كانت مصر على الدوام محط أنظار الشيعة في العالم لما تمثله في أعينهم من مكانة ورصيد وتأثير على الساحة الإسلامية.
ونظرا لعمق التاريخ الشيعي في مصر فقد شكل هذا جاذبية كبيرة لكثير من رموز الشيعة ودعاتها.
وعلى مر التاريخ كانت هناك هجرات ورحلات شيعية لا تنطع عن مصر خاصة في فترات الاضطهاد وطوال العمر الأموي والعباسي.. وقد انقطعت هذه الهجرات والرحلات بعد سقوط الدولة الفاطمية في مصر على أيدي الأيوبيين. ثم استؤنفت بعد ذلك في المصر الحديث وبرزت على الساحة المصرية عدة شخصيات شيعة كان لها أثرها الفكري والسياسي المستمر حتى اليوم..
ومن أشهر الشخصيات الشيعية الفوائد على مصر والتي لعبت دورا بارزا في ساحتها وتركت بصمتها على تاريخها الحديث. شخصية السيد جمال الدين الأفغاني..
كذلك من أشهر الرحلات الشيعية رحلة آية الله الشيخ كاشف الغطاء لمصر في منتصف الستينات بصحبة وفد من علماء الشيعة العراقيين و بدعوة رسمية..
وهناك أيضا رحلة السيد عبد الحسين شرف الدين من لبنان و الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري في أوائل هذا القرن..
كذلك هنا رحلة نواب صفوي زعيم منظمة فدائيان إسلام المناهضة لنظام الشاه وكانت في منتصف الخمسينات..
ورحلة الشيخ محمد جواد مغنية رئيس القضاء الجعفري في لبنان والسيد مرتضى الرضوي في فترة السبعينات..
وبالإضافة إلى هذا هناك رحلات الشيخ القمي المتكررة ضمن النشاط الذي كان يقوم به من أجل التقريب بين السنة والشيعة.. عوتب أحمد أمين من قبل علماء الشيعة على ما ذكره عن الشيعة في كتابه فجر الإسلام وقد اعتذر بعدم الإطلاع وقلة المصادر. ويذكر أن الشيخ كاشف الغطاء قد انتقده ورد عليه في كتاب أصل الشيعة وأصولها.. وقد هاجم الشيعة أيضا مصطفى صادق الرافعي في كتابه (إعجاز القرآن) الصادر في الثلاثينات. كما هاجمها المسائح المصري محمد ثابت الذي كان قد قام بجولة في إيران والعراق واطلع على أحوال الشيعة هناك وأصدر كتابا حول هذه الرحلة أسماء (جولة في ربوع الشرق الأدنى) عام 1936 وقد رد على الثلاثة السيد محسن الأمين في موسوعته أعيان الشيعة ج 1 ق 1.
وعلى الجانب الآخر هناك رحلات سنية قام بها عدد من رجال الأزهر والمفكرين والسياسيين إلى النجف في العراق و هي مركز العلم والعلماء في فترة الستينات. وإلى قم بإيران في نفس الفترة. ومن هؤلاء الشيخ الفحام شيخ الأزهر والشيخ الشرياصي والشيخ الحصري وأحمد أمين الذي زار النجف مع وفد مصري بين مدرس وتلميذ عام 1349 هـ .. كانت هناك رحلة للسيد موسى الصدر " الإمام المختفي " رئيس المجلس الشيعي الأعلى بلبنان ومؤسس حركة " أمل " وقد التقى فيها بعدد من علماء الأزهر والمسؤولين وزار مراقد آل البيت في مصر.. ولم أتمكن من العثور على وثائق هذه الرحلة مع الأسف..
وهناك رحلتان قام بهما الكاتب السياسي محمد حسنين هيكل إلى إيران. الأولى في عام 51 والتقي فيها بآية الله الكاشاني. والثانية بعد الثورة والتقى فيها بالإمام الخميني. وقد ألف في رحلته الأولى كتاب إيران فوق بركان. وألف الثانية مدافع آيات الله. وكلا الكتابين طبع في مصر..
رحلة السيد جمال الدين الأفغاني:
ينتمي السيد جمال الدين الأفغاني إلى الحسن بن علي وموطنه أفغانستان.
وكانت أسرته من أصحاب السلطة والنفوذ فيها.
وقد قام الأفغاني بجولة سياحية طويلة في بلدان العالم الإسلامي واكتسب الكثير من التجارب والخبرة التي أتاحت له فرصة البروز والتأثير في بقاع كثيرة.
