عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

التكافل الاجتماعي

كان الإمام السجاد عليه السّلام يحث أصحابه وشيعته على المواساة فيما بينهم والإحسان إلى الآخرين لأن ذلك خير ضمان لوحدتهم واجتماع كلمتهم، وقد أثر عنه وعن الأئمة الأطهار الكثير من النصائح الرفيعة في هذا الشأن وهذه بعض منها: قال عليه السّلام:
التكافل الاجتماعي

كان الإمام السجاد عليه السّلام يحث أصحابه وشيعته على المواساة فيما بينهم والإحسان إلى الآخرين لأن ذلك خير ضمان لوحدتهم واجتماع كلمتهم، وقد أثر عنه وعن الأئمة الأطهار الكثير من النصائح الرفيعة في هذا الشأن وهذه بعض منها: قال عليه السّلام:
من قضى لأخيه حاجة قضى الله له مائة حاجة، ومن نفّس عن أخيه كربه نفّس الله عنه كربه يوم القيامة بالغاً ما بلغت، ومن أعانه على ظالم له، أعانه الله على إجازة الصراط عند دحض الأقدام، ومن سعى له في حاجة حتى قضاها له فسر بقضائها، كان كإدخال السرور على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن سقاه من ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن كساه من عري، كساه الله من استبرق وحرير،ومن كساه من غير عري لم يزل في ضمان الله ما دام على المكسي من الثوب سلك، ومن كفاه ما أهمه أخدمه الله من الوالدان، ومن حمله على راحلة بعثه الله يوم القيامة على ناقة من نوق الجنة يباهي به الملائكة، ومن كفنه عند موته كساه الله يوم ولدته أمه إلى يوم يموت، ومن زوجه زوجة يأنس بها، ويسكن إليها آنسه الله في قبره بصورة أحب أهله إليه، ومن عاده في مرضه حفته الملائكة تدعو له حتى ينصرف، وتقول: طبت، وطابت لك الجنة.. والله لقضاء حاجته أحب إلى الله من صيام شهرين متتابعين باعتكافهما في الشهر الحرام...)(1)
يحفل هذا الحديث بتعاليم إنسانية رفيعة المستوى تدعو المسلمين إلى التعاون والتضامن والمحبة، مما يمتن أواصر المودة والرحمة والتعاطف بينهم. ويعتبر هذا الحديث وأمثاله من العناصر الرئيسية في بناء التكافل الاجتماعي الذي أسسه الإسلام، فالمسلم أخ المسلم يشعر معه في أفراحه ويساعده في أتراحه ويعمل من أجل سعادته بكل ما يستطيع بالمال أو اليد أو اللسان وهو أضعف الإيمان.
وقال (عليه السّلام) في المؤاساة والإحسان لضمان وحدة المسلمين:
إن أرفعكم درجات وأحسنكم قصوراً وأبنية(2)، أحسنكم إيجاباً للمؤمنين، وأكثركم مواساة لفقرائهم، إن الله ليقرب الواحد منكم إلى الجنة بكلمة(3) طيبة يكلم بها أخاه المؤمن الفقير، بأكثر من مسيرة ألف عام يقدمه، وإن كان من المعذبين بالنار، فلا تحتقروا الإحسان إلى إخوانكم، فسوف ينفعكم حيث لا يقوم مقام غيره...)(4).
