قال تعالى: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا"(1).
وفي الروايات الإسلامية الكثير مما ينهى عن هذا الذنب الكبير منها:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "في الزنا ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث منها في الآخرة، فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء، ويعجِّل الفناء، ويقطع الرزق. وأما التي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرحمن والخلود في النار"(2).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة أهبَّ الله ريحاً منتنة يتأذّى بها أهل الجمع حتى إذا همَّت تمسك بأنفاس الناس ناداهم مناد: هل تدرون ما هذه الريح التي قد آذتكم؟ فيقولون لا وقد آذتنا وبلغت بنا كل مبلغ. قال عليه السلام: ثم يقال هذه ريح فروج الزناة الذين لقوا الله بالزنا... فالعنوهم لعنهم الله فلا يبقى في الموقف أحد إلا قال اللهم العن الزناة".
إلى كثير من الروايات المشيرة إلى قبح الزنا.
الوقاية والعلاج من الزنا والفواحش
يقول تعالى: "وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً"(3).
هذه الآية الكريمة لم تقل: "لا تزنوا" بل قالت: "لا تقربوا"، وهذا الأسلوب في النهي فضلاً عمَّا يحمله من تأكيد، فإنَّه يوضِّح أنَّ هناك مقدِّمات تجرُّ إلى الزنا ينبغي تجنبها وعدم مقاربتها.
فالشيطان لا يُوقِع الإنسان المسلم بالفاحشة والذنب الكبير بشكل فوري دفعي، بل له مكائد ومقدّمات يستعملها لإيقاع الإنسان في حباله وشراكه.
لذلك يقول القرآن الكريم محذِّراً من حيل الشيطان:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"(4).
فالشيطان يتّبع مع الإنسان سياسة الخطوة خطوة حتى يوقعه في الانحراف الكبير.
فعبارة خطوات الشيطان توحي إلى أنَّ الانحرافات تدخل ساحة الإنسان بشكل تدريجي لا دفعي فوري. فتلوُّث شاب بالقمار أو شرب الخمر أو الزنا مثلاً يتم على مراحل وعبر مقدِّمات.
وسنشير إلى بعض المقدِّمات والخطوات الشيطانية التي يمكن أن تُوقِع في الفاحشة.
1- مكافحة السفور
إنَّ سفور النساء وما يرافقه من تجمُّل وتزيُّن هي ساحة خصبة لإبليس وجنوده، ويفقد الإنسان المناعة والإرادة، فيصبح صيداً سهلاً، ويسقط أمام تحديات الهوى وتزييف الدنيا. ومن هنا كان تأكيد الإسلام على وجوب حجاب النساء في كثير من آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول والأئمة عليه السلام.
يقول تعالى: "... وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ..."(5).
2- غضُّ البصر
يقول تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ..."(6).
عن الإمام الباقر عليه السلام قال:"استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يقنعن خلف آذانهن، فنظر إليها وهي مقبلة، فلما جازت نظر إليها ودخل زقاق... فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره، فقال: والله لآتينَّ رسول الله صلى الله عليه وآله ولأخبرنَّه، قال: فأتاه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: ما هذا فأخبره، فهبط جبرائيل عليه السلام بهذه الآية"(7).
من المعلوم أنَّ البصر رسول للعقل والقلب، فإذا طهر البصر طهر صاحباه والعكس صحيح أيضاً.
لذلك نهى الإسلام عن النظر بريبة على كلِّ من الرجال والنساء؛ ليكون ذلك وقاية من الوقوع في الشرك الأكبر وهو الفاحشة.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "النظر سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه"(8).
3- تحريم الخلوة بالأجنبية
وقد حرّم الإسلام الخلوة بالأجنبية حتى إذا كان مشغولاً بالعبادة، مع احتمال الوقوع في الحرام والخوف من ذلك.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيت في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم"(9).
وعن أبي عبد الله عليه السلام: "فيما أخذ الرسول صلى الله عليه وآله البيعة على النساء أن لا يقعدن مع الرجل في الخلاء".
والمراد بالخلاء أن يكون المكان بنحو لا يمكن للغير دخوله كالغرفة التي أغلق بابها، أو البيت الذي لا يستطيع أحد دخوله والوجود فيه.
4- الاختلاط
ينبغي على الرجال والنساء الإحتياط كثيراً من الاختلاط حتى لا يكون مقدِّمة للوقوع في شرك الشيطان.
ومن هنا نلاحظ الكثير من التوصيات الإسلامية تؤكِّد ضرورة الاحتياط في الاختلاط.
في وصية الإمام علي عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: "واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدّة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن، وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل"(10).