كما درس عدة لغات بالإضافة إلى لغته وهي العربية والفارسية والفرنسية. ودرس الفلسفة والتصوف والعلوم الإسلامية الأخرى..
وكان الأفغاني قد انغمس في صراع داخلي بموطنه أفغانستان كانت نتيجته الخروج من أفغانستان طلبا للأمن..
ومع كثيرة البلاد التي طاف بها الأفغاني يمكن القول أنه لم يحدث أثرا في أي من هذه البلاد كما أحدث في مصر التي أقام بها قرابة ثماني سنوات بدأت في مارس 1871 وامتدت حتى أغسطس 1879..
والأفغاني كان مثالا للمجاهدين المتجردين الذين عاشوا لأفكارهم ومبادئهم وكانت مصر عند وصوله في أسوأ أحوالها اقتصاديا وسياسيا..
وقد بدأ الأفغاني نشاطه الفكري الذي تمثل في القاء المحاضرات والدروس العلمية تلك المحاضرات والدروس التي كسرت حالة الجمود الفكري السائدة في مصر آنذاك. وكان من تلامذته محمد عبده وسعد زغلول والشيخ إبراهيم اللقاني ومحمود سامي البارودي..
وهو يبين من خلال هذه المحاضرات والدروس للناس سوء حالهم ومواضع بؤسهم ويبصرهم بما كان سبب فقرهم. ويحرضهم أن يخرجوا من الظلمات إلى النور. وألا يخشوا بأس الحالم فليست قوته إلا بهم. ولا غناه إلا منهم. وأن يحلوا في طلب حقوقهم المغصوبة وسعادتهم المسلوبة..
وتركز جهد الأفغاني في العمل على بعث الوعي في نفوس المصريين ودفعهم نحو التغيير بالوسائل التالية:
- أسس جماعة تجمع بين الشيوخ والشباب هدفها تبني حرفة الكتابة وإنشاء الصحف..
- الخطابة وكان له أسلوب جذاب تأثيره بالغ على المستمعين..
- الصحف وقد أسس مجلة ساخرة تحت اسم (أبو نظارة) كانت موجهة للخديوي إسماعيل.. وبدأت الحكومة تشعر بنشاط الأفغاني وما يمثله من خطورة على سياستها واستقرارها وقرر مجلس الوزراء في عهد توفيق نفي الأفغاني لينتهي دوره في مصر ولكن رسالته لا زالت باقية..
وليس هناك من خلاف بين المؤرخين والباحثين في حياة الأفغاني حول نسبه الذي يمتد في شجرة آل البيت إلى الإمام الحسن بن على. كما أنه ليس هناك خلاف حول ارتباطه بمذهب الشيعة الإمامية وإن كانت الأطروحة الشيعية لم تكن واضحة في كلماته وكتاباته. ويكفي أنه كان يعبر من خلال نشاطه ودعوته عن الإسلام النضالي الذي يواجه الظلم والاستعباد والفساد.. (1)
رحلة السيد عبد الحسين شرف الدين:
هو واحد من أعلام الشيعة ورموزها العلمية البارزة ولد عام 1290 هـ / 1872 م وتوفي عام 1377 هـ / 1957 م..
درس في النجف الأشرف وذاع صيته بين أهل العلم في وقته وانتقل بعد ذلك إلى جبل عامل - جنوب لبنان - حيث حمل راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتصدى للظلم والاستبداد والطبقية مما أثار عليه كبراء القوم والولاة والمستعمر وقد تآلب كل هؤلاء عليه وحاكوا المؤامرات ضده..
وقد قام السيد بدور فعال في مواجهة الفرنسيين الذين حاولوا اغتياله وضيقوا عليه مما دفع به إلى الفرار إلى دمشق بعائلته وقد احتلت قوات الفرنسيين داره وأحرقت مكتبته وكان بها الكثير من النفائس والمخطوطات..
ومن دمشق انطلق السيد إلى فلسطين ومنها إلى مصر حيث احتفل بقدومه رجال العلم والأدب ورجال السياسة وكان ذلك عام 1918 م..
ولم تكن تلك رحلته الأولى إلى مصر فقد زارها قبل ذلك في عام 1910 في رحلة علمية جمعته بأهل الحديث وقادة الرأي والفقه من علماء مصر..
