عربي
Sunday 25th of August 2024
0
نفر 0

في حال المؤمن عند موته

في حال المؤمن عند موته

 قال النبي ص إن المؤمن إذا حضره الموت جاءت إليه ملائكة الرحمن بجريدة بيضاء فيقولون لنفسه اخرجي راضية مرضية إلى روح و ريحان و رب غير غضبان فتخرج كالطيب من المسك حتى يتناولها بعض من بعض فينتهي بها إلى باب السماء فيقول سكانها ما أطيب رائحة هذه النفس و كلما صعدوا بها من سماء إلى سماء قال أهلها مثل ذلك حتى يؤتى بها إلى الجنة مع أرواح المؤمنين فتستريح من غم الدنيا و أما الكافر فتأتيه ملائكة العذاب فيقولون لنفسه اخرجي كارهة مكروهة إلى عذاب الله و نكاله و رب عليك غضبان
 قال النبي ص أ ما ترون المحتضر يشخص ببصره قالوا بلى قال يتبع بصره نفسه
 و قال النبي ما من بيت إلا و ملك الموت يأتيه في كل يوم خمس مرات فإذا وجد الرجل قد انقطع أجله و نفد أكله ألقي عليه غم الموت فغشيته كرباته و غمرته غمراته فمن أهل بيته الناشرة شعرها و الضاربة وجهها و الباكية شجوها و الصارخة بويلها فيقول ملك الموت ويلكم فما الجزع و الفزع و الله ما أذهبت لواحد منكم رزقا و لا قربت له أجلا و لا أتيته حتى أمرت و لا قبضت روحه حتى استأمرت و إن لي فيكم عودة ثم عودة حتى لا يبقى منكم أحد ثم قال و الذي نفسي بيده لو يرون مكانه و يسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم و لبكوا على نفوسهم حتى إذا حمل الميت في نعشه رفرفت روحه فوق نعشه تنادي يا أهلي و يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي مال جمعته من حلة و من غير حلة و خلفته لكم فالمهنأ لكم و التبعة علي فاحذروا مثل ما قد نزل بي
و لقد أحسن القائل شعرا
         لقد لهوت و حد الموت في طلبي            و إن في الموت لي شغلا عن اللعب‌
            لو شمرت فكرتي فيما خلقت له            ما اشتد حرصي على الدنيا و لا طلبي‌
            

                         إرشادالقلوب ج : 1 ص : 63
و قال الوراق
         أبقيت مالك ميراثا لوارثه            فليت شعري ما أبقى لك المال‌
            القوم بعدك في حال يسرهم            فكيف بعدهم حالت بك الحال‌
            ملوا البكاء فما يبكيك من أحد            و استحكم القيل في الميراث و القال‌
            آنستهم العهد دنيا أقبلت لهم            و أدبرت عنك و الأيام أحوال‌
            
و قال آخر
         هون الدنيا و ما فيها عليك            و اجعل الهم لما بين يديك‌
            إن هذا الدهر يدنيك إلى            ملك الموت و يدنيه إليك‌
            فاجعل العدة ما عشت له            إنه يأتيك إحدى ليلتيك‌
            
 و قال سلمان ره أضحكني ثلاث و أبكاني ثلاث غافل و ليس بمغفول عنه و ضاحك ملاقيه و الموت يطلبه و مؤمل الدنيا و لا يدرى أجله و أبكاني فراق الأحبة و هول المطلع و الوقوف بين يدي الله تعالى لا أدري أ ساخط هو أم راض و اعلموا رحمكم الله إنما يتوقع الصحيح سقما يرديه و موته من البلاء يدنيه فكأنه لم يكن في الدنيا ساكن و إليها راكن نزل به الموت فأصبح بين أهله و ولده لا يفهم كلاما و لا يرد سلاما قد اصفر وجهه و شخص بصره و حشرج صدره و يبس ريقه و اضطربت أوصاله و قلقت أحشاؤه و الأحبة حوله يرى و لا يعرف و يسمع فلا يرد و ينادي فلا يجيب خلف القصور و خلت منه الدور و حمل إلى أعناق الرجال يسرعون به إلى محل الأموات و دار الخسران و بيت الوحدة و الغربة و الوحشة ثم قسموا أمواله و سكنوا داره و تزوجوا أزواجه و حصل هو برمسه فرحم الله من جعل الهم هما واحدا و أكل قوته و أحسن عمله و قصر أمله
 و روي أنه إذا حمل عدو الله إلى قبره نادى إلى من تبعه يا إخوتاه احذروا مثل ما قد وقعت فيه إني أشكو دنيا غرتني حتى إذا اطمأننت إليها وضعتني و أشكو إليكم إخلاء الهوى إذا وافقتهم تبرءوا مني و خذلوني و أشكو إليكم أولاد آثرتهم على نفسي و أسلموني و أشكو إليكم مالا كدحت في جمعه في البر و البحر و قاسيت الأهوال فأخذه أعدائي و صار وبالا علي و عاد نفعه لغيري و أصبحت مرتهنا به و أشكو إليكم‌