وينقل أنَّ النبي صلى الله عليه وآله أيام حياته المباركة أشار إلى اتخاذ باب خاص من المسجد للنساء وآخر للرجال. وأشار على أحد الأبواب وقال: "لو تركنا هذا الباب للنساء".
وينقل أيضاً أنَّ النبي صلى الله عليه وآله أمر بخروج النساء بعد صلاة العشاء من المسجد قبل الرجال. ولأجل ذلك أيضاً أمر الرسول صلى الله عليه وآله أن يسير الرجال وسط الطريق وتسير النساء على حافة الطريق. ولقد شاهد رسول الله صلى الله عليه وآله النساء والرجال يخرجون معاً من المسجد فخاطب النساء بالصبر والتريث حتى خروج الرجال، وأمرهنَّ بالمشي على حافة الجادة، على أن يمشي الرجال في وسطها(11).
5- البيئة السليمة
هناك الكثير من المحرمات التي تجعل الإنسان إذا إرتكبها ـ والعياذ بالله ـ يقف على حافة الزنا، ويمكن أن يهوي فيه في أي لحظة.
مثل: نشر الصور الخلاعية والأفلام المثيرة للشهوات، والقصص والروايات المنحرفة، وافتتاح أمكنة الفساد والملاهي.
ولا ريب في أنَّ البيئة الإسلامية يجب أن تكون طاهرة سليمة من هذه الأمور التي تجر أفرادها إلى مهاوي الفساد وظلماته، وتدفع بالشباب والشابات نحو الانحطاط الخلقي والرذيلة.
علينا أن نلتزم بالبيئة الإلهية لا الشيطانية، فنبقى في أجواء المسجد والدعاء وتلاوة القرآن، ومصادقة الصالحين...
6- الترغيب في زواج يسير التكاليف
يقول تعالى: "وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ..."(12).
أشارت الآيات إلى أهم طرق لمكافحة الفحشاء، ألا وهو الزواج اليسير الذي يتم بعيداً عن أجواء الرياء والبذخ، لأنَّ إشباع الغرائز بشكل سليم وشرعي خير سبيل لإقتلاع جذور الذنوب، ولكن أحياناً بالرغم من بذل الجميع جهودهم لتهيئة مستلزمات زواج إنسان ما لا يفلحون في ذلك، مما يضطره إلى مضي فترة من الزمن محروماً من الزواج، ولكي لا يُظنُّ أنَّ إقدامه على الفساد أمرٌ مباحٌ تقتضيه الضرورة أسرعت الآية التالية لتأمره بالطهارة والعفة فقالت: "وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ".
فلسفة تحريم الزنا
يمكن الإشارة إلى خمسة عوامل في فلسفة تحريم الزنا وهي:
1- شياع حالة الفوضى في النظام العائلي، وانقطاع العلاقة بين الأبناء والآباء، هذه الرابطة التي تختص بكونها سبباً للتعارف الاجتماعي، بل إنها تكون سبباً لصيانة الأبناء، ووضع أسس المحبة الدائمة في مراحل العمر المختلفة، والتي هي ضمانة الحفاظ على الأبناء.
إنَّ العلاقات الاجتماعية القائمة في أساس العلاقات العائلية ستتعرض للانهيار والتصدع إذا شاع وجود الأبناء غير الشرعيين (أبناء الزنا)، وللمرء أن يتصور مصير الأبناء فيما إذا كانوا ثمرة للزنا، ومقدار العناء الذين يتحملونه في حياتهم من لحظة الولادة وحتى الكبر.
وعلاوة على ذلك، فإنهم سيحرمون من الحب الأسري الذي يعتبر عاملاً في الحد من الجريمة، وحينئذ يتحول المجتمع الإنساني بالزنا إلى مجتمع حيواني تغزوه الجريمة والقساوة والأحقاد والكراهية من كل جانب.
2- الإنحرافات الجنسية تقترن عادة بأبشع ألوان الجرائم والجنايات. وما يذكر في هذا الصدد من القصص من الجرائم والانحرافات المنبعثة عن مراكز الفحشاء في المجتمعات يوضح هذه الحقيقة.
3- لقد أثبت العلم أنَّ إشاعة الزنا سبب لكثير من الأمراض مثل مرض الإيدز.
4- إنَّ شياع الزنا غالباً ما يؤدي إلى محاولة إسقاط الجنين وقطع النسل، وسلب الرحمة وعاطفة الأمومة من قلوب النساء الزانيات. فضلاً عن إصابتهن بكثير من الأمراض والعقد النفسية.
5- يجب أن لا ننسى أنَّ هدف الزواج ليس إشباع الغريزة وحسب، بل المشاركة في تأسيس الحياة على أساس تحقيق الاستقرار الفكري والروحي للزوجين، وأما تربية الأولاد والتعامل مع قضايا الحياة، فهي آثار طبيعية للزواج، وكل هذه الأمور لا يمكن لها أن تثمر من دون قطع دابر الزنا.
