زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) زيارة الله في العرش
وإنّ الزيارة تعني حضور الزائر عند المزور لإعلان الولاء والمحبّة ، وكسب الفيض والبركة ، وديموميّة الإطاعة والاتّباع ، والتحلّي بسيرتهم وأخلاقهم ، وتحصيل الأجر والثواب ، وغير ذلك ممّـا يذكر في فلسفة الزيارة وثوابها وفضائلها.
فإنّ زيارة الله في العرش يعني تجلّي الله في أسمائه وصفاته ، وهذا يعني لمن زار الحسين (عليه السلام) بشرط أن يكون عارفاً بحقّه ومقامه العظيم ، فإنّه يرى تجلّي الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا في وجود الإمام الحسين (عليه السلام) وحياته الكريمة ، وسيرته المباركة ، وحينئذ من يرى الحسين فيرى الله سبحانه ، فإنّه بوجوده المقدّس (عليه السلام)أعظم آية تدلّنا على الله سبحانه ، واجب الوجود لذاته ، المستجمع لجميع صفات الجمال والكمال والجلال.
وقد ورد هذا المعنى في أحاديث أئمّة الحقّ (عليهم السلام) :
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ الحواريين سألوا عيسى بن مريم : يا روح الله ، من نُعاشر ؟ فقال : من يذكّركم الله رؤيته ، ويزيدكم في علمكم منطقه ، ويرغّبكم في الآخرة عمله.
والإمام الحسين المصداق الأتمّ لمن يراه يتذكّر ربّه ، أي لو كان غافلا ساهياً فإنّه بحضوره عند الحسين (عليه السلام) يرى الله سبحانه ، وإنّه بحضرته جلّ جلاله ، فالحضور بحضرته وحرمه (عليه السلام) حضور بحضرة الله وعرشه وعلمه عزّ وجلّ ، ومن زاره في حرمه وغيره ، عارفاً بحقّه ومقامه ، كمن زار الله في عرشه ، متعزّزاً بقدسه وكرامته.
1 ـ عن الإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال :
كنّا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) أنا وحارث الأعور قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)يقول : يأتي قوم في آخر الزمان يزورون قبر ابني الحسين ، فمن زاره فكأ نّما زارني ، ومن زارني فكأ نّما زار الله سبحانه ، ألا ومن زار الحسين فكأ نّما زار الله في عرشه.
2 ـ عن بشير الدهّان عن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له ، قال : يا بشير ، من زار قبر الحسين (عليه السلام) عارفاً بحقّه ، كان كمن زار الله في عرشه.
3 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) : من زار قبر الحسين بن عليّ (عليه السلام) يوم عاشوراء عارفاً بحقّه ، كان كمن زار الله في عرشه.
4 ـ زيد الشحّام قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما لِمن زار قبر الحسين (عليه السلام) ؟ قال : كان كمن زار الله في عرشه.
5 ـ عن الإمام الرضا (عليه السلام) ، قال : من زار قبر أبي عبد الله (عليه السلام) بشطّ فرات كان كمن زار الله فوق عرشه[2].
6 ـ وعنه (عليه السلام) : من زار قبر أبي ببغداد كان كمن زار رسول الله وأمير المؤمنين (عليهما السلام) ، ألا إنّ لرسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما فضلهما ، قال : ثمّ قال لي : من زار قبر أبي عبد الله (عليه السلام) بشطّ فرات ، كان كمن زار الله فوق كرسيّه.
الظاهر أنّ المراد من زيارة الله في العرش وفوق الكرسي كناية عن شدّة القرب ونهايته إلى الله سبحانه.
وقيل : إنّه قد تحقّق عند أهل المعرفة أنّ للإنسان في سيره وسلوكه إلى الله سبحانه منازل ، تنتهي من طاعة الله إلى حالة رفيعة ، ومرتبة راقية ، وقرب خاصّ ، يعبّرون عنه بالفناء في الله تعالى ، وهو نهاية مقام كمال العبد في عبوديّته ، وغاية مقام قربه ، فيصل إلى جوهر العبوديّة التي كنهها الربوبيّة ، وهو عبارة عن كون علم العبد مستهلكاً في علمه تعالى ، وقدرته مضمحلّة في قدرته عزّ سلطانه ، وإرادته ذائبة في إرادته علا شأنه وجلّ جلاله ، بحيث لا يكون له رأي أو حكم إلاّ ما رآه وحكم به المولى عزّ وجلّ ، ولا يرى لنفسه قدرة على شيء إلاّ بحوله وقوّته ، ولا يريد شيئاً غير ما أراد الله تعالى ، فإذا دام العبد على هذه الحالة العرفانيّة ، واستمرّ عليه بحيث صارت ملكة راسخة في كلّ وجوده ، وصار العبد متجوهراً بها ، ومتجسّداً فيها ، وقد فنا في ربّه عن نفسه ، ولا حكم له إلاّ حكمه سبحانه ، فيكون مظهراً لربّه في أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، ويكون إكرامه إكرام الله ، وزيارته زيارة الله ، ومن أهانه أهان الله.
