الحرّ بن يزيد الرياحي :
نسبه :
الحرّ بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد بن تميم التميمي اليربوعي الرياحي ([1]).
الحرّ تشمله الرحمة الإلهيّة :
قال المجلسي (رحمه الله) كما عن المناقب وابن الأثير في الكامل :
« إنّ الحرّ أتى الحسين (عليه السلام) فقال : يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كنت أوّل خارج عليك، فائذن لي لأكون أوّل قتيل بين يديك، وأوّل مَن يصافح جّدك غداً، وإنّما قال الحرُّ : لأكون أوّل قتيل بين يديك، والمعنى يكون أوّل قتيل من المبارزين، وإلاّ فإنّ جماعة كانوا قد قتلوا في الحملة الاُولى كما ذكر، فكان أوّل مَن تقدّم إلى براز القوم، وجعل ينشد ويقول :
إنّي أنا الحرُّ ومأوى الضيفِ***أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حلَّ بأرض الخيف***أضربكم ولا أرى من حيف
وروي أنّ الحرّ لمّا لحق بالحسين (عليه السلام) قال رجل من تميم يقال له يزيد بن سفيان : أما والله لو لحقته لاتّبعته السنان، فبينما هو يقاتل وأنّ فرسه لمضروب على اُذنيه وحاجبيه، وأنّ الدماء لتسيل إذ قال الحصين : يا يزيد هذا الحرُّ الذي كنت تتمنّاه، قال : نعم، فخرج إليه، فما لبث الحرُّ أن قتله، وقتل أربعين فارساً وراجلاً، فلم يزل يقاتل حتّى عرقب فرسه، وبقي راجلاً وهو يقول :
إنّي أنا الحرُّ ونجل الحرِّ***أشجع من ذي لبد هزبر
ولست بالجبان عند الكرّ***لكنّني الوقّاف عند الفرِّ
ثمّ لم يزل يقاتل حتّى قُتل (رحمه الله)، فاحتمله أصحاب الحسين (عليه السلام) حتّى وضعوه بين يدي الحسين (عليه السلام) وبه رمق، فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول : « أنت الحرُّ كـمـا سـمّتك اُمّك، وأنت الحرُّ في الدنيا، وأنت الحرُّ في الآخرة » .
رثاؤه رضوان الله تعالى عليه :
رثاه رجل من أصحاب الحسين (عليه السلام) وقيل بل رثاه عليّ بن الحسين (عليهما السلام) :
لنعم الحرُّ حرُّ بني رياح***صبور عند مختلف الرماح
ونعم الحرُّ إذ نادى حسيناً***فجاد بنفسه عند الصباح
فيا ربّي أضفه في جنانِ***وزوّجه مع الحور الملاح
وروي أنّ الحرَّ كان يقول :
آليت لا اُقتل حتّى أقتلا***أضربهم بالسيف ضرباً معضلا
لا ناقل عنهم ولا معلّلا***لا عاجز عنهم ولا مبدّلا
أحمي الحسين الماجد المؤمّلا([2])*** قال الطبري : وأخذ يقول أيضاً :
أضرِبُ في أعراضِهم بالسيف***عن خيرِ من حَلّ منىً والخيفِ
والفضل ما شهدت به الأعداء :
وروي كذلك أنّ أيّوب بن مشرح الخيواني كان يقول : أنا والله عقرتُ بالحرّ بن يزيد فرسه حشأته سهماً، فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبا فوثب عنه الحرّ كأنـّه ليث والسيف في يده، وهو يقول :
إن تعقروا بي فأنا ابن الحرّ***أشجع من ذي لِبَد هزبرِ
قال : فما رأيت أحداً قطّ يفري فريه، قال : فقال له أشياخ من الحيّ : أنت قتلته ؟ قال : لا والله ما أنا قتلته ولكن قتله غيري، وما اُحبّ إنّي قتلته، فقال له أبو الودّاك : ولِمَ ؟ ! قال : زعموا أنـّه كان من الصالحين، فوالله ! لئن كان ذلك إثماً لأنْ ألقى الله بإثم الجراحة والموقف أحبّ إليَّ من أن ألقاه بإثم قتل أحد منهم، فقال له أبو الودّاك : ما أراك إلاّ ستلقى الله بإثم قتلهم أجمعين، أرأيت لو أنّك رميتَ ذا فعقرت ذا، ورميتَ آخر ووقفت موقفاً وكرّرتَ عليهم، وحرّضتَ أصحابك، وكثرت أصحابك، وحُمل عليك، فكرهت أن تفرّ، وفعل آخر من أصحابك كفعلك، وآخر وآخر، كان هذا وأصحابه يقتلون أنتم شركاءُ كلّكم في دمائهم، فقال له : يا أبا الودّاك، إنّك لتُقنطنا من رحمة الله إن كنت وليّ حسابنا يوم القيامة فلا غفر الله لك إن غفرت لنا، قال : هو ما أقول لك »([3]) .
