يمکن ان نتطلع الی القسط والعدل في اي یوم و اي زمان ونحب ان يکون ذلک في زماننا هذا لان لو سبقنا لما افادنا ولو جاء بعدنا فما ينفعنا .. لکن هناک امر مرعب يسبق القسط والعدل وهو الظلم والجور ، وفي ايامنا هذه اختلطت علينا مفاهيم هذه المفردات وصرنا لانفرق بدقة بينها او لا يهمنا ما تکون ..
الظلم والجور
الظلم هو: وضع الشىء فى غير موضعه، وقال فى لسان العرب:
ومن امثال العرب فى الشبه: من استرعى الذئب فقد ظلم، واصل الظلم الجور ومجاوزه الحد، ومنه حديث الوضوء: (فمن زاد او نقص، فقد اساء وظلم)، اى اساء الادب بتركه السنه والتادب بادب الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب من ترداد المرات فى الوضوء، وفى التنزيل: (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن) (1) قال ابن عباس:
اى لم يخلطوا ايمانهم بشرك، والظلم: الميل عن القصد.
والعرب تقول: الزم هذا الصوب ولا تظلم عنه، اى لا تجر عنه، وقوله تعالى: (ان الشرك لظلم عظيم) «لقمان: 13»، يعنى ان اللّه-تعالى- هو المحيى المميت، الرازق المنعم وحده لا شريك له، فاذا اشرك به غيره، فذلك اعظم الظلم، لانه جعل النعمه لغير ربها(2).
وبينت الدعوة الخاتمة ان الافتراء على اللّه كذبا، والتكذيب باياته او الاعراض عنها، والصد عن سبيله -سبحانه- من اعظم الظلم، لان الظلم يعظم بعظمه من يتعلق به، واذا اختص بجنب اللّه كان اشد الظلم، واخبر -سبحانه- فى كتابه بانه اهلك القرون الاولى لما ظلموا، ووعد -سبحانه- رسله بهلاك الظالمين، قال تعالى: (فاوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين* ولنسكننكم الارض من بعدهم) (3)
وبالنظر الى المسيره البشريه، تجد ان الظلم، فى نهايه المطاف، تدثر باكثر من دثار من حرير وزخرف، واصبح له عقائد وثقافات وقوانين، تشرف عليها حكومات وهيئات وجمعيات، والخارج عن هذه العقائد والقوانين هو فى نظر هذه الدول والموسسات، خارج عن الحق، يستحق التاديب بواسطه الاساطيل او السجون، او بالتجويع تاره وبالتخويف تاره اخرى.
وبالنظر الى مسيره الشعوب فى عصرنا هذا، نجد للوثنيه اعلاما، وهذه الوثنيه استترت وراء التقدم العلمى والاختراعات الحديثه، وقد يكون التقدم مفيدا فى عالم الماده، ولكن اذا كان للدنيا عمل، فلا بد ان يستقيم هذا العمل مع الزاد الفطرى، ولقد ذم القرآن الكريم الذين لا يذعنون بيوم الحساب، ويعملون للدنيا بسلوكهم الطريق الذى يغذى التمتع بالدنيا الماديه فحسب، قال تعالى: (الا لعنه اللّه على الظالمين* الذين يصدون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجا وهم بالاخره هم كافرون) (4).
فالايه فسرت من هم الظالمون، وبينت انهم الذين يصدون عن الدين الحق ولا يتبعون مله الفطرة، وبالاخره هم كافرون، وهذه الوثنيه لها جماعاتها وموسساتها وبنوكها التى تمول مخططاتها.
وبالنظر الى مسيره بنى اسرائيل، نجد انها انتجت فى عصرنا الحاضر عنكبوتا ضخما تختفى وراء خيوطه العديد من موسسات الظلم والجور، التى تعمل على امتداد التاريخ من اجل تغذيه الامل، الذى حلم به بنو اسرائيل ليلا طويلا، وهو مملكه داود، وعاء العهد الابراهيمى، وراء هذه الخيوط تختفى جمعيات مسيحيه تعمل من اجل ذات الهدف، نظرا لان المسيحيه الحاضره خرجت من تحت عباءه بولس، الذى ادعى انه اوحى اليه، وهو لم ير المسيح، ولم يكن من تلاميذه، ولقد وضعه القرآن وامثاله تحت سقف الظلم، فى قوله تعالى: (ومن اظلم ممن افترى على اللّه كذبا او قال اوحى الى ولم يوح اليه شىء ومن قال سانزل مثل ما انزل اللّه) (5)، وهذه الجمعيات التى تعمل ظاهره او من وراء ستار، لها موسساتها وبنوكها واساطيلها التى تمول وتحمى مخططاتها واهدافها.
وبالنظر الى المسيره الخاتمة، نجد ان الظالمين فيها قد اخذوا بذيول الذين من قبلهم واتبعوهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، ومن اتبع احدا يصل معه الى حيث يصل، وما اللّه بظلام للعبيد.
وفى ما يلى سنلقى ضوءا على جذور بعض الحركات وفروعها التى عليها بصمه الظلم والجور، لتظهر جذورها الفكريه والعقائديه، ومواقع انتشارها ونفوذها، ويرى الحاضر كيف يتقدم الظلم الى الخلف من اجل تنفيذ اهداف ما انزل اللّه بها من سلطان.
مسيرات وثنيه
ا- البوذيه
اسسها سدهار تاجوتاما الملقب ببوذا (560-480 ق.م)، ونشا بوذا فى بلده على حدود نيبال، ويعتقد البوذيون ان بوذا هو ابن اللّه، وهو المخلص للبشريه من ماسيها والامةا، وانه يتحمل عنهم جميع خطاياهم، ويعتقدون ان تجسد بوذا كان بواسطه حلول روح القدس على العذراء مايا، ويعتقدون ان بوذا سيدخلهم الجنه، وانه صعد الى السماء بجسده بعد ان اكمل مهمته على الارض، ويومنون برجعه بوذا ثانيه الى الارض ليعيد السلام والبركه اليها، ويعتقدون انه ترك فرائض ملزمه للبشر الى يوم القيامه، والصلاه عندهم تودى الى اجتماعات يحضرها عدد كبير من الاتباع، والديانه البوذيه منتشره بين عدد كبير من الشعوب الاسيويه، وهى مذهبان كبيران:
المذهب الشمالى، وقد غالى اهله فى بوذا حتى الهوه، والمذهب الجنوبى، وهولاء معتقداتهم اقل غلوا فى بوذا، وكتبهم منسوبه الى بوذا او حكايات لافعاله سجلها بعض اتباعه.