                         إرشادالقلوب ج : 1 ص : 64
بيت الوحدة و الوحشة و الظلمة و المساءلة عن الصغيرة و الكبيرة فاحذروا مثل ما قد نزل بي فوا طول بلائي و عظيم عنائي ما لي من شفيع و لا حميم
و كان رسول الله ص إذا دخل الجبانة يقول السلام عليكم أيها الأبدان البالية و العظام النخرة التي خرجت من الدنيا بحسراتها و حصلت منها برهنها اللهم أدخل عليهم روحا منك و سلاما منا و منك يا أرحم الراحمين
و قال عبد الله الجرهمي و كان من المعمرين تبعت يوما جنازة فخنقتني العبرة فأنشدت شعرا
         يا قلب إنك في الدنيا لمغرور            فاذكر و هل ينفعن اليوم تذكير
            فبينما المرء في الأحياء مغتبطا            إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
            يبكي الغريب عليه ليس يعرفه            و ذو قرابته في الحي مسرور
            فاسترزق الله خيرا ثم ارض به            فبينما العسر إذ دارت مياسير
            
و قال رجل من أصحاب الجنازة تعرف لمن هذا الشعر فقلت لا و الله فقال هو لصاحب هذه الجنازة و أنت غريب و تبكي عليه و أهله مسرورون بتركته فقال أبو العتاهية شعرا
         أرى الدنيا تجهز بانطلاق            مشمرة على قدم و ساق‌
            فلا الدنيا بباقية لحي            و لا حي على الدنيا بباق‌
            
و قال بعضهم محلة الأموات أبلغ العظات فزوروا القبور و اعتبروا النشور و رئي بعضهم يدخل المقبرة ليلا فينادي و يقول يا أهل القبور من أنتم ثم يجيب عن نفسه نحن الآباء و الأمهات و الإخوة و الأخوات نحن الأحباب و الجيران نحن الأصدقاء و الإخوان نحن الأحبة و الخلان طحننا البلى و أكلنا الثرى و أنشد بعضهم و قال
         خمدوا و ليس يجاب من ناداهم            هم موتى و كيف إجابة الموت‌
            
 و قال البراء بن عازب بينما نحن مع رسول الله ص إذ أبصر بجنازة تدفن فبادر إليها مسرعا حتى وقف عليها ثم بكى حتى بل ثوبه ثم التفت إلينا فقال يا إخوتي لمثل هذا فليعمل العاملون احذروا هذا و اعملوا له
و كتب بعضهم إلى‌

                         إرشادالقلوب ج : 1 ص : 65
ملك يعظه أيها الملك اعدل برعيتك و ارحم من تحت يديك و لا تتجبر عليهم و لا تعل قدرك و لا تنس قبرك الذي هو منتهى أمرك فإن الموت يأتيك و إن طال عمرك و الحساب أمامك و القيامة موعدك و قد كان هذا الأمر الذي أنت فيه بيد غيرك فلو بقي له لم يصل إليك و سينتقل عنك كما انتقل عنه و أنه لا يبقى لك و لا تبقى له فقدم لنفسك خيرا تجده محضرا و تزود من دار الغرور لدار الفرح و السرور و اعتبر بمن كان قبلك ممن خزن الأموال و جدد الإقلال و جمع الرجال فلم يستطع دفع المنية و لا رد الرزية فلا تغتر بدنيا دنية لم يرضها الله جزاء لأوليائه و لا عذابا لأعدائه و اعتبر بقوله القائل شعرا
         و كيف يلذ العيش من كان موقنا            بأن المنايا بغتة ستعاجله‌
            و كيف يلذ النوم من كان مؤمنا            بأن إله الخلق لا بد سائله‌
            و كيف يلذ العيش من كان صائرا            إلى جدث يبلي الثياب منازله‌
            و كيف يلذ النوم من أثبتوا له            مثاقيل أوزان الذي هو فاعله‌

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الزهراء تجسيد الرسالة الإلهية
البكاء على أهل البيت‏
أقوال المعصومين في القرآن
الثمرات الأخلاقية للايمان بالقدر
أفضلية فاطمة الزهراء (ع) في کتب أهل السنة(القسم ...
ذکری وفات صاحب الغدیر :قصص و کرامات العلامة ...
بحث حول غدير خم
الصحة النفسية في القرآن الكريم
في حال المؤمن عند موته
صفات و أعمال الذين في قلوبهم مرض

 
user comment