وفي هذه الرحلة التقى بشيخ الأزهر آنذاك الشيخ سليم البشري ودارت بينهما حوارات ومناقشات ومراسلات حول الشيعة والسنة كانت من نتائجها كتاب المراجعات الشهير الذي جمع مائة واثنى عشر مراجعة حول شتى المسائل الخلافية بين المذهبين.. (2)
وقد طبع هذا الكتاب أكثر من خمسين طبعة منها طبعتان بمصر واحدة في فترة السبعينات والأخرى في أواخر الثمانينات.. (قدم الدكتور حامد حنفي داود للطبعة المصرية الأولى. ويذكران التيار السلفي أصدر ردا على كتاب المراجعات وهو يقوم بتحريض المسلمين عليه. وقد وضع الأزهر مؤخرا كتاب المراجعات في قائمة الكتب الممنوع تداولها في مصر كما منع الأزهر من قبل كتاب " أضواء على السنة المحمدية " للشيخ محمود أبو رية وهو من علماء الأزهر ومن طبع دار المعارف الحكومية وقد طبع من قبل عدة طبعات في مصر وبيروت. كما صودر للمؤلف من قبل كتاب " أبو هريرة شيخ المضيرة " في فترة الستينات.نظرا لكون توجيه أي نقد لكتب السنن والأحاديث والصحابة يخدم الشيعة ويعضد رؤيتها، فقد اتهم أبو رية بالتشيع وموالاتهم الشيعة كما اتهم من قبله طه حسين حين تعرض لفتنة عثمان في كتاب " الفتنة الكبري ". ويذكران الأزهر صادر لنا مؤخر كتاب " آل البيت " لنفس السبب..)
وكانت هناك مراسلات كثيرة حول هذا الكتاب بين السيد عبد الحسين شرف الدين وأقطاب الفكر في مصر منهم الشيخ محمد محمد المدني أحد كبار علماء الأزهر والدكتور محمد يوسف موسى الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة والأستاذ حسين عبد الغفار بالأمانة العامة العامة لمجلس الأمة والأستاذ محمد فكري أبو النصر والدكتور حفني داود رئيس قسم اللغة العربية كلية الألسن جامعة القاهرة وعين شمس.
رحلة نواب صفوي:
وهو شخصية إيرانية تزعم حركة " فدائيان إسلام " المناوئة لحكم الشاه والتي كانت تدعو لنبذ الطائفية بين المسلمين والعمل على تطبيق الإسلام..
يقول نواب: لنعمل متحدين للإسلام ولننسى كل ماعدا جهادنا في سبيل عز الإسلام ألم يأن للمسلمين أن يفهموا ويدعوا الانقسام إلى شيعة وسنة.. (كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث..)
وكان نواب صفوي قد زار القاهرة وقوبل بحماس شديد وترحيب حار من قبل الإخوان المسلمين الذين رافقوه لزيارة مراقد آل البيت في مصر.. (كانت هذه الزيارة في يناير عام 1954)
وقد قرر الشاه تصفية نشاط فدائيان إسلام وتم القبض على نواب صفوي وحوكم وصدر ضده حكم بالإعدام اهتز له العالم الإسلامي في تلك الفترة..
يقول الأستاذ فتحي يكن: كان لهذا الحكم الجائر صدى عنيفا في البلاد الإسلامية وقد اهتزت له الجماهير المسلمة التي تقدر بطولة نواب وجهاده وثارت على هذا الحكم وطيرت آلاف البرقيات من أنحاء العالم الإسلامي تستنكر الحكم على المجاهد المؤمن الذي يعتبر القضاء عليه خسارة كبرى في العصر الحديث.. (3)
ويذكر أن نواب صفوي هاجم حكم عبد الناصر لاعتقاله عناصر الإخوان وقال:
حين يضطهد الطغاة رجل الإسلام في كل مكان يتسامى المسلمون فوق الخلافات المذهبية ويشاطرون إخوانهم المضطهدين آلامهم وأحزانهم. ولا شك إننا بكفاحنا الإيجابي الإسلامي نستطيع إحباط خطط الأعداء التي ترمي إلى التفريق بين المسلمين. إنه لا ضير في وجود الفرق المذهبية وليس بوسعنا إلغاؤها إنما الذي يجب أن نعمل على إيقافه ومنعه هو استغلال هذا الوضع لصالح المغرضين.. (4)
رحلة الشيخ علي كاشف الغطاء:
وبعد واحدا من مراجع النجف الكبار وقد تم دعوته رسميا للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في القاهرة والذي انعقد بتاريخ 13 / 5 / 1965.
