عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

الخليفة والعشيرة

إمامنا علي الهادي (عليه السلام) كان يعاشر الحاكمين وسائر الحاكمين وسائر الظالمين له بتمام العفويّة والترسّل، لأن الله تعالى حين نصّبه لهذا الأمر الخطير، قلّده بكلّ ما يجعله على مستوى اختياره السماويّ، وأطلعه على خفاياهم وخفايا النّاس جميعاً ليكون جديراً بتمثيل ظلّه سبحانه على الأرض، يعلم كثيراً من غيبهم ويطّلع على أعمالهم ولا تفجأه مكائدهم؛ فسار فيهم سيرة جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع جبابرة
الخليفة والعشيرة

إمامنا علي الهادي (عليه السلام) كان يعاشر الحاكمين وسائر الحاكمين وسائر الظالمين له بتمام العفويّة والترسّل، لأن الله تعالى حين نصّبه لهذا الأمر الخطير، قلّده بكلّ ما يجعله على مستوى اختياره السماويّ، وأطلعه على خفاياهم وخفايا النّاس جميعاً ليكون جديراً بتمثيل ظلّه سبحانه على الأرض، يعلم كثيراً من غيبهم ويطّلع على أعمالهم ولا تفجأه مكائدهم؛ فسار فيهم سيرة جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع جبابرة قريش وعتاة المشركين في مكة وما حولها: يصدقهم القول، ويمحضهم النّصح، ويبذل قصارى جهده في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من الضلال. ولكنهم كانوا يغشّون إذا نصح، ويتكبّرون إذا تواضع، ويجافون إذا تقرّب، رغم أنه لم ينازعهم سلطاناً ولا رغب في منصب؛ بل كان كلّما قدّم لهم نصحاً قابلوه بسوء!.
فقد روى علي بن إبراهيم، عن إبراهيم بن محمد الطاهري أنه قال: (مرض المتوكل من خرّاج - دمّل - فأشرف على الموت، فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة. فنذرت أمّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن، عليّ بن محمدٍ (عليهما السلام) مالاً جليلاً من مالها.
وقال الفتح بن خاقان للمتوكل: لو بعث إلى هذا الرجل - يعني أبا الحسن (عليه السلام) - فسألته، فإنه ربّما كان عنده صفة شيءٍ يفرّج الله تعالى به عنك.
فقال: ابعثوا إليه.
فمضى الرسول.. ورجع فقال: خذوا كسب الغنم - أي عصارة دهنه - فديفوه بماء الورد - اخلطوه به - وضعوه على الخرّاج، فإنه نافع بإذن الله..
فجعل من يحضر المتوكل يهزأ من قوله.
فقال لهم الفتح بن خاقان: وما يضرّ من تجربة ما قال؟!. فوالله إنّي لأرجو الصلاح به.
فأحضروا الكسب، وديف بماء الورد، ووضع على الخرّاج، فانفتح وخرج ما كان فيه.
وبشّرت أمّ المتوكل بعافيته، فحملت إلى أبي الحسن (عليه السلام) عشرة آلاف دينار تحت خاتمها.
واستقلّ - شفي - المتوكل من علته.
فلمّا كان بعد أيام، سعى البطحائي(1) بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل وقال: عنده أموال وسلاح.
فتقدّم المتوكل إلى سعيد الحاجب - الذي كان من ألأم حجّابه - أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما عنده من الأموال والسلاح، ويُحمل إليه!.
قال إبراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) بالليل ومعي سلّم، فصعدت منه إلى السطح، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظّلمة فلم أدر كيف أصل إلى الدار.
فناداني أبو الحسن (عليه السلام) من الدار: يا سعيد، مكانك حتى يأتوك بشمعة.
فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف وقلنسوةً منها وسجّادته على حصيرٍ بين يديه، وهو مقبل على القبلة.
فقال: دونك البيوت.
فدخلتها وفتّشتها، فلم أجد فيها شيئاً. ووجدت البدرة - الصّرة - مختومةً بخاتم أمّ المتوكل وكيساً مختوماً معها.
فقال لي أبو الحسن: دونك المصلّى.
فرفعته، فوجدت سيفاً في جفنٍ غير ملبوس.
فأخذت ذلك، وصرت إليه - إلى المتوكل - فلمّا نظر إلى خاتم أمّه على البدرة بعث إليها.
فخرجت إليه، فسألها عن البدرة؟ قالت: كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار، فحملتها إليه. وهذا خاتمي على الكيس ما حرّكه.
وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار.. فأمر أن يضمّ إلى البدرة بدرة أخرى، وقال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن (عليه السلام) واردد عليه السيف والكيس بما فيه.
فحملت ذلك، واستحييت منه فقلت له: يا سيّدي عزّ عليّ دخول دارك بغير إذنك، ولكنّي مأمور.
فقال لي: (وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون)(2).
فقد أصاب إمامنا (عليه السلام) مع المتوكل، ما أصاب نبيّ الله يونس (عليه السلام) مع الولد الأعمى الّذي رآه مع رفاقٍ له على شاطئ البحر لمّا لفظه الحوت، فانكسر قلبه من أجله لأنه كان يقف فاشلاً بين أترابه الذين يلهون ويلعبون؛ فدعا ربّه تعالى أن يردّ عليه بصره حتى يتمتّع بصباوته وفتوّته كرفاقه.
فاستجاب الله سبحانه دعاءه، وردّ على الولد بصره.. ففرك الولد عينيه، ودلكهما وعركهما.. ثم فتحهما دهشاً مستغرباً ممّا انفتح عليه بصره من مناظر لا عهد له بها!. استقرّ نظره على النبيّ يونس (عليه السلام) وهو يقبع تحت شجرة اليقطين التي أنبتها الله تبارك وتعالى لتظلّله من حرارة الشمس؛ فقال لرفاقه: تعالوا نراشق هذا الرّجل بالحجارة لنرى من يصيبه حجره!.
وانهالت الحجارة على النبيّ يونس (عليه السلام) من كل جانب!. فعلم حينئذ أنّ الله تعالى لا يفعل إلاّ عين الحكمة.. ومن يعترض على فعله يصبه ما أصابه.. فلم يكفّ سبحانه بصر ذلك الولد إلاّ ليكفّ عن الناس شرّه، ويحفظ عليه أجره..
فقد عالج الإمام (عليه السلام) علّة المتوكل التي كادت تودي بحياته، بأسهل طريقةٍ، وبأسرع وقت، وكان جزاؤه - بعد أيام نقاهة المتوكل - أن كبس داره وفتّش وقبض على ما عنده من مال!.
فكم هو حسن نكران الجميل.. في منطق هذا الخليفة الجليل! وكم هو سفيه هذا الواشي، وذاك الخليفة الطاغوت، وذلك الحاجب الجالوت، حين يقدمون على مثل هذا العمل الوقح الذي كأنّ الإمام على موعد معهم فيه لعلمه بدخائلهم الخبيثة! فها هو ذا يقدّم الشمعة إلى (اللّصّ) الذي تسلّق إلى السّطح وأعاقته الظّلمة عن الاهتداء إلى جوانب البيت!.. وهو ذا يلفت نظره إلى السيف تحت المصلّى!. ثم هو ذا يبتسم من هذا الخلق المتعوس الذي هو في صورة البشر وفكر الحمقى!!.
فلو كانوا لا يعرفون شأن الإمام لعذرناهم.. ولكنهم أوسع معرفةً به منّاً.. وهم - مع ذلك - يتصرّفون معه هذا التصرّف الأرعن الذي إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على الخرق وقصر النظر على الأقل!.
ويا أيّها المتوكل على الأبالسة من حاشيتك: إذا كان لم يقنعك هذا الشّفاء عن طريق النّذر الكبير الذي رصدته أمّك للإمام (عليه السلام)، وعن طريق استعمال الدواء الذي وصفه لك، وكنت قد غفلت عن فضله وكرامته على الله، أفلا يقنعك ما حولك من ظواهر قدره ومنزلته عند ربّه، وكيف فاتك علم ما رواه أبو الفرج ابن الجوزي - بإسناده إلى ابن الخطيب عن قصة أمّك - حيث قال:
(كنت كاتباً للسيّدة أمّ المتوكل. فبينا أنا في الديوان إذ خادم صغير خرج من عندها ومعه كيس فيه ألف دينار، فقال: تقول لك السيّدة: فرّق هذا في المستحقّين.
فسمّوا لي أشخاصاً، ففرّقت فيهم ثلاثمائة دينار، والباقي في يدي إلى نصف الليل وإذ طرق باب داري رجل من العلويّين، وهو جاري، فقال: دخل عليّ هذا الساعة رجل من أقربائي ولم يكن عندي طعام. فأعطيته ديناراً، فأخذه مسروراً وانصرف.
فلمّا وصل إلى الباب خرجت زوجتي باكيةً وهي تقول: أما تستحي؟ يطلب منك العلويّ وتعطيه ديناراً وقد عرفت فقره!. أعطه الكلّ.. فوقع كلامها في قلبي، فناولته الكيس، فأخذه وانصرف.
