في العقل والعلم والتوحيد والعدل قال الإمام الصادق (عليه السلام) : حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب ، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحديث رسول الله قول الله عز وجل . أفتتح بحثي بكلام أمير البلغاء : سئل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : صف لنا العقل ؟ قال : العاقل الذي يضع الشيء في موضعه . وقالوا : صف لنا الأحمق ؟ قال : لقد فعلت .
أحمد بن إدريس . . . رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له (عليه السلام) : ما العقل ؟ قال : ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان . قال : قلت : فالذي كان في معاوية ؟ قال : تلك النكراء ، تلك الشيطنة ، وهي شبيهة بالعقل ، وليست بالعقل (1) .
عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : فلان من عبادته ودينه وفضله ؟ فقال (عليه السلام) : كيف عقله ؟ قلت : لا أدري ، فقال : إن الثواب على قدر العقل . إن رجلا من بني إسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر ، ظاهرة الماء ، وإن ملكا من الملائكة مر به فقال : يا رب ، أرني ثواب عبدك هذا . وأراه الله تعالى ذلك ، فاستقله ذلك الملك ، فأوحى الله تعالى إليه أن اصحبه ، فأتاه الملك بصورة إنسي فقال له : من أنت ؟ قال : رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك ، فكان معه يومه ذلك . فلما أصبح قال له الملك : إن مكانك لنزه وما يصلح إلا للعبادة . فقال له العابد : إن لمكاننا هذا عيبا ، فقال له : ما هو ؟ قال : ليس لربنا بهيمة ، فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع ، فإن هذا الحشيش يضيع ! ! فأوحى الله إلى الملك ، إنما أثيبه على قدر عقله (2) .
عن جميل بن دراج ، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول : أصل الإنسان لبه وعقله ودينه ومروته حيث يجعل نفسه ، والإيام دول ، والناس إلى آدم شرع سواء (3) .
عن إسحاق بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : من كان عاقلا كان له دين ، ومن كان له دين دخل الجنة (4) .. عن سماعة بن مهران ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه ، فجرى ذكر العقل والجهل فقال (عليه السلام) : اعرفوا العقل وجنده ، والجهل وجنده تهتدوا . قال سماعة : فقلت : جعلت فداك ، لا نعرف إلا ما عرفتنا . فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن الله عز وجل خلق العقل وهو أول خلقه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره . فقال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، فقال الله تبارك وتعالى : خلقتك خلقا عظيما وكرمتك على جميع خلقي . قال : ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانيا فقال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فلم يقبل ، فقال له : استكبرت ؟ فلقنه . . . الخ .
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : إذا أردت أن تختبر عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه في خلال حديثك بما لا يكون ، فإن أنكره فهو عاقل ، وإن صدقه فهو أحمق (5) .
قال الصادق (عليه السلام) : لا يلسع - لا يلدغ - العاقل من جحر مرتين (6) .
عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) ، قالا : لما خلق الله العقل قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحسن منك ، إياك آمر ، وإياك أنهى ، وإياك أثيب ، وإياك أعاقب (7) .
قال أبو عبد الله (عليه السلام) : أكمل الناس عقلا أحسنهم خلقا (8) .
عن حمران وصفوان بن مهران الجمال ، قالا : سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : لا غنى أخصب من العقل ، ولا فقر أحط من الحمق ، ولا استظهار في أمر بأكثر من المشورة فيه . العلم ومما حفظ عنه (عليه السلام) في وجوب المعرفة بالله تعالى وبدينه قوله : وجدت علم الناس كلهم في أربع : أولها : أن تعرف ربك . والثاني : أن تعرف ما صنع بك . والثالث : أن تعرف ما أراد منك . والرابع : أن تعرف ما يخرجك عن دينك . وهذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف ، لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله ، فإذا علم أن له إلها وجب أن يعرف صنعه إليه ، وإذا عرف نعمته وجب عليه شكره ، فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله ، وإذا وجبت عليه طاعته وجبت عليه معرفة ما يخرج عن دينه ليجتنبه فيخلص به طاعة ربه وشكر إنعامه . ومما حفظ عنه (عليه السلام) في الحكمة والموعظة قوله : ما كل من نوى شيئا قدر عليه ، ولا كل من قدر على شيء وفق له ، ولا كل من وفق أصاب له موضعا ، فإذا اجتمعت النية ، والقدرة ، والتوفيق ، والإصابة فهناك تمت السعادة . ومما حفظ عنه (عليه السلام) في الحث على التوبة ، قوله : تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والاجتراء على الذنب أمن من مكر الله ، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
قال أبو عبد الله (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : طلب العلم فريضة على كل مسلم ، ألا إن الله يحب بغاة العلم (9)
عن مسعدة بن زياد ، قال : سمعت جعفر بن محمد [الصادق] (عليه السلام) ، وقد سئل عن قوله تعالى : *(ولله الحجة البالغة)* قال : إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى للعبد : أكنت عالما ؟ فإن قال : نعم ، قال : أفلا عملت بما علمت ؟ وإن قال : كنت جاهلا ، قال له : أفلا تعلمت ؟ فتلك الحجة البالغة لله تعالى [على عباده] . عوالي اللآلي : قال الإمام الصادق (عليه السلام) : لو علم الناس ما في العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج (10) .
