التربیة الصهیونیة
(هناک أکثر من 1500 کتاب من عدة أصناف بین أیدی الناشئة الیهود، تمثل ما لا یمکن وصفه من فوقیة واستعلاء وتحقیر لکل ما هو عربی ومسلم، ویمکن العثور على هذه الکتب فی کل شارع ومکتبة، فی أی مدینة أو مستوطنة). هکذا قرر البروفیسور أدُیر کوهین فی کتابه (وجوه قبیحة فی المرآة) الصادر عام 1985 فی تل أبیب (1).
قد یستغرب البعض هذه الکلمات وخاصة المسحورین بالنظام الدیمقراطی الذی تدعی (إسرائیل) تمثیله فی منطقتنا. لکن سرعان ما یزول هذا الاستغراب عندما نعلم أن من یطلق هذا الحکم هو کاتب یهودی النزعة والانتماء، اشتغل لفترة طویلة فی الدراسات التحلیلیة لقصص وکتب وأدبیات الأطفال فی (إسرائیل).
إذا کان هدف التربیة کما حدده علماء التربیة، هو تحقیق التوافق والانسجام بین الفرد وبیئته المادیة والروحیة والمحافظة على الخبرة الإنسانیة وتحقیق المطالب التی یتوقف علیها استمرار حیاة الفرد وأمنه النفسی (2)، فإن أسس التربیة الصهیونیة قد اعتمدت منذ البدایة منهجاً متطرفاً یقوم على (التفرید والتمییز) ومن ثم فإن مرتکزاتها تقوم أساسا على فکرة (شعب الله المختار) وما یحیط بهذه المقولة من أوهام وتأویلات وطلاسم تحاول أن تؤسس على تعالیم التوراة بأسفاره المتعددة والمحرفة بأدلة قطعیة تاریخیة.
والفرد الیهودی، داخل فلسطین المحتلة وخارجها، هو الأداة الرئیسیة التی ینفذ المشروع الصهیونی بواسطته أهدافه، ففی داخل فلسطین تعمل الحرکة الصهیونیة على تحویل الیهودی القادم إلى (إسرائیلی) جدید، وتعمق فی نفسه شعور الانتماء إلى الکیان الصهیونی. ویتم ذلک بتضافر جهود مؤسسات تربویة عدیدة تعمل لتحقیق هذا الغرض. ویشعر الصهاینة أن مستقبل الکیان یتوقف على مدى نجاح هذه المؤسسات التربویة فی تنشئته أجیال (إسرائیلیة) مستعدة وقادرة على حمل الرسالة الصهیونیة. ولا یقل ذلک أهمیة فی نظر القادة الصهاینة، عن توفر السلاح العسکری. حیث یقول جاکوب کلاتزمان: (تؤلف دبابات سنتوریون عاملاً من عوامل الأمن والسلامة على المدى القریب، ولکن المدرسة والجامعة هی العوامل الأکثر أهمیة بالنسبة للمستقبل البعید.. وإذا ما ابتلی المستوى الثقافی فی إسرائیل بالرکود والجمود، بینما یأخذ مستوى الأعداء بالصعود فإن أیام استقلال اسرائیل معدودة. إن التربیة هی أیضاً من مستلزمات الدفاع الوطنی) (3).
أما خارج فلسطین، حیث تعتبر الحرکة الصهیونیة کل یهودی مواطناً اسرائیلیاً محتملاً فی المستقبل، فتعمل على إقناعه بالهجرة إلى فلسطین، أو بتقدیم الدعم المادی والأدبی لــ(اسرائیل)، على الأقل. ویتطلب ذلک بذل جهود کبیرة بین الیهود خارج فلسطین، الذین یسمون (یهود الدیاسبورا)، والتی تعنی المنفى أو الشتات أو المهاجر. والمؤسسة التربویة هنا کذلک هی الأداة الأکثر أهمیة لتحقیق هذا الهدف الصهیونی، وهو ربط الیهود بإسرائیل تمهیداً لهجرتهم إلیها. لذلک أکد زعماء الصهیونیة على التربیة کسلاح رئیسی لعملهم بین یهود (الدیاسبورا).
وفی هذا المجال یقول رئیس وزراء الکیان الأسبق (لیفی اشکول): (إننا لا نکافح فی الوقت الحاضر من أجل حقوق یهودیة لیهود المنفى، ولکن من أجل تأصیل الیهودیة بینهم، أی تأکید الشخصیة الیهودیة وقوة عبقریتها، إننا لا نسعى إلى إقامة مدارس لأطفال الیهود، وإنما لتربیة یهودیة) (4).