ثم ندمت، وخفت من المتوكل لأنه يمقت العلويّين.. فقالت زوجتي: لا تخف واتّكل على الله وعلى جدّهم..
فبينا نحن في الكلام، إذ يطرق الخدم الباب بأيديهم المشاعل ويقولون: تدعوك السيّدة!. فقمت خائفاً.. فأدخلوني عند ستر السيّدة وقالت لي: يا أحمد، جزاك الله خيراً، وجزى زوجتك خيراً!. كنت الساعة نائمة، جاءني النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقال لي: جزاك الله خيراً، وجزى الله زوجة الخطيب خيراً!. فما معنى هذا؟!.
فأخبرتها ما جرى وهي تبكي وتقول: هذه الكسوة وهذه الدنانير للعلويّ، وهذه لزوجتك، وهذه لك.. وكان ذلك يساوي مائة ألف درهم.
فأخذت المال، وجعلت طريقي على بيت العلويّ فطرقت، فصاح: هات ما معك يا أحمد!. وخرج وهو يبكي..
فسألته عن بكائه فقال: لمّا دخلت منزلي بالكيس قالت لي زوجتي: قم نصلّي وندعو للسيّدة، ولأحمد وزوجته.. فصلّينا ودعونا لهم. ثم نمت فرأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول: قد شكرتهم على ما فعلوا، والساعة يأتونك بشيءٍ فاقبله منهم)(3).
أفما بلغك يا (خليفة المسلمين) خبر هذه الحادثة من أمّك؟!.
يقيناً، لا.. لأن أمّك على الحقّ الذي عليه الإمام (عليه السلام)، وهي تعرف كرهك للعلويّين ومناصبتك لهم العداء!. وتعلم أنك قد ركبت شيطاناً غويّاً منذ صغرك ونعومة أظفارك، وأنت جبّار لا تلج النصيحة إلى قلبه!.
بل لو كنت باقياً إلى زمن المعتضد من سلاطين أسرتك، لبلغك ما أثبته المسعودي في كتابه (مروج الذهب)(4) من أن (المعتضد بالله) لمّا ولي الخلافة قرّب آل أبي طالب لأنه رأى - في المنام - وهو في حبس أبيه، شيخاً جالساً على دجلة يمدّ يده إلى ماء دجلة فيصير في يده وتجفّ دجلة!. ثم يردّه من يده فتعود دجلة كما كانت.
قال: فسألت عنه، فقيل: هذا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
فقمت إليه، وسلّمت عليه، فقال لي: يا أحمد، إنّ هذا الأمر صائر إليك - أي الخلافة - فلا تتعرّض لولدي ولا تؤذهم!.
فقلت: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين (5).
لم يسمع المتوكل بحادثة أمّه، ولا أدرك ما قيل للمعتضد من بعده.. ولو سمع لولّى مدبراً كأن لم يسمع.. إذ توكّل على نفسه الأمّارة بالسوء، وركب حقده على أهل البيت، ونسي ما قاله نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله) بشأنهم.. وغابت عنه نومته في حفرته وقد قطّعته سيوف غلمانه من الأتراك أشلاءً اختلطت بأشلاء وزيره المقرّب!.
حدّث محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن أحمد الموصلي، عن الصقر بن أبي دلف الكرخيّ الذي قال:
(لمّا حمل المتوكل سيّدنا أبا الحسن العسكريّ عليه السلام - أي حمله إلى السّجن - جئت أسأل عن خبره. فنظر إلى الزرافيّ، وكان خادماً للمتوكل، فأمر أن أدخل إليه - أي إلى زرافة الخادم - فأدخلت إليه فقال: يا صقر ما شأنك؟
فقلت: خير يا أستاذ.
فقال: اقعد.. فأخذني ما تقدّم وما تأخّر - يعني صار متفكّراً في الأمور السابقة واللاّحقة، وفي ذلك ما يشير إلى ندمه على المجيء لأنه قد يواجه خطراً - وقلت: أخطأت في المجيء.
فأوجأ الناس عنه - أبعدهم - ثم قال لي: ما شأنك؟ فيم جئت؟
قلت: لخبر ما.
فقال: لعلّك جئت تسأل عن خبر مولاك؟
فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين.
فقال: اسكت!. مولاك هو الحقّ، فلا تحتشمني فإنّي على مذهبك.
فقلت: الحمد لله.
قال: أتحبّ أن تراه؟
فقلت: نعم.
قال: اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده.. فجلست فلمّا خرج قال لغلام له: خذ بيد صقر، وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلويّ المحبوس، وخلّ بينه وبينه.
فأدخلني إلى الحجرة، وأومأ إلى بيتٍ، فدخلت فإذا هو (عليه السلام) جالس على صدر حصير، بحذاه قبر محفور!. فسلمت عليه فردّ عليّ ثم أمرني بالجلوس، ثم قال لي: يا صقر، ما أتى بك؟
قلت: سيّدي جئت أتعرّف خبرك.. ثم نظرت إلى القبر فبكيت.
فنظر إليّ فقال: يا صقر، لا عليك، لن يصلوا إلينا بسوء الآن.
فقلت: الحمد لله.. ثم قلت: يا سيّدي، حديث روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، لا أعرف معناه.
قال: وما هو؟
فقلت: قوله (صلّى الله عليه وآله): لا تعادوا الأيام فتعاديكم. ما معناه؟
فقال: نعم، إنّ لحديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لتأويلاً: الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض:
فالسبّت: اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
والأحد: كناية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
والاثنين: الحسن والحسين.
والثلاثاء: عليّ بن الحسين، ومحمد بن عليّ، وجعفر بن محمد.
والأربعاء: موسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمد بن عليّ، وأنا.
والخميس: ابني الحسن بن علي.
والجمعة: ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحقّ، وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
فهذا معنى الأيام؛ فلا تعادوهم في الدّنيا، فيعادوكم في الآخرة.. ثم قال: ودّع واخرج، فلا آمن عليك)(6).
فسبحان الله (الّذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم)(7). وتنزيهاً لمن لم يحجب عن حجّته شيئاً من علمه، إلاّ ما استأثر به لنفسه جلّ وعلا من علم الساعة!.
فإمام محبوس.. قد صدر الأمر بقتله غداة غدٍ.. يجاور قبراً محفوراً.. في غرفةٍ مظلمةٍ في غياهب السّجن.. ومع ذلك يجلس للعبادة والتّلاوة مطمئنّاً ويقول لصاحبه: لا بأس علينا الآن بكلّ جزم لأن ذلك ثابت عنده، وهو ممّا علّمه ربّه وعرّفه إياه!. ثم هو يقول له: اخرج فلا آمن عليك بعد أن زوّده بما يستفيد منه في دنياه وأخراه.
وبالنسبة للأيام حدّث الحسن بن مسعود فقال:
(دخلت على أبي الحسن، محمد بن عليّ عليهما السلام وقد نكبت إصبعي - خدشت - وتلقّاني راكب وصدم كتفي، ودخلت في زحمةٍ فخرّقوا عليّ بعض ثيابي، فقلت: راكب وصدم كتفي، ودخلت في زحمةٍ فخرّقوا عليّ بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرّك من يومٍ، فما أبشمك!. - أي ما أشأمك - .
فقال لي (عليه السلام): يا حسن، هذا، وأنت تغشانا؟!. ترمي بذنبك من لا ذنب له؟
قال الحسن: فأثاب إليّ عقلي، وتبيّنت خطأي، فقلت: يا مولاي أستغفر الله.
فقال: يا حسن، ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشاّمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها؟
قال الحسن: أنا أستغفر الله أبداً، وهي توبتي يا بن رسول الله.
قال (عليه السلام): والله ما ينفعكم. ولكنّ الله يعاقبكم بذمّها على ما لا ذمّ عليها فيه.
أما علمت يا حسن أنّ الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلاً وآجلاً؟!.
قلت: بلي يا مولاي.
قال الحسن: بلى يا مولاي)(8).
وإنّ ابن مسعود لم يذكر للإمام (عليه السلام) شيئاً عمّا أصابه في الطريق. ومع ذلك فإنّ خدش إصبعه، وصدم كتفه، وتخريق ثيابه.. وتشاؤمه من النهار - أيضاً - لم تخف عليه بل عرفها وكأنّه كان حاضرها.. ولذلك لامه فور دخوله عليه، ثم أنّبه على شكواه من ذلك اليوم وهو بطريقة إلى التشرف برؤية إمامه.. ثم أدّبه بأدب الإسلام الصحيح.
فمن كشف لإمامنا سلام الله عليه عن ذلك كلّه إذا لم يكونوا الملائكة الذين يعملون بين يديه بأمر ربّه جلّ وعزّ؟!. وهل نستكثر عليه مثل ذلك والمأمول أن يعمل بين يدي سفير الله تعالى في أرضه آلاف المحدّثين والمسدّدين والمؤيّدين؟!.
لا، وكلاّ.. فإن بين يدي كلّ سفير أرضيّ وسائل استخباراتٍ كثيرةً، ومن أنواعٍ شتّى..
فكم ذا، وكم ذا كان يحلم المتوكل أن يفتك بإمامنا العظيم، ويبطش به!.
