لاشك إن الحسين بن علي ابن أبي طالب(عليه السلام) ، هو سبط الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، وريحانته وشمامته وروحه التي بين جنبيه، ولم يبق احد ممن عاصر الرسول(صلى الله عليه وآله) عاش معه في المدينة، إلا وسمع الرسول(صلى الله عليه وآله) يحدث الناس ويعلمهم منزلة الحسين(عليه السلام) ومجده، وفضله في الأرض والسماء، ومن تلك الأحاديث، الحديث المتواتر التالي:
( حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا…)[1].
وفي هذا الحديث شهادة واضحة لتمازج معنى النبوة المحمدية بمعاني الإمامة التي يمثل الحسين نموذجها، فهما شيء واحد، وهي إشارة مقصودة لما ستؤول إليه الأمور، وما سينهض به الحسين من أعباء النبوة ومهامها متجسدا فيما سيحدث للحسين(عليه السلام)، فيكون بذلك محمد بامتداد الحسين عليه السلام. مثلما هو الحسين امتداد طبيعي لجده النبي( صلوات الله عليهما وآلهما)
ومن المؤكد أن كبار الصحابة والرعيل الارقى لمعاني صحبة الرسول(صلى الله عليه وآله). من أمثال؛ حمزة ابن عبد المطلب، وجعفر الطيار، و أبو ذر وسلمان المحمدي والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر…كانوا يعلمون معاني تلك الإشارات، وكانوا يجدون في حب الحسين علامة لسلامة الدين مع انه كان طفلا آنذاك.
فمنذ الصدر الأول للإسلام كان التميز بحب الحسين عليه السلام ميزة الخاصة من المؤمنين، وهكذا شاء الله تعالى، فقد اعلم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بشواهد واضحة حبا خاصا للحسين ليري الأمة، إنها ليس مجرد عاطفة الجد للحفيد، بل إن هناك دين يتقوم بهذا الحب.
وان حب الحسين عليه السلام هو معيار صدق الأيمان، لأنه وصية رسول الإسلام: أحب الله من أحب حسينا، فحبه حب لله ورسوله.. ومن يتبع وصية الرسول بحب الحسين إنما؛ هو حب الله تعالى حيث قال تعالى:
( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ * إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[2].
وان نفاذ وصية الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) في النفس الإنسانية بحب الحسين، دليل محبة الله ورضاه، ينعكس ويتجسد في رقة تلك النفس، نستطيع أن يتبين في زفراتها حسرة على الحسين عليه السلام وبغضا للظالمين، ومن صدر محب وعين متطلعة لرضا الله سبحانه، تفيض من الدمع حزنا.
وان عدم نفاذ وصية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله )، في النفس الإنسانية للفرد، سيتبين في صنف الناس من كل جلف جاف صلف، يظهر في سلوكه واضحا؛ دليل سخط الله تعالى، ينعكس في غلظة النفس وفي ضيقها من ذكر المظلوم الحسين عليه السلام، وربما في سخريته من مشاعر المسلمين المتعاطفة مع مصيبة الحسين عليه السلام.
والمخلص في تعبده يدعو الله تعالى : اللهم أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن نفس لا تشبع ومن علم لا ينفع ومن صلوات لا ترفع ومن دعاء لا يسمع.
وان الذي نقصده واضح في أمثال الذي يرى في نفاذ وصايا الحبيب محمد (صلى الله عليه وآله)، في حب الحسين عليه السلام ووصايا الله تعالى في مودة القربى من آل محمد، وذوبان القلوب بالحزن على مصائبهم وامتلاء الصدور بحبهم، وفيض العيون لمظلوميتهم(عليهم السلام)؛ يرى في ذلك بدعة، هو المثال السيئ للإسلام المنحرف عن الفطرة، حيث يرى المنكر معروفا والمعروف منكرا، وذلك ما كان يحذر منه الرسول صلى الله عليه وآله، في آخر الزمان، فأمثال الذين يرون في البكاء على الحسين عليه السلام بدعة، ويضعون أنفسهم قادة للإسلام و في قمة الهرم في الدعوة للدين، ومحاربة البدع والمنكر والأمر بالمعروف. هم الذين حذّر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله منهم في آخر الزمان.
-----------------------------------
[1] ) انساب الأشراف للبلاذري ج3؛ ص1285.، ومسند احمد ج4 ص172،وسنن ابن ماجة ج1، ص144، وتاريخ دمشق لابن عساكر( ترجمة الإمام الحسين)، وإرشاد المفيد ج2:ص:127
[2] ) آل عمران – 31-33.
source : tebyan