لذلک اهتمت الحرکة الصهیونیة – منذ نشأتها – بالتربیة، وما من مؤتمر عقدته تلک الحرکة إلا وکانت التربیة بنداً رئیسیاً على جدول أعماله. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، أنشأت مجلساً للتعلیم فی فلسطین، کما أنشأت المدارس، وفی الثلاثینیات من القرن العشرین أنشئت الدائرة التربویة لهجرة الشباب الیهود، کجهاز من الأجهزة التابعة للمنظمة الصهیونیة العالمیة.
مصادر التربیة الصهیونیة
یتفق الباحثون على أن کتب العقیدة الیهودیة، وفی مقدمتها العهد القدیم (التوراة، الأنبیاء، والمکتوبات)، إضافة إلى کتب الشراح والمفسرین من الحاخامات کالتلمود والمدراش والهلاخا والهفرا، بما تتضمنه من أصول للمعتقد الیهودی، والأحکام والنصوص التاریخیة والأخلاقیة، وقوانین الیهود السیاسیة والمدنیة والدینیة، کلها تمثل المصدر الأول من مصادر التربیة الصهیونیة والمرتکز الأساسی للعملیة التربویة، یضاف إلى ذلک قرارات زعماء الیهود فی الثلاثة وعشرین مؤتمراً منذ 1897 وحتى 1951، وآخرها المؤتمر الذی انعقد فی القدس لأول مرة سنة 1951، لیبحث فی الظاهر مسألة الهجرة الیهودیة إلى فلسطین، بینما کان الهدف، وفی کل هذه المؤتمرات جمیعاً، دراسة الخطط التی تؤدی إلى تأسیس مملکة صهیون العالمیة، والاستیلاء على العالم بشتى الوسائل، وهذه الکتب والمراجع والقرارات شکلت دائماً الإطار العام الثابت للیهودیة کمعتقد.
وهناک باحثون آخرون یرون أن المصدر الثانی للتربیة الصهیونیة، من حیث الأهمیة، هو مؤلفات مؤسسی الصهیونیة الأوائل، ومن هذه المؤلفات على سبیل المثال: کتاب روما والقدس لموسى هس (1812-1875)، وکتاب التحرر الذاتی لبنسکر رئیس جمعیة محبی صهیون (1821-1891)،وکتاب الدولة الیهودیة لهرتزل (1860-1904)، یضاف إلى ذلک کتابات ثلاثة مفکرین آخرین کانوا علامات بارزة فی التاریخ الصهیونی وهم آحاد هاعام (1856-1927) وهو صاحب فلسفة الصهیونیة الثقافیة، وآرون دافید جوردون (1856-1922) وهو صاحب فلسفة دین العمل، وفلادیمیر جابوتنسکی صاحب فلسفة القوة (1880-1940) (5).
کان لابد للکتاب التعلیمی أن یضع بین یدی الطالب الیهودی الحلول الشاملة للمسائل التی تطرحها أمامه الصهیونیة، وفی مقدمتها الاحتلال والاستیطان والهجرة وترحیل (الجوییم) من الفلسطینیین، وإخوانهم من عرب الجوار، ممن تستطیع إسرائیل احتلال أراضیهم أو جزءاً منها، ضمن حملاتها العسکریة التوسعیة التی تشنها علیهم بین حین وآخر. ومن یطلع على نماذج الکتب المدرسیة یستطیع أن یدرک هذا الاتجاه العدوانی لدى الناشئة الیهود، فکل أرض تطؤها قدم الجندی الیهودی هی أرض یهودیة، خیرات الأرض والعالم أجمع منحة لهم وحدهم من الرب، وکل ما فی أیدی غیرهم من (الجوییم) أو الأممیین هو ملک للیهود، فما تحت أیدیهم أی (الجوییم) مغتصب من الیهود وعلیهم استرداده منهم بکل الوسائل، ولا حیاة لشعوب الأرض بدون الیهود.
إن هذه التربیة لا تقتصر على الطلبة فی مراحل التعلیم الثانویة والجامعیة، ولکنها تبدأ فی مرحلة الروضة عبر قصص الأطفال المطبوعة أو التی تحکى شفویاً فی الکیبوتسات والمستوطنات، وفی القرى الزراعیة والمدن التی یقیم فیها الأطفال.