وكم من حلم داعب خياله، فباء بالفشل.. ثم أفاق من حمله فوجد أنه قد حجّ على ظهر الشيطان!.
فقد روي أنّ أبا سعيد، سهل بن زياد، قال:
(حدّثنا أبو العباس، فضل بن أحمد بن إسرائيل - الكاتب في القصر - ونحن بداره بسرّ من رأى، فجرى ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال: يا أبا سعيد، أحدّثك بشيءٍ حدّثني به أبي؟ قال:
كنّا مع المنتصر(9) - ابن المتوكل - وكان أبي كاتبه، فدخلنا الدار وإذا المتوكل على سريره قاعد. فسلّم المنتصر(10) ووقف، ووقفت خلفه. وكان عهدي به إذا دخل رحّب به وأمره بالقعود، فأطال القيام وجعل يرفع رجلاً ويضع أخرى، وهو لا يأذن له بالقعود.
ورأيت وجهه - أي وجه المتوكل - يتغيّر ساعةً بعد ساعةٍ، وهو يقبل على الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي تقول فيه ما تقول؟!.
ويردّد عليه القول، والفتح يسكّنه ويقول: هو مكذوب عليه يا أمير المؤمنين وهو يتلظّى ويستشيط ويقول: والله لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق!. وهو الذي يدّعي الكذب، ويطعن في دولتي!.
ثم طلب أربعةً من الخزر أجلافاً لا يفقهون.. فجيء بهم، ودفع لهم أسيافاً فأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن (عليه السلام)، ويقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه.. وهو يقول: والله لأحرقنّه بعد قتله!.
وأنا منتصب خلف المنتصر من وراء السّتر، فما علمت إلاّ بأبي الحسن قد دخل وقد بادر الناس قدّامه وقالوا: جاء!!! والتفتّ فإذا شفتاه تتحرّكان وهو غير مكترث ولا جازع!.
فلمّا رآه المتوكل رمي بنفسه عن السرير إليه، وسبقه وانكبّ عليه يقبّل بين عينيه ويديه وسيفه بيده وهو يقول: يا سيّدي، يا بن رسول الله، يا خير خلق الله، يا بن عمّي، يا مولاي يا أبا الحسن!.
وأبو الحسن (عليه السلام) يقول: أعيذك يا أمير المؤمنين بالله، اعفني من هذا - أي من هذا التبجيل الكاذب - .
فقال - المتوكل -: ما جاء بك يا سيّدي في هذا الوقت؟
قال: جاءني رسولك فقال: المتوكل يدعوك.
قال: كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي.. يا فتح.. يا عبد الله.. يا منتصر: شيّعوا سيّدكم وسيّدي.
فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً!.
فلمّا خرج دعاهم المتوكل، ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون؛ ثم قال لهم: لم لم تفعلوا ما أمرتكم به؟
قالوا: شدّة هيبته!. ورأينا حوله أكثر من مائة سيفٍ لم نقدر أن نتأمّلهم، فمنعنا ذلك ممّا أمرت به، وامتلأت قلوبنا رعباً!.
فقال المتوكل: يا فتح، هذا صاحبك.. وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه، وقال: الحمد لله الذي بيّض وجهه وأنار حجته)(11).
فاسألوا معي خليفة الزمان عن الذي قلب غضبه العارم وأطفأ نار حقده حين رأى الإمام (عليه السلام) داخلاً؟!. لقد كان يتلظّى غيظاً وحنقاً.. ثم رمى نفسه عن السرير يتفدّاه ويحار في التزلّف إليه والتقرّب منه.. ثم تلعثم لسانه حين مخاطبته وكال له النّعوت والألقاب!.
لقد أرسل بطلبه، وجنّد له أربعةً من الخزر الأجلاف، وشحذ الأسياف.. وقعد بالمرصاد ينتظر قدومه.. ثم ترامى عليه ذليلاً، مهاناً.. أمام.. (خير خلق الله..) وعلى قدمي (ابن عمّه).. ابن رسول الله!!!
يا فتح.. يا عبد الله.. يا منتصر: أنبئوني بعلمٍ عن هذا الخليفة القلّب الحوّل إن كنتم لنعته تعبرون.. وبيّنوا لي تفسير موقفٍ خسيسٍ من مواقف إبليس أرضيّ تطاول إلى النّيل ممّن كرّمته السماء!.
لا شيء عندكم قطعاً، إلاّ إذا تكلّمتم - بالصراحة - عن الهيبة الإلهيّة التي يخلعها الله تبارك وتعالى علي أمنائه من الأنبياء والأوصياء والأولياء.. وليس لأحدٍ من المخلوقين قدرة على نزعها عنهم مهما مكر وكاد.. وكفر وركب العناد!.
وسنري القارئ بعض آثار هيبة الولاية الربّانية في مظهرٍ آخر فيما رواه محمد بن الحسن بن الأشتر، العلويّ الذي قال:
(كنت مع أبي على باب المتوكل وأنا صبيّ في جمعٍ من الناس، ما بين طالبيّ إلى عباسيّ وجعفريّ إلى جنديّ إلى غير ذلك وقوف..
وكان إذا جاء أبو الحسن (عليه السلام) ترجّل الناس كلّهم حتى يدخل.
فتحالفوا ألاّ نترجّل لهذا الغلام؛ فقال بعضهم لبعض: لم نترجّل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا، ولا بأكبرنا، ولا بأسنّنا، ولا بأعلمنا؟!. والله لا ترجّلنا له.
فقال لهم أبو هاشم الجعفريّ: والله لتترجّلنّ له صاغرين إذا رأيتموه!.
فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به، ترجّل النّاس كلّهم!!! فقال أبو هاشم: أليس زعمتم أنكم لا تترجّلون؟!.
فقالوا: والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجّلنا)(12).
أفمن أهوى بهذه الكتل البشريّة على الأرض صاغرةً باخعةً، وأنزل هذه الفرسان عن خيولها ذليلةً خاضعةً، لا يستحقّ وقفة تأمّلٍ منكم يا (أوادم) سامرّاء ويا مرتادي قصر الإمارة؟!!
ولم انخلعت قلوب هذه الغوغاء التي تآمرت مسبقاً أن لا تتظاهر باحترام الإمام الغلام؟!. ولماذا (لم تملك نفوسها) حتى ترجّلت مطأطئة الرؤوس؟!.
اسأل بذلك خبيراً.. واسأل الرّيح التي شالت السّتور بين يدي الإمام حين دخل قصر الإمارة والمؤامرات وحين خرج منه.. فعند تلك الرّيح، تجد الخبر الصحيح .
فهي هيبة علويّة، محمّديّة، ألقى عليها بارئها شيئاً من هيبته وعظمته!.
ولا تنس أنّ الملائكة المسدّدين والمؤيّدين قد لكموا المتآمرين على الإمام في متونهم فأهووا راجلين يدوسون صلافتهم وعنجهيّتهم.. وأنّ قدرة الله الخفيّة، وكلمته القدسيّة التي تقول للشيء: كن، فيكون، هي - أيضاً - محت شرفهم المدّعى، ومسحت كبرهم المصطنع، وما احترمت سنّ الكبير، ولا حماقة الصغير!. فترجّلوا - هيبةً له سلام الله عليه - راغمي أنوفهم (مقنعي رؤوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواءٌ)(13)..
قال المسعودي في (مروج الذهب):
(وكان قد سُعي بأبي الحسن، عليّ بن محمد - أي أُفسد عليه - عند المتوكل وقيل: إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته. فوجّه إليه ليلاً من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلةٍ ممّن في داره، فوجدوه في بيتٍ وحده مغلقٍ عليه، وعليه مدرعة من شعر، ولا بساط في البيت إلاّ الرّمل والحصى، وعلى رأسه ملحفة من الصوف، وهو يترنّم بآياتٍ من القرآن في الوعد والوعيد.
فأخذ على ما وجد عليه، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل!.
فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس!.
فلمّا رآه هابه وعظّمه، وأجلسه إلى جنبه. ولم يكن في بيته شيء مما قيل فيه، ولا حالة يتعلّل بها عليه.
فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: والله ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه.
فأعفاه وقال: أنشدني شعراً أستحسنه.
فقال (عليه السلام): إنّي لقليل الرّواية للأشعار.
فقال: لابدّ أن تنشدني.
فأنشده (عليه السلام)، وهو جالس عنده:
باتو على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرّجال، فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا، بعد عزّ، عن معاقلهم وأسكنوا حفراً، يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا: أين الأسرّة، والتّيجان، والحلل؟
أين الوجوه الّتي كانت منعّمة من دونها تضرب الأستار والكلل؟!
فافصح القبر عنهم حين ساء لهم: تلك الوجوه عليها الدّود يقتتل
قد طالما أكلوا دهراً، وقد شربوا فأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا
وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم ففارقوا الدّور، والأهلين، وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا فخلّفوها على الأعداء، وارتحلوا
أضحت منازلهم قفراً، معطّلةً وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا..
قال: فأشفق كلّ من حضر على عليّ، وظنّ أنّ بادرةً تبدر منه إليه.