وحالة أيّوب بن مشرح الخيواني تمثّل نموذجاً لشريحة النفاق والتزلّف للسلطان، مع ما يعلم أنّ تورّطه في مقتل الحسين (عليه السلام) وأصحابه جريحة لا يغفر الله لصاحبها، وهو مع هذا يجادل في شموله لرحمة الله وعدم قنوطه، وهي حالة « تسيس عقائدي » حاول النظام أن يربّي أتباعه عليها، أي أنّ حالات الانحراف العقائدي المرتكبة يمكن تصحيحها بما تمليه عليهم ظروفهم ومصالحهم، فحربهم للحسين (عليه السلام) مع علمهم بأنـّه ضلال وخروج عن الدين، فهم يتشبّثون بإمكانيّة مشروعيّة خروجهم على الحسين(عليه السلام)، وتصحيح ذلك بأنّ الله سيشملهم برحمته فلا قنوط ولا بأس من المغفرة، وهذه حالة مستشرية لدى أتباع النظام، فلا يمكن أن نوعز ذلك إلى جهلهم أو عدم تفقّههم، بل هم على علم وإصرار من ارتكابهم لهذه الجريمة التي راح ضحيّتها سيّد شباب أهل الجنّة وأهل بيته وأصحابه النجباء، ومقتضيات الظرف السياسي تبيح لهم ارتكاب كلّ ما هو خارج عن الدين بحجّة « الضرورة ومصلحة الاُمّة » كما فعلها الذين من قبلهم في استيلائهم على الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
وترجمه صاحب تنقيح المقال بقوله : « الحرّ بن يزيد . . عدّه الشيخ (رحمه الله) من أصحاب الحسين (عليه السلام)، وهو الذي ختم الله بالسعادة والشهادة وظهر فيه مصداق قوله (صلى الله عليه وآله) : تفكّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة » .
ونقل السيّد الحائري عن السيّد نعمة اللّه الجزائري التستري في كتابه الأنوار النعمانيّة، قال : حدّثني جماعة من الثقات أنّ الشاه إسماعيل لمّا ملك بغداد أتى إلى مشهد الحسين (عليه السلام) وسمع من بعض النّاس الطعن على الحرّ، أتى إلى قبره وأمر بنبشه، فنبشوه، فرآه نائماً كهيئته لمّا قتل، ورأوا على رأسه عصابة مشدوداً بها رأسه، فأراد الشاه ـ نوّر الله مضجعه ـ أخذ تلك العصابة لما نقل في كتب السير والتواريخ أنّ تلك العصابة دسمال ([4]) للحسين (عليه السلام) وشدّ بها رأس الحرّ لمّا اُصيب
في تلك الواقعة، ودفن على تلك الهيئة، فلمّا حلّوها جرى الدم، وكلّما أرادوا أن يعالجوا قطع الدم بغير تلك العصابة لم يمكنهم، فتبيّن لهم حسن حاله، فأمر فبنى على قبره بناء وعيّن له خادماً يخدم قبره، انتهى .