ولو تساءلنا متى بدأت عملیة تطویر هذه الاتجاهات التربویة الصهیونیة، لوجدنا أنها بدأت مع الشروع بإنشاء المستعمرات والمستوطنات الیهودیة على أرض فلسطین عام 1870م، إلى جانب المشاریع الاستیطانیة العدیدة مثل برنامج العودة إلى صهیون، ومحبة صهیون، ومع بدء إقامة الأحیاء الیهودیة على أرض القدس فی النصف الأول من القرن التاسع عشر، بمبادرة (موسى مونتفیوری) الضابط فی الجیش البریطانی الذی کان مقرباً من الملکة فکتوریا، وقد تزامن ذلک مع بدء ظهور الکتابات الصهیونیة المؤسسة لکل من موشیه هس (روما والقدس) ولیوبنسکر (التحرر الذاتی) ومؤلفات الیعازر بن یهودا فی إحیاء اللغة العبریة وبعثها، وتنظیرات زعیم الصهیونیة ومؤسسها هرتزل، ودعوات غوردون لاحتلال العمل العربی على أرض فلسطین، وإحلال العمل العبری بدلاً منه.
من هذا الکم الهائل والمتراکم من المفاهیم والمخطططات الصهیونیة بنى الکیان الصهیونی سیاسته التربویة، وکان للانتداب البریطانی دور بارز فی ذلک، منذ اللحظة التی تدخلت فیها بریطانیا بشکل مباشر فی فلسطین إثر صدور وعد بلفور عام 1917، واعلان الانتداب عام 1921.
فی عام 1953 قام الکیان الصهیونی بسن قانون التعلیم للدولة حیث تنص المادة الثانیة منه على (أن التعلیم فی دولة إسرائیل یجب أن یرتکز على قیم الثقافة الیهودیة والولاء لدولة إسرائیل والشعب الیهودی وتحقیق مبادئ الریادة فی العمل الطلائعی الصهیونی) (6).
یقول (آحاد هاعام) وهو أول من دعا إلى إنشاء جامعة عبریة فی فلسطین (من الضروری تجدید العمل العبری لتقویة الانتماء لهذه الأمة)، ثم یوضح الأسلوب التربوی المدروس سیکولوجیاً واجتماعیاً القادر على احتواء السلبیات التی قد تبرز أثناء التطبیق العملی، بصهر الیهود فی بوتقة المسیرة التوراتیة الواضحة الهدف والأسلوب، فبادئ ذی بدء (تقام حرکة یناط بها إنشاء المستوطنات بناء على خطة ثابتة، ثم تبنى مدارس صهیونیة وأماکن علمیة لتربیة جیل یهودی سلیم، فیتخرج الشباب وقد تربوا على حیاة جدیدة تمکنهم من دخول المعارک ضد العدمیة وغیر الیهود) (7).
من الواضح أن الهدف الصهیونی فی بوتقة الصهر هو مزج الجالیات ومن ثم خلق إطار واحد متکافئ وموحد لجمیع أبناء (إسرائیل) مصمماً لبناء مجتمع موحد فی الدولة الناشئة، وفی النتیجة، فإن مصطلح (صهر) کان یعنی أن على غالبیة الأولاد فی شبکة التعلیم، ممن وصلوا حدیثاً إلى الکیان الصهیونی، أن تتخلى عن تراثها الثقافی، العائلی، والطائفی، الذی تربت علیه عائلاتها، وأن تندمج فی واقع سیاسی واجتماعی من طبیعة غریبة.
إذا کانت (التوراة) هی المصدر الأساسی للتربیة الصهیونیة فإلى أی قیم توجه هذه الأسفار المزعومة الاطفال والناشئة من الیهود؟
(حین تقترب من مدینة لکی تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتک، فکل الشعب الموجود فیها یکون للتسخیر ویُستعبد لک، وإن لم تسالمک بل عملت معک حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهک إلى یدک فاضرب جمیع ذکورها بحد السیف، هکذا تفعل بجمیع المدن البعیدة عنک جداً التی لیست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأیاً من هؤلاء الشعوب التی یعطیک الرب نصیباً فلا تستبق منها نسمة ما) (8).
لقد کان هذا القانون سیاسة عامة ونهجاً لا یمکن التهاون فی تطبیقه، وکأن هؤلاء التوراتیین یقرأون النصوص حرفیاً ویحفظونها عن ظهر قلب ویطبقونها بحرفیتها ویتباهون إذا ما زادوا علیها.
یقول الدکتور إبراهیم أبو جابر رئیس مرکز الدراسات المعاصرة فی مدینة أم الفحم فی فلسطین المحتلة عام 1948 إن الدیانة الیهودیة تعتبر مصدراً مهماً من مصادر الفلسفة التربویة عند الیهود. إذ اعتمدت التربیة اعتماداً کبیراً على الدین فی سبیل تشکیل أجیال متشبعة بتعالیم التوراة والتلمود، ومن أجل ترسیخ مفاهیم معینة فی نفوس الناشئة الیهود، ویضیف: تهدف التربیة الدینیة إلى تربیة الطفل جسدیاً واجتماعیاً وانفعالیاً وعقلیاً عن طریق قصص التوراة وأسفارها. وفی هذا یقول أول رئیس لدولة (إسرائیل): (عندما بلغت مالاغنى عنه لأی طفل یهودی، وخلال السنوات التی قضیتها فی مدارس الدین تلک، کان علی أن أدرس أشیاء من أصول الدیانة الیهودیة، والذی فرض علی هو سفر الأنبیاء).