قال: والله لقد بكى المتوكل بكاءً طويلاً حتى بلّت دموعه لحيته!. وبكى من حضره، ثم أمر أن يرفع الشراب ثم قال: يا أبا الحسن، أعليك دَين؟
قال: نعم، أربعة آلاف دينار.
فأمر بدفعها إليه، وردّه إلى منزله من ساعته مكرّماً).
وقد روى الكراكجيّ هذا الحديث في (كنز الفوائد) وقال: (فضرب المتوكل بالكأس الأرض وتنغّص عيشه في ذلك اليوم)(14).
فمرحى لخليفة المسلمين الذي يقعد مقعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مستعيضاً عن نافلة الليل والصلاة والتهجّد والدّعاء في جوف اللّيل، بكأس الخمر ومعاقرة الشراب!.
هذا، وهو (المتوكل على الله) لقباً!. فكيف إذا تلقّب بألقاب النّماردة والفراعنة المتعالين على الناس؟!.
لقد أرعب وليّ الله، وكبس عليه بيته، ثم حمله عن مصلاّه - بثياب اللّيل - .. وتجرأ على ذلك بقلب قاس، ثم تحدّى الله بأن أدخله مجلس شرابه.. وعرض عليه الكأس!. استهزاءً به وبمن اصطفاه لولاية الناس، واستهتاراً بالدين والمتديّنين!.
ومن الواضح الجليّ أنّ هذه الأبيات التي أنشأها الإمام (عليه السلام) في ذلك المجلس الماجن المتعدّي على حدود ما أنزل الله تعالى، كانت للتصريح أقرب منها للتلميح. وقد كانت صفعةً في جبين (خليفة المسلمين) الذي يعاقر الخمر والشراب بوقاحة المتحدّي لربّه ودينه ونبيّه.. ونداءً صارخاً فيه تخويف وترهيب أوحاهما الإمام بصوته الشجيّ الرقيق الذي استنزل الدّموع، وأحرق الضّلوع!.
فإنّه كأنّه (عليه السلام) قد قال مفصحاً: يا أيّها الخليفة المغرور بدنياه، المتهتّك بدينه، الذي يسكن أعالي القصور، ويحيط به الخدم والحشم، ويقوم على حفظه الحرّاس والجنود: قريباً ما تنزل في حفرة يتضيّق عليك فيها قبرك، ويضغط عليك لحدك حتى تلتقي أضلاعك!. وعاجلاً ما يوبّخك الملكان على ظلمك لنفسك ولرعيّتك.. ثم يلقي عليك الزمان بكلكله فتسرح في جسمك الدّيدان فتبشّع نضارة وجهك المتنعّم بغضارة العيش.. ثم يفنى جسمك، وينتخر عظمك.. وتبقى أسير عملك، وتبوء بإثمك وخطاياك.. ويطويك النسيان فلا تذكر إلاّ بما عصيت به ربّك في حياتك الدّنيا..
فماذا أعددت لذلك العهد الجديد أيها الخليفة السعيد الذي كان له في دنياه - بحسب ما قاله المسعودي في مروج الذهب(15) - أربعة آلاف سرّيةٍ وطأهنّ كلّهنّ!. والذي ليس له في أخراه سوى الشّقاء والعذاب إذ لم يكن في بيت النبوّة مثل هذا العدد من السّراري والجواري، ولا في بيوت أحدٍ من السلاطين والطّغاة..
ومن الأمثلة الدالّة على سوء تصرّف المطوّقين لقصر الخلافة وربّه - بما فيه من مفاسد وموبقات - ما حكاه ابن أرومة، ورواه عنه أبو سليمان الذي قال:
(خرجت إلى سرّ من رأي أيام المتوكل، فدخلت إلى سعيد - الحاجب - وقد دفع المتوكل أبا الحسن (عليه السلام) إليه ليقتله.
فقال - سعيد -: أتحبّ أن ترى إلهك؟
فقلت: سبحان الله، إلهي لا تدركه الأبصار!.
فقال: هذا الذي تزعمون أنه إمامكم.
قلت: ما أكره ذلك.
قال: قد أمرت بقتله، وأنا فاعله غداً. وعنده صاحب البريد، فإذا خرج صاحب البريد فادخل عليه.
ولم ألبث أن خرج، فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً، وهو جالس وبحياله قبر يحفر!. فسلّمت عليه وبكيت بكاءً شديداً.
فقال: ما يبكيك؟
قلت: ما أرى.
قال: لا تبك لذلك. إنّه لا يتمّ لهم ذلك.
فسكن ما كان بي، فقال: إنّه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته.
فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل)(16).
فيا سعيد الحاجب: إنّك الشقّي الخائب، الذي غيّب عن فكره أجله المخروم كما غيّب هو عن قلبه فكر ربّه بالمرّة!. وظنّ أنه خالد ولم يعمل حساباً إلى أنه سيقتل - هو - بعد يومين مع صاحبه الذي أراد (شيئاً).. وأراد الله تعالى غيره!. إنّ دهرك الذي أمنت له غدّار.. وسيقذف بك وبسيّدك من قمّة الإمارة والصّدارة.. إلى حفرة من حفر النّار.. لا تشبه القبر الذي حفرتماه للإمام (عليه السلام).. وإنّه لأسوأ زادٍ لأميرك، أن يبوء بهذا الإثم العظيم حين يأمرك بقتل الإمام قبل أن ينخرك أجل ذلك الأمير بثمانٍ وأربعين ساعة!
وإنّك - يا سعيد - لمن أشقى من على ظهرها، إذ جرّك أميرك إلى حتفك، كما جررته أنت وزملاؤك إلى حتفه بأظلافكم وبألسنتكم التي لم تعرف ذكر الله!.
وقبل أن نطوي شريط حوادث سعيد الحاجب مع الإمام (عليه السلام)، نعود إلى بعض ما سبق حادثته هذه من إعلام الغيب التي صرّح بها الإمام منذراً بقتل المتوكل وأعوانه. فقد قال عليّ بن محمد النوفلي:
(قال عليّ بن محمدٍ عليه السلام لمّا بدا الموسم بالمتوكل بسرّ من رأى والحضرية، قال: يا عليّ، إنّ هذا الطاغية يبتلي ببناء مدينةٍ لا تتمّ، ويكون حتفه قبل تمامها على يد فرعونٍ من فراعنة الأتراك!.
ثم قال: يا عليّ، إنّ الله عزّ وجلّ اصطفى محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالنبوّة والبرهان، واصطفاه بالمحبّة والتّبيان، وجعل كرامة الصّفوة لمن ترى - يعني نفسه عليه السلام (17).
فالخليفة منهمك بوضع حجر الأساس للمدينة الحضرية التي ينشئها بين قصره والعسكر في سرّ من رأى.. والنوفليّ سمع إنذار الإمام (عليه السلام).. وانتظر قتل الخليفة كأمر واقعٍ لا محالة.. وأخذت نهاية الخليفة وأعوانه تقترب حين كانت لا تخطر على البال.. وبدت بشائر الخلاص تترى على لسان إمامنا الذي ينطق عن إعلام الغيب التي اختصّه الله سبحانه بها.. فقد قال - أيضاً - عليّ بن جعفر رحمه الله:
(قلت لأبي الحسن عليه السلام: أينا أشدّ حبّاً لصاحبه؟
قال: أشدّكم حبّاً لصاحبه.. - في حديث طويل - ثم قال (عليه السلام): يا عليّ، إنّ هذا المتوكل يبني بين المدينة بناءً لا يتمّ، ويكون هلاكه قبل تمامه على يد فرعونٍ من فراعنة التّرك)(18).
فكان ذلك كذلك.. وقتل المتوكل بيد قائدٍ من قواد عسكره - هو باغر التّركيّ - وبسيفٍ بحث عنه المتوكل - نفسه - ما بين البصرة واليمن، واختاره على بقيّة سيوف مملكته ليكون قتله به دون غيره كما ترى عمّا قريب.
أما البناء فهو الحضرية - أي مدينة سرّ من رأى المحاذية لمدينة العسكر - التي شرع بإقامتها بين قصره وبين ثكنات جيشه. وقيل: هو بناء الحيريّ - نسبة إلى أبنية ملوك الحيرة - الذي يكون بشكل جبهة الحرب وهيئتها: فله صدر فيه مجلس الملك، ويمنةٌ يكون فيها خواصّه مع خزائن الكسوة، وميسرة فيها كلّ ما احتيج إليه من شراب وغيره من وسائل اللّهو والمغنيّن؛ وأبواب الأجنحة كلّها تطلّ على الرواق الذي فيه الملك.. وكثيراً ما راود فكر الخليفة هذا البناء الذي يختلف كثيراً عن بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومسجده!.
ثم نعود إلى سعيد الحاجب - الصغير الذي هو غير سعيد المذكور - فيما قاله الحسن بن محمد بن الجمهور العمّي الذي قال:
(سمعت من سعيد الصغير - الحاجب - قال: دخلت على سعيد الحاجب فقلت: يا أبا عثمان، قد صرت من أصحابك - وكان يتشيّع - .
فقال: هيهات!.
فقلت: بلى والله.
فقال: وكيف ذلك؟!.
قال: بعثني المتوكل وأمرني أن أكبس على عليّ بن محمد بن الرّضا، وأنظر ما يفعل.. ففعلت فوجدته يصلّي، فبقيت قائماً حتى فرع.