في هذا الحديث الطيب حث الإمام (عليه السّلام) المسلمين ليعملوا على مواساة الفقراء والإحسان إليهم، وذكر ما يترتب عليه من الأجر الجزيل عند الله.
وعد من المواساة الكلمة الطيبة التي يقدمها الإنسان المسلم لأخيه المسلم، فإذا لم يكن لديه مالاً يساعد به المحتاجين فيمكن مساعدتهم بيده، وإذا تعذر عليه ذلك فباستطاعته مساعدتهم ومواساتهم بفكره، بكلمة طيبة تفيدهم وتهديهم وتطيب خاطرهم. وقد عد هذا الأمر واجب شرعي على المسلمين.
وقال الإمام عليه السّلام:
من بات شبعاناً وبحضرته مؤمن جائع طاوٍ فإن الله تعالى يقول لملائكته: اشهدوا على هذا العبد، أمرته فعصاني، وأطاع غيري، فوكلته إلى عمله، وعزتي وجلالي لا غفرت له أبداً..)(5)
في هذا الحديث تأكيد صريح على عاتق كل مسلم تجاه إخوانه في الإيمان، فعليه أن يشعر معهم في محنهم ومصائبهم وحرمانهم في مجتمعهم الظالم الذي كان يحكمه حكام طغاة.
كما يمكن أن نعد هذا الحديث وأمثاله مما أثر عن أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) من العناصر الرئيسية في بناء التكافل الاجتماعي الذي أسسه الإسلام، ليقضي بصورة جازمة على الفقر والحرمان في المجتمع الإسلامي.
ولم يكتف الإسلام بحث المسلمين على مساعدة إخوانهم في الدين، بل يحاسبهم على تقصيرهم إذا ما حصل. قال الإمام زين العابدين
عليه السّلام: من أطعم مؤمناً حتى يشبع، لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين.. وأضاف عليه السّلام:
من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان، ثم تلا قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة. أو مسكيناً ذا متربة)(6).
إن إطعام الجائع ودفع السغب عنه ضرورة إسلامية ملحة يسأل عنها الإنسان المسلم ويحاسب عليها، وبصورة خاصة إذا كان الفقير بحاجة ماسة إلى الطعام.
فمساعدة المعوزين توطد العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع وتحيي في نفوسهم المحبة، مصدر كل خير وعطاء. ثم يمكن اعتبار ما ينفق على المحتاجين في هذا المجال من الصدقات والصدقة زكاة وهي ركن أساسي من فروع الدين الإسلامي، من هنا كان الواجب الشرعي يقضي على المسلمين المؤمنين مساعدة إخوانهم وقضاء حوائجهم.
وفي ذلك قال الإمام السجاد عليه السّلام:
(من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسى مؤمناً من عري، لم يزل في ستر الله وحفظه ما بقيت منه خرقه..)(7)
يحرص الإسلام كل الحرص على شد أزر المسلمين وتضامنهم صفاً واحداً لدرء الظلم عنهم والوقوف في وجه الظالمين، والمنحرفين، وليس لهم ذلك إلا بمساعدتهم لبعضهم البعض وسد حاجات إخوانهم في الإيمان مهما كانت المساعدات بسيطة.

