فزت و ربِّ الكعبة
كان الإمام عالماً بما سيجري عليه عارفاً بقاتله، يتوقّع ضربته:
وبالإسناد عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري رضي اللَّه عنه، قال: إنّي حاضر عند عليّ بن أبي طالب في وقتٍ إذْ جاءه عبدالرحمن بن ملجِم لعنه اللَّه يستحمله فحمله ثمّ قال
[ رويت هذه القصة تارةً عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثُمالي عن أبي إسحاق السبيعي عن الأصبغ بن نُباتة قال: أتى ابنُ مُلْجِم أمير المؤمنين عليه السلام فبايعه فيمن بايع، ثمّ أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين عليه السلام فتوثق منه وتوكّد عليه أن لا يَغْدر ولايَنْكث ففعل، ثمّ أدبر عنه فدعاه عليه السلام الثانية فتوثّق منه وتوكّد عليه أن لا يغدر ولاينكث ففعل، ثمّ أدبر عنه فدعاه عليه السلام الثّالثة فتوثق منه وتوكد عليه أن لا يغدر ولاينكث، فقال ابن ملجم: واللَّه يا أمير المؤمنين مارأيتُك فعلتَ هذا بأحدٍ غيري! فقال أمير المؤمنين عليه السلام هذا البيت.
وتارةً روى هذه القصة جعفر بن سليمان الضُبعي عن المعلّى بن زياد قال: جاء عبدالرحمن بن ملجِم إلى أمير المؤمنين يستحمله فقال له: يا أمير المؤمنين، احملني، فنظر إليه عليه السلام ثمّ قال له: أنت عبدُالرّحمن بن مُلْجِم المُرادي؟ قال: نعم، قال: يا غزوان، احمله على الأشقر، فجاء بفرس أشقر فركبه ابن ملجم المرادي وأخذ بعنانه، فلمّا ولّى قال أمير المؤمنين عليه السلام....
قيل: إنّ البيت لعمرو بن معدي كرب كما في كتاب سيبويه: 276/1، والأغاني:27/10، والعقد الفريد: 121/1، وخزانة الأدب: 361/6. وانظر المصادر التّالية لذكر القصة الاُولى في المناقب لابن شهرآشوب: 310/3، والبحار: 192/42 ح 7 ونقل عن كشف الغمّة بيت الشّعر هكذا والقصة الثّانية أيضاً وردت في الإرشاد للشيخ المفيد: 12/1 و13، وذكر البيت وبإسناده عن جابر قال: إنّى لشاهد لعليّ وقد أتاه المرادي يستحمله فحمله ثمّ قال:
عذيري من خليلي من مراد ***اُريد حباءه ويريد قتلى
وورد أيضاً في كشف الغمّة: 2/ 128-130، وكذلك الخوارزمي في المناقب، وابن شهرآشوب في: 310/3، والراوندي في الخرائج والجرائح:182/1 ح 14، طبقات ابن سعد: 22/3، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 42/2، وشرح الشافية لأبي فراس: 99، والكامل للمبرّد: 550، وسمط النجوم العوالي لعبد الملك العصامي: 466/2 ولكن باختلاف يسير في اللّفظ بل قريب من لفظ الماتن، وكذلك شرح النهج: 170/2.
وانظر الفتوح: 277/2، مقاتل الطالبيين: 45، أنساب الأشراف: 502/2. وزاد في الاستيعاب:60/2 عن ابن سيرين بن عبيدة قال: كان عليّ عليه السلام إذا رأى ابن ملجم قال: - وذكر البيت -، فضائل الخمسة من الصحاح الستّة: 60/3، الرياض النضرة: 245/2، كنز العمّال: 412/6، و: 191/13، الصواعق المحرقة: 80، أساس البلاغة للزمخشري: 295، وقد نسبه إلى عمرو بن معدي كرب.]
أُريد حياتَهُ ويُريدُ قتلي ***عذيري من خليلي من مُرادِ
ثمّ قال: هذا واللَّه قاتلي لا محالة، قلنا: يا أمير المؤمنين أفلا تقتله؟! قال: لا؛ فمَنْ يَقتلني؟ ثمّ قال عليه السلام
[ روى هذا البيت بطرق متعدّدة مع اختلاف يسير في اللّفظ، فمثلاً في أنساب الأشراف: 499/2 بلفظ فإن الموت لاقيك وبلفظ إذا حلّ بواديك رواه المدائني عن يعقوب بن داود الثقفي عن الحسن بن بزيع. وفي أنساب الأشراف: 500 عن فطر عن أبي الطفيل، وطبقات ابن سعد: 33/3 ط بيروت، الأغاني: 33/14 ط ساسي، مقاتل الطالبيين: 45، وكذا ذكره المجلسي في البحار: 194/42 وفي ص 278 ذكره مثل ما نقله المصنّف.