وقد وصل الشيخ كاشف الغطاء إلى القاهرة على رأس وفد من علماء النجف الأشرف في 11 / 5 / 65 وكان في استقباله والوفد المرافق ممثل شيخ الأزهر الشيخ حسن المأمون وبعض رجال الأزهر..
وقامت الإذاعة بإجراء حوار مع سماحته أذيع وقتها من البرنامج العالم وكان الحوار يتركز حول القضية الفلسطينية وموقف الوفد العراقي من مؤتمرات البحوث الإسلامية..
ومما قاله في هذه الحوار: كم من حضارة كانت أثرا لجماعة وكم مدنية كانت صنيعة لمؤتمر وأمامكم بيعة الرضوان وهو أول مؤتمر إسلامي نال به العالم الإنساني الحظ الأوفى والحضارة السامية.. وأنه من الضروري جمع شمل المسلمين واتفاق كلمتهم على صعيد واحد حيث إن في وحدتهم قوة يندحر بها الأعداء وتتلاشى بها الخطط العدوانية..
وحول الموقف من القضية الفلسطينية قال: لقد جاهرنا في قضية فلسطين وأثبتنا رأينا بصورة صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض في أن مشكلتها يلزم حلها على ضوء الدين الإسلامي الحنيف..
والطريف أنه صادف وقت وجود سماحته والوفد المرافق في القاهرة ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين في كربلاء وقد وجه سماحته كلمة من خلال الإذاعة المصرية بمناسبة هذه الذكرى أذيعت من صوت العرب في مساء يوم العاشر من محرم..
والطريف أنه صادف وقت وجود سماحته والوفد المرافق في القاهرة ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين في كربلاء وقد وجه سماحته كلمة من خلال الإذاعة المصرية بمناسبة هذه الذكرى أذيعت من صوت العرب في مساء يوم العاشر من محرم..
وتعتبر هذه الكلمة لمرجع شيعي كبير من خلال الإذاعة المصرية عن ذكرى عاشوراء - تعبير حدثا إعلاميا كبيرا وسابقة دعائية للشيعة في مصر لم تنالها منذ عهد الأيوبيين. وسوف نعرض لنص الكلمة في ملاحق الكتاب..
وقام سماحته والوفد المرافق بزيارة مرقد رأس الحسين وقد لغت نظرهم ما شاهدوه من ظواهر الولاء لآل البيت بأوسع معانيها. كما زار مرقد السيدة زينب والسيدة نفيسة.. وزار بور سعيد وقرأ الفاتحة على أرواح شهداء معركة بور سعيد وتقديرا لموقف شيعة العراق المشرف إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي قدم محافظ بور سعيد ميدالية ذهبية لسماحته.. وقد نشرت جريدة الأهرام خبر هذه الرحلة في عددها الصادر بتاريخ 29 / 5 / 65..
وقد نشرت جريدة الأهرام في تلك الفترة طلب سماحة آية الله كاشف الغطاء من المؤتمر في جلسة الثانية وجوب المبادرة باتخاذ قرار عاجل احتجاجا على موقف ألمانيا الاتحادية العدواني الذي تمثل في الاعتراف بإسرائيل وإمدادها بالمال والسلاح لقتال العرب.. (5)
وبعد انتهاء المؤتمر قام الشيخ والوفد بتلبية الدعوات والمقابلات الصحفية والقيام بجولات تفقدية في أنحاء الجمهورية.
ومن بين الدعوات التي وجهت للوفد الدعوة المقدمة من شيخ الأزهر الشيخ حسن المأمون لتناول طعام العشاء في فندق سميراميس..
والدعوة المقدمة من الشيخ أحمد حسن الباقوري مدير جامعة الأزهر آنذاك لتناول العشاء في مبنى جامعة الأزهر..
والدعوة المقدمة من جميعة الشبان المسلمين بتناول طعام العشاء في مقر الجمعية. ومن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. ومن نقابة المهن التعليمية..
وبالإضافة إلى هذا وجه الرئيس عبد السلام عارف دعوة للشيخ كاشف الغطاء ومرافقيه لتناول العشاء معه في قصر عابدين.. (كان الرئيس عارف في زيارة لمصر وقتها. ويذكر أن عارف توسط لعبد الناصر بطلب من الشهيد باقر الصدر في العراق من أجل الإفراج عن سيد قطب..)
وكان الرئيس جمال عبد الناصر ومعه الرئيس عبد السلام عارف قد استقبلا الشيخ كاشف الغطاء والوفد المرافق له.
