روى الخوارزمي قال : و ذكر أبو مخنف و غيره أنّ يزيد أمر أن يصلب الرأس الشريف على باب داره ، و أمر أن يدخلوا أهل بيت الحسين (عليه السّلام) داره ، فلمَّا دخلت النسوة دار يزيد لم تبقَ امرأة من آل معاوية إلاّ استقبلتهنَّ بالبكاء والصراخ , والنياحة والصياح على الحسين (عليه السّلام) ، وألقين ما عليهنَّ من الحلي والحلل ، و أقمنَ المأتم عليه ثلاثة أيّام .
وخرجت هند بنت عبدالله بن عامر بن كريز امرأة يزيد ، و كانت قبل ذلك تحت الحسين بن علي (عليه السّلام) ، فشقّت الستر وهي حاسرة ، فوثبت على يزيد وقالت : أرأس ابن فاطمة مصلوبٌ على باب داري ؟! فغطّاها يزيد وقال : نعم ، فاعولي عليه يا هند ، وابكي على ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) و صريخة قريش ، عجَّل
عليه ابن زياد فقتله ، قتله الله(1) .
و روى الطبري أيضاً قال : قالت(*) : ثمّ قال يزيد بن معاوية : يا نعمان بن بشير , جهِّزهم بما يصلحهم ، و ابعث معهم رجلاً من أهل الشام أميناً صالحاً ، و ابعث معه خيلاً و أعواناً فيسير بهم إلى المدينة . ثمّ أمر بالنسوة أن ينزلنَ في دار على حدة , معهنَّ ما يصلحهنَّ , و أخوهنَّ معهنَّ علي بن الحسين (عليه السّلام) في الدار التي هنَّ فيها .
قال : فخرجنَ حتّى دخلنَ دار يزيد ، فلم تبقَ من آل معاوية امرأة إلاّ استقبلتهنّ تبكي و تنوح على الحسين (عليه السّلام) , فأقاموا عليه المناحة ثلاثاً(2) .
وفي نور العين , قال : بعد ما اضطرب الوضع على يزيد قال لهم : أيُّهما أحبُّ إليكم ؛ المقام عندي ولكم الجائزة ، أمْ المسير إلى مكة والمدينة ؟
فقالوا : يا يزيد , نحن فارقنا الحسين (عليه السّلام) وعبيد الله بن زياد لم يمكّننا من البكاء والنحيب عليه . فأمر بإخلاء دارٍ لهم ، فقعدوا فيها ، وعددوا البكاء والنوح ليلاً و نهاراً ، ولم يبقَ في دمشق قرشية ولا هاشمية إلاّ و شدّت الأوساط ، و أقاموا على ذلك أسبوعاً(3) .
ثمّ دعاهم و عرض عليهم المسير فأجابوا لذلك ، فعند ذلك قدّمت لهم المحامل على الجمال ، و اُحضرت لهم الرحال ، و ذلك بعد أن أعطاهم الثياب الفاخرة ، ثمّ أحضر لهم مالاً جزيلاً وقال : يا زينب , خذي هذا المال عوضاً عن مصيبتكم .
فقالت : يا ويلك ! ما أقلّ حياءك و أصلب وجهك ! تقتل أخي وتقول : خذوا عوضه مالاً ! فلمَّا أبَتْ دعا بقائد من قوّاده وضمَّ إليه ألف فارس ، و أمره أن يسير بهم إلى المدينة ، أو إلى أيِّ مكان شاؤوا ، و أن يقضي لهم جميع ما يلزم ، ثمّ حشا الرأس بالمسك والكافور و سلّمها لهم , فأخذوها و ساروا إلى كربلاء ، و دفنوها مع الجسد الشريف(4) .
_____________________________________
(1) مقتل الحسين (عليه السّلام) للخوارزمي 2 / 81 ـ82 .
(*) المقصود منها فاطمة بنت علي (عليهما السّلام) , و هذا ما ذكره الطبري حيث نقل هذه الرواية بعد رواية طلب الشامي استخدام فاطمة بنت علي (عليهما السّلام) ، و أمّا ما نقلناه عن الإسفرايني من أنّها سكينة بنت الحسين (عليهما السّلام) , أقول : و احتمال كونها حادثة اُخرى غير بعيد .
(2) تاريخ الطبري 3 / 339 ، البداية والنهاية ـ ابن كثير 8 / 212 ، تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر 69 / 177 .
(3) كتاب نور العين في مشهد الحسين (عليه السّلام) للإسفرايني / 71 ـ 72 وفي ط / 61 .
(4) كتاب نور العين في مشهد الحسين (عليه السّلام) / 71 ـ 72 ، وفي ط / 61 .
source : sibtayn