وما یمکن ملاحظته وفقاً لأبی جابر هو الاهتمام الکبیر بتدریس المواد الدینیة فی جمیع مراحل التعلیم لأبناء الیهود أینما وجدوا، حیث تأتی مادتا التوراة والتلمود فی مقدمة الدراسات، وتعتبر المادتان أساساً وإطاراً للغایات التربویة، حیث یقول (مائیر بارایلان) أحد مفکری التربیة الیهودیة: (إن روح التلمود ومعرفة عامة شرائعه وآدابه یجب أن تکون جزءاً من دراسة کل یهودی متعلم، حتى وإن لم یکن سیجعل من حقل الدراسة هذا مجالاً للعمل، والأمر شبیه بتعلیم الفیزیاء والریاضیات فمع أنه لیس کل تلمیذ یتخصص فیهما، ولا یستخدم جمیع ما یتعلمه فیهما فی حیاته العملیة، إلا أنهما ضروریتان له، کذلک بالنسبة للتلمود، یجب أن یحفظ کل تلمیذ مقاطع معینة منه وأن یتشرب روحها) (9).
العنصریة فی المناهج التربویة
تنبع النوازع العنصریة الصهیونیة الحالیة من مجموعة من المکونات النفسیة والدینیة والمادیة التی توارثها الفکر الصهیونی على امتداد عصوره لتکون ما یعرف بمفهوم الصراع مع الأغیار، وهو ما تحول داخل وجدان کل (إسرائیلی) إلى ما یشبه العقیدة المتوارثة لفکرة الصراع والعنف من خلال مشاعر التعالی والسمو على الآخرین، مع تغلیف کل ذلک بنزعة عنصریة ترى أن (بنی إسرائیل) لیسوا مثل غیرهم من البشر لاختیارهم دون غیرهم من الشعوب لیکونوا شعب الله لرب إسرائیل الخاص بهم وحدهم، وقد لازمت هذه الفکرة العنصریة، الجماعات العبرانیة ثم الإسرائیلیة منذ وطأت أرض فلسطین التاریخیة أقدام الفلول الاولى من الیهود، ومنذ ذلک التاریخ لازمت فکرة الصراع والعنف والتعالی على الآخرین الفکر الإسرائیلی وتقمصت أشکالاً وصوراً مختلفة تتراوح ما بین الحوار بأشکاله المختلفة ومروراً بأنواع المساومات المشفوعة بالغش والخداع وانتهاء بالدخول فی معارک مریرة وشرسة مع کل طرف یرفض الإذعان لإرادة الإسرائیلیین. ویزخر التاریخ الإسرائیلی، وعلى النحو المدون فی العهد القدیم بالکثیر من الإشارات إلى أشکال هذا الصراع وأعمال العنف مع الآخرین، بل إن العهد القدیم یطبع العقیدة الصهیونیة برباط وثیق بین (حرب إسرائیل ورب إسرائیل) حیث أن هذا الرب هو (رب الجنود) الذی یمهد لبنی إسرائیل السبیل لتحقیق مآربهم فی الغزو والاحتمال وطرد الشعوب من أراضیها(10).
وبمرور الوقت تحول هذا الصراع المقرون بنظرة عنصریة استعلائیة نحو الآخرین إلى منهاج عمل یسعى لتحقیق أهداف الإسرائیلیین فی فلسطین انطلاقاً من الاعتقاد بأنه بدون هذا الصراع لن یتسنى الاستقرار فیها وزراعة کرومها کما قال دکتور أفراهام فرسمان فی دراسة له عن جذور الصراع فی المنطقة (11). وکذلک کما صیغت قوانین الحرب فی أسفار العهد القدیم وکذلک أسالیب الاستیلاء على المدن وصور التعامل مع أهل البلاد الأصلیین لتصبح دستوراً ومصدر وحی وشریعة مقدسة لاستئناف ما یسمى بالبعث الإسرائیلی فی فلسطین، وذلک على أساس أن کل جریمة تصبح شرعیة وقانونیة طالما تسعى لتحقیق ما سمى بوعد الرب (12).
بهذه الصورة تحول التاریخ فی الفکر الیهودی إلى صنم یتوجب عبادته وتقدیم القرابین على أعتابه من أجل تنفیذ الوصایا والعهود الواردة فیه.