ب- الهندوسيه
الهندوسيه: ديانه وثنيه يعتنقها معظم اهل الهند، لا يوجد لها موسس معين، ولا يعرف لمعظم كتبها مولفون معينون، فقد تم تشكيل الديانه، وكذلك الكتب، عبر مراحل طويله من الزمن، وقيل: ان الاريين الغزاه الذين قدموا الى الهند فى القرن الخامس عشر قبل الميلاد هم الموسسون الاوائل للديانه الهندوسيه، وللديانه عده آلهه، ولكل منطقه اله، ولكل عمل او ظاهره اله، ولا يوجد عندهم توحيد بالمعنى الدقيق، لكنهم اذا اقبلوا على اله من الالهه اقبلوا عليه بكل جوارحهم حتى تختفى عن اعينهم كل الالهه الاخرى، ويقولون بان لكل طبيعه -نافعه او ضاره- الها يعبد، كالماء والهواء والانهار والجبال..، ويلتقى الهندوس على تقديس البقره، ويعتقدون بان آلهتهم قد حلت فى انسان اسمه كرشنا، وقد التقى فيه الاله بالانسان، او حل اللاهوت فى الناسوت، وهم يتحدثون عن كرشنا كما يتحدث النصارى عن المسيح.
وكانت الديانه الهندوسيه تحكم شبه القاره الهنديه، ولكن المسافه الشاسعه بين المسلمين والهندوس، فى نظريتهما الى الكون والحياة، والى البقره التى يعبدها الهندوس ويذبحها المسلمون وياكلون لحمها، كان ذلك سببا فى حدوث التقسيم، حيث اعلن عن قيام دوله الباكستان بجزءيها الشرقى والغربى، والذى معظمه من المسلمين، وبقاء دوله هنديه معظم سكانها من الهندوس، والمسلمون فيها اقليه كبيره.
ج - السيخيه
السيخ: مجموعه دينيه من الهنود الذين ظهروا فى نهايه القرن الخامس عشر وبدايه القرن السادس عشر الميلادى داعين الى دين جديد، فيه شىء من الديانتين الاسلاميه والهندوسيه، تحت شعار (لا هندوس ولا مسلمون)، ولقد عادوا المسلمين -خلال تاريخهم- بشكل عنيف، كما عادوا الهندوس بهدف الحصول على وطن خاص بهم، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء الشديد للبريطانيين خلال فتره استعمار الهند.
وموسس السيخيه الاول ناناك، ولد سنه 1469م فى قريه بالقرب من لاهور، وكان محبا للاسلام من ناحيه، مشدودا الى تربيته وجذوره الهندوسيه من ناحيه اخرى، مما دفعه لان يعمل على التقريب بين الديانتين، ويقال ان ناناك لم يكن الاول فى مذهبه السيخى هذا، وانما سبقه اليه شخص آخر اسمه كبير (1440 1518م)، درس الدين الاسلامى والهندوكى، وكان حلقه اتصال بين الدينين، وكان كبير يتساهل فى قبول كثير من العقائد الهندوكيه ويضمها الى الاسلام شريطه بقاء التوحيد، لكنه لم يفلح اذ انقرض مذهبه بموته مخلفا مجموعه اشعار تظهر تمازج العقيدتين المختلفتين الهندوسيه والاسلاميه، مرتبطتين برباط صوفى يجمع بينهما.
وللسيخ بلد مقدس يعقدون فيه اجتماعاتهم المهمه، وهو مدينه امرتيسار من اعمال البنجاب، وقد دخلت عند التقسيم فى ارض الهند، واكثريه السيخ تقطن البنجاب، اذ يعيش فيها 85% منهم، ولهم لجنه تجتمع كل عام منذ سنه 1908م، تنشى المدارس، وتعمل على انشاء كراسى فى الجامعات لتدريس ديانه السيخ ونشر تاريخها، ويقدر عدد السيخ حاليا بحوالى 15 مليون نسمه داخل الهند وخارجها.
د- الكونفوشيوسيه
الكونفوشيوسيه: ديانه اهل الصين، يعتبر الكونفوشيوس (551 ق.م) الموسس الحقيقى لهذه العقيده، ويعتقدون بالاله الاعظم، او اله السماء، ويتوجهون اليه بالعباده، وتقديم القرابين اليه مخصوصه بالملك او بامراء المقاطعات، ويعتقدون ان للارض الها، يعبده عامه الصينيين، ويعتقدون ان لكل من الشمس والقمر والكواكب والسحاب والجبال الها، وعبادتها وتقديم القرابين اليها مخصوصه بالامراء، كما انهم يقدسون الملائكه ويقدمون اليها القرابين، ويقدسون ارواح اجدادهم الاقدمين، ويعتقدون ببقاء الارواح، والقرابين عباره عن موائد يدخلون بها السرور على تلك الارواح بانواع الموسيقى، ويوجد فى كل بيت معبد لارواح الاموات ولالهه المنزل، وتنتشر الكونفوشيه فى الصين، وزالت هذه الديانه عام 1949م عن المسرحين السياسى والدينى، لكنها ما تزال كامنه فى روح الشعب الصينى، الامر الذى يودى الى تغيير ملامح الشيوعيه الماركسيه فى الصين، وما تزال الكونفوشيه ماثله فى النظم الاجتماعيه فى فرموزا (الصين الوطنيه)، وانتشرت -كذلك- فى كوريا واليابان، وهى من الاسس الرئيسيه التى تشكل الاخلاق فى معظم دول شرقى آسيا وجنوبها الشرقى فى العصرين الوسيط والحديث.
مسيرات عنكبوتيهخلفت المسيره الاسرائيليه
من ورائها، ابشع بيوت الظلم والجور، وهذه البيوت خرج منها الوقود الذى اشعل معظم الصراعات التى دارت على امتداد عصرنا الحديث وغذاها، ونذكر من هذه البيوت:
الف - الماسونيه
والماسونيه لغه معناها: البناوون الاحرار، وهى فى الاصطلاح:
منظمه يهوديه سريه ارهابيه غامضه، محكمه التنظيم، تهدف الى ضمان سيطره اليهود على العالم، وتدعو الى الالحاد والاباحيه والفساد، جل اعضائها من الشخصيات المرموقه فى العالم، يوثقهم عهد بحفظ الاسرار، ويقومون بما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتكليف بالمهام.