عن علي بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : تفقهوا في الدين فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي ، إن الله يقول في كتابه العزيز : *(ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)*(11) .
قال أبو عبد الله (عليه السلام) : أربعة لا يشبعن من أربعة :
الأرض من المطر ، والعين من النظر ، والأنثى من الذكر ، والعالم من العلم (12) .
عن أبي قتادة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنه قال : لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غاديا في حالتين : إما عالما أو متعلما ، فإن لم يفعل فرط ، فإن فرط ضيع ، فإن ضيع أثم ، وإن أثم سكن النار ، والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق (13) .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : يغدو الناس على ثلاث أصناف : عالم ومتعلم وغثاء ، فنحن العلماء ، وشيعتنا المتعلمون ، وسائر الناس غثاء (14) .
أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : الناس اثنان : عالم ومتعلم ، وسائر الناس همج ، والهمج في النار (15) .
علي بن إبراهيم . . . عن سفيان بن عيينة ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : وجدت العلم كله في أربع : أولها : أن تعرف ربك ، والثاني : أن تعرف ما صنع بك ، والثالث : أن تعرف ما أراد منك ، والرابع : أن تعرف ما يخرجك من دينك (16) . والأخبار فيما حفظ عنه (عليه السلام) من العلم والحكمة والبيان والحجة والزهد والموعظة أكثر من أن تحصى بالخطاب أو تحوى بالكتاب ، وفيما أثبتناه منها كفاية في الغرض الذي قصدناه ، والله الموفق للصواب . التوحيد اختلفت عقيدة معظم البشر في المبدأ والمعاد ووجود الخالق - خالق الأكوان - منذ أقدم العصور ، والقرآن الكريم يحدثنا عن المحاورات الواقعة بين الأنبياء وأممهم ، حول التوحيد والاعتقاد بوحدانية الخالق حتى في عصر بعثة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما صدع بالنذارة ، وأول نداء صدر منه (صلى الله عليه وآله وسلم) برفع شعار : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا . وهناك بعض المشركين يؤمنون بوجود الإله ، ولكنهم يعتبرون الصنم والوثن والشجر والحجر والبقر إلها ، أو يعتبر كل موجود إلها ، وهم القائلون بإلهين اثنين كما نهى القرآن الكريم بقوله : *(لا تتخذوا إلهين اثنين)* أو ثلاثة *(ولا تقولوا ثلاثة انتهوا)* . وهناك من أنكر وجود الإله نهائيا ، وهم الملاحدة والزنادقة وغيرهم .
وجوب معرفة الله وثواب الموحدين
عن محمد بن سماعة ، قال : سأل بعض أصحابنا الإمام الصادق (عليه السلام) فقال له : أخبرني أي الأعمال أفضل ؟ قال (عليه السلام) : توحيدك لربك . قال : فما أعظم الذنوب ؟ قال (عليه السلام) : تشبيهك لخالقك (17) .
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد [الصادق] (عليه السلام) ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول الله ، هل للجنة من ثمن ؟ قال : نعم . قال : ما ثمنها ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا إله إلا الله ، يقولها العبد الصالح مخلصا بها . قال : وما إخلاصها ؟ قال : العمل بما بعثت به في حقه ، وحب أهل بيتي . قال : [فداك أبي وأمي] و[إن] حب أهل البيت لمن حقها ؟
قال : أجل إن حبهم لأعظم حقها (18) .
عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : يا أبان ، إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث : من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة . قال : قلت له : إنه يأتيني كل صنف من الأصناف ، فأروي لهم هذا الحديث ؟ قال : نعم ، يا أبان ، إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين ، فيسلب [الله] منهم لا إله إلا الله ، إلا من كان على هذا الأمر (19) .
عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : من شهد أن لا إله إلا الله فليدخل الجنة . قال : قلت : فعلى م تخاصم الناس ، إذا كان من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ؟ فقال (عليه السلام) : إنه إذا كان يوم القيامة نسوها (20)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، عن أبيه ، عن جده (عليه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من مات لا يشرك بالله شيئا - أحسن أو أساء - دخل الجنة (21) .
عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قول الله عز وجل *(هو أهل التقوى وأهل المغفرة)* ، قال : قال الله تبارك وتعالى : أنا أهل أن اتقى ، ولا يشرك بي عبدي شيئا ، وأنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئا أن أدخله الجنة . وقال (عليه السلام) : إن الله سبحانه وتعالى أقسم بعزته وجلاله أن لا يعذب أهل التوحيد بالنار أبدا (22) . العدل يعتبر العدل الأصل الثاني من أصول الدين عند أهل البيت (عليهم السلام) ، وهو يناقض كل ما من شأنه نسبة الظلم إلى الله سبحانه وتعالى ، كالجبر والتفويض ، والعقاب بلا بيان . وبعبارة أخرى : العدل هو العلم بتنزيه الباري جل وعلا عن فعل القبيح - بكل ما للقبيح من معنى - وتنزيهه عن الإخلال بالواجب ، الذي أوجبه سبحانه على نفسه ، وهو ما يسمى عند المتكلمين ب (قاعدة اللطف) التي يعتقد بها مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم من شيعتهم ، ولعل بعض المذاهب لا تلتزم بها .
وإليك شرحا موجزا لقاعدة اللطف ، فنقول : معنى اللطف - في هذا المقام - هو الذي يقرب إلى الطاعة ، ويبعد عن المعصية . ومظاهر اللطف الإلهي كثيرة ، منها : إنزال الكتب السماوية ، وإرسال الرسل ، وتعيين الأئمة والحجج من بعدهم ، وبيان التكاليف الشرعية . ومن أنواع اللطف : إتمام الحجة على المكلفين ، فلا يمكن أن يعذب الله أحدا قبل أن يبين له ما يجب عليه ، والعقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان ، فكيف يصدر عقاب من الله عز وجل بدون أن يبين التكاليف الواجبة على المكلفين وهو ظلم صريح ؟ سبحانه وتعالى من ذلك علوا كبيرا . كما قال تعالى في كتابه المجيد : *(وما ربك بظلام للعبيد)*(23) ، وقال : *(وما ظلمناهم)*(24) ، وقال : *(ولا يظلم ربك أحدا)*(25) ، هذا ما كان من العقل . وأما ما كان من الشرع ، فإليك بعض الآيات التي تصرح بها الحجة عليهم : *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*(26) ، وقال تعالى : *(ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون)*(27) ، *(وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)*(28) . وبعد استعراض هذه الآيات ، يتضح لنا بعض معنى اللطف الذي تقدم الكلام عنه . وأما معنى الوجوب في قولنا : يجب على الله اللطف فليس معناه الوجوب الشرعي ، بأن يوجب المخلوق على الخالق ويحكم عليه أن يلطف بعباده ، كلا بل معناه : الوجوب العقلي وهو إدراك العقل حسن شيء وقبح شيء آخر . مثلا : العقل يحكم بحسن أداء الأمانة ، والإحسان ، والوفاء بالوعد ، وأمثال ذلك . وكذلك العقل يحكم بقبح الخيانة ، والظلم ، وخلف الوعد ، وتعذيب من لا يستحق العذاب ، وأمثال ذلك . ولقد ورد في القرآن الكريم ما يشبه كلمة - الوجوب - على الله تعالى ، كقوله عز شأنه : *(كتب على نفسه الرحمة)*(29) ، و*(كتب ربكم على نفسه الرحمة)*(30) ، وقوله تعالى : *(وكان حقا علينا نصر المؤمنين)*(31) ، أي أوجب على نفسه إيجابا مؤكدا ، وقيل : أوجب على نفسه الثواب لمن أطاعه . ومن هذا المنطلق ينكشف بطلان مذهب الجبر ، الذي يسلب القدرة من العبد في أفعاله ، ويسندها إلى الله سبحانه . فإذا كان العبد مسلوب القدرة فكيف يأمر الله تعالى بشيء خارج عن قدرة العبد ؟ وإذا كانت أفعال العبد خارجة عن إرادته وقدرته ، فبماذا يستحق العقاب يوم القيامة ، مع العلم أنه لم يفعل شيئا بإرادته ، وإنما إرادة الله القاهرة هي التي صارت سببا لصدور تلك الأفعال . وبعد هذه المقدمة الموجزة ، نذكر الأحاديث التي رويت عن الإمام الصادق (عليه السلام) حول العدل الإلهي وما يدور في ملكه .
