أفضل الأصدقاء:
لو فُرض ان الانسان لم يوفق على أن يجد في عالم الظاهر وفي مرحلة الشهود جلساء نابهين وأصدقاء سالكين طريق الحق وأحباباً ذوي عز وجاه ليتزود من أنفسهم وكمالهم ومعنويتهم وعاداتهم وأعمالهم الطيبة وخلقهم الكريم فيعرج بنفسه على سُلّم الانسانية والكمال البشري؛ إلّاأنّ باب عالم المعنى وفضاء الملكوت لم يوصد بوجه الانسان أبداً، العالم الذي يمكن الدخول إليه من طريق الآيات القرآنية والروايات الثابتة فيجالس الانسان أحبّاء من أمثال الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وذلك من طريق القلب واتصال الأرواح فيحصل التزود من ثرواتهم الروحية وقيمهم الالهية وهدايتهم وشفقتهم ونفثاتهم الباعثة للحياة.
إنّ هؤلاء- كما تفيد الآيات والأخبار- قدوة واسوة للانسان إلى قيام الساعة في كافة شؤون وقضايا الحياة.
يجب على الانسان أن يتعرّف- استناداً إلى الآيات والأخبار ودعم أهل الشفقة والرشاد- على هؤلاء العظماء وعلى ثقافتهم وأعمالهم وعقائدهم واخلاقهم الكريمة، ليطبّع تدريجياً بسجاياهم ومنهجهم الطاهر وليقتبس- في نهاية الأمر- على قدر المستطاع، من نورهم لأجل أن
نظام العشرة فى المنظور الاسلامى للعلامة انصاریان، ص: 150
تزدهر المقامات المعنوية والكمالات الالهية والاطوار الملكوتية في نفس الانسان.
وفي نهاية المطاف: كما أنّ في الدنيا من طريق المعرفة والايمان القلبي والارتباط الروحي يصبح الانسان جليساً لهم ويصادقهم ويستزيد من هدايتهم، فأنه في الاخرة أيضاً وفي الجنة بالتحديد يصبح رفيقاً لهم وحسن اولئك رفيقا كما قال القرآن الكريم:
[وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً] «1».
قال النبي الأكرم صلى الله عليه و آله في رواية:
«... عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله
عَنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
[فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً]
قَالَ: «الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ أَنَا وَالصِّدِّيقِينَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ وَالشُّهَداءِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالصَّالِحِينَ حَمْزَةُ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً الْأَئِمَّةُ الإثْنَا عَشَرَ بَعْدِى» «2»
.______________________________
(1)- النساء (4): 69.
(2)- كفاية الأثر: 182؛ بحار الأنوار 36/ 347، باب 41، حديث 214.
قد وردت المصادر الشيعية المعتبرة أخبار شتى تفسر معنى مفردات النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ في هذا الخصوص يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
الكافى: 8/ 35 حديث 6؛ الإختصاص: 106؛ تأويل الآيات الظاهرة: 143 و 145 و 146 ذيل آيه شريفه؛ تفسير العياشى: 1/ 256 ذيل آيه شريف؛ تفسير القمى: 1/ 142 ذيل آيه شريفه؛ شواهد التنزيل: 1/ 196، حديث 206 و 207 و 208 و 209؛ المناقب: 1/ 283 و 87 و 89؛ بحار الأنوار: 23/ 336، باب 20، حديث 4 و 23/ 337، باب 20 حديث 5 و 24/ 31، باب أن ولايتهم الصدق وأنهم الصادقون والصديقون والشهداء والصالحون حديث 1 و 2 و 6 و 7.
نظام العشرة فى المنظور الاسلامى للعلامه انصاریان ، ص: 151
بما أنّ لنبي الاسلام صلى الله عليه و آله والأئمة- من أهل بيته عليهم السلام من خلال القرآن الكريم والروايات الصحيحة- حضور ارشادي ومعنوي فاعل في المجتمع الانساني، والانسان يستطيع أنْ يصاحبهم ويؤانسهم عبر ذلك، فينبغي القول:
إنّ اولئك الاخيار هم أفضل معاشرين وأفضل أصدقاء بحيث ان الفرد يستطيع في ضوء وجودهم والاهتداء بهداهم أن يتأدب بالآداب الإلهية ويتحقق بالحقائق الانسانية ويتجلى بالتجليات المعنوية.
هؤلاء الأصدقاء الافذاذ والأصحاب الأفاضل يتمتعون بأعلى مستويات الايمان الأصيل والعقائد الطاهرة والأعمال الصالحة والخلق الكريم والعدالة والقسط والصدق والامانة والصفاء والصحة والاستواء والصلاح والسداد والعفة والاجتهاد والكرامة والشرف والفضيلة والمحبة والشفقة والوداد؛ فعند ما يقتدي الانسان بهم في عالم المعنى والباطن وذلك بالدلالات القرآنية والروائية ويعقد آماله على قيمهم فوفقاً لقانون التطبع، يتلون بلونهم وفي الآخرة يصبح جديراً بمجالستهم، مجالسة اولئك الأبرار كما يشير القرآن المجيد:
[وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً] «1».
نحن كاتب هذه السطور بصفتي رجل دين، سافرت طوال خمسة
______________________________
(1)- نساء (4): 69.
نظام العشرة فى المنظور الاسلامى للعلامة انصاریان، ص: 152
وثلاثين عاماً إلى اروبا والبلدان العربية وإلى مختلف مناطق ايران لأجل تبليغ المعارف الإلهية، فخلال هذه الفترة وفّقت لارشاد كثير من المخاطبين الذين ضلوا طريق الهدى فحدثتهم عن اللَّه وعن النبي والأئمة وعرفتهم الكتاب والأخبار وربطت أصرتهم بإصرة الرسول صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام ونهج الحق، ففي هذه الاثناء رأيت آثاراً طيبة جداً ظهرت في طبائعهم وأخلاقهم وأعمالهم، وبعبارة شاهدت كثيراً من هؤلاء المخاطبين الذين كانوا يسيرون خارج فلك الدين، عادو إلى مداره بفضل التعرف على اللَّه سبحانه وعلى الأنبياء والأئمة في أعماقهم والتعايش في جنب روحانيتهم وتقبّل هدايتهم فتبدّلوا إلى أشخاص وقورين متدينين مؤدبين، وغدوا مصدراً للخير والهداية.
طوال هذه الفترة وصلتني آلاف الرسائل «1» من العصاة والآثمين المحترفين، ربما كان بعضها من اليهود والنصارى والعلمانيين؛ فان جميع هؤلاء بإصغائهم للحقائق الدينية والمعارف الالهية، عادوا من ضلالهم وتمسكوا برحمة اللَّه وغفرانه وهو خير رفيق وتوسلوا بنبي الاسلام صلى الله عليه و آله وأئمة أهل بيته عليهم السلام فاختاروهم قادة في ميادين الحياة وحظوا بثقافتهم النظيفة لأجل تقدمهم ورشدهم وضمان سعادتهم في الدنيا والآخرة.
______________________________
(1)- بعض هذه الرسائل تتوفر في قسم المحفوظات من مركز دار العرفان للبحوث العلمية.
نظام العشرة فى المنظور الاسلامى للعلامة انصاریان، ص: 153