فلمّا انفصل من صلاته أقبل عليّ وقال: يا سعيد، لا يكفّ عنّي جعفر - أي المتوكل - حتّى يقطّع إرباً إرباً؟! اذهب، واغرب.. وأشار بيده فخرجت مرعوباً، ودخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه!. فلمّا رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية، فسألت عنه، فقيل: قتل المتوكل!. فرجعت وقلت بها - أي بإمامة الإمام عليه السلام - (19).
فنهاية الخليفة كان أمرها معلوماً - ومنذ زمنٍ بعيدٍ - عند خاصّة الإمام سلام الله عليه، إذ روي أنّ رجلاً من أهل المدائن كتب إليه يسأله عمّا بقي من ملك المتوكل، فكتب إليه - قبل هذا الوقت بخمسة عشر عاماً -:
بسم الله الرّحمن الرّحيم قال: (قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتّم فذروه في سنبله إلاّ قليلاً مّما تأكلون ثمّ يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهنّ إلاّ قليلاً ممّا تحصنون ثمّ يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث النّاس وفيه يعصرون)(20).
فالأمر محتوم عند الخالق عزّ وعلا، معلوم عند خليفته في أرضه الحامل أمره.. إذ قتل المتوكل في مطلع العام الخامس عشر من تاريخ هذا الكتاب الكريم.. ومن كان يوقّت لقتله منذ تلك المدة الطويلة، يعرف خطواته إلى الموت واحدةً واحدةً، ويحصي عليه أنفاسه بقدرة الله تبارك وتعالى.
أمّا طامّة (قصر الإمارة والمؤامرات) التي لم يكن لها لامّة، فهي محاولة ربّ (القصر - الماخور) أن يحطّ من كرامة أهل الكرامة أجمعين أكتعين أبصعين.. ليحطّ من كرامة الإمام (عليه السلام) في ذات الوقت.. ذلك أنّه دبّر مكيدةً عظيمةً.. فانقلبت على رأسه!. وحفر للإمام حفيرةً.. فلاقى هو حفرته التي هي واحدة من حفر جهنم!.
وها نحن نطلع قارئنا الكريم على القصة مرويّة بعدّة أسانيد وعدّة أشكال؛ وهذه أولى الروايات:
(روي أنّه لمّا كان يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل، أمر المتوكل بني هاشم بالتّرجّل والمشي بين يديه، وإنّما أراد بذلك أن يترجّل أبو الحسن (عليه السلام) !. فترجّل بنو هاشم، وترجّل أبو الحسن (عليه السلام)، واتّكأ على رجل من مواليه. فأقبل عليه الهاشميّون وقالوا: يا سيّدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه ويكفينا الله به تعزّز هذا؟! - أي المتوكل - .
قال لهم أبو الحسن (عليه السلام): في هذا العالم مَن قلامة ظفره أكرم على الله من ناقة ثمود!. لمّا عقرت الناقة صاح الفصيل إلى الله تعالى، فقال الله سبحانه: (تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب)(21).
فقتل المتوكل يوم الثالث)(22).
و(روي أنّ المتوكل قتل في الرابع من شوال - حسب وعد الإمام - سنة سبع وأربعين ومائتين؛ أي في سبع وعشرين سنةً من إمامة أبي الحسن (عليه السلام)(23). وكان قتله آيةً من آيات الله العظمى، إذ حدّث البحتريّ - البختريّ على الأصح - أنه جرى ذكر السيوف عنده، فوصفوا له سيفاً نادراً في البصرة. فكتب إلى عامله فيها يطلب السيف بأيّ ثمن كان!. فردّ عليه أنّ السيف بيع إلى اليمن.
فكتب إلى واليه هناك أن يشتريه مهما كان ثمنه، ويرسله إليه.. فاشتراه له بعشرة آلاف درهم، وبعث به إليه.
فكلّف الفتح بن خاقان أن يختار له بطلاً من الغلمان يحمله فوق رأسه ويحرسه، فاختار له (باغر) التّركيّ الشجاع المعروف. فسلّمه إيّاه، وزاد له في مرتّبه، ورفع مرتبته.
وحلف البختريّ بالله تعالى أنّ ذلك السيف ما انتضي ولا خرج من غمده إلاّ في الليلة التي ضرب فيها (باغر) التّركيّ المتوكل حين قتله)(24).
وحكاية تلك المذبحة عجيبة، ومن شاء أن يطّلع عليها بالتفصيل ليشاهد رهبة ملحمةٍ غريبةٍ خلقت من ساعتها، وقتل فيها المتوكل ووزيره الفتح بن خاقان، فليراجع مروج الذهب للمسعودي في أحداث سنة مائتين وسبعٍ وأربعين.
أمّا الرواية الثانية فهي التي ذكرها الحسن بن محمد بن جمهور العمّي في كتاب (الواحدة) حيث قال:
(كان لي صديق مؤدّب لولد (بغا) فقال لي: قال لي الأمير منصرفه من دار الخلافة - أي ساعة خروجه -: حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون ابن الرّضا اليوم ودفعه إلى عليّ بن كركر - السجّان - فسمعته يقول:
أنا أكرم على الله من ناقة صالح!. (تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب)(25) وليس يفصح بالآية ولا بالكلام. أيّ شيْ هذا؟
قال: قلت أعزّك الله، توعّد، أنظر ما يكون بعد ثلاثة أيام!.
فلمّا كان من الغد أطلقه المتوكل واعتذر إليه.
فلمّا كان اليوم الثالث وثب عليه (باغر) و(يغلون) و(أوتامش) وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة)(26).
فالأمير (التّركيّ).. فهم أنّ وراء قول الإمام لغزاً وعلامةً للاستفهام، ثم نقل دهشته إلى مؤدّب أولاده مستغرباً.. فما بال هؤلاء (العرب الأقحاح) لا يفهمون شيئاً مما يقوله الإمام صلوات الله وسلامه عليه؟!. إنّهم (لا يريدون) أن يفهموا..
أمّا (بغا) و(باغر) و(يغلون) و(أوتامش) فهم قوّاد من عشرات آلاف من الأتراك الذين استقدمهم واستخدمهم العباسيون لحماية (إمارةٍ للمؤمنين).. ولينكّلوا بالمؤمنين!. ولا يعلم إلاّ الله تعالى وحده كم قتلوا من العلويّين - ومن ذوي الهوى العلويّ - ومن أهل الدّين المجاهرين بالحقّ.. ثم مات كلّ خليفةٍ منهم قبل أن يروي غليله من دماء العلماء الربّانيّين - من مختلف المذاهب - ومن دماء ذرّية النبي (صلّى الله عليه وآله) بالخصوص!.
ولكنّها دارت الأيام.. وفتحت العيون على انقطاع دابر العباسيّين أخيراً وانقراض نسلهم عن وجه البسيطة، وعلى بني عليّ وفاطمة (عليهما السلام) تزدحم بهم الأرض بالطول والعرض!.
وإذا سألت الأمويّين عن ذلك أجابوك بالآيتين الكريمتين: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء تؤتى أكلها كلّ حين بإذن ربّها.. ومثل كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار)(27) فجوابهم موجود في مضمون هاتين الآيتين الشريفتين..
فما هو جواب بني العباس؟!.
وهل هو سوى قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعمّه العباس: (ويل لذرّيتي من ولدك؟!). فقد سبق في علم الله سبحانه فساد ولده، وإفسادهم في الأرض.
أمّا عشرات الألوف من الأتراك المستقدمين المستخدمين لحماية ملك العباسيّين، فقد كان فيهم الأمير والجنديّ، والعالم والجاهل، والمسلم والملحد، والمرتزق والطامع.. وقد أثبتوا وجودهم وثبّتوا جذورهم في السلطة فحكموا البلاد وأذلّوا العباد، وزجّوا الخليفة - أخيراً - في زاوية قصره ولعبوا به وبإمارة المؤمنين، فعزلوا من عزلوا وولّوا من ولّوا.. و(بغا) نموذج منهم قال عنه المسعودي:
(كان بغا(28) من الأتراك من غلمان المعتصم يشهد الحروب العظام يباشرها بنفسه فيخرج منها سالماً. ولم يكن يلبس على بدنه شيئاً من الحديد، فعُذل في ذلك فقال رأيت في نومي النبي (صلّى الله عليه وآله)، ومعه جماعة من أصحابه، فقال:
يا بغا، أحسنت إلى رجلٍ من أمّتي، فدعا لك بدعواتٍ استجيبت له فيك.
قال: فقلت: يا رسول الله، ومن ذلك الرّجل؟
قال: الّذي خلّصته من السّباع.
فقلت: يا رسول الله، صلى الله عليه وآلك، فسل ربّك أن يطيل عمري.
فشال يده نحو السماء وقال: اللّهم أطل عمره وأنسئ في أجله.
فقلت: يا رسول الله، خمس وتسعون سنة.
فقال: خمس وتسعون سنة.
فقال رجل كان بين يديه: ويوقى من الآفات.
فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): ويوقى من الآفات.
فقلت للرّجل: من أنت؟
قال: أنا عليّ بن أبي طالب.