وفي هذه الروايات إشارة إلى بعض مفاسد الزنا:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا كثر الزنا بعدي كثر موت الفجأة"(13).
وعنه صلى الله عليه وآله: "الزنا يورث الفقر ويدع الديار بلاقع"( بلاقع: جمع بلقع وهي الأرض القفر التي لا نبات لها ولا شيئ فيها)
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "حرّم الله الزنا، لما فيه من الفساد من قتل النفس وذهاب الأنساب وترك تربية الأطفال وفساد المواريث".
اللواط والسحاق
ماذا يقال في اللواط والسحاق!؟، وأي انحراف أسوء وأقبح من أن يترك الإنسان وسيلة توليد النسل وإنجاب الأطفال، وهو مقاربة الرجل للمرأة، والذي أودعه الله في كيان الإنسان بصورة غريزية طبيعية، ويعمد إلى الجنس الموافق، ويفعل بالتالي ما يخالف أساساً الفطرة، والتركيب الطبيعي للجسم والروح الإنسانيين، والغريزة السوية الصحيحة.
هذا وكما عبَّر القرآن الكريم عن الزنا بالفاحشة، كذلك عبَّر عن هذا العمل الشنيع كما في قوله تعالى: "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُون"(14).
ولأجل تهديد الآخرين عن الاقتراب من هذا العمل اللاإنساني، ذكَّر القرآن المجيد في سورة الأعراف وهود والنمل والعنكبون والقمر بقوم لوط، وكيفية عذابهم.
ومن تلك الآيات التي تشير إلى عذاب قوم لوط:
"فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ"(15).
والروايات في قبح هذا العمل كثيرة منها:
روي أنَّ عبداً قتل مولاه فجيء به إلى عمر فأمر بقتله، فدعاه علي عليه السلام فقال له: قتلت مولاك؟ فقال: نعم، قال: ولم قتلته؟ قال: غلبني على نفسي وآتاني في ذاتي، فقال علي عليه السلام لأولياء المقتول: أدفنتم وليكم؟ قالوا: نعم قال: ومتى دفنتموه؟ قالوا الساعة، فقال لعُمر احبس هذا الغلام ولا تحدث فيه حدثاً حتى تمر عليه ثلاثة أيام، ثم قال لأولياء المقتول: إذا مضت ثلاثة أيام فاحضروا، فلما مضت ثلاثة أيام حضروا فأخذ علي عليه السلام بيد عمر وخرجوا ثم وقفوا على قبر الرجل فقال علي عليه السلام لأوليائه هذا قبر صاحبكم؟ قالوا: نعم، قال: احفروا حتى انتهوا إلى اللحد، فقال اخرجوا ميتكم فنظروا إلى أكفانه في اللحد ولم يجدوه فأخبروه بذلك، فقال علي عليه السلام: الله أكبر والله ما كذبت ولا كُذبت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "من يعمل من أمتي عمل قوم لوط ثم يموت على ذلك فهو مؤجل إلى أن يوضع في لحده، فإذا وضع فيه، لم يمكث أكثر من ثلاث حتى تقذفه الأرض إلى جملة قوم لوط المهلكين فيحضر معهم"(16).
وعن الإمام الصادق عليه السلام، أنَّ رجلاً سأله: لمَ حرَّم الله اللواط؟ فقال عليه السلام: "من أجل أنه لو كان إتيان الغلام حلالاً لاستغنى الرجال عن النساء، وكان فيه قطع النسل وتعطيل الفروج وكان في إجازة ذلك فساد كبير"(17).
وعن الإمام الرضا عليه السلام: "علة تحريم الذكران للذكران، والإناث للإناث لما ركب في الإناث وما طبع عليه الذكران، ولما في إتيان الذكران للذكران والإناث للإناث من انقطاع النسل، وفساد التدبير، وخراب الدنيا"(18)
عقاب اللواط في الدنيا
ولشدّة قبح اللواط جُعل حدّه القتل، فمتى كان فاعل هذا القبيح عاقلاً بالغاً فإنه يُقتل، إما ضرباً بالسيف أو رجماً بالحجارة، أو الإحراق بالنار، أو إلقائه من جبل مع تكبيل يديه ورجليه، ويرجع إلى الحاكم الجامع للشرائط انتخاب أحد هذه الأنواع.
قذف المحصنة
من الذنوب الكبيرة القذف: وهو الإتهام بالزنا.
قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(19).
ويقول سبحانه: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"(20).