تشكيك في غير محلّه، وطعنٌ في غير مورده :
وعقبه الحائري بقوله : وما ذكره من الطعن لم أره في كتابه، فإنـّه نقل عن بعض الطعن فيه محتجّاً بأنّ خروجه عليه (عليه السلام) متيقّن، وما ورد في عفوه (عليه السلام)عنه، وقبول توبته خبر واحد وفيه ما فيه، انتهى .
أقول : لا أتصوّر جهالة كجهالة هذا الطاعن إلاّ جهالة مَن قال : إنّ خبر الغار دراية وخبر الغدير رواية، والرواية لا تعارض الدراية، فإنّ تلك وأمثالها من القضايا التي برهان فسادها معها، فكيف يمكن المناقشة في قبول توبة مَن باع دنياه بآخرته ربح، ولا يعقل من سيّد الكرماء صلوات الله عليه أن لا يقبل توبة مثل هذا الرجل الذي فداه بمهجته، وأيتم أطفاله، وأرمل عياله لمحبّته (عليه السلام)، هذا مع أنّ خروجه لم يكن لمحاربة الحسين (عليه السلام)ليقع الكلام في توبته وقبولها، وقد روى ابن جرير الطبري وغيره من المؤرّخين أنـّه قال للحسين (عليه السلام) معتذراً عن خروجه : إنّي كنت قلت في نفسي لا اُبالي أن اُصانع القوم في بعض أمرهم، ولا يظنّون أنّي خرجت عن طاعتهم، وأمّا هم فسيقبلون من الحسين (عليه السلام) ما يعرضه عليهم، يعني رجوعه من حيث أتى، ووالله ! لو أنّي ظننت أنّهم لا يقبلون ما خرجت معهم، ولا ارتكبت ما ارتكبت، فهذا يدلّ على اعتقاده أنّ خروجه وتخلّفه سواء في أنّ كلاًّ منهما لا تترتّب عليه جريمة الاشتراك بقتل الحسين (عليه السلام)، سوى أنّ التخلّف لمّا كان فيه دلالة على الخروج عن طاعتهم آثر عليه الخروج معهم مصانعة لهم مع سلامة آخرته، ولمّا رأى أنـّه لم تسلم له تقدّم إلى الحسين (عليه السلام)عند أوّل حملة من القوم، وقتل فيمن قتل فيها، ولذلك يقول له : ائذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك .
وقد روى الشيخ جعفر بن محمّد بن نما في المثير : أنّ الحرّ عند خروجه من الكوفة نودي من خلفه : أبشر يا حرّ بالجنّة، فتعجّب من ذلك حيث لم يرَ أحداً .
وروى ابن الجوزي في التذكرة : أنـّه قصّ ذلك على الحسين (عليه السلام)، فقال له : ذلك هو الخضر، جاء مبشّراً لك([5]) .
الحرّ بن يزيد . . حرٌّ في استنتاجاته خلاف ما يعتقد عبيد السلطان :
ولم يُخفِ الطبري حقيقةً واحدة صرّح بها عقبة بن سمعان بعد مقتل الحسين (عليه السلام)ليكون شاهداً على تاريخ، وشاهداً لمؤرّخين، ينتحلون الكذب، ويقلبون الحقائق، ويمحقون الواقع، ويبتذلون على تاريخ مأجور، ويبتذلون في أقلامهم مأجورين غير متأثّمين ولا متحرّجين، مأجورين لأهوائهم، ومبتذلين في أغراضهم، وكأنّهم لم يقرأوا هذا النصّ الذي يحاكم فئات المؤرّخين ليُظهر حقائق تاريخ، وواقع أحداث، ومشاهد زمن خفيّ خلف أسوار السلطان، قال الطبري : عن عقبة بن سمعان، قال : صحبتُ حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة إلى العراق، ولم اُفارقه حتّى قُتل، وليس من مخاطبته النّاس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلاّ وقد سمعتها، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر النّاس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنّه قال : « دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر النّاس »([6]) .
حلاس بن عمرو الراسبي :
والنعمان بن عمرو الراسبي :
من شهداء الحملة الاُولى، كما عن ابن شهرآشوب([7]) .