وفي شواهد التنزيل: 439/2 ح 1102 عن أبي الطفيل ولكن بلفظ شد بدل اشدد و يأتيك بدل لاقيكا و القتل بدل الموت . وانظر لسان الميزان: 404/3، الفتوح لابن أعثم: 278/2 ولكن بلفظ فقد بدل إذا . وكذلك في الكامل للمبرّد: 552 ولكن في الفتوح زيادة بيتين آخرين وهما:
فقد أعرف أقواماً ***وإن كانوا صعاليكا
مساريع إلى النجد ***ةِللغيّ متاريكا
قال: ثمّ مضى يريد المسجد وهو يقول:
خلّوا سبيلَ المؤمنِ المجاهدِ ***في اللَّه لايعبد غير الواحد
ويوقظ الناس إلى المساجد
انظر الخرائج والجرائح: 182/1 ح 14، بحار الأنوار: 192/42 ح 6.
وفي حديث آخر: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام سَهر تلك اللّيلة، فأكثر الخروج والنّظر في السماء وهو يقول: واللَّه ما كَذِبْتُ ولا كُذِبْتُ، وإنّها اللّيلة الّتي وُعِدتُ بها ثمّ يعاود مضجعه، فلمّا طلع الفجر شدّ إزاره وخرج وهو يقول |اشدُدْ...| انظر خصائص الأئمة: 63، وإعلام الورى: 161، ومناقب آل أبي طالب: 310/3، وشرح النهج: 225/17، والمعجم الكبير: 105/1، والمسترشد في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام: 366 و367 هامش رقم 2، واُسد الغابة: 35/4، وكنز العمّال: 413/6، و: 196/13، الرياض النّضرة: 245/2، وفضائل الخمسة: 66/3، طبقات ابن سعد: 35/4، و: 21/3 و22، مشكل الآثار: 352/1، وتأريخ بغداد: 135/1، وقصص الأنبياء للثعلبي: 100، والإمامة والسياسة: 183/1، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 339/2، والنهاية: 76/3.]
اشْدُدْ حَيازيمكَ للموتِ ***فإنّ الموتَ لاقيكا
ولاتَجْزَعْ من الموتِ ***إذا حَلّ بناديكا
ولا تغترّ بالدهرِ ***وان كان يواتيكا
كما أضْحَكَكَ الدهرُ ***كذاكَ الدهرُ يبكيكا
وقال غنم بن المغيرة
[ كذا، والظاهر أنّ الصحيح هو عثمان بن المغيرة كما في أكثر المصادر.]
: كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام في شهر رمضان من السنة التي قُتل فيها يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبداللَّه بن جعفر، لا يزيد في كلّ أكله على ثلاث أو أربع لقم
[ انظر فرائد السمطين: 320/386/1، البحار: 276/42، الإرشاد: 14/1 ولكن بلفظ يتعشى بدل يفطر ، اُسد الغابة: 35/4، كنز العمّال: 413/6 و 414.]
ويقول: يأتيني أمرُ اللَّه وأنا خميصٌ، إنّما هي ليالٍ قلائل، فلم يمض الشهر حتّى قُتل عليه السلام
[ انظر الإرشاد: 14/1 ولكن بلفظ إنّما هي ليلةٌ أو ليلتان بدل إنّما هي ليالٍ قلائل . وقريب من هذا في إعلام الورى: 155، الخرائج للراوندي: 201/1 ح 41، مناقب الخوارزمي: 392 و400 و410، مناقب آل أبي طالب: 271/2، كنز العمّال: 195/13 ح 36583، اُسد الغابة: 35/4.]
وعن الحسن بن كثير عن أبيه قال: خرج عليّ عليه السلام في فجر اليوم الّذي قُتل فيه فأقبل الأوز يصحن في وجهه فطُردن عنه، فقال عليه السلام: ذروهنّ فإنّهنّ نوائح
[ انظر بحار الأنوار: 276/42 ولكن بلفظ: عن اُم كلثوم عليها السلام. ثمّ نزل إلى الدار وكان في الدار أُوزّ ؤقد أُهدي إلى أخي الحسين عليه السلام فلمّا نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه، وكنّ قبل تلك اللّيلة لايصحن، فقال عليه السلام: لا إله إلّا اللَّه، صوارخ تتبعها نوائح، وفي غداة غدٍ يظهر القضاء. وانظر شرح النهج: 175/2 وانظر الفتوح: 278/2 ولكن بلفظ صوائح بدل صوارخ .