تشویه المسلمین فی المناهج التربویة الصهیونیة
ان من بین الأسس التی تعتمدها الصهیونیة فی تربیة الأطفال والناشئة الیهود، تشویه صورة العرب والمسلمین والإساءة إلیهم فی الکتب المقررة التی یصدرها مرکز المناهج التعلیمیة فی وزارة المعارف الإسرائیلیة، ومن بین أشکال التشویه التی نذکرها على سبیل المثال لا الحصر الأمثلة الآتیة (13):
- ورد فی کتاب (تاریخ إسرائیل فی العصور الحدیثة) تألیف: (د. شمشون کیرشنفویم) فی طبعاته القدیمة والحدیثة منذ 1972-1984 فی الصفحات (91-94) فی تبریر الاستیطان أن العرب بدأوا سلسلة هجماتهم العدوانیة على الاستیطان الیهودی، ثم تحولت هذه الهجمات إلى اعتداءات دمویة واسعة ومنظمة، ففی شهر آذار عام 1970 شن أهل الخالصة (سمیت فیما بعد کریات شمونة) هجوماً على مستوطنة (تل حی) فقتلوا (یوسف ترومبلدور) وعدد من رفاقه بعد أن دافعوا عن هذا الموقع دفاع المستمیت، فقدموا أنفسهم قرباناً لحریتهم، وبعد شهر من هذا التاریخ قام العرب بأعمال شغب ضد الیهود فی البلدة القدیمة من القدس، فذبحوا وجرحوا الکثیرین وسلبوا الممتلکات الیهودیة.
- وفی الصفحتین (161-162) من نفس الکتاب، وفی عملیة تشویه لصور الحکام العرب والمسلمین ورد هذا النص: (الحکام العرب قتلة وهم المسؤولون عن سوء أحوال الیهود فی الأقطار العربیة والإسلامیة معاً، ففی عامی 1868 و 1906 مات الکثیر من الیهود المغاربة فی (غیتو ملاله)، ناهیک عن الهجمات المتکررة وأعمال القتل والنهب والإرهاب التی مورست ضدهم من قبل المسلمین فی مراکش، وفی عام 899م مات فی مراکش وحدها (2500) یهودی بسبب الجدری، لأن الیهود کان یحظر علیهم السکن والعیش خارج (ملاله) وکانوا یجبرون على ارتداء الملابس السوداء والسیر حفاة خافضی الرؤوس ویمنعون من اللقاء بالمسلمین).
- وجاء فی ص (162): (کان المسلمون یرغمون الیهود على تزویج بناتهم وهن فی سن الثامنة والتاسعة وتزویج أبنائهم فی سن الثالثة عشرة، کما تعرف الیهود إلى المصیر نفسه فی سوریا والعراق، ورد فی ص278، 279 إن هجرة الیهود من العراق تمت نتیجة التنکیل بهم أثناء ثورة رشید علی الکیلانی عام 1941، وبسبب العلاقة التی کانت تربط العراق بالنازیة (!!!) وتشجیع الحاج أمین الحسینی مفتی فلسطین للهجمات العدائیة التی کانت تشن ضد الیهود فی العراق، إضافة إلى أعمال النهب والسلب ضد الممتلکات الیهودیة، وإخلاء بیوتهم من أصحابها لإسکان اللاجئین العرب الفلسطینین محلهم بعد خروجهم من أرض إسرائیل بمحض إرادتهم).
- ومن کتاب سلسلة کتب (تاریخ شعب إسرائیل) تألیف (ب.إحیا) و (م. هرباز) الذی یدرس لطلبة الصف الثامن، عرض على الصفحة (109) مفاهیم واتجاهات مفکر صهیونی هو (مناحیم أوشیسکن) مؤسس الصندوق القومی الیهودی، وأحد زعماء الحرکة الصهیونیة والاستیطان الیهودی فی فلسطین، مخاطباً أوروبا بأسرها والعالم الغربی قائلاً (لقد سلبت أرض إسرائیل بالقوة من الأمة الإسرائیلیة، بواسطة مطرقة العالم إبان العهد الرومانی، فأجلیت الأمة الإسرائیلیة وتفرقت تحت کل کوکب، والآن أنا ابن أحد هؤلاء المشردین، جئت باسم الأمة المضطهدة لأمثل أمامکم أنتم ورثة الرومان سیاسیاً وحضاریاً، کی أطلب إلیکم إعادة المسروقات التاریخیة إلى أصحابها).