كان النعمان والحلاس ابنا عمرو الراسبيّان من أهل الكوفة، وكانا من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان الحلاس على شرطته بالكوفة .
قال صاحب الحدائق : خرجا مع عمر بن سعد، فلمّا ردّ ابن سعد الشروط جاءا إلى الحسين (عليه السلام) ليلاً فيمن جاء، وما زالا معه حتّى قُتلا بين يديه .
قال السروي : قتلا في الحملة الاُولى([8]) .
وذكرهما الفضيل بن الزبير فيمن قُتل مع الحسين (عليه السلام) ([9]) .
ذكر ابن حجر، الحلاسَ بن عمرو وقال : كان فقيهاً من أصحاب عليّ([10]) .
حنظلة بن سعد الشبامي :
وتقدّم حنظلةُ بن سعد الشبامي بين يدي الحسين (عليه السلام)، فنادى أهل الكوفة : يا قوم، إنّي أخافُ عليكم مثل يوم الأحزاب، يا قوم، إنّي أخاف عليكم يوم التناد، يا قوم، لا تقتلوا حسيناً فيُسحتكم الله بعذاب وقد خاب مَن افترى، ثمّ تقدّم فقاتل حتّى قُتِلَ (رحمه الله)([11]) .
وكان عند مبارزته يرتجز ويقول :
صبراً على الأسياف والأسنّة***صبراً عليها لدخول الجنّة
وحور عين ناعمات هنَّه***لمن يريد الفوز لا بالظنّة
يا نفس للراحة فاجهدنـّه***وفي طلاب الخير فارغبنّه([12])*** وكان حنظلة بن سعد الشبامي وجهاً من وجوه الشيعة ذا لسان وفصاحة، شجاعاً قارئاً، وكان له ولد يدعى عليّاً، له ذكر في التاريخ .
جاء حنظلة إلى الحسين (عليه السلام) عندما ورد الطفّ، وكان الحسين (عليه السلام) يرسله إلى عمر بن سعد بالمكاتبة أيّام الهدنة([13]) .
لمّا كان يوم العاشر ورأى أنّ أصحاب الحسين (عليه السلام) قد اُصيبوا ولم يبق منهم إلاّ نفر، وقف بين يديه يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره([14]) .
وذكره ياقوت الحموي في مَن نسب إلى شبام، قال : حنظلة بن عبدالله الشبامي قُتل مع الحسين (رضي الله عنه)([15]) .
والظاهر حنظلة بن سعد، كما هو عليه الأكثر .
حنظلة بن عمرو الشيباني :
حنظلة بن عمرو الشيباني : من شهداء الحملة الاُولى، كما عند ابن شهرآشوب([16]) .
واحتمل العلاّمة المقامقاني أنه متّحد مع حنظلة بن سعد الشبامي([17])، والظاهر تعدّده، فإنّ الشبامي قتل مبارزةً وحده، وله قبل مبارزته خطبة معروفة، والمعنون قُتل في الحملة الاُولى مع الخمسين نفراً .
معدود في منتهى الآمال([18])، والقمقام الزخّار([19]) من شهداء الحملة الاُولى .
زاهر بن عمرو ( مولى ابن الحمق ) :
من شهداء الحملة الاُولى، كما عدّه ابن شهرآشوب([20]) .
تاريخ جهاده رضوان الله عليه :
من أصحاب الشجرة، روى عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وشهد الحديبية وخيبر، وكان من أصحاب عمرو بن الحمق الخزاعي، كما نصّ على ذلك أهل السير، وقالوا : إنـّه كان بطلاً مجرّباً شجاعاً محبّاً لأهل البيت (عليهم السلام) معروفاً، وحجّ سنة ستّين، فالتقى مع الحسين(عليه السلام) فصحبه، وكان ملازماً له حتّى حضر معه كربلاء، واستشهد بين يديه، وقد زاده على شرف الشهادة شرف تخصيصه بالتسليم عليه في زيارة الناحية المقدّسة بقوله (عليه السلام) : « السلام على زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي »([21]) .