فاستيقظت من نومي وأنا أقول: عليّ بن أبي طالب!.
وكان بغا كثير التعطّف والبرّ على الطالبيّين. فقيل له: ما كان ذلك الرّجل الذي خلّصته من السّباع؟
قال: أتي المعتصم بالله برجلٍ قد رمي ببدعةٍ، فجرت بينهم في اللّيل مخاطبة في خلوةٍ فقال لي المعتصم: خذ هذا فألقه إلى السّباع.
فأتيت بالرجل إلى السّباع لألقيه إليها وأنا مغتاظ عليه، فسمعته يقول: اللّهم إنّك تعلم أني ما كلّمت إلاّ فيك، ولا نصرت إلاّ دينك، ولا أتيت إلاّ من توحيدك، ولم أرد غيرك تقرّباً إليك بطاعتك، وإقامةً للحقّ على من خالفك. أفتسلمني؟
قال بغا: فارتعدت وداخلني رقّة، وملئ قلبي رعباً، فجذبته عن طرف بركة السّباع وقد كدت أن أزجّ به فيها. وأتيت به إلى حجرتي فأخفيته فيها.
وأتيت المعتصم فقال: هيه!.
فقلت: ألقيته.
فقال: فما سمعته يقول؟
قلت: أنا أعجميّ وكان يتكلّم بكلام عربيّ، ما كنت أعلم ما يقول..
وقد كان الرجل أغلظ للمعتصم في خطابه.
فلمّا كان في السحر قلت للرجل: قد فتحت الأبواب، وأنا مخرجك مع رجال الحرس. وقد آثرتك على نفسي ووقيتك بروحي. فاجهد أن لا تظهر في أيام المعتصم.
قال: نعم.
قلت: فما خبرك؟
قال: هجم رجل من عمّاله في بلدنا على ارتكاب المحارم والفجور وإماتة الحقّ ونصر الباطل، فسرى ذلك في إفساد الشريعة وهدم التوحيد، فلم أجد ناصراً عليه. فوثبت عليه في ليلة فقتلته لأنّ جرمه كان مستحقّاً في الشريعة أن يفعل به ذلك. فأخذت، فكان ما رأيت)(29).
لقد ارتعدت فرائص هذا القائد التّركيّ الجبّار - وملئ قلبه رعباً حين سمع من هذا الرجل ما سمعه من ذكر الله تبارك وتعالى؛ وترأف به لمّا عرف إيمانه وغيرته على الدّين، وتحمّل مسؤوليّة إنجائه من الحكم الظالم عليه بإلقائه طعمةً للسّباع تمزّق لحمه وتنهش عظامه، ثأراً لفاسقٍ من موظّفيه الّذين ينشرون الفساد في البلاد؟!! وهل نزل مثل هذا الحكم في شريعةٍ من شرائع السّماء؟!.
قد فعل ذلك إبقاء على سلطانه بلا شك. ولكن ما هو الدّين الذي كان يعتنقه الخليفة على المسلمين؟!. وهل كان من شروط الخلافة في الإسلام أن يكون (قصر الإمارة) مقصف لهوٍ وطربٍ وقيانٍ وحسانٍ، ووصائف وغلمان.. ومركز مؤامرات على من يحمل في قلبه ذرّةً من الإيمان؟!!
أمّا الرواية الثالثة فهي ما حكاه أبو القاسم البغداديّ، عن زرافة - خادم المتوكل - الذي قال:
(أراد المتوكل أن يمشي عليّ بن محمد بن الرّضا (عليهم السلام) يوم السلام - وذلك للتصغير من شأنه حين يجبره على المشي بين يديه كعامّة النّاس - .
فقال له وزيره: إنّ في هذا شناعةً عليك وسوء قالةٍ، فلا تفعل.
قال: لابدّ من هذا.
قال الوزير - وهو الفتح بن خاقان -: فإن لم يكن بدّ من هذا، فتقدّم - أي أصدر أمراً - بأن يمشي القواد والأشراف كلّهم، حتى لا يظنّ الناس أنك قصدته بهذا دون غيره.
ففعل، ومشى الإمام (عليه السلام)!.
وكان الصيف؛ فوافى الدهليز وقد عرق. فقال - زرافة خادم المتوكل -: فلقيته فأجلسته في الدهليز ومسحت وجهه بمنديل وقلت: ابن عمّك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك.
فقال (عليه السلام): إيهاً عنك - أي كفّ عن ذلك - (تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب)(30).
قال زرافة: وكان عندي معلّم يتشيّع، وكنت كثيراً ما أمازحه بالرافضي.. فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء وقلت: تعال يا رافضيّ حتى أحدّثك بشيءٍ سمعته اليوم من إمامكم.
فقال لي: وما سمعت؟
فأخبرته بما قال.
فقال: أقول لك، فاقبل نصيحتي.
قلت: هاتها.
قال: إن كان عليّ بن محمدٍ (عليه السلام) قال بما قلت، فاحترز واخزن كلّ ما تملكه، فإنّ المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام.
فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يديّ، فخرج.. فلمّا خلوت بنفسي تفكّرت وقلت: ما يضرّني أن آخذ بالحزم؟ فإن كان من شيءٍ، كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرّني ذلك.
قال: فركبت إلى دار المتوكل، فأخرجت كلّ ما كان لي فيها، وفرّقت كلّ ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلاّ حصيراً أقعد عليه.. فلمّا كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل وسلمت أنا ومالي.. وتشيّعت عند ذلك، فصرت إليه ولزمت خدمته، وسألته أن يدعون لي، وتوليته حقّ الولاية)(31).
فلم يتنبّأ الإمام سلام الله عليه بموت المتوكل.. ولا أوحي إليه ذلك وحياً.. ولكنّه من صميم علمه الّذي علّمه الله تبارك وتعالى وجعله يعرف الآجال ويطّلع على الأعمال بيسيرٍ كما بيّنا سابقاً في أول الكتاب.
وفّقنا الله سبحانه للإيمان بسرّك يا مولاي وسرّ آبائك وأجدادك وبنيك، لنفوز مع الفائزين بولايتكم، وننال مرضاة ربّنا عزّ وجلّ.. فإنّك لكما قال أبو بديل التميمي فيك:
أنت من هاشم بن عبد مناف بـ ـن قصيّ، في سرّها المختار
في اللّباب، وفي الأرفع، الأر فع منهم، وفي النّضار، النّضار(32)
وأمّا الرواية الرابعة (ففي رواية سالم أنّ المتوكل أمر الفتح بن خاقان بسبّه - أي بسبّ الإمام والعياذ بالله من ذلك! - فذكر له الفتح ذلك! أي ذكره للإمام (عليه السلام).
فقال: (فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب)(33).
وأنهى ذلك إلى المتوكل - أي نقل له الفتح قول الإمام - فقال - المتوكل: أنا أقتله بعد ثلاثة أيام.فلمّا كان اليوم الثالث، قتل المتوكل والفتح!)(34).
(فأصابهم سيّئات ما عملوا وحاق بهم مّا كانوا به يستهزئون)(35).
وكفى الله الإمام شرّه، إذ جاء تفسير الخليفة لآية الإنذار معكوساً، لأنه لم يكن في يوم من الأيام مع القرآن، ولا كان القرآن معه في خلافته الجائرة!.
والرواية الخامسة حدّث بها أبو روح النسابي، عن أبي الحسن، عليّ بن محمدٍ (عليهما السلام)، أنه دعا على المتوكل بدعاء المظلوم على الظالم الذي تراه قريباً.. وإذا دعا الإمام انقطع الكلام.. ولوى الخليفة ووزيره عنقيهما!.
والرواية السادسة وهي الأخيرة التي نقلت عن زرافة حاجب المتوكل الذي روى الرابعة، ولكنّها مع شيءٍ من التفصيل المفيد الذي يكفي فيه أن يكون قد ذكر دعاء الإمام (عليه السلام) بتمامه، فقد قال زرافة:
(كان المتوكل يحظّي الفتح بن خاقان ويقرّبه منه دون الناس جميعاً، ودون ولده وأهله. وأراد أن يبيّن موضعه عندهم، فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم، والوزراء والأمراء والقوّاد وسائر العساكر، ووجوه النّاس أن يزيّنوا بأحسن التزيين ويظهروا في أفخر عددهم وذخائرهم، ويخرجوا مشاةً بين يديه، وأن لا يركب إلاّ هو، والفتح بن خاقان خاصّةً، بسرّ من رأى.
ومشى النّاس بين أيديهما على مراتبهم رجّالة - على أقدامهم - وكان يوماً قائظاً شديد الحرّ. وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن، عليّ بن محمدٍ (صلّى الله عليه وآله)، وشقّ عليه ما لقيه من الحرّ والزحمة.
قال زرافة: فأقبلت إليه وقلت له: يا سيّدي يعزّ والله عليّ ما تلقى من هؤلاء الطّغاة وما قد تكلّفت من المشقّة!.
وأخذته بيده فتوكّأ عليّ وقال: يا زرافة، ما ناقة صالحٍ عند الله بأكرم منّي - أو قال: بأعظم منّي قدراً! - .