واختلف فى تاريخ ظهور الماسونيه لتكتيمها الشديد، والراجح انها ظهرت سنه 43م، وسميت (القوه الخفيه)، وهدفها التنكيل بالنصارى واغتيالهم وتشريدهم، ومنع دين المسيح من الانتشار، وكانت تسمى فى عهد التاسيس القوه الخفيه، ومنذ بضعه قرون تسمت بالماسونيه، لتتخذ من نقابه البنائين الاحرار لافته تعمل من خلالها، واهم افكارهم ومعتقداتهم: انهم يكفرون باللّه ورسله وكتبه وبكل الغيبيات، ويعملون على تقويص الاديان، واسقاط الحكومات الشرعيه، والغاء انظمه الحكم الوطنيه فى البلاد المختلفه، والسيطره عليها، واباحه الجنس، واستعمال المراه كوسيله للسيطره، والعمل على تقسيم غير اليهود الى امم متنابذه تتصارع بشكل دائم، وبث سموم النزاع داخل البلد الواحد، واحياء روح الاقليات الطائفيه العنصريه، والعمل على السيطره على روساء الدول لضمان تنفيذ اهدافهم التدميريه، والسيطره على الشخصيات البارزه فى مختلف الاختصاصات لتكون اعمالهم متكامله، والسيطره على اجهزه الدعايه والصحافه والنشر والاعلام، واستخدامها كسلاح فتاك شديد الفاعليه، والسيطره على المنظمات الدوليه، كمنظمه الامم المتحده للتربيه والعلوم والثقافه، ومنظمات الارصاد الدوليه، ومنظمات الطلبه والشباب والشابات فى العالم.
والماسونيه لها محافل فى كل العالم تقريبا، وبيدها اكثر موارد الاقتصاد ووسائل الانتاج فى العالم، ولهم عصابات ارهابيه لتنفيذ العمليات الاجراميه للتخلص من كل من يقف فى طريقهم عن قصد او عن غير قصد، ويتبع الماسونيه مجموعه نواد ذات طابع خيرى اجتماعى فى الظاهر، لكنها لا تعدو ان تكون واحده من المنظمات العالميه التابعه للماسونيه التى تديرها اصابع يهوديه، بغيه افساد العالم والسيطره عليه، ومن هذه النوادى الليونز، وله نواد فى امريكا واوروبا وكثير من بلدان العالم، ومركزه الرئيسى فى اوك بروك بولايه الينوى فى الولايات المتحده الامريكيه، ويتجلى النشاط الظاهرى لليونز فى: الدعوة الى الاخاء والحريه والمساواه، وتنميه روح الصداقه بين الافراد بعيدا عن الروابط العقيديه، ودعم المشروعات الخيريه، ودعم مشروعات الامم المتحده، وتقديم الخدمات الى البيئه المحليه، والاهتمام بالرفاهيه الاجتماعيه، ونشر المعارف بكل الوسائل الممكنه، ولا يستطيع اى شخص ان يقدم طلب انتساب اليهم، وانما هم الذين يرشحونه ويعرضون عليه ذلك.
ومن ذلك ايضا نادى الروتارى، وهو منظمه ماسونيه، تسيطر عليه اليهوديه العالميه، ومن افكار الروتارى ومعتقداته: عدم اعتبار الدين مساله ذات قيمه، لا فى اختيار العضو ولا فى العلاقه بين الاعضاء، ولا يوجد اى اعتبار لمساله الوطن، واسقاط الدين يوفر الحمايه لليهود ويسهل تغلغلهم فى الانشطه الحياتيه كافه، وهذا يتضح من ضروره وجود يهودى واحد او اثنين على الاقل فى كل ناد، وباب العضويه غير مفتوح لكل الناس، ولكن على الشخص ان ينتظر دعوه النادى للانضمام اليه على حسب مبدا الاختيار، والعمال محرومون من عضويه النادى، ولا يختار الا من يكون ذا مكانه عاليه. وبدات انديه الروتارى فى امريكا سنه 1905م، وانتقلت بعدها الى بريطانيا والى عدد من الدول الاوروبيه، ومن ثم صار لها فروع فى معظم دول العالم، ولها نواد فى عدد من الدول العربيه، كمصر والاردن وتونس والجزائر وليبيا والمغرب ولبنان، وتعد بيروت مركز جمعيات الشرق الاوسط. وتختلف الماسونيه عن الروتارى فى ان قياده الماسونيه وراسها مجهولان، على عكس الروتارى الذى يمكن معرفه اصوله وموسسيه، والروتارى وما يماثله من النوادى مثل: الليونز، الكيوانى، ابناء العهد، يعمل فى نطاق المخططات اليهوديه من خلال سيطره الماسون عليها، والذين هم بدورهم مرتبطون باليهوديه العالميه نظريا وعمليا-.
ب-الصهيونيه
الصهيونيه: حركه سياسيه عنصريه متطرفه، ترمى الى اقامه دوله اليهود التى تحكم من خلالها العالم كله، وتكون عاصمتها اورشاليم، وارتبطت الحركه الصهيونيه باليهودى النمساوى هرتزل، الذى يعد الداعيه الاول للفكر الصهيونى، الذى تقوم على آرائه الحركه الصهيونيه فى العالم، وتعتبر الصهيونيه جميع يهود العالم اعضاء فى جنسيه واحده هى الجنسيه الاسرائيليه، ويعتقدون ان اليهود هم العنصر الممتاز الذى يجب ان يسود، وكل الشعوب الاخرى خدم لهم، ويقولون: لا بد من اغراق الامميين فى الرذائل بتدبيرنا من طريق من نهيئهم لذلك من اساتذه وخدم وحاضنات ونساء ملاهى، ويرون ان السياسه نقيض للاخلاق، ولا بد فيها من المكر والرياء، اما الفضائل والصدق فهى رذائل فى عرف السياسه، ويقولون: يجب ان نستخدم الرشوه والخديعه والخيانه دون تردد ما دامت تحقق ماربنا، ويقولون: ننادى بشعارات (الحريه، والمساواه، والاخاء) لينخدع بها الناس، ويهتفوا بها، وينساقوا وراء ما نريد لهم، ويقولون: سنعمل على دفع الزعماء الى قبضتنا، وسيكون تعينهم فى ايدينا، واختيارهم حسب وفره انصبتهم من الاخلاق الدنيئه وحب الزعامه وقلة الخبره، ويقولون: سنسيطر على الصحافه، تلك القوى الفعاله التى توجه العالم نحو ما نريد، ويقولون: لا بد ان نفتعل الازمات الاقتصاديه لكى يخضع لنا الجميع بفضل الذهب الذى احتكرناه، ويقولون: ان كلمه الحريه تدفع الجماهير الى الصراع مع اللّه، ومقاومه سنته، فلنشعها هى وامثالها الى ان تصبح السلطه فى ايدينا، ويقولون: لنا قوه خفيه لا يستطيع احد تدميرها، تعمل فى صمت وخفاء وجبروت، ويتغير اعضاوها على الدوام، وهى كفيله بتوجيه حكام الامميين كما نريد.