وروي عن القاضي نعمان المصري : « أنّ عمرو بن الحمق بقي بعد عليّ (عليه السلام)فطلبه معاوية، فهرب منه نحو الجزيرة، ومعه رجل من أصحاب عليّ (عليه السلام) يقال له زاهر، فلمّا نزل الوادي نهشت عَمْراً حيّة في جوف الليل، فأصبح منتفخاً، فقال : يا زاهر، تنحَّ عنّي، فإنّ حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخبرني أنـّه سيشترك في دمي الجنّ والإنس، ولا بدّ لي من أن اُقتل، فبينا هما كذلك إذ رأيا نواصي الخيل في طلبه، فقال : يا زاهر، تغيب، فإذا قُتلت فإنّهم سوف يأخذون رأسي، فإذا انصرفوا فأخرج جسدي فواره، قال زاهر : لا ، بل أنثر نبلي ثمّ أرميهم به، فإذا فنيت نبلي قُتلت معك، قال : لا ، بل تفعل ما سألتك به ينفعك الله به، فاختفى زاهر وأتى القوم فقتلوا عمْراً واحتزّوا رأسه فحملوه، فلمّا انصرفوا خرج زاهر فوارى جسده ثمّ بقي حتّى قُتل مع الحسين (عليه السلام)([22]) .
زهير بن بشر الخثعمي :
ذكره ابن شهرآشوب ممّن استشهد في الحملة الاُولى([23]) .
وتابعه القاجاري في القمقام([24])، والقمّي في منتهى الآمال([25]) .
ولم يذكره غيرهم، حتّى أنّ الفضيل بن الزبير في روايته لِمَنْ قُتل مع الحسين (عليه السلام)لم يذكره، واقتصر على الخثعميين بذكر عبدالله بن بشر وسويد بن عمرو بن المطاع الخثعميان . ونرجّح أنـّه هو عبدالله بن بشر الخثعمي، وزهير تصحيف .
زهير بن سليم الأزدي :
ممّن صار إلى الحسين (عليه السلام) في الليلة العاشرة عندما رأى تصميم القوم على قتاله، فانضمّ إلى أصحابه الأزديّين الذين كانوا مع الحسين (عليه السلام)، وتقدّم يوم الطفّ للقتال وقاتل قتال المشتاقين حتّى استشهد في الحملة الاُولى، ونال بعد شرف الشهادة شرف تخصيصه بالتسليم عليه في زيارة الناحية المقدّسة رضوان الله عليه([26]) .
زهير بن القين البجلي :
كان رجلاً شريفاً في قومه، نازلاً فيهم بالكوفة، شجاعاً له في المغازي مواقف مشهورة، ومواطن مشهودة، وكان أوّلاً عثمانيّاً، فحجّ سنة ستّين في أهله، ثمّ عاد من الحجّ فوافق الحسين (عليه السلام) في الطريق، فأرسل (عليه السلام) خلفه، فتماهل، فلامته زوجته، دلهم بنت عمرو على ذلك فمضى إليه، فما لبث أن صار علويّاً، وجاء مستبشراً وقد اصفرّ وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله فقوّض وحُمل إلى الحسين (عليه السلام)، فطلّق زوجته وأمرها باللحوق إلى أهلها ([27])، ولازم الحسين (عليه السلام)وجعل يقاتل يوم الطفّ قتالاً شديداً لم يرَ مثله إلى أن نال الشهادة، وقد زاد على شرف الشهادة بشرف تسليم الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف عليه في زيارة الناحية المقدّسة بقوله (عليه السلام) : « السَّلاَمُ عَلى زُهَيرِ بْنِ الْقَيْنِ الْبَجَليّ الْقائِلِ لِلْحُسَينِ (عليه السلام)ـ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ في الاِْنْصِرافِ ـ : لاَ وَاللهِ لاَ يَكُونُ ذلِكَ أَبَداً، ءَأَتْرُكُ ابْنَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَسِيراً في يَدِ الاَْعْداءِ وَأَنْجُو، لاَ أَراني اللهُ ذلِكَ الْيَوْمَ »([28]) .
