم ووضعوها بین یدی العالم فی ما بعد. لقد ترجم المسیحیون من الیونانیة والسریانیة والفارسیة،(3) واستفادوا من المدارس التی ازدهرت فیها العلوم قبل قیام الدولة العربیة خصوصاً مدارس مدن "الرها ونصیبین وجند یسابور وإنطاکیة والإسکندریة" المسیحیة والتی خرجت هناک فلاسفة وأطبّاء وعلماء ومشرّعون ومؤرّخون وفلکیّون وحوت مستشفى، مختبر، دار ترجمة، مکتبة ومرصد.(4) واشتهر من المترجمین شمعون الراهب وجورجیوس أسقف حوران وجوارجیوس وجبریل بن بختیشوع الذین اشتهروا فی الطب خصوصاً، وبقیت أسرتهم آل بختیشوع مسؤوله عن الطب فی الدولة العباسیة طوال ثلاثة قرون وخدمت کأطباء خاصین للخلفاء العباسیین، وعیّن المأمون یوحنا بن ماسویه الذی ترجم وألف خمسین کتاباً رئیساً لبیت الحکمة وکان أبوه أیضًا طبیبا،وحنین بن إسحق کان أیضاً رئیساً لبیت الحکمة ومن بعده ابن اخته حبیش بن الأعسم وقد ترجم حنین بن إسحق 95 کتابًا ، وسعید بن البطریق وله عدد من المصنفات وقسطا بن لوقا وقد أقام المأمون یوحنا بن البطریق الترجمان أمیناً على ترجمة الکتب الفلسفیّة من الیونانیّة والسریانیّة إلى العربیّة، وتولّى کتب أرسطو وأبقراط ومنهم أیضًا إسحق الدمشقی ویحیى بن یونس والحجاج بن مطر وعیسى بن یحیى ویحیى بن عدی وعبد المسیح الکندی، وقد ترجموا وألفوا فی الفلسفة والنوامیس والتوحید والطبیعیات والإلهیات والأخلاق والطب والریاضیات والنجوم والموسیقى وغیرها. عدد من الباحثین یشیرون بنوع خاص إلى تطور الفیزیاء فی اللغة السریانیة.وکان لترجمتهم کتب الفلسفة إلى العربیة أثر کبیر فی ظهور «فرق المعتزلة» التی تجعل من العقل الحکم الوحید فی تفسیر أحکام الشریعة الإسلامیة.(5)
وأسهم الأقباط بدورهم فی التطور العلمی، فهم الذین قاموا بالدور الأساسی فی بناء الأسطول العربی فی بدایة العصر الأموی، وهم الذین أقاموا دار الصناعة فی الإسکندریة، ودار الصناعة فی تونس، وذهب عدد من العمال الفنیین الاقباط إلى الشام للهدف نفسه.
المصدر :
تحقیق راسخون 2013
1- کتاب دور المسیحیین العرب فی النهضة العربیة
2- دور الحضارة السریانیة فی تفاعل دور العرب والمسلمین الحضاری
3- الترجمة، الموسوعة العربیة، 15 کانون الأول 2010.
4- الفیزیاء فی المؤلفات السریانیة - المطران بولس بهنام، مرکز الدراسات والأبحاث السریانیة، 13 کانون الأول 2010.
5- الفکر السریانی وأثره فی الحضارة العربیة الإسلامیة، کنیسة القدیسة تریزیا بحلب، 14 کانون الأول 2010.
source : rasekhoon