صلة الرحم:

دعا الإسلام إلى صلة الأرحام وحث المسلمين على العلم بها وحذر من قطيعتها وذلك لما يترتب عليها من التواصل والمحبة إذا وصلت، ومن المضاعفات السيئة إذا قطعت، والإمام زين العابدين (عليه السّلام) حث على صلة الأرحام فقال: (من سره أن يمد الله في عمره، وأن يبسط له في رزقه، فليصل رحمه، فإن الرحم لها لسان يوم القيامة ذلق تقول: يا رب صل من وصلني، واقطع من قطعني، فالرجل ليرى بسبيل خير إذا أتته الرحم التي قطعها فتهوي به إلى سفل قعر في النار..)(8)
لقد تواترت الأخبار عن الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) في الحث على صلة الأرحام، فالذي يصل رحمه يمد الله في عمره، ويزيد في رزقه ويكسب الأجر الجزيل في الدار الآخرة، وصلة الأرحام توجب تماسك المجتمع وشيوع المحبة والمودة والصفاء بين المسلمين، وذلك من أهم ما يدعو إليه الإسلام.
إن هذه المبادئ الإنسانية الرفيعة التي دعا إليها الإسلام ورفع شعارها تمثل الجوهر الحقيقي له، ولو طبقها المسلمون على واقع حياتهم لأصبحوا سادة الأمم وقادة الشعوب ولساد الأمن والأمان والسلم والسلام على الدنيا بأسرها.
الإسلام دين إنساني يراعي مصالح الإنسان في كل مكان ليعيش عيشة حرة كريمة، ويعمل على تنوير بصائر الناس ليكسبوا أجر الدارين الدنيا والآخرة. فهل يفقه المسلمون جوهر إسلامهم اليوم؟ وهل يعقلوا أن بعدهم عن الوحدة الإسلامية يعني بعدهم عن الخط الإسلامي الذي رسمه لهم النبي الأكرم في دعوته المباركة؟ إن عزة المسلمين تكمن في تعاونهم على البر والتقوى، وفي تآلفهم ورص صفوفهم صفاً واحداً ليستطيعوا الوقوف في وجه أعداء الله وأعداء الإنسانية عامة، وهذا أمر سهل جداً لو تنازلوا عن حبهم للمنصب وتعلقهم في هذه الدنيا الفانية.
من هنا كان نداء الإسلام لأهل الفضل وما يستحقون من خير وجزاء. ولهذا حثَّ الإمام زين العابدين (عليه السّلام) أصحابه ودعاهم إلى إسداء الفضل وعمل المعروف إلى الناس كافة. قال عليه السّلام:
(إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس قبل الحساب، فيقال لهم: إنطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، فإذا سألوهم عما استحقوا ذلك، يقولون: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيء إلينا غفرنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.
ثم ينادي مناد: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس، فيقال لهم: إنطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم مثل الأول. قيقولون: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله عز وجل، فيقولون لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.
ثم ينادي مناد: ليقم جيران الله عز وجل، فيقوم ناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة فتسألهم الملائكة عما استحقوا ذلك، وما مجاورتهم لله عز وجل؟ فيقولون: كنا نتزاور في الله، ونتجالس في الله، ونتبادل في الله، فيقولون: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين..)(9)
يدعو الإمام (عليه السّلام) في هذا الحديث الشريف المسلمين خاصة إلى إسداء المعروف إلى الناس عامة والتحلي بمكارم الأخلاق التي توجب رفع مستوى الإنسان إلى أرفع الدرجات، وبلوغه ذروة الشرف والكمال التي أرادها له رب العالمين. قال الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..)(10). والأمر بالمعروف حث عليه الإمام زين العابدين فقال عليه السّلام:
(التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره، إلا أن يتقي تقاه، فقيل له: ما تقاته؟ قال: يخاف جباراً أن يفرط عليه، أو أن يطغى..)(11). فكما نرى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المبادئ الإسلامية البارزة التي تبناها الإسلام بصورة إيجابية وذلك من أجل أن تسود العدالة الاجتماعية بين الناس، ويزول الظلم والطغيان عن عباد الله، فلا يبقى منكر ولا اعتداء على واقع الحياة العامة بين البشر. وقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدى (عليهم السلام) على ضرورته ولزومه.
وقد ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية شروط القيام بهذا الواجب الإسلامي الخطير والهام في بناء مجتمع إسلامي عظيم يعيش موفور الكرامة عزيز الجانب.
المصادر :
1- ثواب الأعمال، ص81
2- تفسير البرهان، ج1، ص44. والقصور يعني في الجنة
3- سورة إبراهيم: الآية24-26
4- تفسير البرهان، ج1، ص44
5- زين العابدين للقرشي عن عقاب الأعمال، ص30
6- سورة البلد: الآيات 12 - 14. والسغبان: الجائع
7- المؤمن، ص19 للحسين بن سعيد الأهوازي من مخطوطات السيد الحكيم تسلسل 196/ زين العابدين للقرشي، ص81
8- البحار واللسان الذلق: اللسان الفصيح
9- تاريخ اليعقوبي، ج3، ص46
10- سورة آل عمران: الآية 110
11- طبقات ابن سعد، ص


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

علماء البحرين يدعون لهبّة جماهيرية غاضبة ليلة ...
ما هي "الليلة الغراء و اليوم الأَزهر"؟
وصايا رمضانية ( قراءة الكتب الدينيّة )
حقوق الأبوين
خطبة عيد الفطر
قصة مريم في القرآن
آداب رمضان
كيف تصلان إلى بر الأمان الإلهي
كتاب التقليد
عصائب اهل الحق : سنضرب السعودية اذا نفذت حكم ...

 
user comment