یعتقد المسلمون جمیعاً أن الخمس أحد الواجبات الإلهیة و لا بد من الالتزام بدفعه، و هذا الحکم ینفذ منذ زمن تشریعه، أی بعد معرکة بدر، وکان الإمام علی (علیه السلام) إلى جانب رسول الله ممن ساهم فی إجراء هذا الواجب و المساعدة فی تنفیذه، و لم یقصر لحظة واحدة فی تنفیذ هذا الحکم بعد رحلة النبی الأکرم (صلی الله علیه وآله وسلم)، و یشهد التاریخ أن الشیعة بعد زمن أمیر المؤمنین(علیه السلام) و فی زمن الأئمة المعصومین کانوا یهتمون بهذا الواجب، و المسألة الجدیرة بالذکر أن الشواهد التاریخیة تدل على أن خمس الغنائم و خمس الکنز و المعادن کانت تدفع فی زمن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) و زمن الإمام علی (علیه السلام) و زمن الأئمة المعصومین (علیهم السلام)، و لکن التاریخ لم ینقل أن خمس أرباح المکاسب أخذ فی زمن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أو زمن الإمام علی (علیه السلام)، و لکن عدم وجود الدلیل التاریخی لا یدل على عدم وجود هذا القسم من الخمس، و ذلک لأن الکثیر من المصادر التاریخیة فقدت خلال الحروب التی وقعت على طول التاریخ، إضافة إلى أن هذا القسم من الخمس قد بین فی زمن الأئمة المعصومین فیما بعد.
بحسب التعالیم الإسلامیة و الآیات القرآنیة*(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَیْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَىٰ وَالْیَتَامَىٰ وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ إِن کُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا یَوْمَ الْفُرْقَانِ یَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ)**(1) فإن الخمس أحد التکالیف الإلهیة، و قد شرع فی وقت تقسیم غنائم وقعة بدر، وقد اتفق الشیعة و السنة على أصل وجوب هذا التشریع و لا یوجد اختلاف إلا فی بعض مسائله، فالسنة یرون أن الخمس یقتصر على غنائم الحرب و المعادن و الکنز، و أما الشیعة فیضیفون بعض الموارد الأخرى، کالخمس فی ما زاد عن المؤونة، و الاختلاف بین الشیعة و السنة لا بد أن یتابع من خلال معنى کلمة «غنمتم»فی آیة الخمس، لأن أهل السنة یفسرون «الغنیمة» فیما یتم الحصول علیه من الحرب، و لکن علماء الشیعة یعتقدون أن «الغنیمة» تشمل جمیع الفوائد و لذلک أوجبوا الخمس فیها، أعم من أن تکون من المکاسب أو من الکنز و المعادن أو ما یحصل علیه بواسطة الغوص فی البحر، و إن اعتقاد الشیعة هذا فی معنى الآیة یمکن إثباته، لأن عرف اللغة یطلق على جمیع الموارد المذکورة لفظ «الغنیمة»(2)، و قد ذکر الشیعة عدة شواهد على ذلک من کلام النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) و کلام الأئمة المعصومین (علیهم السلام)، و من الأمثلة فی زمان الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) و الإمام علی (علیه السلام) یمکن أن یقال: أن الخمس أخذ من غیر غنائم الحرب کالمعادن و الکنز و کذلک ما یستخرج من الغوص فی البحر من جواهر و لئالی، و قد ورد فی سنن البیهقی أن رجلاً وجد کنزاً فجاء إلى الإمام علی (علیه السلام) فأخبره، فقال له الإمام: أربعة أخماس المال لک و خمسه لنا(3).
و کذلک نقل فی نفس الکتاب المعتبر عند أهل السنة أن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «فی الرکاز خمس» و سألوا، ما هو الرکاز؟ قال: الذهب والفضة الذی خلقه الله فی الارض یوم خلقت(4).
و فی کتاب وسائل الشیعة نقل أیضاً حدیث مفصل فی هذا الموضوع، و ذلک فی عصر الإمام علی (علیه السلام)، أن شخصاً استخرج رکازاً أو وجد کنزاً فی الأرض، و عندما جاء إلى الإمام علی (علیه السلام) قال له آتنا بخمسه(5).
و لکن السؤال الملح هو هل أن خمس أرباح المکاسب أخذ فی زمن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أو زمن الإمام علی (علیه السلام) أم لم یؤخذ؟
و فی الإجابة عن هذا السؤال لا بد من القول: لا توجد وثائق تاریخیة تدل على أن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) أو الإمام علی (علیه السلام) أخذ خمس المکاسب، و لکن هذه المسألة لم تثر أی إشکال فی قضیة وجوب الخمس فی أرباح المکاسب، و ذلک للروایات الکثیرة الواردة عن الأئمة المعصومین (علیه السلام) الآخرین و قد جمع صاحب وسائل الشیعة هذه الروایات فی أبواب مختلفة، و جمیع هذه الروایات تبین أن الناس أدوا خمس المکاسب فی أقسام مختلفة، نشیر إلى بعض هذه الروایات بعنوان الأمثلة:
1ـ کتب أحد أصحاب الإمام التاسع (علیه السلام): «أخبرنی عن الخمس أعلى جمیع ما یستفید الرجل من قلیل وکثیر من جمیع الضروب وعلى الصناع؟ وکیف ذلک؟ فکتب بخطه: الخمس بعد المؤونة»(6) و یستفاد من هذه العبارة بشکل واضح أن السائل کان لدیه شک فی عمومیة الخمس، و کذلک فی کیفیة دفعه، و أن الإمام (علیه السلام) أجابه بجملة واحدة على کلا الشقین من سؤاله، کما هو متعارف فی رسائل و أجوبة ذلک الزمان و ذلک عندما قال: «الخمس بعد مؤنة السنة» ففیه إجابة على شقی السؤال المتعلقین بالکیفیة و أصل الوجوب.