وفی نفس الکتاب السابق فی ص (50) یعرض المؤلفان صورة للمسجد وللجیش الإسلامی، وفی أسفل الصورة شعار الحرب لدى المسلمین وهو عبارة عن: سیفین یقع فی وسطهما من الأعلى هلال، ویعلق المؤلفان على ذلک.. (الإسلام دین المحاربین) وفی ص (17) یقول المؤلفان: (لأجل ذلک قرر (محمد) الهجوم على قوافل التجار التی اعتادت أن تسلک طریق مکة، بغیة سلبها وسرقتها، فتکللت العملیة بالنجاح، وأدى الأمر إلى حصول (محمد) على الأسلاب الکثیرة ونال احترام وتأیید عدد کبیر من العرب له، وهکذا انضم الکثیرون تحت لوائه واتخذوا لهم الإسلام دیناً).
وفی ص (18) یقول: فی حرب (محمد) مع یهود المدینة بدأ یستخدم المکائد والمؤامرات، وفی الوقت الذی شرع فیه اتفاقیة الصلح مع بعض القبائل، کان یتفرغ لمحاربة القبائل الواحدة تلو الأخرى، وبذلک نجح فی السیطرة على الیهود الذین تصدوا له.
وحول علاقة الإسلام بالیهودیة فی الجزیرة العربیة، جاء فی ص (20): بعد نجاح (محمد) تعرض الیهود من بنی قریظة إلى الفناء، حیث حوصروا فی إحدى المناطق المعزولة طیلة (25) یوماً من قبل جماعة (محمد) إلى أن اضطروا للاستسلام، فکان مصیرهم، أسوأ من مصیر أخوانهم من بنی قینقاع وبنی النضیر، فأسر جمیع الرجال الذین بلغ عددهم (600) وذبحوا بطریقة مفزعة جداً، واستمرت عملیة القتل طوال تلک اللیلة حتى الفجر، فألقیت جثث القتلى إلى داخل الآبار التی حفرت خصیصاً لهذا الغرض، والمصیر نفسه تعرض له الأطفال والنساء الیهود حیث بیعوا کالعبید والإماء.
- أما کتاب (دروس فی التاریخ) الیهودیة بین المسیحیة والإسلام /صادر عن مرکز المناهج التعلیمیة- القدس- 1973م وزارة المعارف والثقافة الإسرائیلیة. فإنه نموذج أخر لتشویه الدعوة الإسلامیة، حیث وصف الفتوح بأنها حرب إبادة وفناء، حیث ورد فی الصفحة (29): التعالیم التی انطلقت من شبه الجزیرة العربیة قد أیقظت قلقاً عمیقاً فی القلوب، لقد قاد (محمد) حرب إبادة لجمیع الشعوب والقبائل التی لم تتقبل تعالیمه، فأباد قسماً کبیراً من الیهود فی الجزیرة العربیة. وفی ص (44): یقول الکتاب: (إن الخلیفة العباسی (المأمون) ساعد فی تفسخ الیهود وظهور الطوائف الیهودیة المتناحرة). وفی ص (66): (إن البرابرة ممثلی إحدى التیارات الإسلامیة الحاقدة جعلوا یهود قرطبة أمام خیار صعب، إما الطرد أو الإبادة).
- وورد فی کتاب (هذا موطنی) للصف الخامس الابتدائی- تألیف ش. شکیر/ طبقاً لمنهاج وزارة المعارف والثقافة، فی ص (97): أن المسلمین فی الخلیل، منعوا فی التاریخ المعاصر، کل من هو غیر مسلم من الدخول إلى مغارة (المکفیلا)- الحرم الإبراهیمی الشریف- فکان یعیش فی الخلیل طائفة یهودیة صغیرة من دارسی التوراة لکن أحداث عام 1929م أدت إلى قتل عشرات الیهود بشکل إجرامی، من بینهم النساء والأطفال، وبعد هذه المجازر الدمویة ترک الیهود الخلیل ولم یعودوا إلیها إلا بعد حرب الأیام الستة.
- وجاء فی کتاب الجغرافیا (أرض إسرائیل الطبیعیة والاقتصادیة) / للمدارس الثانویة ومعاهد المعلمین تألیف د. (منسیه هرئیل)، د. (دوفانیر)، فی ص (253): منذ الاحتلال الإسلامی خربت مدن النقب العظیمة، واضمحلت الزراعة وهدمت الطرق التجاریة. کما ورد فی ص (298) عن مدینة یافا: (إنه بعد الاحتلال الإسلامی للبلاد، تردت مکانة یافا، ثم تلاه ترد آخر فی العهد العثمانی الذی تلا العهد المملوکی، فتلک ظاهرة أصابت موانئ شرق البحر المتوسط کافة إثر تحول التجارة بعد اکتشاف طریق رأس الرجاء الصالح).
