عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

القرآن معجزة إلهية

القرآن معجزة إلهية




قد علم كل عاقل بلغته الدعوة الإسلامية، أن محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بشّر جميع الأمم بدعوتهم إلى الإسلام، و أقام الحجة عليهم بالقرآن، و تحدّاهم بإعجازه، و طلب منهم أن يأتوا بمثله و إن كان بعضهم لبعض ظهيرا، ثم تنزّل عن ذلك فطلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، ثم تحدّاهم إلى الإتيان بسورة واحدة.
و كان من الجدير بالعرب- و فيهم الفصحاء النابغون في الفصاحة- أن يجيبوه إلى ما يريد، و يسقطوا حجته بالمعارضة، لو كان ذلك ممكنا غير مستحيل. نعم كان من الجدير بهم أن يعارضوا سورة واحدة من سور القرآن، و يأتوا بنظيرها في البلاغة، فيسقطوا حجة هذا المدعي الذي تحدّاهم في أبرع كمالاتهم، و أظهر ميزاتهم، و يسجلوا لأنفسهم ظهور الغلبة و خلود الذكر، و سموّ الشرف و المكانة، و يستريحوا بهذه المعارضة البسيطة من حروب طاحنة، و بذل أموال، و مفارقة أوطان، و تحمّل شدائد و مكاره.
و لكن العرب فكّرت في بلاغة القرآن فأذعنت لإعجازه، و علمت أنها مهزومة إذا أرادت المعارضة، فصدّق منها قوم داعي الحق، و خضعوا لدعوة القرآن، و فازوا بشرف الإسلام، و ركب آخرون جادة العناد، فاختاروا المقابلة بالسيوف على المقاومة بالحروف، و آثروا المبارزة بالسنان على المعارضة في البيان، فكان هذا العجز و المقاومة أعظم حجة على أن القرآن وحي إلهي خارج عن طوق البشر.
و قد يدّعي جاهل من غير المسلمين: أن العرب قد أتت بمثل القرآن و عارضته بالحجة، و قد اختفت علينا هذه المعارضة لطول الزمان.    
   

                 البيان في تفسير القرآن، ص: 44


 و جواب ذلك: أن هذه المعارضة لو كانت حاصلة لأعلنتها العرب في أنديتها، و شهرتها في مواسمها و أسواقها. و لأخذ منه أعداء الإسلام نشيدا يوقعونه في كل مجلس، و ذكرا يرددونه في كل مناسبة، و للقّنه السلف للخلف، و تحفظوا عليه تحفظ المدعي على حجته، و كان ذلك أقرّ لعيونهم من الاحتفاظ بتاريخ السلف، و أشعار الجاهلية التي ملأت كتب التاريخ، و جوامع الأدب، مع أنّا لا نرى أثرا لهذه المعارضة، و لا نسمع لها بذكر. على أن القرآن الكريم قد تحدّى جميع البشر بذلك، بل جميع الإنس و الجن، و لم يحصر ذلك بجماعة خاصة. فقال عزّ من قائل:
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى‌ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً «17: 88».
و نحن نرى النصارى و أعداء الإسلام، يبذلون الأموال الطائلة في الحطّ من كرامة هذا الدين، و النيل من نبيه الأعظم، و كتابه المقدس، و يتكرر هذا العمل منهم في كل عام بل في كل شهر. فلو كان من الميسور لهم أن يعارضوا القرآن، و لو بمقدار سورة منه، لكان هذا أعظم لهم في الحجة، و أقرب لحصول الامنية، و لما احتاجوا إلى صرف هذه الأموال، و إتعاب النفوس.
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ «61: 8».
على أن من مارس كلاما بليغا، و بالغ في ممارسته زمانا، أمكنه أن يأتي بمثله أو بما يقاربه في الأسلوب، و هذا مشاهد في العادة، و لا يجري مثل هذا في القرآن، فإن كثرة ممارسته و دراسته، لا تمكّن الإنسان من مشابهته في قليل و لا كثير، و هذا يكشف لنا أن للقرآن اسلوبا خارجا عن حدود التعليم و التعلم، و لو كان القرآن من كلام الرسول و إنشائه، لوجدنا في بعض خطبه و كلماته ما يشبه القرآن في أسلوبه،


                       البيان في تفسير القرآن  للخویی  ره ، ص: 45



 و يضارعه في بلاغته. و كلمات الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خطبه محفوظة مدونه تختص بأسلوب آخر. و لو كان في كلماته ما يشبه القرآن لشاع نقله و تدوينه، و خصوصا من أعدائه الذين يريدون كيد الإسلام بكل وسيلة و ذريعة. مع أن للبلاغة المألوفة حدودا لا تتعدّاها في الأغلب، فإنا نرى البليغ العربي الشاعر أو الناثر تختص بلاغته في جهة واحدة، أو جهتين أو ثلاث جهات، فيجيد في الحماسة مثلا دون المديح، أو في الرثاء دون النسيب. و القرآن قد استطرد مواضيع عديدة، و تعرّض لفنون من الكلام كثيرة، و أتى في جميع ذلك بما يعجز عنه غيره، و هذا ممتنع على البشر في العادة.


source : دارالعرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الشفاعة لا الوساطة
التشيّع في مصر
النارفي کلام أمير المؤمنين
كربلاء نهاية الظالمين
أرض عرفات
الاسلام في مسيرة التنمية
المجازر في عصر الأمويين .
ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)
ما هو الدليل على أحقية الامام علي(علیه السلام) ...
في الإخلاص‏

 
user comment