عن أبي عبد الله [الصادق] (عليه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من زعم أن الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله ، ومن زعم أن الخير والشر بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه ، ومن زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله ، ومن كذب على الله أدخله الله النار (32) . يعني بالخير والشر الصحة والمرض ، وذلك قوله عز من قائل : *(ونبلوكم بالشر والخير فتنة)*(33) .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : الناس في القدر على ثلاثة أوجه : رجل يزعم أن الله عز وجل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله عز وجل في حكمه فهو كافر . ورجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم فهذا قد وهن الله في سلطانه فهو كافر . ورجل يقول : إن الله عز وجل كلف العباد ما يطيقون ، ولم يكلفهم ما لا يطيقون ، فإذا أحسن حمد الله ، وإذا أساء استغفر الله ، فهذا مسلم بالغ ، والله الموفق (34)
قال الصادق (عليه السلام) لهشام بن الحكم : ألا أعطيك جملة في العدل والتوحيد ؟ قال : بلى ، جعلت فداك . قال (عليه السلام) : من العدل أن لا تتهمه ، ومن التوحيد أن لا تتوهمه (35) .
سئل الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن القضاء والقدر . فقال (عليه السلام) : ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو منه ، وما لم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل الله . يقول الله تعالى للعبد : لم عصيت ؟ لم فسقت ؟ لم شربت الخمر ؟ لم زنيت ؟ فهذا فعل العبد . ولا يقول له : لم مرضت ؟ لم علوت ؟ لم قصرت ؟ لم ابيضيت ؟ لم اسوددت ؟ لأنه فعل الله تعالى (36) . كنز الفوائد : مما حفظ عن الصادق (عليه السلام) قوله لزرارة بن أعين : يا زرارة ، أعطيك جملة في القضاء والقدر ؟ قال زرارة ، نعم ، جعلت فداك . قال (عليه السلام) :إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم (37)
عن إسماعيل بن جابر ، قال : كان في مسجد المدينة رجل يتكلم في القدر ، والناس مجتمعون ، قال : فقلت : يا هذا ، أسألك ؟ قال : سل . قلت : يكون في ملك الله تبارك وتعالى ما لا يريد ؟ قال : فأطرق طويلا ثم رفع رأسه إلي فقال : يا هذا لئن قلت : إنه يكون في ملكه ما لا يريد إنه لمقهور ، ولئن قلت : لا يكون في ملكه إلا ما يريد أقررت لك بالمعاصي . قال : فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : سألت هذا القدري فكان من جوابه كذا وكذا . فقال (عليه السلام) : لنفسه نظر ، أما لو قال غير ما قال لهلك (38) .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قال له رجل : جعلت فداك ، أجبر الله العباد على المعاصي ؟ فقال (عليه السلام) : الله أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها . فقال له : جعلت فداك ، ففوض الله إلى العباد ؟ فقال (عليه السلام) : لو فوض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهي . فقال له : جعلت فداك ، فبينهما منزلة ؟ فقال (عليه السلام) : نعم أوسع ما بين السماء والأرض - وفي رواية أخرى بنفس المصدر - لا جبر ولا قدر [أي تفويض] ولكن منزلة بينهما ، فيها الحق التي بينهما لا يعلمها إلا العالم ، أو من علمها إياه العالم (39)
