كرامة
أهل البيت (ع) لا يشفعون لشيعتهم ومحبيهم عند الله فحسب بل أنهم يشفعون لأقارب شيعتهم وعشاقهم والسائرين على خطاهم.
كان الآخوند ملا محمد الكاشى من العرفاء والفلاسفة وكان دائم العبادة لله يسبح الله فى الأسحار وكان من الأولياء.
وقد تربى فى ظلاله وتخرج من مدرسته شخصيات معروفة من بينهم الشهيد السيد حسن المدرس، الحاج مرتضى الطالقانى، الحاج رحيم أرباب وآية الله العظمى السيد جمال الدين الگلبايگانى، وآية الله العظمى البروجردى.
كان يوماً جالساً خارج حجرته فى مدرسة الصدر وكان يومها طالباً فى تلك المدرسة، فجاءه رجل من عشائر بختيار وهم قوم من اللر وكانت مشكلته لا يرزق طفلًا فقيل له أن حلّ مشكلته عند الكاشى فى مدرسة الصدر، فجاء إليه وقال له: ادع الله أن يرزقنى ولداً
فقال له الآخوند: لا استطيع أن أفعل لك شيئاً فليس عندى من
______________________________
(1) كيمياء المحبّة.
الكرامة عند الله أن أطلب منه ذلك يا أخا اللر، فلو أن صورتى الحقيقية علقت فى مرحاض المدرسة ما ذهب أحد إلى ذلك المرحاض.
ولكن الرجل اللرى أصرّ وألحّ، فلما رأى الكاشى أن الرجل مصرّ على طلبه أراد أن يتخلص منه فقال له: أحضر جرّة وأملأها من حوض المدرسة هذا واشرب منه أنت وزوجتك فإن الله إذا شاء سيرزقكما بطفل.
وبنية صافية وقلب مطمئن نفذ ما طلبه منه الآخوند، فلما كان العام القادم إذا به يأتى حاملًا طفلًا رضيعاً طالباً من الآخود، أن يؤذن فى أذنه، أجل: فوالله ما أحبهم أحد إلّا ربح الدنيا والآخرة «1».
عن ابى بكير عن أبى عبدالله (ع) قال: من كان يحبّنا وهو فى موضع لا يشينه فهو من خالص الله تبارك وتعالى، قلت: جعلت فداك وما الموضع الذى لا يشينه؟ قال: لا يرمى فى مولده.
عن أحمد بن المبارك قال: قال رجل لأبى عبدالله (ع): حديث يروى أنّ رجلًا قال لأمير المؤمنين (ع): إنّى أحبك، فقال له: أعدّ للفقر جلباباً، فقال: ليس هكذا قال، إنّما قال له: أعددت لفاقتك جلباباً، يعنى يوم القيامة.
وعن ثعلبة عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: إنّ الرجل ليخرج من منزله إلى حاجته فيرجع وما ذكر الله عزّ وجل فتملأ صحيفته حسنات قال: فقلت: وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال: يمرُّ بالقوم ويذكرونا أهل البيت فيقولون: كفّوا فإنّ هذا يحبّهم فيقول الملك لصاحبه: أكتب هيبة آل محمد فى فلان اليوم.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): ولايتى وولاية أهل
بيتى أمان من النار.
______________________________
(1) ينابيع المودة: 2/ 332؛ بحار الأنوار: 27/ 116 باب 4 ح 92.
وعن أبى قدامة الفدّانىّ قال: قال رسول الله (ص): مَنْ مَنّ الله عليه بمعرفة أهل بيتى وولايتهم فقد جمع الله له الخير كلّه.
وعن أبى بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): من أقام فرائض الله واجتنب محارم الله وأحسن الولاية لأهل بيت نبىّ الله وتبرّأ من أعداء الله عزّ وجلّ فليدخل من أىّ أبواب الجنّة الثمانية شاء.
وعن ابن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (ع): سمعت رسول الله (ص) يقول: أنا سيّد ولد آدم وأنت يا علىّ والأئمة من بعدك سادات أُمتى، من أحبّنا فقد أحبّ الله ومن أبغضنا فقد أبغض الله، ومن والانا فقد والى الله ومن عادانا فقد عادى الله ومن أطاعنا فقد أطاع الله ومن عصانا فقد عصى الله.
