في الوقت الذي يعتبر وجوب قيام حكم إسلامي زمن الغيبة من ضروريات الدين ، التي لاتحتاج إلى محاولة إثبات أو تحشم استدلال.
يقول الفيض الكاشاني : ( فوجوب الجهاد ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و التعاون على البر و التقوى ، و الإفتاء ، و الحكم بين الناس بالحق ، و إقامة الحدود و التعزيرات ، و سائر السياسات الدينية ، من ضروريات الدين ، و هو القطب الأعظم في الدين ، و المهم الذي ابتعث الله له النبيين ، ولو تركت لعطلت النبوة ، و اضمحلت الديانة ، و عمت الفتنة ، و فشت الضلالة ، و شاعت الجهالة ، و خربت البلاد ، و هلك العباد ، نعوذ بالله من ذلك ) ، (1) .
و يقول الشيخ صاحب الجوهر: ( و بالجملة .. ، فالمسألة من الواضحات ، التي لاتحتاج إلى أدلة ) ، (2).
و يقول السيد البروجردي : ( اتفق الخاصة و العامة على أن يلزم في محيط الإسلام وجود سائس ، و زعيم يدير أمور المسلمين ، بل هو من ضروريات الإسلام ) ، (3) . ولعل ما يترتب على ترك امتثال هذا الوجوب من محاذير شرعية ، يكفي في لفت النظر إلى ضروريته الدينية . و ربما كان أهمها ما يلي:
1- تعطيل التشريع الإسلامي في أهم جوانبه ، و هو جانب السياسي .. ، و حرمته من الوضوح بمكان ؛ نظراً إلى أنه تشريع عطل ؛ والى ما ينجم عن تعطيله من ارتكاب المحارم ، و انتشار الجرائم ، و شيوع الموبقات و أمثالها .. ؛ يقول العلامة ، في تعطيل الحدود – و هي فرع من فروع التشريع السياسي - : (إن تعطيل الحدود ، يفضي إلى ارتكاب المحارم ، و انتشار المفاسد ؛ و ذلك مطلوب الترك في نظر الشرع ) ، (4) . و يقول الشهيد الثاني : ( فان إقامة الحدود ضرب من الحكم ، و فيه مصلحة كلية ، و لطف في ترك المحارم ، و حسم لانتشار المفاسد ) ، (5).
2- الخضوع للحكم الكافر .. ، و هو مما ينجم عن تعطيل التشريع السياسي الإسلامي أيضاً ، و أفردته بالذكر هنا نظراً لأهميته و لوضوحه – ؛ لأنه ليس وراء عدم الخضوع للحكم الإسلامي ممن يعيش في بقعة جغرافية سياسية ، إلا الخضوع للحكم الكافر ، لأنه لاثالث للإسلام و الكفر ؛ إذ الحكم حكمان : حكم الله و حكم الجاهلية . و الذي يبدو لي ، أن اتخاذ القدامى من فقهائنا هذا المنهج من الاستدلال ، إنما هو لما حكي عما يستظهر من السيد ابن زهرة الحلبي ، و الشيخ ابن إدريس الحلي ، من ذهابهما إلى عدم وجوب إقامة الحدود زمن الغيبة . و التحقيق في الوقوف على وجهة نظر هذين العلمين حول المسألة – حسبما حرره الفقيه صاحب الجواهر – هو خلاف ما حكي عن ظاهرهما.
يقول – قدس سره - : ( لاأجد فيه خلافاً إلا ما يحكى عن ظاهر ابني زهرة و إدريس ، ولم نتحققه ، بل لعل المتحقق خلافه ، إذ قد سمعت سابقاً معقد إجماع الثاني منهما ( يعني به ابن إدريس ) ، الذي يمكن اندراج الفقيه في الحكام عنهم ( يعني الأئمة المعصومين عليهم السلام ) ، فيكون حينئذ إجماعه عليه ، لاعلى خلافه ) ، (6).
و الذي يشير إليه – هنا – بقوله ( إذ قد سمعت سابقاً ) ، هو ما يحكيه عن كتاب ( الغنية) للسيد ابن زهرة ، و كتاب ( السرائر ) للشيخ ابن إدريس ، في موضوع عدم جواز إقامة الحدود إلا من قبل الإمام ، أو من نصبه ، قال – قدس سره - : ( و على كل حال ، فلاخلاف أجده في الحكم – هنا – بل عن الغنية و السرائر : ( الإجماع عليه ، بل في المحكي عن الثاني (يعني السرائر ): دعواه من المسلمين ، قال ( يعني ابن إدريس ) : و الإجماع حاصل منعقد من أصحابنا ، و من المسلمين جميعاً : إنه لايجوز إقامة الحدود ، و لاالمخاطب بها إلا الأئمة ، و الحكام القائمون بإذنهم في ذلك ) ، (7).
توجيه:
و الذي أخاله – في ضوء ما تقدم - : ( إن من يتوهم ذهابه من الفقهاء إلى إنكار الوجوب ، إنما هو نتيجة سوء فهم لما يريده ، إذ ربما كان ذلك الفقيه يقصد سقوط امتثال الوجوب لا إنكار الوجوب ، و ذلك لعدم القدرة على القيام بامتثاله بسبب وجود موانع سياسية أو غيرها . على أنه لايحتمل ذهاب فقيه إلى القول بإنكار الوجوب ؛ لأنه قول بما يخالف الضرورة من الدين ، و لاستلزامه جواز الخضوع للحكم الكافر ، و هو محرم بالضرورة أيضاً . و سيقف القارئ الكريم – فيما بعد – على محاولة عرض معالجة أمثال هذه الموانع – متى تثبت – كمشكلة من مشاكل تطبيق النظام ) .
-----------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1 - مفاتيح الشرائع ، باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
2 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، ص 617.
3 - البدر الزاهر في صلاة الجمعة و المسافر ، ص 52.
4 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
5 - مسالك الافهام إلى شرح شرائع الإسلام ، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
6 - ص 616.
7 - ص 615.
source : tebyan