كما ورد في الخبر الشريف عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « من وقّر عالماً وقّر ربّه »[3].
فإنّ العالم حقّاً يكون مظهراً لعلم الله سبحانه ، وتوقيره توقير الله.
كما ورد أ نّه تعالى قال مخاطباً لبعض أنبيائه : مرضت فلم تزرني ، فلمّـا استفسر النبيّ واستوضح عن الأمر ، أخبره الله سبحانه أ نّه كان عندي فلان مريضاً فلم تعده وتزوره.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من زار أخاه في بيته قال الله عزّ وجلّ له : أنت ضيفي وزائري ، عليّ قراك ، وقد أوجبت لك الجنّة بحبّك إيّاه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه ، كتب من زوّار الله ، وكان حقيقاً على الله أن يكرم زائره.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : من زار أخاه في الله قال الله عزّ وجلّ : إيّاي زرت وثوابك عليّ ، ولست أرضى لك ثواباً دون الجنّة[4].
وقال (عليه السلام) : « من أتاه أخوه المؤمن فأكرمه فإنّما أكرم الله عزّ وجلّ »[5].
وقال في الذين يبايعون رسول الله تحت الشجرة أ نّهم يبايعون الله ، كما نسب رمي النبيّ في غزوة إلى نفسه جلّ جلاله في قوله تعالى :
( وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلـكِنَّ اللهَ رَمى )[6].
فسيّد الشهداء سبط رسول الله قدّم القرابين يوم الطفّ لله سبحانه ، وبذل مهجته ومهجة أهل بيته وأصحابه ، من أجل دين الله سبحانه ، وبهذا وبغيره من العصمة والمقامات الولويّة ، وصل إلى قاب قوسين أو أدنى ، حتّى صار مظهراً لله سبحانه ، فانياً في أسمائه وصفاته ، فمن زاره كمن زار الله في عرشه وفوق كرسيّه.
« وقد ورد في فضل زيارته أمر عظيم وحثّ أكيد ومقام رفيع حتّى عدّ زائره ـ كما مرّ ـ بمنزلة من زار الله في عرشه ، فالزائر لا بدّ أن يعتبر في هذه العبادة اعتبارات فاخرة ، فجعل زيارته في مرقده بعد قتله ، كمن زار الله في عرشه ، أمر عظيم لا يطيقه عقول العامّة.
ومن عظمته ، حكي أنّ السيّد الجليل والعالم النبيل السيّد مهدي المعروف ببحر العلوم جاء إلى الشيخ الكبير العارف الشيخ حسين المعروف بنجف وسأله عن مشكلاته ، وكان منها أن سأله عن عظم ما ورد في الأخبار من مثوبات ما يتعلّق بالحسين (عليه السلام) لزائره وللباكي عليه ونحوهما كيف يستقيم عند العقل هذه الاُمور العظام بهذه الأعمال الجزئيّة الحقيرة ؟ ! فأجابه الشيخ بأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) مع جميع ما فيه من الشؤون إنّما كان مخلوقاً ممكناً عبداً لله ، وهو مع كونه ممكناً عبداً أعطى في محبّة الله ورضاه كلّه من المال والجاه والعرض والإخوة والأولاد الصغير والكبير والروح ، حتّى بدنه بعد القتل ، وكيف تستكثر أن يعطيه الكريم الجواد أيضاً كلّه للحسين (عليه السلام) ، فرضي عليه الرحمة بالجواب واستحسنه »[7].
--------------------------------------------------------------------------------
[1]راجع بحار الأنوار ، المجلّد 98.
[2]التهذيب 6 : 46 ، وكامل الزيارات : 147.
[3]غرر الحكم : 285.
[4]الروايات من ميزان الحكمة 4 : 296.
[5]ميزان الحكمة 1 : 61.
[6]الأنفال : 17.
[7]المراقبات : 148.
لقد وردت نصوص كثيرة عن أهمّية زيارة الرسول الأكرم وأهل بيته الطاهرين وذرّيته الكرام.
وفي زيارة سيّدنا ومولانا الإمام الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) وردت روايات كثيرة جدّاً تدلّ على عظمة زيارته المقدّسة وفضلها وبركاتها وآثارها في الدنيا والآخرة[1] ، وقد امتاز بعضها بأمر قلّ ما نجده في باقي الزيارات الواردة في حقّ الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ، وذلك أ نّه من زاره زار الله في عرشه ، وهذا من الأمر العظيم ، والصعب المستصعب الذي لا يتحمّله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان.
source : sibtayn