قال أمير المؤمنين (ع): من تمسّك بنا لحق ومن سلك غير طريقنا غرق، لمحبّينا أفواج من رحمة الله ولمبغضينا أفواج من غضب الله.
وقال (ع): من أحبّنا بقلبه وأعاننا بلسانه وقاتل معنا أعداءنا بيده فهو معنا فى درجتنا، ومن أحبّنا بقلبه وأعاننا بلسانه ولم يقاتل معنا أعداءنا فهو أسفل من ذلك بدرجة، ومن أحبّنا بقلبه ولم يعنّا بلسانه ولا بيده فهو فى الجنّة ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده فهو مع عدوّنا فى النار، ومن أبغضنا بقلبه ولم يعن علينا بلسانه ولا بيده فهو فى النار.
قال (ع): أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، والله لا يحبّنى إلا مؤمن ولا يبغضنى إلّا منافق.
وعن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (ص): من أحبّ علياً فى حياتى وبعد موتى كتب الله عزّ وجلّ له الأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن أبغضه فى حياتى
وبعد موتى مات ميتة جاهليّة وحوسب بما عمل.
وعن أمير المؤمنين (ع) قال: ستُّ خصال من كنَّ فيه كان بين يدى الله وعن يمينه: إنّ الله يحبّ المرء المسلم الذى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه ويناصحه الولاية ويعرف فضلى ويطأ عقبى وينتظر عاقبتى.
ويحتمل أن يكون المراد بالعاقبة هنا الولد أو آخر الأولاد فإنّ العاقبة تكون بمعنى الولد، وآخر كلّ شىء كما ذكره الفيروزآبادى فيكون المراد انتظار الفرج بظهور القائم (عج).
وروى بكر بن صالح عن أبى الحسن الرضا (ع) قال: من سرّه أن ينظر إلى الله بغير حجاب وينظر الله إليه بغير حجاب فليتولّ آل محمد وليتبرأ من عدوّهم وليأتمّ بإمام المؤمنين منهم، فإنّه إذا كان يوم القيامة نظر الله إليه بغير حجاب ونظر إلى الله بغير حجاب.
وعن المفضّل عن أبى عبدالله (ع) قال: من أحبَّ أهل البيت وحقّق حبّنا فى قلبه جرت ينابيع الحكمة على لسانه وجدّد الإيمان فى قلبه وجدّد له عمل سبعين نبيّاً وسبعين صدّيقاً وسبعين شهيداً وعمل سبعين عابداً عبد الله سبعين سنة.
وعن بشر بن غالب عن الحسين بن على (ع) قال: قال لى: يا بشر بن غالب من أحبّنا لا يحبّنا إلّا لله جئنا نحن وهو كهاتين وقدّر بين سبّابتيه ومن أحبّنا لا يحبّنا إلّا للدنيا فإنّه إذا قام قائم العدل وسع عدله البرّ والفاجر.
وروى أبو طالب الحسين بن عبدالله بن بنان الطائىُّ قال: سمعت أبا منصور بن عبدالرزّاق يقول لحاكم طوس المعروف بالبيوردى: هل لك ولد؟ فقال: لا، فقال له أبو منصور: لم لا تقصد مشهد الرضا (ع) وتدعو الله عنده حتى يرزقك ولداً؟ فإنّى سألت الله تعالى هناك فى حوائج فقضيت لى؟ قال الحاكم: فقصدت المشهد على ساكنه السلام ودعوت الله تعالى عند الرضا (ع) أن يرزقنى ولداً
فرزقنى الله عزَّ وجلّ ولداً ذكراً فجئت إلى أبى منصور بن عبدالرزاق
وأخبرته باستجابة الله تعالى لى فى المشهد فوهب لى وأعطانى وأكرمنى على ذلك.
وقال الصدوق (رحمة الله): لمّا استأذنت الأمير السعيد ركن الدوّلة فى زيارة مشهد الرضا (ع) أذن لى فى ذلك فى رجب من سنة اثنتين وخمسين وثلاث مائة فلمّا انقلبت عنه ردَّنى فقال لى: هذا مشهد مبارك قد زرته وسألت الله تعالى حوائج كانت فى نفسى فقضاها لى فلا تقصر فى الدعاء لى هناك والزيارة عنّى، فإنَّ الدعاء فيه مستجاب فضمنت ذلك له ووفيت به، فلمّا عدت من المشهد على ساكنة التحية والسلام، ودخلت إليه، قال لى: هل دعوت لنا وزرت عنّا؟ فقلت: نعم، فقال: قد أحسنت فقد صحَّ لى أنَّ الدعاء فى ذلك المشهد مستجاب «1».
