ثم يصف الإمام علي ( ع ) الجهاد ، أنه "درع الله الحصينة و جنته الوثيقة " .
لو تربت أمة مسلمة على روح الجهاد ، و تسلحت بهذا الدرع الإلهي ، فلن تنثني أمام أعتى الضربات . و الدرع ، لباس من حلقات حديدية يرتديه المقاتل ، كي يبطل مفعول الضربة على الجسم .
و الجنة ( الجنة و المجن و المجنة : كل ما وقي من السلاح ) ، تحول دون وقوع الضربة على البدن . فالأول عمله المناعة و الثاني الدفاع .
و ربما كان الإمام ، يشير في وصفه هذا إلى نوعين من الجهاد :
- جهاد وقائي ، يعطي للأمة مناعة من آثار الضربات المهلكة ،
- و جهاد دفاعي ، يقف بوجه الضربات . ثم يستعرض الإمام الآثار السلبية لترك الجهاد ، و الآثار السلبية التي تتحدث عنها العبارة جماعية لافرديه ، أي ترتبط بالمجتمع لابالفرد .
هذه الآثار السلبية عبارة عن:
أ- الذلة و المسكنة .
ب- الشدائد و المصائب : و هو خلاف ما يمكن أن يتصور في هذا المجال ، فرب أمة تترك الجهاد طلبا لرغد العيش .. ، لكن الشدائد و المصائب تتولى على مثل هذه الأمة.
ج- الاحساس بالحقارة النفسية .
د- فقدان البصيرة و الرؤية الصحيحة : و هذه مسألة تلفت النظر كثيراً . علي (عليه السلام ) يجعل الجهاد طريق لتفتح البصيرة و للرؤية الواضحة الصحيحة . النصوص الإسلامية ، التي تؤكد على أن البصيرة وليدة العمل صريحة و كثيرة .. ، لكن هذاالنص أكثر صراحة ، و ذهب إلى أكثر مما ذهبت إليه النصوص الأخرى ، حيث اعتبر ترك الجهاد ، يؤدي إلى إسدال الحجب على القلب أو على الفهم الصحيح و الرؤية الواضحة للأمور.
ه- فقدان مركز القيادة : فالأمة التي تترك الجهاد ، لن تعود قادرة على حمل راية الإسلام و الدعوة إلى الحق .
و- الحرمان من إنصاف الآخرين : فالأمة ذات اعتبار و مكانة و احترام مادامت مجاهدة ، و إن افتقدت روحها الجهادية ، فقدت شخصيتها و مكانتها فلايراعى لها حق ، و لاتعامل بإنصاف . قال الرسول الكريم : ( الخير كله في السيف و تحت ظل السيف ) . و قال أيضاً : ( إن الله أعز أمتي بسنابك خيلها و مراكز رماحها . و هذا يعني أن القدرة و القوة ، لاتنفصلان عن الأمة الإسلامية ، و الإسلام دين القوة و القدرة و مدرسة تخريج المجاهدين ) .
يقول ويل ديورانت في " تاريخ الحضارة ": ( ليس كالإسلام دين في حث اتباعه على التزود بالقوة و المقدرة ). و حديث آخر عميق المغزى، روي عن النبي ( ص) يقول : ( من لم يغز ، و لم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق ) . فالإنسان المسلم أما أن يعيش حياة الجهاد عملياً أو على مستوى الأمل على الأقل . و بهذا المعيار يعرف صدق الإنسان و إخلاصه في إسلامه .
و روي أنه سئل النبي - ص- ما بال الشهيد لايفتن في قبره ؟ ، أجاب : كفى بالبارقة فوق رأسه فتنه . فالشهيد قد اجتاز امتحانه تحت السيوف التي كانت مشهورة بوجهه ، أي أنه اثبت إخلاصه و صدقه و بين حقيقة حين اختار الشهادة ، فليس من اللازم أن يؤدي امتحاناً آخر في عالم البرزخ .
source : tebyan