ومن المنظمات التى خرجت من عباءه الصهيونيه: منظمه شهود يهوه، وهى منظمه تقوم على سريه التنظيم وعلنيه الفكره، دينيه وسياسيه، ظهرت فى امريكا فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، وهى تدعى انها مسيحيه، والواقع انها واقعه تحت سيطره اليهود وتعمل لحسابهم، وهى تعرف باسم جمعيه العالم الجديد، الى جانب شهود يهوه الذى عرفت به ابتداء من سنه 1931م، وتومن هذه المنظمه بعيسى رئيسا لمملكه اللّه، ويعملون من اجل اقامه دوله دينيه دنيويه للسيطره على العالم، ويقتطفون من الكتاب المقدس الاجزاء التى تحبب باسرائيل واليهود، ويقومون بنشرها، ويعادون النظم الوضعيه ويدعون الى التمرد، ويعادون الاديان الا اليهوديه، وجميع روسائهم يهود، ويعترفون بقداسه الكتب التى يعترف بها اليهود ويقدسونها، ولهذه المنظمه علاقه مع المنظمات التبشيريه، والمنظمات الشيوعيه والاشتراكيه الدوليه، ولهم علاقه كبيره مع اهل النفوذ من اليونانيين والارمن. وخرجت من تحت عباءه اليهوديه بعض التيارات الفكريه منها:
1) العلمانيه
وهى دعوه الى اقامه الحياة على غير الدين، وتعنى فى جانبها السياسى بالذات اللادينيه فى الحكم، وهى اصطلاح لا صله له بكلمه العلم، والمذهب العلمى، ومن افكار هذا التيار ومعتقداته، ان بعضهم ينكر وجود اللّه اصلا، والبعض الاخر يومن بوجوده، لكنهم يعتقدون بعدم وجود اى علاقه بين اللّه وبين حياه الانسان، ويعتقدون ان الحياة تقوم على اساس العلم المطلق، وتحت سلطان العقل والتجريب، ويقولون بفصل الدين عن السياسه، واقامه الحياة على اساس مادى، وينادون بتطبيق مبدا النفعيه على كل شىء فى الحياة، واعتماد مبدا (الميكيافيليه) فى الفلسفه، والحكم، والسياسه والاخلاق، ولقد رشح هذا التيار على العالم الاسلامى، وانتشر بفضل الاستعمار والتبشير، وقام دعاته فى العالم العربى والاسلامى بالطعن فى حقيقه الاسلام والقرآن والنبوه، وزعموا بان الاسلام استنفذ اغراضه، وهو عباره عن طقوس وشعائر روحيه، وزعموا بان الاسلام لا يتلاءم مع الحضاره ويدعو الى التخلف.
2) التغريب
وخرج دعاته من تحت العباءه اليهوديه، والتغريب تيار كبير ذو ابعاد سياسيه واجتماعيه وثقافيه وفنيه، ويرمى الى صبغ حياه الامم والمسلمين -بخاصه- بالاسلوب الغربى، وذلك بهدف الغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفرده، وجعلهم اسرى التبعيه الكامله للحضاره الغربيه، ولقد استطاعت حركه التغريب ان تتغلغل الى كل بلاد العالم الاسلامى، والى كل البلاد المشرقيه على امل بسط بصمات الحضاره الغربيه الماديه الحديثه على هذه البلاد، وربطها بالعجله الغربيه، ولم يخل بلد اسلامى او مشرقى من هذا التيار. ويضاف الى هذه التيارات تيار الوجوديه، وهو تيار فلسفى، يكفر اتباعه باللّه ورسله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاءت به الاديان، ويعتبرونها عوائق امام الانسان نحو المستقبل، وقد اتخذوا الالحاد مبدا، ووصلوا الى ما يتبع ذلك من نتائج مدمره، ومن اشهر زعماء هذا التيار جان بول سارتر الفرنسى، المولود سنه 1905م، وهو ملحد ويناصر الصهيونيه، وانتشرت افكار هذا التيار بين المراهقين والمراهقات فى فرنسا والمانيا والسويد والنمسا وانجلترا وامريكا وغيرها، حيث ادت الى الفوضى الخلقيه، والاباحيه الجنسيه، واللامبالاه بالاعراف الاجتماعيه والاديان.
ويضاف الى ذلك الفرويديه، وهى مدرسه فى التحليل النفسى، اسسها اليهودى سيجموند فرويد، وهى تفسر السلوك الانسانى تفسيرا جنسيا، وتجعل الجنس هو الدافع وراء كل شىء، كما انها تعتبر القيم والعقائد حواجز وعوائق تقف امام الاشباع الجنسى، مما يورث الانسان عقدا وامراضا نفسيه، ولم ترد فى كتب فرويد وتحليلاته ايه دعوى صريحه للانحلال كما يتبادر الى الذهن، وانما كانت هناك ايماءات تحليليه كثيره تتخلل المفاهيم الفرويديه، تدعو الى ذلك، وقد استفاد الاعلام الصهيونى من هذه المفاهيم لتقديمها على نحو يغرى الناس بالتحلل من القيم، وييسر لهم سبله بعيدا عن تعذيب الضمير.
واستغل اليهود المذهب الراسمالى، والراسماليه: نظام اقتصادى ذو فلسفه اجتماعيه وسياسيه، يقوم على اساس تنميه الملكيه الفرديه والمحافظه عليها، متوسعا فى مفهوم الحريه، ولقد ذاق العلم بسببه ويلات كثيره، وما تزال الراسماليه تمارس ضغوطها وتدخلها السياسى والاجتماعى والثقافى، وترمى بثقلةا على مختلف شعوب الارض، وتقوم الراسماليه - فى جذورها- على شىء من فلسفه الرومان القديمه، ويظهر ذلك فى رغبتها فى امتلاك القوه، وبسط النفوذ والسيطره، ولقد تطورت متنقلة من الاقطاع الى البرجوازيه الى الراسماليه، وخلال ذلك اكتسبت افكارا ومبادى مختلفه، تصب فى تيار التوجه نحو تعزيز الملكيه الفرديه والدعوة الى الحريه، ولا يعنى الراسماليه من القوانين الاخلاقيه الا ما يحقق لها المنفعه، ولا سيما الاقتصاديه منها على وجه الخصوص، وتدعو الراسماليه الى الحريه، وتتبنى الدفاع عنها، لكن الحريه السياسيه تحولت الى حريه اخلاقيه واجتماعيه، ثم تحولت بدورها الى اباحيه، وازدهرت الراسماليه فى انجلترا وفرنسا والمانيا واليابان وامريكا، والى معظم العالم الغربى، وكثير من دول العالم يعيش فى جو من التبعيه لها، ووقف النظام الراسمالى الى جانب اسرائيل دعما وتاييدا بشكل مباشر او غير مباشر.