ولم أزل أسائله وأستفيد منه وأحدّثه إلى أن نزل المتوكل من الرّكوب وأمر الناس بالانصراف، فقدّمت إليهم دوابّهم فركبوا إلى منازلهم.
وقدّمت له بغلةً فركبها، وركبت معه إلى داره. فنزل وودّعته وانصرفت إلى داري؛ ولولدي مؤدّب يتشيّع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادة بإحضاره على الطعام. فحضر عند ذلك وتحرينا الحديث وما جرى من ركوب المتوكل والفتح ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما؛ وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن، عليّ بن محمدٍ (عليهما السلام)، وما سمعت من قوله: ما ناقة صالحٍ عند الله بأعظم منّي قدراً!.
وكان المؤدّب يأكل معي، فرفع يده وقال: بالله إنّك سمعت هذا اللّفظ منه؟!.
قلت: والله إنّي سمعته يقوله.
فقال لي: إنّ المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك وانظر في أمرك، وأحرز ما تريد أحرازه، وتأهّب كي لا يفجأكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثةٍ تحدث أو سببٍ يجري.
فقلت له: من أين لك هذا؟!.
فقال لي: أما قرأت القرآن في قصة الناقة، وقوله تعالى: (تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب)(36)؟!. ولا يجوز أن يبطل قول الإمام.
قال زرافة: فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر، ومعه بغا ووصيف والأتراك، على المتوكل فقتلوه وقطّعوه والفتح بن خاقان جميعاً قطعاً حتى لم يعرف أحدهما من الآخر، وأزال الله نعمته ومملكته!. فلقيت أبا الحسن (عليه السلام) بعد ذلك وعرّفته ما جرى مع المؤدّب وما قاله.
فقال: صدق. إنّه لمّا بلغ منّي الجهد، رجعت إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعزّ من الحصون والسلاح والجُنن؛ وهو دعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه بأهلكه الله.
فقلت: يا سيّدي، إن رأيت أن تعلّمنيه؛ فعلّمنيه) وهو هذا:
اللّهمّ إنّي وفلان بن فلان عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرّنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرّنا وعلانيتنا، وتطّلع على نيّاتنا، وتحيط بضمائرنا. علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، ولا ينطوي عليك شيء من أمورنا، ولا يستتر دونك حال، ولا لنا منك معقل يحصّننا، ولا حرز يحرزنا، ولا هارب يفوتك منّا، ولا يمتنع الظالم منك بسلطانه، ولا يجاهدك عنه جنود، ولا يغالبك مغالب بمنعةٍ، ولا يعازّك متعزّز بكثرةٍ. أنت مدركه أينما سلك، وقادر عليه أين لجأ، فمعاد المظلوم منّا بك، وتوكّل المقهور منّا عليك ورجوعه إليك، ويستغيث إذا خذله المغيث، ويستصرخك إذا قعد عنه النّصير، ويلوذ بك إذا نفته الأفنية، ويطرق بابك إذا أغلقت دونه الأبواب المرتجة، ويصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حلّ به قبل أن يشكوه إليك، وتعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له. فلك الحمد سميعاً بصيراً، لطيفاً قديراً.
اللّهمّ قد كان في سابق علمك، ومحكم قضائك، وجاري قدرك، وماضي حكمك، ونافذ مشيئتك في خلقك أجمعين، سعيدهم وشقيّهم، وبرّهم وفاجرهم، أن جعلت لفلان بن فلان عليّ قدرةً ظلمني بها، وبغى عليّ لمكانها، وتعزّز عليّ بسلطانه الّذي خوّلته إيّاه، وتجبّر عليّ بعلوّ حاله الّتي جعلتها له، وغرّه إملأؤك له، وأطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروهٍ عجزت عن الصّبر عليه، وتعمّدني بشرٍّ ضعفت عن احتماله، ولم أقدر على الانتصار منه لضعفي، والانتصاف منه لذلّي، فوكلته إليك، وتوكّلت في أمره عليك، وتوعّدته بعقوبتك، وحذّرته سطوتك، وخوّفته نقمتك، فظنّ أنّ حلمك عنه من ضعفٍ، وحسب أنّ إملاءك له من عجزٍ، ولم تنهه واحدة عن أخرى، ولا انزجر عن ثانيةٍ بأولى. ولكنّه تمادى بغيّه، وتتابع في ظلمه، ولجّ في عدوانه، واستشرى في طغيانه جرأةً عليك يا سيّدي، وتعرّضاً لسخطك الّذي لا تردّه عن الظالمين، وقلّة اكتراثٍ ببأسك الّذي لا تحبسه عن الباغين.
فها أنذا يا سيّدي مستضعف في يديه، مستضام تحت سلطانه، مستذل بعنائه، مغلوب مبغيّ عليّ، مغضوب، وجلّ، خائف، مروّع مقهور قد قلّ صبري، وضاقت حيلتي، وانغلقت عليّ المذاهب إلاّ إليك، وانسدّت عليّ الجهات إلاّ جهتك، والتبست عليّ أموري في دفع مكروهه عنّي، واشتبهت عليّ الآراء في إزالة ظلمه، وخذلني من استنصرته من عبادك، وأسلمني من تعلّقت به من خلقك طرّاً، واستشرت نصيحي فأشار إليّ بالتّرغبة إليك، واسترشدت دليلي فلم يدلّني إلاّ عليك، فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً، عالماً أنّه لا فرج إلاّ عندك، ولا خلاص إلاّ بك، أنتجز وعدك في نصرتي وإجابة دعائي، فإنّك قلت وقولك الحقّ لا يردّ ولا يبدّل: (ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه لينصرنّه الله) وقلت جلّ جلالُك وتقدّست أسماؤك: (ادعوني أستجب لكم) وأنا فاعل ما أمرتني به لا منّاً عليك، وكيف أمنّ به وأنت عليه دللتني؟ فصلّ على محمدٍ وآل محمدٍ فاستجب لي كما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد.
وإنّي لأعلم يا سيّدي أنّ لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، وأتيقّن أنّ لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، لأنّك لا يسبقك معاند، ولا يخرج عن قبضتك منابذ، ولا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي وهلعي لا يبلغان بي الصبر على أناتك وانتظار حلمك، فقدرتك عليّ يا سيّدي ومولاي فوق كلّ قدرة، وسلطانك غالب على كلّ سلطان، ومعاد كلّ أحدٍ إليك وإن أمهلته، ورجوع كلّ ظالمٍ إليك وإن أنظرته.وقد أضرنّي يا ربّ حلمك عن فلان بن فلان، وطول أناتك له وإمهالك إيّاه، وكاد القنوط يستولي عليّ لولا الثّقة بك واليقين بوعدك. فإن كان في قضائك النّافذ وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب أو يرجع عن ظلمي، أو يكفّ مكروهه عنّي، وينتقل عن عظيم ما ركب منّي، فصلّ على محمدٍ وآل محمدٍ وأوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة قبل إزالة نعمتك الّتي أنعمت بها عليّ، وتكديره معروفك الّذي صنعته عندي. وإن كان في علمك به غير ذلك من مقام على ظلمي، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغيّ عليه إجابة دعوتي. فصلّ على محمدٍ وآل محمدٍ وخذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، وافجأه في غفلته مفاجأة مليكٍ منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وافضض عنه جموعه وأعوانه، ومزّق ملكه كلّ ممزّق، وفرق أنصاره كلّ مفرّق، وأعره من نعمتك الّتي لم يقابلها بالشّكر، وانزع عنه سربال عزّك الذي لم يجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون، وأبره يا مبير الأمم الظّالمة، واخذله يا خاذل الفئات الباغية، وابتر عمره، وابتزّ ملكه، وعفّ أثره، واقطع خبره، وأطفئ ناره، وأظلم نهاره، وكدّر شمسه، وأزهق نفسه، وأهشم شدّته، وجبّ سنامه، وأرغم أنفه، وعجّل حتفه، ولا تدع له جُنّة إلاّ هتكتها، ولا دعامةً إلا قصمتها، ولا كلمةً مجتمعة إلا فرقتها، ولا قائمة عُلوّ إلاّ وضعتها، ولا ركناً إلاّ وهنته، ولا سبباً إلاّ قطعته، وأرنا أنصاره وجنده وأحبّاءه وأرحامه عباديد بعد الألفة، وشتّى بعد اجتماع الكلمة، ومقنعي الرّؤوس بعد الظّهور على الأمّة؛ واشف بزواله القلوب ببوار ملكه الحدود المعطّلة، والأحكام المهملة، والسّنن الدّائرة، والمعالم المغيّرة، والآيات المحرّفة والمدارس المهجورة، والمحاريب المجفوّة، والمساجد المهدومة. وأرح به الأقدام المتعبة، وأشبع الخماص الساغبة، وأرو به اللّهوات اللاّغبة، والأكباد الظّامئة, وأطرقه بليلةٍ لا أخت لها، وساعةٍ لا شفاء منها، وبنكبةٍ لا انتعاش معها، وبعثرةٍ لا إقالة منها؛ وأبح حريمه، ونغّص نعيمه، وأره بطشتك الكبرى، ونقمتك المثلى، وقدرتك التي هي فوق كلّ قدرةٍ، وسلطانك الذي هو أعزّ من سلطانه، وأغلبه لي بقوّتك القويّة ومحالك الشّديد، وامنعني منه بمنعتك التي كلّ خلقٍ فيها ذليل، وابتله بفقر لا تجبره، وبسوءٍ لا تستره، وكِله إلى نفسه فيما يريد، إنك فعّال لما تريد؛ وأبرئه من حولك وقوتك، وأحوجه إلى حوله وقوّته، وأذلّ مكره بمكرك، وادفع مشيئته بمشيئتك، وأسقم جسده، وأيتم ولده، وأنقص أجله، وخيّب أمله، وأذلّ دولته، وأطل عولته، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكّه من حزنه، وصيّر كيده في ضلال، وأمره إلى زوال، ونعمته إلى انتقالٍ، وجدّه في سفال، وسلطانه في اضمحلالٍ، وعاقبته إلى شرّ مآل؛ وأمته بغيظه إذا أمتّه، وأبقه لحزنه إذا أبقيته، وقني شرّه، وهمزه، وسطوته، وعدواته، والْمَحه لمحمةً تدمّر بها عليه، فإنّك أشدّ باساً، وأشدّ تنكيلاً، والحمد لله ربّ العالمين)(37).