قرار الأحرار الحاسم في نصرة الحقّ :
إنّ موقفي زهير بن القين وكذلك الحرّ بن يزيد لجديران بالتأمّل والعظة في كيفيّة تلقّي الإنسان رحمة ربّه ليهديه إلى حيث الخلود دون أن يتشبّث بآرائه دون طائل، فإذا عُرض عليه الحقّ قبله دون تعصّب وعناد .
روى الطبري عن رجل من بني فزارة، قال : كنّا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة نساير الحسين، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل، فإذا سار الحسين تخلّف زهير بن القين، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير حتّى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بُدّاً من أن ننازله فيه، فنزل الحسين (عليه السلام) في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغدّى من طعام لنا ; إذ أقبل رسول الحسين حتّى سلّم، ثمّ دخل فقال : يا زهير بن القين، إنّ أبا عبدالله الحسين بن عليّ بعثني إليك لتأتيه، قال : فطرح كلّ إنسان ما في يده حتّى كأنّا على رؤوسنا الطير .
قال أبو مخنف : فحدّثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين قالت : فقلت له : أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه، سبحان الله، لو أتيته فسمعت كلامه ثمّ انصرفت، قالت : فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه، قالت : فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه، فقدّم، وحمل إلى الحسين، ثمّ قال لامرأته : أنت طالق . الحقي بأهلك، فإنّي لا اُحبّ أن يصيبكِ من سببي إلاّ خير، ثمّ قال لأصحابه : مَن أحبّ منكم أن يتّبعني وإلاّ فإنـّه آخر العهد، إنّي ساُحدّثكم حديثاً : غزونا بلنجر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهلي : أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأصبتم من المغانم ؟ فقلنا : نعم، فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم، فأمّا أنا فإنّي استودعكم الله، قال : ثمّ والله ما زال في أوّل القوم حتّى قتل .
قال الطبري عن عقبة بن أبي العيزاز : قام الحسين (عليه السلام) بذي حُسم، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال :
« إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِنا مِنَ الاَْمْرِ ما قَدْ تَرَوْنَ، وَإِنَّ الدُّنْيا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُها، وَاسْتَمرتْ فلَمْ يَبْقَ مِنْها إِلاَّ صَبابَةٌ كَصَبابَةِ الاِْناءِ، وَخَسيسُ عَيْش كَالْمَرعْى الْوَبِيلِ، أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى الْحَقِّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَإِلَى الْباطِلِ لاَ يُتَناهى عَنْهُ، لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ في لِقاءِ رَبِّهِ مُحِقّاً، فَإِنّي لاَ أَرى الْمَوْتَ إِلاّ سَعادَةً وَالْحَياةَ مَعَ الظّالِمِينَ إِلاّ بَرَماً » .
قال : فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه : تتكلّمون أم أتكلّم ؟ قالوا : لا بل تكلّم، فحمد الله فأثنى عليه، ثمّ قال : قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك، والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلّدين إلاّ أنّ فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها .
قال : فدعا له الحسين (عليه السلام) ([29]) .
وروى السيّد ابن طاووس ما أورده الطبري كذلك([30]) .
ولمّا خرج زهير بن القين يوم عاشوراء وضع يده على منكب الحسين وقال مستأذناً :
اُقدمْ هديت هادياً مهديّاً***فاليوم ألقى جدّك النبيّا
وحسناً والمرتضى عليّاً***وذا الجناحين الفتى الكميا
وأسد الله الشهيد الحيّا*** فقال الحسين (عليه السلام) : وأنا ألقاهما على أثرك، وفي حملاته يقول :
أنا زهير وأنا ابن القين***أذودكم بالسيف عن حسينِ
فقتل مائة وعشرين، ثمّ عطف عليه كثير بن عبدالله الصعبي والمهاجر بن أوس فقتلاه، فوقف الحسين (عليه السلام) على مصرعه وقال : لا يبعدنّك الله يا زهير، ولعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير([31]) .