ووضع اليهود بصماتهم على المذهب الشيوعى، وهو مذهب فكرى يقوم على الالحاد، وان الماده هى اساس كل شىء، ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادى، وظهر المذهب على يد ماركس اليهودى الالمانى (1818-1883م)، وتجسد فى الثوره البلشفيه التى ظهرت فى روسيا سنه 1917م، بتخطيط من اليهود، وتوسعت الثوره على حساب غيرها بالحديد والنار، وقد تضرر المسلمون منها كثيرا، وافكار هذا المذهب ومعتقداته تقوم على: انكار وجود اللّه وكل الغيبيات، وقالوا بان الماده هى اساس كل شىء، وفسروا تاريخ البشريه بالصراع بين البرجوازيه والبروليتاريا، وقالوا: ان الصراع سينتهى بدكتاتوريه البروليتاريا، وحاربوا الاديان واعتبروها وسيله لتخدير الشعوب، مستثنين من ذلك اليهوديه، لان اليهود شعب مظلوم!! وحاربوا الملكيه الفرديه، وقالوا بشيوعيه الاموال والغاء الوراثه، ولم تستطع الشيوعيه اخفاء تواطئها مع اليهود، وعملها لتحقيق اهدافهم، فقد صدر منذ الاسبوع الاول للثوره قرار ذو شقين بحق اليهود:
ا- يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامى يعاقب عليه القانون.
ب- الاعتراف بحق اليهود فى انشاء وطن قومى فى فلسطين.
وهكذا وضع اليهود المسيره البشريه بين مذهبين اقتصاديين، يعارض كل منهما الاخر، ليشتد الصراع على امتداد المسيره، مع احتفاظ اليهود بثمرات كل مذهب، وثمرات الصراع القائم بينهما.
ج- التبشير
وادلى النصارى بدلوهم على المسيره البشريه، وخرجت قوافل التبشير المختلفه الاسماء المتحده الهدف، ومن افكار هذه القوافل ومعتقداتها: محاربه الوحده الاسلاميه، وتشويه التعاليم الاسلاميه، ونشر النصرانيه بين الامم المختلفه فى دول العالم الثالث بعامه، وبين المسلمين بخاصه، بهدف احكام السيطره على هذه الشعوب، وتتلقى قوافل التنصير الدعم الدولى الهائل من اوروبا وامريكا، ومن مختلف الكنائس والهيئات والجامعات والموسسات العالميه، والقى التنصير بثقلة حول العالم الاسلامى، ويتمركز فى اندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش والباكستان، وفى افريقيا بعامه، من التيارات التبشيريه التى يتبناها اليهود، طائفة المورمون، وتلبس لباس الدعوة الى دين المسيح، وتنادى بالعوده الى الاصل، اى الى كتاب اليهود، ويعتقدون بان اللّه اعطى وعده لابراهيم، ومن ثم لابنه يعقوب، بان من ذريته سيكون شعب اللّه المختار، وكتابهم يشبه التلمود فى كل شىء، وكانه نسخه طبق الاصل عنه(240)، وموسس هذه الجماعه: يوسف سميث، ولد عام 1805م بمدينه شارون بمقاطعه وندسور التابعه لولايه فرمنت، ولقد جندت اسرائيل كل امكاناتها لخدمه هذه الطائفة، وآمن بفكر هذه الطائفة كثير من النصارى، وكان دعاتها من الشباب المتحمس، وقد بلغ عدد افرادها اكثر من خمسه ملايين نسمه، 80% منهم فى امريكا، ويتمركزون فى ولايه اوتاه حيث ان 68% من سكان هذه الولايه منهم، 62% من سكان مقاطعه البحيرات المالحه مسجلون كاعضاء فى هذه الكنيسه، ومركزهم الرئيسى فى ولايه يوتا الامريكيه، وهذا التيار انتشر فى الولايات المتحده، وامريكا الجنوبيه، وكندا، واوروبا، كما ان لهم فى معظم انحاء العالم فروعا ومكاتب ومراكز لنشر افكارهم ومعتقداتهم، ويوزعون كتبهم مجانا، ولهم 175 ارساليه تنصيريه، كما انهم يملكون: شبكه تلفزيونيه، واحدى عشره محطه اذاعيه، ويملكون مجله شهريه بالاسبانيه، وصحيفه يوميه واحده.
والخلاصه
يجب ان نعترف بان المسيره البشريه حملت ضمن طياتها البصمه الوثنيه، التى زين الشيطان برنامجها، واغوى به قطاعا عريضا على امتداد المسيره، ونحن -فى عصرنا- نرى اعلام هذا القطيع، ويجب ان نعترف ان الماسونيه شجره عتيقه، فروعها هى الصهيونيه وملحقاتها، وهذه الشجره فى بستان يملكه اليهود، والخدم فى هذا البستان هم علماء التغريب والعلمانيه وغيرهم، ومهمه الخدم هى تذويب الاحساس القومى لدى الشعوب بنشر الافكار العالميه، ونتيجه لذلك يكون اليهود هم الشعب الوحيد الذى يظل محتفظا بقوميته، ويكون له المجد فى النهايه، وله السيطره على جميع شعوب الارض باعتباره شعب اللّه المختار.
فالشعب اليهودى داخل دائرته ظل على امتداد تاريخه بعد السبى يومن بضروره العمل من اجل احياء مملكه داود، التى يكون لها المجد على شعوب الارض، ويسبح معها الجبال والطير، وظل اتباع هذا الاعتقاد على امتداد تاريخهم وفى احلك الاوقات يقيمون حياتهم على اساس هذا الدين الذى يحقق هذه النتيجه، وعندما عاشوا فى بقاع الارض المختلفه متباعدين، كانوا فى الوقت نفسه متقاربين نتيجه لوحده الفكر والهدف، ولم يذوبوا فى المجتمعات، وانما اجتمعوا فى احياء خاصه بهم داخل المجتمعات الكبيره، وعملوا من اجل ان تكون المجتمعات الكبيره فى قبضتهم، وذلك عن طريق سيطرتهم على الاقتصاد ورجال الحكم.
وبعد عوده اليهود الى فلسطين، وبعد انتصارهم عام 1967م، يخطى من يظن ان الحرب بين الفطرة وبين اليهود قد انتهت، ومخدوع كل من يظن ان كل ما هو معلق بين المسلمين وبين اليهود قد تحله العقود او المواثيق او اتفاقيات الصلح والاعتراف المتبادل، لان المهمه الاسرائيليه لن تنتهى الا بظهور امير السلام الذى ينتظره اليهود. وقد ياخذ السلام بين العرب وبين اليهود اشكالا متعدده، ولكن تبقى الحقيقه الاكيده ان هذا السلام فى نظر اليهود سيكون ورقه تكتيكيه من اوراق الحرب المستمره، حتى ياتى امير السلام (الدجال) فينصب فسطاطه فى المنطقه، ويتبعه جميع الذين تعاموا عن هذه الحقيقه.