2ـ «عن علی بن مَهْزِیَارَ قال: قال لی أَبُو علیِّ بنُ رَاشِدٍ: قُلْتُ لَهُ: أَمَرْتَنِی بِالْقِیَامِ بِأَمْرِکَ وَ أَخْذِ حَقِّکَ فَأَعْلَمْتُ مَوَالِیَکَ بِذَلِکَ، فقال لی بعْضُهُمْ و أَیُّ شَیْءٍ حَقُّهُ؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أُجِیبُهُ فَقَالَ: یَجِبُ عَلَیْهِمُ الْخُمُسُ. فَقُلْتُ: فَفِی أَیِّ شَیْءٍ؟ فقال: فی أَمْتِعَتِهِمْ وَ صَنَائِعِهِمْ. قُلْتُ: وَ التَّاجِرُ عَلَیْهِ وَ الصَّانِعُ بِیَدِهِ؟ فَقَالَ إِذَا أَمْکَنَهُمْ بَعْدَ مَئُونَتِهِم»(7).
راوی هذه الروایة شخص یسمى «علی بن راشد» و هو من وکلاء و ممثلی الإمام التاسع (علیه السلام) الخاصین. و عندما یقول مثل هذا الشخص " قُلْتُ لَهُ: أَمَرْتَنِی بِالْقِیَامِ بِأَمْرِکَ وَ أَخْذِ حَقِّکَ "، فإننا لا نشک أن المخاطب هو الإمام (علیه السلام).
3ـ کتب إبراهیم بن محمد الهمدانی الى الامام (علیه السلام): « أَقْرَأَنِی عَلِیٌّ (بن مهزیار) کِتَابَ أَبِیکَ فِیمَا أَوْجَبَهُ عَلَى أَصْحَابِ الضِّیَاعِ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَیْهِمْ نِصْفَ السُّدُسِ بَعْدَ الْمَئُونَةِ وَ أَنَّهُ لَیْسَ عَلَى مَنْ لَمْ تَقُمْ ضَیْعَتُهُ بِمَئُونَتِهِ نِصْفُ السُّدُسِ وَ لا غَیْرُ ذَلِکَ فَاخْتَلَفَ مَنْ قِبَلَنَا فِی ذَلِکَ فَقَالُوا: یَجِبُ على الضِّیَاعِ الْخُمُسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ مَئُونَةِ الضَّیْعَةِ وَ خَرَاجِهَا لا مَئُونَةِ الرَّجُلِ و عِیَالِهِ. فَکَتَبَ وَ قَرَأَهُ عَلِیُّ بْنُ مَهْزِیَارَ: عَلَیْهِ الْخُمُسُ بَعْدَ مَئُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عِیَالِهِ و بَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَان »(8)
و هذا الحدیث الصحیح سنداً و المتقن فیه تصریح بأمر الامام الناس أن یدفعوا الخمس من عائدات الأراضی بعد عزل مؤنة السنة، و إذا لاحظتم أن بعض الأئمة لا یأخذون أکثر من نسبة 1/12 فذلک محمول على أن خصائص و ظروف ذلک العصر لا تسمح إلا بذلک، أو أنهم أباحوا لشیعتهم قسماً من الخمس حتى لا یضیقوا علیهم و یحرجوهم.
إن المطالب و الروایات المتقدمة تثبت أخذ الخمس فی زمن الإمام علی (علیه السلام) و زمن الأئمة المعصومین (علیه السلام) سواء فی خمس الغنائم و غیره، و أما ما یتعلق بالسؤال عن الشخص الذی یأخذ الخمس فی زمن الإمام علی (علیه السلام) فذلک ما لا تسعفنا وقائع التاریخ بمعرفته، و من الطبیعی أن عدم بیان التاریخ لا یدل على عدم وجود الخمس.
و ذلک أن العدید من کتب الشیعة المعتبرة أحرقت فی زمن الحروب، أو أنها ضاعت أو تلفت عبر العصور الزمنیة المتطاولة و القرون العدیدة، و علیه فالکثیر من الروایات و المسائل المهمة لم تصل إلینا. و محصلة القول: أنه مع الاخذ بنظر الاعتبار ان بیان الأحکام کان عن طریق الإمام علی (علیه السلام) و الأئمة المعصومین(9) نصل إلى أن مسألة الخمس الموجودة و المبینة الآن فی الفقه الشیعی مأخوذة من سنة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) و الأئمة المعصومین (علیهم السلام)، و هذه السنة هی تعبیر عن کلام الله تعالى، و الإسلام الحقیقی، و إن الخمس أحد الواجبات المالیة.
المصادر :
1- الأنفال، 41.
2- راغب، مفردات، ج1، ص615؛ الطبرسی، مجمع البیان، ج4، ص544.
3- سنن البیهقی، ج4، ص156
4- المصدر نفسه، ص152
5- الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج9، کتاب الخمس، الباب السادس، ح1، مؤسسة آل البیت، قم، 1409هـ.
6- الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج9، کتاب الخمس، الباب الثامن، حدیث 1، مؤسسة آل البیت، قم، 1409هـ.
7- المصدر نفسه، الباب الثامن، ح4.
8- المصدر نفسه، ح3.
9- الکلینی، أصول الکافی، ترجمة مصطفوی، ج2، ص478، المکتبة العلمیة، الطعبة الاولى، طهران
source : rasekhoon