وروى ابن شهرآشوب تكملة رجزه هكذا :
أنا زهير وأنا ابن القين***أذودكم بالسيف عن حسينِ
إنّ حسيناً أحد السبطين***من عترة البرّ التقيّ الزين([32])
وأضاف المجلسي هكذا :
ذاك رسول الله غير المين***أضربكم ولا أرى من شين
يا ليت نفسي قسمت قسمين([33])
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . إبصار العين: 153.
[2]. بحار الأنوار : 45/14 .
[3]. تاريخ الطبري 4 : 332 ـ 333 .
[4]. علّق العلاّمة المامقاني بقوله : « كلمة أعجميّة، وقد كان الأوْلى إبدالها بــ(العصابة) » .
توضيح: و الصحيح «دستمال» يقابلها في العربية الدارجة «الكفيّة»، يعني الخرقة التي تمسح بواسطتها اليد و الكف والوجه.
[5]. تنقيح المقال 1 : 260 .
[6]. تاريخ الطبري 4 : 313 .
[7]. المناقب / ابن شهرآشوب : 4/122 .
[8]. إبصار العين : 144 .
[9]. مجلّة تراثنا : العدد الثاني / 1406هـ .
[10]. الإصابة في تمييز الصحابة : 3/118 .
[11]. الإرشاد / المفيد : 105 .
[12]. بحار الأنوار : 45/18 .
[13]. إبصار العين : 101 .
[14]. تنقيح المقال / المامقاني : 1/383 .
[15]. معجم البلدان : 3/318 .
[16]. المناقب / ابن شهرآشوب : 4/122 .
[17]. تنقيح المقال : 1/381 .
[18]. منتهى الآمال : 1/640 .
[19]. القمقام الزخّار : 1/554 .
[20]. المناقب / ابن شهرآشوب : 4/122 .
[21]. تنقيح المقال : 1/437 .
[22]. منتهى الآمال : 1/642 .
[23]. المناقب / ابن شهرآشوب : 4/122 .
[24]. القمقام الزخّار : 1/555 .
[25]. منتهى الآمال : 1/643 .
[26]. تنقيح المقال : 2/452 .
[27]. الظاهر من طلاق زوجته رضوان الله عليه ليس لغرض دنيوي مادّي كأن ترثه ـ مثلاً ـ وقد عرف نهايته الشهادة، فهل كان طلاقه لزوجته تخلّصاً من ميراثها له وحرمانها إيّاه، أم لأمر آخر .
أمّا ما يُشكل به البعض من أنـّه طلّق زوجته لسبب مادّي، فهو عجيب; إذ كيف يعقل أنّ مَن كان همّه الآخرة ينظر إلى الدنيا ومتعلّقاتها من مال وأولاد وأزواج؟ وكيف مَن بذل نفسه وهي أغلى من ماله أن ينظر إلى ماله وأين يضعه، ومَن سيخلفه من بعده؟!
على أنّ مَن سار في طريق الشهادة، ورضي ببذل مهجته، يتورّع أن يظلم أحداً من أهله، أو من غيرهم، وقد دأب أن يرفع الظلم ويقارع الظالمين، فحريّ به أن يكون غاية في العدل، وأهله أوْلى بذلك .
والظاهر أنّ طلاق زوجته يعني طلاق الدنيا، وتجرّده عن كلّ ملاذها لئلا يتعلّق قلبه بشيء منها، ولئلا يثنيه ذلك عن عزمه في الجهاد ولحوقه بمصافي الخالدين .
[28]. تنقيح المقال : 1/452 .
[29]. تاريخ الطبري : 4/298، 305 .
[30]. راجع اللهوف في قتل الطفوف : 34 .
[31]. مقتل الحسين (عليه السلام) : 247 .
[32]. المناقب / ابن شهرآشوب : 4/112 .
[33]. بحار الأنوار : 45/25 .
source : sibtayn