وانظرمروج الذهب: 425/2 بلفظ:...ويحك دعهن فإنّهن نوائح.وانظرقريب من هذافي خصائص الأئمة: 63، إعلام الورى: 161، مناقب آل أبي طالب: 310/3، اُسد الغابة: 35/4، كنز العمّال: 413/6، الرياض النضرة: 245/2، اُسد الغابة: 36/4، تذكرة الخواصّ: 162، ذخائر العقبى: 112.]
، فقتله ابن ملجم لعنه اللَّه.
وقال الحسن بن عليّ عليه السلام: قمت ليلاً فوجدت أبي قائماً يصلّي في مسجد داره فقال: يا بني أيقظ أهلك يصلّون فإنّها ليلة الجمعة صبيحة بدر، ولقد ملكتني عيناي فنمت فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول اللَّه ماذا لقيتُ من اُمّتك من الأوَد واللّدد!!
[ رُوي ذلك بطرق عديدة، فمثلاً عن عمّار الدُهْني عن أبي صالح الحنفي قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: رأيتُ النّبيّ صلى الله عليه وآله في منامي، فَشكَوْتُ إليه ما لقيت من امّتهِ من الْأَوَد واللّدَد - العوج والخصومة الشّديدة - وبكيتُ، فقال: لاتَبكِ يا علي والتّفِتْ، فالتفتُّ فإذا رجلان مُصَفَّدان، وإذا جلاميد تُرْضَح بها رؤوسها. انظر النّهاية: 244/4، الإرشاد: 15/1، المناقب للخوارزمي: 378 و402، مناقب ابن شهر آشوب: 311/3، كشف الغمّة: 433/1 ط الحديثة قريب من هذا اللّفظ، وتذكرة الخواصّ: 100، إعلام الورى: 155، بحار الأنوار: 225/42، نهج البلاغة: 128/1، نهج البلاغة لفيض الإسلام: 156 خطبة 96، تأريخ دمشق ترجمة الإمام عليّ: 295/3، الاستيعاب لابن عبد البرّ بهامش الإصابة: 61/3.]
فقال صلى الله عليه وآله: ادْعُ عليهم، فقلتُ: اللّهمّ أبدلنى بهم مَن هو خيرٌ منهم وأبدلهم بي مَن هو شرٌّ منهم
[ في نهج البلاغة لفيض الإسلام: 156 خطبة 69، وتأريخ دمشق: 295/3 والاستيعاب: 61/3 ورد بلفظ: ادْعُ عَلَيهم، فقلتُ: أبدلني اللَّه بهم خيراً منهم، وأبدَلهم بي شَرّاً لهم منّي.]
فجاء المؤذّن فأذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه.
ثمّ إنّ عليّاً خرج فكبّر في الصلاة، ثمّ قرأ من سورة الأنبياء احدى عشرة آية، ثمّ ضربه ابن ملجم من الصفّ على قرنه - بسيفه فأصابه
[ وأضاف الشيخ المفيد في الإرشاد: 19/1: وقد كانوا قبل ذلك ألقَوا إلى الأشعث بن قيس ما ؤفي نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمين عليه السلام وواطَأهم عليه، وحضر الأشعث بن قيس في تلك اللّيلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه. وكان حُجر بن عَدِيّ في تلك اللّيلة بائتاً في المسجد فسَمِع الأشعث يقول لابن ملجم: النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح، فأحسّ حُجرٌ بما أراد الأشعث فقال له: قتلتَهُ يا أعْور. وأضاف البلاذري في: 494/2. فلمّا قتل عليّ قال عفيف: هذا من عملك وكيدك يا أعور....
وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين: 47: وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين أخبار يطول شرحها... ومثل ذلك في شرح ابن أبي الحديد: 340/2. ولم يلتق حجر بن عديّ بعلي... وخرج مبادراً ليمضى إلى أمير المؤمنين عليه السلام فيخبره الخبر ويُحذّره من القوم وخالفه أمير المؤمنين عليه السلام فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم... لكن في أمالي الشّيخ الصدوق: 18/3 ورد مسنداً عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام: فوقعت الضربة وهو ساجد. وفي الكنز: 170/15 ح 497 أنّ ابن ملجم طعن عليّاً حين رفع رأسه من الركعة فانصرف وقال: اتمّوا صلاتكم ولم يقدّم أحداً... وقريب منه في تأريخ دمشق: ح 1397: انّ عبدالرحمن بن ملجم ضرب عليّاً في صلاة الصبح على دهش بسيف كان سمّه... وقريب منه في الفضائل لأحمد: ح 63 لكن بإضافة: ومات من يومه ودُفن بالكوفة.
أمّا ابن أبي الدنيا في مقتل أميرالمؤمنين: ح 532 فقال: إنّ عليّاً خرج فكبّر في الصلاة، ثمّ قرأ من سورة الأنبياء احدى عشرة آية، ثمّ ضربه ابن ملجم من الصفّ على قرنه - وأضاف: - انّه لمّا ضرب ابن ملجم عليّاً عليه السلام وهو في الصلاة تأخر فدفع في ظهره جعدة فصلى بالناس... وروى الطبراني في مجمع الزوائد: 141/9، والطبري: 84/6 ط اُخرى، وابن أبي الحديد: 34/2، والشيخ المفيد في الإرشاد: 20/1 ما يلي:... فأقبل عليه السلام ينادي: الصلاة الصلاة، فرأيت بريق السيف وسمعت قائلاً يقول: الحكم للَّه يا عليّ لالك، ثمّ رأيتُ بريق سيف آخر؛ وسمعت علياً عليه السلام يقول: لا يفوتنّكم الرجل....]
، وقال عليه السلام: فُزْتُ وربِّ الكعبة
[ انظر، الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني: 80، الأربعون حديثاً للشهيد الأوّل: 3، نظم درر السمطين:137، نضد القواعد الفقهية للمقداد السيوري الحلي: 72، شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: 442/2، خصائص الأئمة للشريف الرضي: 63، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: 385/1 و: 95/3.]
وهرب وَردان، ومضى شبيب لعنه اللَّه هارباً حتّى دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أبيه فقتله.
وأمّا ابن ملجِم لعنه اللَّه فإنّ رجلاً من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة
[ القطيفة: كساء له خمل. "نهاية ابن الأثير: 84/4".]
كانت في يده ثمّ صرعه وأخذ السيف منه وجاء به إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فنظر إليه عليّ ثمّ قال النفسُ بالنفس إن أنا مِتُّ فاقْتلُوه كما قَتَلني، وإن سَلِمْتُ رأيتُ رأيي فيه
[ انظر مقاتل الطّالبيين: 22، وروى عنه ابن أبي الحديد في الشّرح:118/6 والبحار:231/42.]
فقال ابن ملجم لعنه اللَّه: واللَّه لقد ابتَعْتُه بألف وسَمَمْتُه بألف، فإن خانني فأبعد اللَّه مضاربه
[ ذكر ذلك الشّيخ المفيد في الإرشاد: 21/1، وذكر البلاذري في الأنساب: 494/2 بلفظ آخر: لقد أحددت سيفي بكذا وسممته بكذا....]
قال قتادة: فنادته أُمّ كلثوم ابنة سيّدنا عليّ عليه السلام: يا عدوّ اللَّه قتلت أمير المؤمنين، فقال: إنّما قتلتُ أباك
[ وذكر صاحب الأنساب: 495/2 انّه قال لها: لم أقتل أمير المؤمنين ولكن قتلت أباك!!....]
قالت: يا عدوّ اللَّه إنّي لأرجو أن لا يكون عليه باسٌ.
قال لها: أراك
[ في "ب": فعلى من.]
إذاً تبكين عليَّ، واللَّه، لقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم
[ هذا وقد ذكر صاحب الأنساب أنه قال: لو كانت الضّربة بأهل عكاظ - ويقال: بربيعة ومضر - لأتت عليهم، واللَّه لقد سممته شهراً فإن أخلفني فأبعده اللَّه سيفاً وأسحقه.]
فاُخْرجَ من بين يدي أميرالمؤمنين والناس يلعنونه ويسبّونه ويقولون له: يا عدوّ اللَّه وماذا أتيت؟ أهلكت أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وقتلت خير الناس، وأ نّهم لو تركوهم به لقطّعوه لعنه اللَّه قطعاً، وهو صامت لا ينطق لهم.
source : sibtayn