.. وقد لمحه سبحانه وتعالى لمحةً دمّر بها عليه.. وأطرقه بليلةٍ لا أخت لها، وساعةٍ لا شفاء منها، وبنكبةٍ لا انتعاش معها، وبعثةٍ لا إقالة منها.. وخبط لحمه بلحم وزيره!. فلا المتوكل ولا الفتح ولا خليفة ولا وزير بعد ذلك التّدمير الذي استنزلته دعوة الإمام المظلوم من قلبه المكلوم!.
فإنه إذا رفع الإمام (عليه السلام) كفّيه إلى السماء، وتضرّع وألحّ في السؤال.. وجد الله تعالى قريباً مجيباً لا يردّ دعوة المضطّر إذا دعاه..
ولو تسنّى لنا أن ننتقل بأفكارنا وإحساسنا إلى الجوّ القاتم الذي كان يعيش الإمام في زنزانته، لأخذتنا الدهشة من ظالمه الذي لم ير منه سوءاً قط، ولا وقف له على قالةٍ البتّة، ولا صادره رهن محاولةٍ، ولا شعر منه بهمسةٍ في سرّه ولا في علنه.. فكيف لا يدعو عليه الإمام بعد أن تعمّد إذلاله وسيّره ماشياً على قدميه في يوم حارٍّ، وهو يركب جواداً مطهّماً تأخذه الخيلاء والكبرياء؟ ولم لا يدقّ باب ربّه الذي اجتباه من خلقه، فعمد هذا الطاغية إلى ازدراء اصطفاء الله واختياره؟!! فلو لم يبلغ ظلم هذا الرجل الغاية، لبقي الإمام على صبره المعهود، فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أهل الصّبر على الأذى والظلم، وأهل المكابدة والمجاهدة في سبيل الإبقاء على الدّين وحفظ رسالة جدّهم سيد المرسلين (صلّى الله عليه وآله).
ويا أيّها المتوكل على غير الله، أخطأت الحكمة والصواب حين نازعت بجبروتك ربّ الجبروت والملكوت!.
ولو قدّر لآبائك أن يطلعوك على ما صاروا إليه، لرأيت أمراً عظيماً وخطراً جسيماً.. ولواجهك فعل الله بمن يتصدّى لأولياء الله وعباده الصالحين!.
وأقول لك توبيخاً، ولغيرك تحذيراً، ما قاله أحد الشعراء:
لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدراً فالظّلم آخره يأتيك بالنّدم
نامت عيونك، والمظلوم منتبه يدعو عليك، وعين الله لم تنم!
المصادر:
1- البطحائي هو محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن أمير المؤمنين (عليه السلام). وهو، وأبوه، وجدّه، كانوا مظاهرين لبني العباس على سائر أولاد أبي طالب.
2- الشعراء: 227 وأنظر الإرشاد: ص 309 إلى ص 311 وكشف الغمة: ج 3 ص 168 - 169 وإعلام الورى: ص 344 - 345 وبحار الأنوار: ج 50 ص 199 - 200 ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 415 - 416 والكافي: م1 ص 499 - 500 والأنوار البهية: ص 263 ومدينة المعاجز: ص 540 وحلية الأبرار: ج 2 ص 456 - 457.
3- ينابيع المودة: ج 2 ص 469 - 470.
4- مروج الذهب: ج4 ص 181 - 182 وينابيع المودة: ج 2 ص 474.
5- ينابيع المودة: ج 2 ص 474 ومروج الذهب: ج 4 ص 181 - 182.
6- بحار الأنوار: ج 50 ص 194 - 195 وهو مكرّر في ص 196 عن أبي سليمان، عن ابن أرومة، وكذلك هو في كمال الدين: ج 2 ص 54؛ وهو في معاني الأخبار: ص 123 - 124 وإعلام الورى: ص 411 ومدينة المعاجز: ص 555 وفي حلية الأبرار: ج2 ص 465 روي نصفه الأخير عن ابن أرومة.
7- العلق: 4 - 5.
8- تحف العقول: ص 482 - 483.
9- ورد في الأصل (المعتز) وهو خطأ، لأنه المنتصر.
10- المصدر السابق.
11- الأنوار البهية: ص 264 - 265 وكشف الغمة: ج 3 ص 185 - 186 وبحار الأنوار: ج 50 ص 196 - 197 عن مختار الخرائج والجرائح: ص 512 - 513، وهو في مدينة المعاجز: ص 551 - 552 بتغيير بعض ألفاظه، وهو أيضاً في حلية الأبرار: ج 2 ص 465 - 466.
12- كشف الغمة: ج 3 ص 188 وإعلام الورى: ص 343 - 344 وبحار الأنوار: ج 50 ص 137 ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 407 والأنوار البهية: ص 247 ومدينة المعاجز: ص 545.
13- إبراهيم: 43.
14- مروج الذهب : ج 4 ص 11 - 12 وهو في تذكرة الخواص: ص 374 - 375 وبحار الأنوار: ج 50 ص 211 - 212 - بلفظ قريب جدّاً - والأنوار البهية: ص 267 - 268 وينابيع المودة: ج 2 ص 463 ما عدا الشّعر الذي تلاه.
15- انظر مروج الذهب: ج 2 ص 40.
16- كشف الغمة: ج3 ص 184 وبحار الأنوار: ج 50 ص 155 - 156 ومدينة المعاجز: ص 551 وحلية الأبرار: ج 2 ص 465.
17- مدينة المعاجز: ص 543 ومروج الذهب: ج 4 ص 4.
18- بحار الأنوار: ج 50 ص 152 - 153 ومدينة المعاجز: ص 560 ومورج الذهب: ج 4 ص 4 وأنظر حلية الأبرار: ج 2 ص 466 - 467.
19- مدينة المعاجز: ص 553.
20- يوسف: 47 و 48 و 49 وأنظر بحار الأنوار: ج 50 ص 186 ومدينة المعاجز: ص 547 وحلية الأبرار: ج 2 ص 467.
21- هود: 65.
22- بحار الأنوار: ج 50 ص 209 - 210 ومدينة المعاجز: ص 547.
23- انظر مروج الذهب: ج 4 ص 19 - 20 وبحار الأنوار؛ ج 50 ص 209 - 210.
24- انظر المصدرين السابقين.
25- هود: 65.
26- إعلام الورى: ص 346 وبحار الأنوار: ج 50 ص 189 وص 204 ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 407 ومدينة المعاجز: ص 546 - 547.
27- إبراهيم: 24 - 26.
28- بغا هو اسم كان يحمله قائد كبير من الأتراك في سلطنة بني العباس. وبغا المذكور هنا هو المشهور ببغا الكبير، وهو الذي قتل المتوكل كما سترى. وبغا الثاني كان يلقّب بالشرابي.
29- بحار الأنوار: ج 50 ص 218 - 219 ومروج الذهب: ج 4 ص 76 - 77.
30- هود: 65.
31- بحار الأنوار: ج 50 ص 147 - 148 والأنوار البهية: ص 268 - 269 ومدينة المعاجز: ص 547 و ص 560 وحلية الأبرار: ج2 ص 467.
32- مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 418.
33- هود: 65.
34- مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 407 وبحار الأنوار: ج 50 ص 204.
35- النحل: 34
36- هود: 65
37- مهج الدعوات: من ص 261 إلى ص 271 والخبر في بحار الأنوار: ج 50 ص 94


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التشيّع إتجاه فكري وسياسي
الحياة العلمية والسياسية في زمن الإمام الباقر ...
البدعة الحسنة والسيئة
المعصومة سلام الله علیها
فکرة عمل الدیود باعث للضوء
حبّ أهل البیت علیهم السلام فی السُنّة المطهّرة
الإمام الباقرعليه السلام وإصلاح الأمّة
استهداف نبي الرحمة (ص) من الراهب بحيرى حتى براءة ...
مع الثورة الحسينية
رساله الامام الهادي ( عليه السلام ) فى الرد على ...

 
user comment