- وورد فی کتاب الجغرافیا للصف الخامس/ تألیف (د. اکیطوف) و (د. آرنی) فی ص (102): وبقوة السیف أجبر العرب الشعوب المغلوبة على القبول بدین (محمد) فلم یکونوا لیعرفوا الشفقة فی الحرب، فقد فنیت قبائل کثیرة، ورفضت أن تقبل الدین الإسلامی.
- وفی کتاب (دولة إسرائیل وانتشارها فی عصرنا) فصول تعلیمیة لتلامیذ المدارس الثانویة/ تألیف میخائیل زیف/ (مکانة المرأة فی الإسلام) ورد فی ص (120) ص (121): (إن المرأة المسلمة متدنیة فهی لا تنعم بأی نسمة من نسائم الحریة، منذ ولادتها ولا تفرح بها العائلة، حقوقها مهضومة، وتتزوج وهی صغیرة رغم إرادتها، وترتبط بعد زواجها بأسرتها لتکون وصیة علیها، وغالباً ما تحرم من المیراث من أبیها، والمرأة تعمل فی البیت رغماً عنها من الصباح إلى المساء، ویتزوج المسلم (4) نساء بالإضافة إلى الجواری، وهذا شائع فی الطبقات الغنیة ویقل عند الفقیرة).
- کتاب (الأقلیات فی إسرائیل) المسلمون والمسیحیون والبهائیون والدروز/ تألیف: زئیف فلتائی ، فی هذا الکتاب ثمة إنکار للحضارة والوجود العربی والإسلامی، فقد ورد فی ص (29): (أن العرب بدأوا بالاقتراب من حدود إسرائیل التی کانت تحت حکم البیزنطیین المسیحیین حتى عام (638) /15هـ، أی أنهم لم یستوطنوا هذه البلاد إلا بعد الاحتلال الإسلامی لها).
- کذلک فإن الکتب المدرسیة تکرس نظرة مغایرة للواقع تجاه العرب والمسلمین ومثال ذلک بعض ما جاء فی کتبهم المقررة:
فی کتاب روما فی عظمتها وسقوطها/ العرب والإسلام تألیف شعبة المناهج التعلیمیة التابعة لوزارة المعارف والثقافة الإسرائیلیة، بإشراف البروفیسور (غلومر)، والبروفیسور (حوالتسیروس یافه) ورد ما یلی: فی ص (71): (أن علاقة النبی (محمد) بزوجته خدیجة بدأت عن طریق عقد اتفاقیة قران بین الاثنین، وزواجه من خدیجة هو الذی جعل منه رجلاً ذو شأن وجاه). فی ص (72): (أن (محمداً) زار سوریا وإسرائیل وتأثر کثیراً بالنظام السیاسی المتطور لهذه الدول إلى جانب تأثره بالدیانات الموحدة وخاصة الیهودیة). فی ص (74): (أن (محمداً) کان یأمل أن ینضم إلیه الیهود (یهود المدینة) حیث لم یلاحظ أی تناقض بین أقواله وبین معتقدات الیهود. فی ص (78): أن (محمداً) أمر المسلمین بالتوجه فی صلاتهم نحو الکعبة بدل القدس بعکس ما کان الحال فی بدایة الدعوة، أی حین کانت علاقته جیدة بالیهود، وورد کذلک أن الأحادیث التی نقلها إلى المؤمنین برسالته کتبت ووضعت فی کتاب دعی فیما بعد بالقرآن).
فی ص (91): ورد (أن السبب فی بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة یعود إلى اعتماد المسلمین على المعتقدات الیهودیة، التی تقدس جبل الهیکل (هیکل سلیمان)).
وحول التوجه التربوی فی تبریره الاستیطان والأمن الصهیونی للیهود صورت کتبهم الدراسیة اغتصاب الأرض العربیة على أنه تحریر، وأن ما تم من أعمال وقتل وإبادة من قبل إسرائیل لم یکن إلا حفاظاً على الأمن الإسرائیلی.
وفی کتاب (دولة إسرائیل وانتشارها فی عصرنا) فصول تعلیمیة لتلامیذ المدارس الثانویة/من تألیف میخائیل زئیف. ورد فی عدد من صفحاته ما یلی: (إن الفارق الأساسی فی الحالة الأمنیة بین دول العالم، ودولة إسرائیل، أن دولة إسرائیل تقع فی قلب الوطن العربی الذی تصرح دولة علانیة عن نیتها محو إسرائیل عن وجه الخریطة، وأنهم یعدون قواتهم لهذا الغرض ضمن حرب إبادة عندما یأتی یوم الانتقام، وأن الحکام العرب یعملون على أن لا تخبو نار العداوة فی صدور شعوبهم، ولا یریدون إیجاد حل لمسألة اللاجئین، ومن خلال الکتب المدرسیة والمناهج التعلیمیة یرضع العرب أولادهم حلیب الکراهیة والحقد، من خلال الإذاعات والصحف والأناشید انتظاراً لیوم تسترجح فیه بلادهم بقوة السلاح).