في حديث طويل ، اجتمع أحد علماء القدرية بالإمام الصادق (عليه السلام) . قال القدري لأبي عبد الله (عليه السلام) : سل عما شئت ؟ فقال له (عليه السلام) : إقرأ سورة الحمد ؟ فجعل القدري يقرأ سورة الحمد حتى بلغ قوله تعالى : *(إياك نعبد وإياك نستعين)* ، فقال له الإمام : قف ، من تستعين ؟ وما حاجتك إلى المعونة ؟ إن كان الأمر لك . فبهت الذي كفر ، وافحم ، والله لا يهدي القوم الظالمين (40) . ذكرت هذا الحديث بالمعنى ملخصا وليس بالنص .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين ؟ قال (عليه السلام) : مثل ذلك رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية ، فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية (41) . وعنه (عليه السلام) ، قال : الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون ، والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد (42)
عن حسين بن نعيم الصحاف ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : لم يكن الرجل عند الله مؤمنا قد ثبت له الإيمان عنده ثم ينقله الله بعد من الإيمان إلى الكفر ؟ قال : فقال (عليه السلام) : إن الله عز وجل هو العدل ، إنما دعا العباد إلى الإيمان به لا إلى الكفر ، ولا يدعو أحدا إلى الكفر به ، فمن آمن بالله ثم ثبت له الإيمان عند الله لم ينقله الله عز وجل [بعد ذلك] من الإيمان إلى الكفر . قلت : فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عند الله ثم ينقله بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان ؟ قال : فقال (عليه السلام) : إن الله عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود ، ثم بعث الله الرسل يدعون العباد إلى الإيمان به ، فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهده الله (43) . وهناك أحاديث وروايات كثيرة تنيف على الثلثمائة حديث ورواية ، اقتصرت على ما تقدم روما للاختصار .
المصادر :
1- الكافي 1 : 11 ، الحديث 3
2- الكافي 1 : 11 ، الحديث 8 . وأمالي الصدوق : 341 ، الحديث 6
3- أمالي الصدوق : 199 ، الحديث 9 . منه البحار 1 : 82
4- الكافي 1 : 11 ، الحديث 6
5- الإختصاص : 245 ، منه البحار 1 : 131
6- نفس المصدر . الجحر : ثقب تسكن فيه الحية أو العقرب
7- المحاسن : 192 ، الحديث 5 . منه البحار 1 : 8
8- الكافي 1 : 28 ، الحديث 33
9- الكافي 1 : 30 ، الحديث الأول
10- عوالي اللآلي 4 : 61 ، الحديث 9 . ومنه البحار 1 : 177
11- الكافي 1 : 31 ، الحديث 6
12- الخصال : 221 ، الحديث 47 و48
13- أمالي الطوسي 2 : 310
14- الكافي 1 : 34 ، الحديث 4
15- الخصال : 39 ، الحديث 22 . المراد من الهمج ، هم الذين ليس لهم اتجاه مبدئي معين في عقائدهم وأعمالهم ، أتباع كل ناعق ، ويميلون مع كل ريح
16- الكافي 1 : 50 ، الحديث 11
17- أمالي الطوسي 2 : 299
18- أمالي الطوسي 2 : 196
19- المحاسن : 32 ، الحديث 23 . عنه البحار 3 : 12 ، قوله (عليه السلام) : على هذا الأمر ، أي من شيعتنا ، شيعة أهل البيت .
20- المحاسن : 181 ، الحديث 172 . عن البحار 3 : 12 . أي ينسى كلمة لا إله إلا الله الذي لم يدخل الإيمان قلبه
21- التوحيد : 19 ، الحديث 5 .
22- التوحيد : 19 ، الحديث 6
23- فصلت : 46 .
24- هود : 101 .
25- الكهف : 49 .
26- الرعد : 7 .
27- القصص : 7 .
28- فاطر : 24
29- الأنعام : 12 .
30- الأنعام : 54 .
31- الروم : 47
32- الكافي 1 : 158 ، الحديث 6
33- الأنبياء : 35 .
34- ثواب الأعمال : 252 ، الحديث 3
35- إعلام الورى : 318 .
36- الطرائف : 330 .
37- كنز الفوائد 1 : 367
38- الكافي 1 : 158 ، الحديث 7 .
39- الكافي 1 : 158 و159 ، الحديث 8 و10 و11
40- تفسير العياشي 1 : 23 ، الحديث 24 .
41- الكافي 1 : 160 ، الحديث 13 .
42- الكافي 1 : 160 ، الحديث 14
43- الكافي 2 : 416 ، الحديث الأول
source : rasekhoon