ويجب ان نعترف ان قطاعا عريضا داخل المسيره الاسلاميه لا يعرف ذاته، ولا يعرف القوى المعاديه له، او بمعنى آخر، يجب ان نعترف بان هولاء يبدو وكانهم لا يريدون ان يعرفوا ذواتهم، او كانهم لا يقدرون على محاوله المعرفه، وانهم لا يعرفون عدوهم معرفه حقيقيه، او لعلهم لم يحاولوا ان يعرفوا، وفى جميع الحالات يجب ان نعترف باننا لا نعرف انفسنا ولا نعرف عدونا.
ويجب ان نعترف بان الفطرة يحيط بها الظلم من كل مكان، وان الوسائل المحيطه بها يمسك بزمامها الجبان، وكلمه الجبان لا تعنى الرجل الخائف الرعديد فقط، وانما تعنى ذلك الرجل الذى اذا تمكن من عدوه كان اكثر جبنا، بمعنى انه لا يعرف فى التعامل معه معنى من معانى النباله او الكرم او الشهامه، انما يستعمل معه ادنا الوسائل وادناها الى الحطه، والفطرة الانسانيه تحيط بها اكثر الناس جبنا، بمعنى اكثر الناس ميلا للانتقام..
واذا كان البحث العلمى قد قدم للمسيره البشريه مجهودات عظيمه، من عصر الطاقه اليدويه الى عصر الفحم، الى عصر البخار.. الى عصر البترول، الى عصر الكهرباء، ومن عصر الذره الى عصر الالكترونيات، الى عصر الكمبيوتر، الى عصر الفضاء، الى عصر الهندسه الوراثيه، فيجب ان نعترف ان الاعظم من هذا المجهود الضخم استعمل فى كل عصر من اجل خدمه مخططات الاهواء واهدافها الماديه، وعن طريقه استطاع اصحابه ان يتغلغلوا داخل النفس لاغوائها لتكون عضوا على طريق اهدافهم.
ان العلوم المفيده تكون فى متناول الانسان عندما تصلح اخلاقه، اما اذا وقف الجبان على ابواب المجهودات العلميه، فسيكون للظلم والجور وللفساد اعلام متعدده الالوان والاشكال، وفى عصرنا نرى المخطط اليهودى والوثنى تحميه الترسنات النوويه والكيميائيه والمكروبيه، والترسانه التقليديه، واساطيل الطائرات والغواصات والدبابات وقاذفات الصواريخ والباتريوت، ونجد الفطرة فى اماكن كثيره مقيده بالديون، وفوائد القروض، ومحاذير السلاح، وضغوط صندوق النقد الدولى، وقرارات الامم المتحده، ونجدها مهدده من كل مكان بعد ان فسد كل شىء، ولوثت البحار والانهار بالنفط، والمبيدات، ومخلفات المصانع وسموم المعادن الثقيله، ولوث الجو بغازات الكبريت والازون والكربون والرصاص، واتخذ الجبان من قلب الارض والبحر مخازن للموت النووى والرعب الذرى يدفن فيه النفايات القاتله لصناعاته المهلكه، ونجد الفطرة محاصره بقوافل خرقت الشرائع وطلبت اللذه من وجوهها الشاذه باللواط والسحاق، ولقد راينا كيف خرجت قوافل الشواذ تطالب بشرعيه الفسق، وتقنين زواج الرجال بالرجال، وزواج النساء بالنساء، وتسير فى مظاهرات علنيه تطالب بحقوقها الشاذه، ولم يقتصر الامر على خروج قبائل العهر والفسق فى مظاهرات، وانما تفننت قبائل اخرى فى جعل الحريه الجنسيه شريعه لمملكتها، واقامت للزنا نوادى وموسسات واقمارا فضائيه تنشره، وابدعت هذه القبائل فى اخراج العهر والفجور والفسق والشذوذ، بجميع اوضاعه، فى ابهه من الالوان ومواكب من الزينه والزخرف، واستاجرت لهذا الفتيات الساقطات من كل جنس لعرضهن عرايا، ثم تبث هذا العهر ليستقبله كل من وجه هوائى استقبال الى الفضاء.
لقد ملئت الارض ظلما، والتطور ينطلق كل دقيقه، بل كل ثانيه، وما كان يحدث من انجاز علمى فى آلاف السنين، اصبح يحدث الان فى سنوات قليله، ومعنى هذا ان المستقبل سيشهد تطورا مضغوطا فى حيز تاريخى قصير، فاذا كان الجبان ساهرا ومشرفا على هذا التطور، فان معنى هذا اننا نهرول بالفعل الى النهايه. وقبل ان ياتى هذا اليوم يجب ان نعرف من نحن؟ ومن هو عدونا؟ وما هى اهدافنا؟ وما هى اهداف عدونا؟ ومن اين نبدا وكيف نخرج من الدائره المغلقه؟ اننا اذا لم نعرف كل هذا وغيره، فستدفع اجيالنا فى المستقبل ثمنا باهظا، وسيشهدون جنازتهم على اقل تقدير وهم وراء امير السلام، وسنعتمد -نحن- هذه الجنازه لان المستقبل ابن للماضي ولا ينفصل عنه. اجيبوا، اجيبوا -يرحمكم اللّه- قبل ان ياتى يوم لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل.
مستقر المسيرات الانحرافيه
يبعث اللّه-تعالى- الانبياء والرسل ليذكروا الناس بالمخزون الفطرى الذى وضعه اللّه فى النفس البشريه عندما بدا الخلق، وهذا المخزون هو توحيده تعالى، ويقوم الانبياء والرسل -على امتداد عهد البعثه- بسوق الناس الى طريق الهدى ببيانهم ما انزل اليهم من ربهم، وبعد ان يقيم رسل اللّه الحجه على الناس، ينسى بعض هولاء ما ذكروا به، ويقومون باعمال تعارض الفطرة ووصايا اللّه، واخبرت الدعوة الخاتمة ان اللّه-تعالى- يستدرج هذه المسيرات الانحرافيه على امتداد المسيره البشريه، وعلى امتداد الاستدراج ينال الذين ظلموا عذاب الخزى فى الحياة الدنيا، قال تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شىء حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغته فاذا هم مبلسون* فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد للّه رب العالمين)(6).
وعذاب الاستدراج فى الحياة الدنيا ابوابه مفتوحه، يدخل فيها الحاضر اذا اخذ باسباب الانحراف من الماضي، واذا انطلق الحاضر الى المستقبل ولم تحدثه نفسه بتوبه، انتهت به خطاه الى المسيح الدجال، وفى دائره الدجال تنال جميع رايات الانحراف والشذوذ عذاب الخزى، ويقطع اللّه دابرهم بعذاب الاستئصال. والنبي الخاتم(صلی الله عليه وآله وسلم)اخبر بان جميع الانبياء حذروا اممهم من الدجال، وقال: (ان اللّه لم يبعث نبيا الا حذر امته الدجال) ، وحذر النبي(صلی الله عليه وآله وسلم)من الدجال ومن كل عمل ينتهى اليه، ومن ذلك قوله: (وما صنعت فتنه منذ كانت الدنيا صغيره ولا كبيره الا لفتنه الدجال)(7).