وروى أبو نصر أحمد بن الحسين الضبّى وما لقيت أنصب منه وبلغ من نصبه أنّه كان يقول اللهم صلِّ على محمد فرداً وامتنع من الصلاة على آله قال سمعت أبا بكر الحمامىّ الفرّاء فى سكّة حرب بنيسابور وكان من أصحاب الحديث يقول: أودعنى بعض الناس وديعة فدفنتها، ونسيت موضعها، فلمّا أتى على ذلك مدّة جاءنى صاحب الوديعة يطالبنى بها فلم أعرف موضعها، وتحيّرت واتّهمنى صاحب الوديعة، فخرجت من بيتى مغموماً متحيراً ورأيت جماعة من الناس يتوجّهون إلى مشهد الرضا (ع): فخرجت معهم إلى المشهد، وزرت ودعوت الله أن يبيّن لى موضع الوديعة.
فرأيت هناك فيما يرى النائم: كأنَّ آت أتانى فقال لى: دفنت الوديعة فى موضع كذا وكذا، فرجعت إلى صاحب الوديعة، فأرشدته إلى ذلك الموضع الذى رأيته فى المنام، وأنا غير مصدِّق بما رأيت،
فقصد صاحب الوديعة ذلك المكان فحفره واستخرج منه الوديعة
______________________________
(1) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 279.
بختم صاحبها، فكان الرَّجل بعد ذلك يحدِّث الناس بهذا الحديث، ويحثّهم على زيارة هذا المشهد على ساكنه التحية والسلام «1».
وروى أبو جعفر محمد بن أبى القاسم بن محمّد بن الفضل التميمىُّ الهروىُّ (رحمة الله) قال: سمعت أبا الحسن بن الحسن القهستانى قال: كنت بمرو الرُّود فلقيت بها رجلًا من أهل مصر مجتازاً اسمه حمزة، فذكر أنّه خرج من مصر زائراً إلى مشهد الرضا (ع) بطوس وأنّه لمّا دخل المشهد، كان قرب غروب الشمس فزار وصلّى ولم يكن ذلك اليوم زائراً غيره، فلمّا صلّى العتمة أراد خادم القبر أن يخرجه ويغلق الباب فسأله أن يغلق عليه الباب ويدعه فى المشهد ليصلّى فيه، فإنّه جاء من بلد شاسع ولا يخرجه، وأنّه لا حاجة له فى الخروج، فتركه وغلق عليه الباب وأنّه كان يصلّى وحده إلى أن أعيى فجلس ووضع رأسه على ركبتيه يستريح ساعة فلمّا رفع رأسه رأى فى الجدار مواجهة وجهه رقعة عليها هذان البيتان:
من سرَّه أن يرى قبراً برؤيته |
يفرِّج الله عمّن زاره كربه |
|
فليأت ذا القبر إنَّ الله أسكنه |
سلالة من نبىِّ الله منتجبه |
|
قال: فقمت وأخذت فى الصلاة إلى وقت السحر، ثمَّ جلست كجلستى الأولى ووضعت رأسى على ركبتى، فلمّا رفعت رأسى لم أر ما على الجدار شيئاً، وكان الذى أراه مكتوباً رطباً كأنّه كتب فى تلك الساعة، قال: فانفلق الصبح وفتح الباب.
قال: فكنت أسمع صوتاً بالقرآن كما أقرأ فقطعت صلاتى وزرت المشهد كلّه، وطلبت نواحيه، فلم أر أحداً فعدت إلى مكانى وأخذت فى القراءة من أوَّل القرآن فكنت أسمع الصوت كما أقرأ لا
ينقطع، فسكتُّ هنيئة وأصغيت بأُذنى فإذا الصوت من القبر فكنت
______________________________
(1) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 279 و 280.
أسمع مثل ما أقرأ حتى بلغت آخر سورة مريم (س) فقرأت يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً ويساق المجرمون إلى جهنّم ورداً «1» حتى ختمت القرآن وختم.