ذكر في الآية الشريفة ثلاثة أحكام: وجوب إجراء الحد، وعدم قبول شهادته، والحكم بفسقه.
هذا وحرمة قذف المحصنة يرمي إلى المحافظة على سمعة الناس وشرفهم، وإلى الحيلولة دون انتشار المفاسد الاجتماعية والأخلاقية التي يبتلى المجتمع بها عن هذا الطريق.
ولو ترك المفسدون يعملون ما يحلوا لهم، يسبّون ويتهمون الأشخاص والمجتمع متى شاءوا دون رادع، لتعرض شرف الناس وكرامتهم إلى الهتك، ولوصل الأمر بسبب هذه التهم الباطلة إلى وقوع الريبة بين الزوج وزوجته، وسوء ظن الأب بشرعية ولده. ويسيطر الشك وسوء الظن على المجتمع، وتروج الشائعات فتصيب الطاهرين أيضاً.
وهنا يستوجب العمل بحزم كبير مثلما عامل الإسلام هؤلاء المسيئين مروجي التهم والشائعات.
مهلك قوم لوط
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنَّه سأل جبرئيل عليه السلام: كيف كان مهلك قوم لوط؟ فقال: إنَّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظفون من الغائط ولا يتطهّرون من الجنابة بخلاء أشحَّاء على الطعام، وإنَّ لوطاً لبثَ فيهم ثلاثين سنةً، وإنَّما كان نازلاً عليهم ولم يكن منهم، ولا عشيرة له ولا قوم، وإنَّه دعاهم إلى الله تعالى وإلى الإيمان به واتباعه ونهاهم عن الفواحش، وحثَّهم على طاعة الله فلم يجيبوه، ولم يطيعوه، وإنَّ الله تعالى لمّا أراد عذابهم بعث إليهم رسلاً منذرين عذراً نذراً، فلمَّا عتوا عن أمره بعث إليهم ملائكة ليُخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين، فما وجدوا فيها غير بيتٍ من المسلمين فأخرجهم منها، وقالوا للوط: أسر بأهلك من هذه القرية الليلة بقطعٍ من الليل ولا يلتفت منكم أحد وأمضوا حيث تؤمرون، فلمّا انتصف الليل سار لوط ببناته، وتولّت امرأته مدبرةً فانقطعت إلى قومها تسعى بلوط وتخبرهم أنَّ لوطاً قد سار ببناته.
وإنَّه نوديت من تلقاء العرض لما طلع الفجر: يا جبرئيل حقَّ القول من الله بحتم عذاب قوم لوط، فاهبط إلى قرية قوم لوط وما حوت فاقلعها من تحت سبع أرضين، ثمَّ أعرج بها إلى السماء، فأوقفها حتى يأتيك أمرُ الجبَّار في قلبها، ودع منها آيةً بيِّنةً من منزل لوط عبرة للسيارة، فهبطت على أهل القرية الظالمين فضربت بجناحي الأيمن على ما حوى عليه شرقيّها وضربت بجناحي الأيسر على ما حوي عليه غربيُّها فاقتلعتها يا محمَّد من تحت سبع أرضين إلا منزل لوط آيةً للسيارة، ثم عرجت بها في خوافي جناحي حتّى أوقفتها حيث يسمع أهل السماء زقاء ديوكها ونباح كلابها، فلما طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش: يا جبرئيل إقلب القرية على القوم، فقلبتها عليهم حتى صار أسفلها أعلاها وأمطر الله عليهم حجارةً من سجيلٍ مسوَّمة عند ربك، وما هي يا محمَّد من الظالمين من أمتك ببعيد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل وأين كانت قريتهم من البلاد؟ فقال جبرئيل: كان موضع قريتهم في موضع بحيرة طبريَّة اليوم وهي في نواحي الشام فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أرأيتك حين قلبتها عليهم في أيِّ موضع من الأرضين وقعت القرية وأهلها؟ فقال: يا محمَّد وقعت فيما بين بحر الشام إلى مصر فصارت تلولاً في البحر.
المصادر :
1- الفرقان: 68.
2- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص208.
3- الإسراء: 32.
4- البقرة: 168 - 169.
5- النور: 31.
6- النور: 31.
7- وسائل الشيعة، مج14، ص39.
8- محمد الريشهري، ميزان الحكمة، ج4، ص3292.
9- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص217.
10- نهج البلاغة.
11- الحجاب، مطهري، ص153، الدار الإسلامية.
12- النور: 33.
13- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص208.
14- الأعراف: 80.
15- هود: 82 - 83.
16- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص226.
17- وسائل الشيعة، ج14، ص252.
18- بحار الأنوار، ج79، ص67.
19- النور: 23 - 24.
20- النور:
source : rasekhoon