القسم الاول
أجمع علماء الاِمامية على أنّ القرآن ، كان مجموعاً على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، و أنّه (صلى الله عليه و اله و سلم) لم يترك دنياه إلى آخرته ، إلاّ بعد أن عارض مافي صدره بما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة ، و بما في مصاحف الذين جمعوا القرآن في عهده (صلى الله عليه واله وسلم) ، و قد اعتُبِر ذلك بحكم ما علم ضرورة ، و يوافقهم عليه جمعٌ كبيرٌ من علماء أهل السنة، و جميع الشواهد و الاَدلة و الروايات قائمةٌ على ذلك ، و اليك بعضها :
* اهتمام النبي (صلى الله عليه واله وسلم) و الصحابة بحفظ القرآن ، و تعليمه ، و قراءته ، و تلاوة آياته بمجرد نزولها ، و ممّا روي من الحثّ على حفظه ، قوله (صلى الله عليه واله وسلم) : « من قرأ القرآن ، حتى يستظهره و يحفظه ، أدخله الله الجنّة ، و شفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم ، قد وجبت لهم النار » ، (1) ؛ و في هذا المعنى ، و حول تعليم القرآن أحاديث لا تحصى كثرة ، فعن عبادة بن الصامت قال : «كان الرجل إذا هاجره دفعه النبي (صلى الله عليه و اله و سلم) إلى رجلٍ منّا يعلّمه القرآن ، و كان لمسجد رسول الله ضجّة بتلاوة القرآن ، حتى أمرهم رسول الله (صلى الله عليه و اله و سلم)، أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا» ، (2).
و قد ازداد عدد حُفّاظ القرآن بشكل ملحوظ لتوفر الدواعي لحفظه ، و لما فيه من الحثّ من لدن رسول الله (صلى الله عليه و اله و سلم) و الاَجر و الثواب ، الذي يستحقّه الحافظ عند الله تعالى ، وا لمنزلة الكبيرة و المكانة المرموقة ، التي يتمتّع بها بين الناس ، و حسبك ما يقال عن كثرتهم على عهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ، و بعد عهده أن قُتِل منهم سبعون في غزوة بئر معونة خلال حياته (صلى الله عليه واله وسلم) ، و قُتل أربعمائة ـ و قيل ، سبعمائة ـ منهم في حروب اليمامة عقيب وفاته (صلى الله عليه واله وسلم) ، و حسبك من كثرتهم أيضاً ، أنّه كان منهم سيّدة ، و هي أمُّ ورقة ، بنت عبدالله ابن الحارث ، و كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يزورها ، و يسمّيها الشهيدة ، و قد أمرها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، أن تؤمّ أهل دارها (3).
أمّا حفظ بعض السور ، فقد كان مشهوراً و رائجاً بين المسلمين ، و كلّ قطعةٍ كان يحفظها جماعة كبيرة أقلّهم بالغون حدّ التواتر ، و قلّ أن يخلو من ذلك رجلٌ أو أمرأةٌ منهم ، و قد اشتدّ اهتمامهم بالحفظ ، حتى إنّ المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر .
* لا يرتاب أحدٌ أنّه كان من حول الرسول الاَكرم (صلى الله عليه واله وسلم) كُتّاب ، يكتبون ما يملي عليهم من لسان الوحي ، و كان (صلى الله عليه واله وسلم) قد رتّبهم لذلك ، روى الحاكم بسندٍ صحيح عن زيد بن ثابت ، قال : «كنّا عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) نؤلّف القرآن من الرقاع» ، (4).
و قد نصّ المؤرخون على أسماء كُتّاب الوحي ، و أنهاهم البعض إلى اثنين و أربعين رجلاً ، و كان (صلى الله عليه واله وسلم) ، كلّما نزل شيءٌ من القرآن أمر بكتابته لساعته ،
روى البراء : أنّه عند نزول قوله تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) ، (النساء 4: 95) ، قال رسول الله (صلى الله عليه و اله و سلم) : « ادعُ لي زيداً ، و قُل يجيء بالكتف و الدواة و اللّوح ، ثمّ قال : اكتب ( لا يستوي...) » ، (5).
و كان (صلى الله عليه واله وسلم) يشرف بنفسه مباشرة على ما يُكْتَب ، و يراقبه ، و يصحّحه بمجرد نزول الوحي ،
روي عن زيد بن ثابت قال : «كنتُ أكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، و كان إذا نزل عليه الوحي أخَذَتْهُ برحاء شديدة... ، فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة ، فأكتب ، و هو يُملي عليّ ، فإذا فرغت قال : « اقرأه »، فأقرؤه، فإن كان فيه سقط أقامه ، ثمّ أخرج إلى الناس» ، (6).
أمّا في مفرّقات الآيات فقد روي عن ابن عباس ، قال : « إنّ رسول الله (صلى الله عليه و اله و سلم) كان إذا نزل عليه الشيء دعا من كان يكتب فيقول ، ضعوا هذه الآيات في السورة ، التي يذكر فيها كذا وكذ ا» ، (7) ، و ذلك منتهى الدقّة و الضبط و الكمال .
أدلّة جمع القرآن في زمان الرسول (ص) القسم الثاني
-------------------------------------------------------------------
الهوامش
(1) مجمع البيان 1 : 85 .
(2) مناهل العرفان 1 : 234 ، مسند أحمد 5 : 324 ، تاريخ القرآن للصغير : 80 ، مباحث في علوم القرآن : 121 ، حياة الصحابة 3 : 260 ، مستدرك الحاكم 3 : 356 .
(3) الاتقان 1 : 250 .
(4) المستدرك 2 : 611 .
(5) كنز العمال 2 : حديث 4340 .
(6) مجمع الزوائد 1 : 152 .
(7) المستدرك 2 : 222 ، الجامع الصحيح للترمذي 5 : 272 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 43 ، البرهان للزركشي 1 : 304 ، مسند أحمد 1 : 57 و 69 ، تفسير القرطبي 1 : 60
source : tebyan