فلمّا أصحبت رجعت إلى نوقان فسألت من بها من المقرئين عن هذه القراءة فقالوا: هذا فى اللفظ والمعنى مستقيم لكن لا نعرف فى قراءة أحد، قال: فرجعت إلى نيسابور فسألت من بها من المقرئين عن هذه القراءة، فقلت: من قرأ يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً ويساق المجرمون إلى جهنّم ورداً؟ فقال لى: من أين جئت بهذا؟ فقلت: وقع لى احتياج إلى معرفتها فى أمر حدث، فقال: هذه قراءة رسول الله (ص) من رواية أهل البيت (ع) ثمَّ استحكانى السبب الذى من أجله سألت عن هذه القراءة، فقصصت عليه القصّة، وصحّت لى القراءة «2».
وروى أبو علىّ محمد بن أحمد المعاذىُّ قال: حدَّثنا أبو الحسن محمد بن أبى عبدالله الهروىُّ قال: حضر المشهد رجل من أهل بلخ ومعه مملوك له فزار هو ومملوكه الرضا (ع) وقام الرجل عند رأسه يصلّى ومملوكه عند رجليه فلمّا فرغا من صلاتهما سجدا فأطالا سجودهما فرفع الرَّجل رأسه من السجود قبل المملوك، ودعا بالمملوك، فرفع رأسه من السجود وقال: لبّيك يا مولاى فقال له: تريد الحرِّيِّة؟ فقال: نعم، فقال: أنت حرٌّ لوجه الله تعالى ومملوكتى فلانة ببلخ حرَّة لوجه الله وقد زوَّجتها منك بكذا وكذا من الصداق، وضمنت لها ذلك عنك وضيعتى الفلانيّة وقف عليكما وعلى أولادكما وأولاد أولادكما ما تناسلوا بشهادة هذا الإمام (ع).
فبكى الغلام وحلف بالله عزَّ وجلَّ وبالإمام أنّه ما كان يسأل فى
______________________________
(1) سورة مريم: 85 و 86.
(2) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 282.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض للاستاذ العلامة حسین انصاریان ، ص: 442
سجوده إلّا هذه الحاجة بعينها، وقد تعرَّفت الإجابة من الله عزَّ وجلَّ بهذه السرعة «1».
وحدّث أبو علىّ محمد بن أحمد المعاذىُّ قال: حدثَّنا أبو النصر المؤذِّن النيسابورىُّ قال: أصابتنى علّة شديدة ثقل منها لسانى، فلم أقدر على الكلام فخطر ببالى أن أزور الرِّضا (ع) وأدعو الله عنده وأجعله شفيعى إليه، حتّى يعافينى من علّتى ويطلق لسانى، فركبت حماراً وقصدت المشهد وزرت الرضا (ع) وقمت عند رأسه وصلّيت ركعتين، وسجدت وكنت فى الدُّعاء والتضرُّع مستشفعاً بصاحب هذا القبر إلى الله عزَّ وجلَّ أن يعافينى من علّتى ويحلَّ عقدة لسانى.
فذهب بى النوم فى سجودى فرأيت فى المنام كأنَّ القبر قد انفرج، وخرج منه رجل كهل آدم شديد الأدمة، فدنا منّى وقال لى: يا أبا النصر قل لا إله إلا الله قال: فأومأت إليه كيف أقول ذلك ولسانى منغلق فصاح علىَّ صيحة، فقال: تنكر لله قدرة؟ قل لا إله إلّا الله قال: فانطلق لسانى، فقلت: لا إله إلّا الله، ورجعت إلى منزلى راجلًا وكنت أقول: لا إله إلا الله، وانطلق لسانى ولم ينغلق بعد ذلك «2».
10 ن: حدَّثنا أبو علىّ محمّد بن أحمد المعاذىُّ قال: سمعت أبا النصر المؤذِّن يقول: امتلأ السّيل يوماً سناباد وكان الوادى أعلى من المشهد فأقبل السِّيل حتّى إذا قرب من المشهد خفنا على المشهد منه فارتفع بإذن الله وقدرته عزَّ وجلَّ ووقع فى قناة أعلى من الوادى، ولم يقع فى المشهد منه شىء «3».
______________________________
(1) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 282.
(2) المصدر السابق: ص 283.
(3) المصدر السابق نفسه.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض للاستاذ العلامة حسین انصاریان ص: 442