ومن بين الجولات التفقدية التي قام بها الوفد في مصر زيارته لمديرية التحرير وزيارة قطاع غزة وخط الهدنة وكان بصحبتهم شيخ الأزهر وأعضاء المؤتمر. ثم زيارة السد العالي في أسوان. ومدن القناة والاسكندرية.. كما زار الوفد بعض المصانع في هذه المدن مثل مصنع شركة الغزل والنسيج ببور سعيد وشركة صناعة إطارات السيارات بالإسكندرية وشركة مصر للغزل والنسيج في كفر الدوار..
ومن بين المقابلات الصحفية التي أجريت مع سماحة الشيخ كاشف الغطاء.
اللقاء الذي أجري مع مجلة منبر الإسلام التي يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. واللقاء الذي أجرته معه مجلة روز اليوسف.. (6)
وكان الحوار مع روز اليوسف قد تطرق إلى موضوع زواج المتعة ورؤية الشيعة لهذا النوع من الزواج وهذه هي المرة الأولى ربما التي طرق فيها مثل هذا الموضوع في مصر وعلى صفحات مجلة رسمية..
وقد أثار هذا الموضوع الأستاذة مفيدة عبد الرحمن عضو مجلس الأمة في ذلك الوقت والتي أرسلت ردها على ما نشر تحت عنوان: أنا ضد زواج المتعة.. (7)
ويبدو أن موضوع المتعة أثار العديد من الشباب والشابات أيضا حيث انهالت الرسائل على مجلة روز اليوسف. البعض يعلن عن غضبه. والبعض الآخر يطلب الاستفسار..
وكان الشيخ أحمد الشرباصي قد عارض هذا الزواج وأفتى بحرمته في حديثه للمجلة في تلك الفترة.. كما أبدت الدكتورة عائشة عبد الرحمن رفضها له وأيدته الدكتورة نوال السعداوي من منظور اجتماعي..
وتعد رحلة آية الله الشيخ كاشف الغطاء إلى مصر من أشهر الرحلات الشيعية..
وذلك للطابع الرسمي الذي أضفى عليها..
رحلة الشيخ محمد جواد مغنية:
هو أحد أعلام الشيعة في لبنان رأس المحكمة الجعفرية العليا فيها وله الكثير من الكتب والمصنفات الإسلامية والتي أصبح بعضها مراجع للإسلاميين في كل مكان..
قدم الشيخ مغنية إلى مصر لأول مرة عام 63 وكانت أول زيارة يقوم بها هي زيارة مرقد رأس الحسين ثم زار مرقد السيدة زينب والمسجد الأزهر وهناك دار حوار طريف بينه وبين إمام المسجد. عندما طلب منه الشيخ أن يعطيه صورة عن الأزهر..؟
قال الإمام: الكعبة واحدة الأزهر واحد..
فقال الشيخ: والله واحد. فأصبح لدينا أقانيم ثلاثة: الله والكعبة والأزهر. كما يقول النصارى.. ثم قال له: أتعرف شيئا عن الشيعة..؟
قال الإمام: هم زائغون..
قال الشيخ ومن أين عرفت أنهم زائغون..؟
قال: هكذا يقال..
فقال الشيخ: وأنا أقول: إنك زائغ. فهل تأخذ بقولي..؟
ففتح كفيه وقال إقرأ الفاتحة. فقرأتها معه. ومضى لسبيله..
وقد زار الشيخ جامعة الأزهر والقاهرة وعين شمس ودار الكتب ثم اجتمع بشيخ الأزهر آنذاك الشيخ محمود شلتوت ودار بينهما حوار حول الوحدة الإسلامية وفتوى الشيخ شلتوت بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية..
وكان الشيخ مغنية قد التقى من قبل بالشيخ محمد أبو زهرة في دمشق عام 60. كما التقى به الدكتور مصطفى محمود في بيروت عام 70..
والجدير بالذكر هنا أن الشيخ مغنية هو أول من رد على محب الدين الخطيب في كتابه الذي أسماء الخطوط العريضة ونشره بمصر وكان من أوائل الكتب التي نشرت فيها ضد الشيعة. وقد وصلته الكثير من رسالات التهديد بسبب رده هذا (8)
رحلة السيد مرتضى الرضوي
قام السيد الرضوي برحلتين إلى مصر. الأولى في فترة الخمسينات ما بين عام 57 وعام 58. والثانية في منتصف السبعينات.