وطريق الدجال يبدا بانحراف دقيق عند البدايه، ثم يتسع شيئا فشيئا على امتداد المسيره، وفى مناطق الاتساع ترفع للشذوذ رايات بعد ان الفه الناس، وهذه الرايات بينها النبي الخاتم(صلی الله عليه وآله وسلم)وهو يخبر باشراط الساعه، ومن ذلك قوله: (من اشراط الساعه ان يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا) ، وقال: (ان بين يدى الساعه اياما يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل)(8)، فهذه العلامات تظهر على طريق الفتن والانحراف، وبينها النبي الخاتم ليراجع الناس انفسهم على امتداد المسيره، ويشهدوا له بالنبوه بعد ان راوا احداثا اخبر بها يوم ان كانت غيبا، فالاحداث فى عالم المشاهده المنظور دعوه للتوبه، وتحذير من العقاب الذى يودى اليه الاستدراج.
وآخر الزمان يقف تحت اعلام الدجال جميع المسيرات التى انحرفت عن ميثاق الفطرة واشركت باللّه، ويقف تحتها صناع الفتن واصحاب الاهواء وتجار الشذوذ وجلادو الشعوب، وجميع الذين ظلموا وصدوا عن سبيل اللّه العزيز الحكيم، فهولاء وغيرهم سينتظمون وراء قياده الدجال آخر الزمان، ويطيعون اوامره، وسيدخلون معه لقتال المهدى المنتظر والمسيح عيسى بن مريم(عليه السلام): (واللّه غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون)(9).
القسط والعدل
كما ان لطريق الشذوذ علامات، فان لطائفة الحق علامات، وكما ان اللّه-تعالى- حذر من شر مخبوء فى بطن الغيب، ومنه الدجال، فانه -تعالى- بشر بخير مخبوء فى بطن الغيب، ومنه المهدى المنتظر، ونزول عيسى بن مريم آخر الزمان.
اقوال العلماء فى ظهور المهدى ونزول عيسى آخر الزمان قال الشوكانى: (ان الاحاديث الوارده فى المهدى متواتره، والاحاديث الوارده فى الدجال متواتره، والاحاديث الوارده فى نزول عيسى متواتره) ، وقال صاحب عون المعبود شرح سنن ابى داود: (اعلم ان المشهود بين الكافه من اهل الاسلام على ممر الاعصار، انه لا بد فى آخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت، يويد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولى على الممالك الاسلاميه، ويسمى بالمهدى، ويكون خروج الدجال بعده، وان عيسى-(عليه السلام) ينزل بعد المهدى، او ينزل معه فيساعده على قتل الدجال، وياتم بالمهدى فى صلاته. وخرج احاديث المهدى جماعه من الائمه، منهم: ابو داود، والترمذى، وابن ماجه، والبزار، والحاكم، والطبرانى، وابو يعلى، واسناد احاديث هولاء بين الصحيح والحسن والضعيف.
وقد بالغ المورخ عبد الرحم-ن بن خلدون فى تاريخه فى تضعيف احاديث المهدى كلها، فلم يصب، بل اخطا)(10)، وقال صاحب التاج الجامع للاصول: (اشتهر بين العلماء -سلفا وخلفا- انه فى آخر الزمان لا بد من ظهور رجل من اهل البيت يسمى بالمهدى، يستولى على الممالك الاسلاميه، ويتبعه المسلمون، ويعدل بينهم، ويويد الدين، ولقد اخطا من ضعف احاديث المهدى كلها، وما روى من حديث: لا مهدى الا عيسى، فضعيف كما قال البيهقى والحاكم وغيرهما)(11).
وقال ابن كثير فى البدايه والنهايه: (لا شك ان المهدى الذى هو ابن المنصور ثالث خلفاء بنى العباس ليس هو المهدى الذى وردت الاحاديث المستفيضه بذكره، وانه يكون فى آخر الزمان يملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، وقد افردنا للاحاديث الوارده فيه جزءا على حده، كما افرد له ابو داود كتابا فى سننه)(12).
وقال الحافظ الكتانى: (الاحاديث الوارده فى المهدى على اختلاف رواياتها كثيره جدا، تبلغ حد التواتر، وهى عند الامام احمد والترمذى وابى داود وابن ماجه والحاكم والطبرانى وابى يعلى والبزار، وغيرهم من دواوين الاسلام من السفن والمعاجم والمسانيد، واسندوها الى جماعه من الصحابه، وبعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف، والاحاديث تشد بعضها بعضا، وامر المهدى مشهور بين الكافه من اهل الاسلام على ممر الاعصار، وانه لا بد فى آخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت النبوى يويد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويسمى بالمهدى) ، وقال الكتانى: (وفى شرح عقيده السفارينى الحنبلى ما نصه: وقد كثرت بخروج المهدى الروايات حتى بلغت حد التواتر، وشاع ذلك بين علماء السنه حتى عد من معتقداتهم، وقد رويت احاديث المهدى عن الصحابه بروايات متعدده، وعن التابعين من بعدهم، مما يفيد مجموعه العلم القطعى، فالايمان بخروج المهدى واجب، كما هو مقرر عند اهل العلم، ومدون فى عقائد اهل السنه والجماعه)(13).
فجر الضمير
قال النبي(صلی الله عليه وآله وسلم)بعد ان اقام الحجه على المسيره: (وايم اللّه، لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها) ، وزاد فى روايه: (لا يزيغ عنها الا هالك) ، فالطريق واضح وضوح النهار، واللّه-تعالى- ينظر الى عباده كيف يعملون، واخبر النبي(صلی الله عليه وآله وسلم)بان المسيره ستشهد انماطا بشريه يترتب على حركتها غربه الدين، وهذه النتيجه ترى فى قوله(صلی الله عليه وآله وسلم): (ان الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا، فطوبى للغرباء) ، قال النووى: (ظاهر الحديث، ان الاسلام بدا فى آحاد من الناس وقلة، ثم انتشر وظهر، ثم سيلحقه النقص والاخلال حتى لا يبقى الا فى آحاد وقلة ايضا كما بدا)(14).
وغربه الدين ترى فى قول النبي(صلی الله عليه وآله وسلم): (الاسلام والسلطان اخوان توامان، لا يصلح واحد منهما الا بصاحبه، فالاسلام اس (اى: اصل البناء)، والسلطان حارث، وما لا حارث له يهدم، وما لا حارث له ضائع) ، ولذلك كان النبي(صلی الله عليه وآله وسلم)يقول: (ان رحى الاسلام دائره، وان الكتاب والسلطان سيفترقان، فدوروا مع الكتاب حيث دار).