وأخیراً نقول: إنه من نافل القول أن المناهج التربویة فی مجملها ترتبط بالسیاسة القائمة وإن لکل منهاج فلسفة تستند إلیها، إلا أن المنهج التربوی الإسرائیلی یعتبر من أکثر المناهج المرتبطة بالإیدیولوجیة الصهیونیة وخطة الدولة العبریة، بل إن هذا المنهج هو صانع الإطار الفکری العام للجیل بعد ما یتم عزله عن أهله ویتفرغ لعملیة الإعداد التربویة والتعلیمیة.
من کل ما تقدم یتبین لنا أن العملیة التربویة فی الکیان الصهیونی تقوم على الکفایات التالیة: على الصعید التعلیمی فإن الخوف من الآخر وقتاله هو الحل الوحید للعیش والاستمرار فی الحیاة، کذلک فإن تحدید العدو هو الهاجس الأساسی الذی یجب تعلم کل شیء من أجل إبادته. أما على الصعید التربوی فیجب على الیهودی أن یکون شرساً فی تعامله مع الآخرین وأن لا یلین لهم مهما کانت الظروف، وأن یکون سیداً من خلال قهر کل من حوله، وأن یکون بطلاً بطاشاً دون رأفة.
هذه الکفایات هی التی جعلت الجرائم الصهیونیة تزداد یوماً بعد آخر، فمن الأعمال الإجرامیة لعصابات الهاغاناه والأرغون والشتیرن التی تمیزت بنوع من التنظیم الإجرامی إلى إرهاب الدولة المنظم الذی مارسته إسرائیل ولازالت ، لقد سلبت الحرکة الصهیونیة کل مکامن الخیر من قلوب الیهود، ولم یبق سوى هذا الحقد الذی کرسته المناهج التربویة التوراتیة التلمودیة.
بعد کل ذلک هل یمکن لمجتمع نشأ على هذه العنصریة أن یکون مستعداً للسلام؟. ثم لماذا تطالب الدول العربیة والإسلامیة فقط بضرورة تغییر مناهجها التربویة ولا تطالب (إسرائیل) بذلک؟.
الهوامش:
* کاتب وباحث فلسطینی مقیم فی سوریا.
1- صحیفة اللواء اللبنانیة، لماذا لا تطالب إسرائیل بتغییر منهاجها التربویة؟ ،عدنان أبوناصر ،25/8/2003. ص 12.
2- التوجیه الفنی التربوی، أحمد علی الفنیش، محمد مصطفى زیدان، منشورات الشرکة العامة للنشر والتوزیع والإعلان، طرابلس، لیبیا، ط1، 1979، ص60.
3- فی المجتمع الإسرائیلی، د. أسعد رزوق، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربیة، 1971، ص90.
4- إسرائیل ویهود العالم، مصطفى عبد العزیز، بیروت، مرکز الأبحاث الفلسطینیة، 1969، ص 120.
5- تعلیم العرب فی إسرائیل، د. صالح عبد الله سریة، مرکز الأبحاث الفلسطینی، بیروت، 1943.
6- إسرائیل فی خمسین عاماً، د. الیاس شوفانی، الجزء الأول، دار جفرا للدراسات والنشر، دمشق، 2002 ص 561
7- إسرائیل فی خمسین عاماً، المرجع السابق، ص 576.
8- سفر یشوع الاصحاح السادس 21، 15.
9- صحیفة البیان الإماراتیة، 5/2/2003، هکذا یربی الإسرائیلیون أبنائهم، أشرف سلفینی.
10- الشخصیة الیهودیة الإسرائیلیة والروح العدوانیة، د. رشاد الشامی، سلسلة عالم المعرفة – الکویت. یونیو 1986 ص 167.
11- هاتسوفیه 19/1/1996.
12- الشخصیة الیهودیة الإسرائیلیة والروح العدوانیة، المرجع السابق، ص 170.
13- اعتمدنا فی هذه الأمثلة على الورقة التی قدمها الباحث خلیل السواحری من رابطة الکتاب الأردنیین، والتی قدمت إلى ندوة عنصریة الصهیونیة والنازیة التی أقامتها الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والکتاب العرب فی الفترة الواقعة بین 27-30 أب 2001 فی دمشق
source : rasekhoon