وفي كلا الرحلتين قام بدور ملحوظ في ميدان الفكر الإسلامي والوحدة الإسلامية ونشر الكثير من الكتب التي تدافع عن الشيعة. كما التقى بكثير من الرموز الإسلامية والثقافية وأجرى حوارات معها ثم دون هذه اللقاءات والحوارات في كتاب كبير طبع بمصر في منتصف السبعينات باسم: مع رجال الفكر في القاهرة..
ومن بين الرموز الإسلامية والثقافية التي التقى بها في مصر الأستاذ أمين الخولي والشيخ أحمد حسن الباقوري والأستاذ أبو الوفا المراغي والأستاذ خالد محمد خالد. والدكتور شوقي ضيف. والدكتور طه حسين. والدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ والأستاذ عبد الكريم الخطيب. والأستاذ محمد زكي إبراهيم والأستاذ محمد قطب. والشيخ محمود أبو رية. والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد.
والأستاذ محمود محمد شاكر. والشيخ محمد عبد المنعم خفاجي. والشيخ محمد محمود حجازي. والدكتور سليمان دنيا. والدكتور حامد حفني داود. والشيخ محمود شلتوت. والدكتور زكي نجيب محمود. والأستاذ عبد الحميد جودة السحار والشيخ محمد الغزالي..
يقول الرضوي: هؤلاء مجموعة من رجال الفكر المرموقين دارت معهم موضوعات شيقة تترجم آراءهم في قضايا الفكر الإسلامي. كما تدل على نظرتهم إلى هذه القضايا الأساسية في وحدة الكلمة وتراص الصفوف.. (مع رجال الفكر في القاهرة. وهو كما يقول المؤلف حوار صريح في مختلف الشؤون الإسلامية يتبنى فكرتها إبطال هذا الكتاب بروح موضوعية تستهدف العمق والصراحة والتقريب..)
ومن بين الكتب التي قام بنشرها السيد الرضوي بمصر تفسير شبر ويقع في مجلد واحد وكتاب علي ومناوئوه. وكتاب عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى. وكتاب المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي وكتاب وسائل الشيعة ومستدركاتها وهو موسوعة فقيهة كبيرة. وكتاب أصل الشيعة وأصولها. وكتاب الوضوء في الكاتب والسنة والسجود على التربة الحسينية..
وقد حرص السيد الرضوي على استقطاب الرموز الإسلامية والثقافية في مصر. فكان لا يطبع كتابا في مصر إلا ويكون قد كتب مقدمته واحدا من هذه الرموز.. (قدم الشيخ محمد عبد المنعم خفاجي لكتاب وسائل الشيعة. وقدم الدكتور سليمان دنيا لكتاب الشيعة وفنون الإسلام. والشيخ أحمد حسن الباقوري لكتاب المختصر الدافع.)
ولم يكن نشاط السيد الرضوي ينحصر في محيط الرموز الإسلامية والثقافية.
وإنما تجاوز هذا الحد وأجرى اتصالات مع بعض المسئولين في محيط الثقافية وبعض الصحفيين..
وكان قد التقي مع مدير دار الكتب في عام 65 وقد إليه طلبا بأن تقوم الدار بإفراد جناح خاص الكتب والمصنفات الشيعة. وسوف تقوم الهيئة العلمية في النجف الأشرف بالعراق بإهداء الدار جميع هذه الكتب وتم تفويض السيد الرضوي لتنفيذ هذا الأمر..
ويذكر أنه قد نشر في جريدة " المساء " في تلك الفترة خبرا تحت عنوان: قسم بدرا الكتب يضم كتب الشيعة.. (9)
المصادر :
1- أنظر في تاريخ الأفغاني ورحلة إلى مصر. زعماء الإصلاح في العصر الحديث لا حمد أمين وجمال الدين الأفغاني لمحمود أبو رية. ودائرة المعارف الإسلامية.
2- مقدمة المراجعات. والشيخ سليم البشري توفي 1916
3- الموسوعة الحركية ج 1..
4- مجلة المسلمون الصادرة عن الإخوان عدد 4 / عام 56..
5- الأهرام عدد 17 / 5 / 65. وفي عدد 18 / 5 .
6- عدد روز اليوسف رقم 1930 / 65 .
7- عدد روز اليوسف 1931 / 65. .
8- تجارب مغنية. ط. بيروت.
9- نشر الخبر في عدد تاريخ 8 / 9 /
source : rasekhoon