والنجاه فى عالم الغربه بين النبي(صلی الله عليه وآله وسلم)دائرتها، عن ابى هريره قال: (قالوا: يا رسول اللّه، اى الناس خير؟ قال: انا ومن معى، قالوا: ثم من؟ قال: الذى على الاثر، قالوا: ثم من؟ فرفضهم رسول اللّه)(15).
وطائفة الحق على امتداد المسيره لها اعلامها، ولا يضرها من خذلها او عاداها، لانها حجه بمنهجها وحركتها على الناس، واخبر النبي(صلی الله عليه وآله وسلم)بان هذه الطائفة تستقر اعلامها آخر الزمان، تحت قياده المهدى المنتظر، وعيسى بن مريم4-، يقول النبي(صلی الله عليه وآله وسلم): (لا تزال طائفة من امتى ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى ياتى امر اللّه، وهم كذلك) ، وقال: (لا تزال طائفة من امتى قائمه بامر اللّه، لا يضرهم من خذلهم، او خالفهم، حتى ياتى امر اللّه وهم ظاهرون على الناس) ، وقال: (لا تزال طائفة من امتى يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم، حتى يقاتل آخرهم الدجال) ، وقال: (لا تزال طائفة من امتى تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدى) ، وفى روايه: (لا تزال طائفة من امتى ظاهرين على من ناواهم حتى ياتى امر اللّه، وينزل عيسى-(عليه السلام)(16).
فمن هذه الاحاديث نرى ان طائفة الحق على امتداد المسيره، تاخذ باسباب الهدى، وتنطلق من الماضي الى الحاضر الى المستقبل، لا يضرها من عاداها او من خذلها، حتى تستقر نهايه المطاف امام فسطاط المهدى المنتظر.
والمهدى من اهل البيت، من اولاد على وفاطمه رضى اللّه عنهما، قال النبي(صلی الله عليه وآله وسلم): (المهدى منا اهل البيت) ، وقال: (المهدى من عترتي من ولد فاطمه) ، و-(اسمه يواطى اسم النبي(صلی الله عليه وآله وسلم).
والمهدى يخوض معارك آخر الزمان، وسيفتح الصين والهند وجبل الديلم، وسيقصم ظهر الروم، ويفتح القسطنطينيه، ويقاتل اليهود واميرهم الدجال حتى ينتهى امرهم بالاستئصال، وقال النبي(صلی الله عليه وآله وسلم): (يظهر على كل جبار وابن جبار ويظهر العدل).
وفى منهج المهدى يقول النبي(صلی الله عليه وآله وسلم): (هو رجل من عترتي يقاتل على سنتى، كما قاتلت انا على الوحى) ، وقال:
(يعمل بسنتى) ، وقال(صلی الله عليه وآله وسلم): (يبعث على اختلاف من الناس وزلازل، فيملا الارض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما) ، وقال: (لو لم يبق من الدنيا الا يوم، لبعث اللّه -عز وجل- رجل منا يملاها عدلا كما ملئت جورا)(17).
وعن حذيفه قال: قال النبي(صلی الله عليه وآله وسلم): (ويح هذه الامة من ملوك جبابره، يقتلون ويخيفون المطيعين الا من اظهر طاعتهم، فالمومن التقى يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه، فاذا اراد اللّه -عز وجل- ان يعيد الاسلام عزيزا، فصم كل جبار، وهو القادر على ما يشاء، ان يصلح امه بعد فسادها، ثم قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم):
يا حذيفه، لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول اللّه ذلك اليوم، حتى يملك رجل من اهل بيتى تجرى الملاحم على يديه، ويظهر الاسلام، لا يخلف اللّه وعده، وهو سريع الحساب).
وعن ابن مسعود قال: (قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): ان اهل بيتى سيلقون بعدى بلاء وتشريدا وتطريدا، حتى ياتى قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسالون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سالوا فلا يقبلونه، حتى يدفعوها الى رجل من اهل بيتى، فيملوها قسطا كما ملووها جورا، فمن ادرك ذلك منكم، فلياتهم ولو حبوا على الثلج)(18).
وآخر الزمان يلتقى ابن على بن ابى طالب، مع ابن مريم اخت هارون، يلتقى آخر اهل البيت فى المسيره الاسلاميه، مع المسيح عيسى بن مريم آخر نبى فى المسيره الاسرائيليه، وكلاهما ظلمته مسيره قومه، ولكن للعدل رداء على الوجود كله، ومن حكمه اللّه-تعالى- ان لا تنقضى الدنيا قبل ان يهيمن العدل على المسيره البشريه، ليعلم الناس، وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، ان الحق سينتصر فى النهايه، لانه اصيل فى الوجود، اما الباطل فطارى لا اصاله فيه، الباطل زبد لا يمكث فى الارض، والباطل يطارده اللّه على امتداد المسيره ولا بقاء لشىء يطارده اللّه. قال تعالى: (واللّه غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون) (19)، وقال: (ويقولون متى هذا الفتح ان كنتم صادقين* قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ايمانهم ولا هم ينظرون* فاعرض عنهم وانتظر انهم منتظرون)(20).
المصادر :
1- الانعام: 82
2- لسان العرب، ماده: ظلم، ص: 2757.
3- ابراهيم: 13-14
4- هود: 18-19
5- الانعام: 93
6- الانعام: 44-45
7- الامام احمد، الفتح الربانى: 24/69.
8- مسلم، الصحيح: 8/58.
9- يوسف: 21
10- عون المعبود: 11/362. و: 11/458.
11- التاج الجامع للاصول: 5/341.
12- البدايه والنهايه: 6/281.
13- نظم المتناثر فى الحديث المتواتر، ص: 226.
14- مسلم، الصحيح: 2/177. ابن ابى عاصم، كتاب السنه: 1/27. ابن ماجه، كنز العمال: 11/370.
15- مسلم، الفتح الربانى: ، 23/219. /الطبرانى وابن عساكر، كنز العمال: 1/216. / الديلمى، كنز العمال: 6/10.
16- الفتح الربانى: 23/210. / الحاكم وصححه، المستدرك: 4/450. و 13/97. رواه مسلم، الصحيح: 13/65.
17- الفتح الربانى: 24/49،عون المعبود: 11/373. / الزوائد: 7/314،الفتح الربانى: 24/50. /ابو نعيم، عقد الدرر، ص: 156/ رواه الطبرانى، الزوائد: 7/315،الحاوى: 2/218. و ص: 211. / عقد الدرر، ص: 224. وص219 /جامع الترمذى: 4/505. رواه ابو داود، السنن: 2/422،/كنز العمال: 14/264،الحاوى، للسيوطى: 2/224.
18- ابن ماجه، حديث رقم 4082،والحاكم، المستدرك: 4/464،كنز العمال: 14/268.
19- يوسف: 21
20- السجده: 28-30
source : rasekhoon