ما رواه الصدوق بسند صحيح قال: «قلت للرضا عليه السلام : انا لنرجو ان تكون صاحب هذا الامر ، وان يرّده الله عزّ وجل اليك من غير سيف ، فقد بويع لك ، وضربت الدراهم باسمك، فقال عليه السلام : ما منا أحد اختلفت اليه الكتب ، وسُئل عن المسائل، وأشارت إليه الاَصابع ، وحُملت إليه الاَموال ، إلاّ أُغتيل أو مات على فراشه ، حتى يبعث الله عزّ وجل لهذا الامر رجلاً خفي المولد والمنشأ وغير خفي في نسبه»(1).
وفي هذا الحديث اشارة إلى ما أحاط ولادة الاِمام المهدي عليه السلام من أُمور لايعلمها إلاّ خاصة أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ؛ ولهذا جاء في الخبر الصحيح : « إنّ المهدي هو من يقول الناس : لم يولد بعد » !
فقد روى الصدوق بسند صحيح جداً قال : «حدثنا ابي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدثنا الحسن بن موسى الخشّاب ، عن العباس بن عامر القصباني ، قال : سمعتُ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : صاحب هذا الامر من يقول الناس : لم يولد بعد»(2).
ما رواه المقدسي الشافعي في عقد الدرر عن الباقر عليه السلام : «يكون هذا الاَمر في أصغرنا سناً»(3). وفيه اشارة إلى الاِمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام .
ما رواه الكليني بسند صحيح : عن علي بن ابراهيم، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران ، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفي قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن في صاحب هذا الامر شبهاً من يوسف عليه السلام ـ إلى أن قال ـ فما تنكر هذه الاُمّة أن يفعل الله جل وعز بحجته كما فعل بيوسف ، أنْ يمشي في اسواقهم ، ويطأ بسطهم حتى يأذن الله في ذلك كما أذن ليوسف ، قالوا : أَإِنك لاَنت يوسف ؟ قال : أنا يوسف»(4).
في ينابيع المودة : عن الاِمام الرضا عليه السلام : «الخلف الصالح من ولد الحسن بن علي العسكري هو صاحب الزمان وهو المهدي سلام الله عليهم» .
وقد صرّح القندوزي في الينابيع بوجود هذا الحديث في كتاب الاَربعين لاَبي نعيم الاصبهاني(5).
وفيه : عن الاِمام الرضا عليه السلام : «إنَّ الاِمام من بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأمّا متى يقوم ؟ فإخبار عن الوقت، لقد حدثني أبي، عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : مثله كمثل الساعة لاتأتيكم إلاّ بغتة»(6) .
وفي اُصول الكافي بسند صحيح : عن علي بن ابراهيم ، عن الحسن ابن موسى الخشاب، عن عبدالله بن موسى ، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : « إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم قال ، قلت : وَلِمَ ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ ثم قال : يا زرارة، وهو المنتظر الذي يشك في ولادته منهم من يقول : مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول : حمل [ أي مات أبوه وهو حمل في بطن أُمه ]، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين. وهو المنتظر غير أنَّ الله عز وجل يحب أنْ يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.. الخ»(7).
وفي اُصول الكافي : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : « للقائم غيبتان : احداهما قصيرة ، والاُخرى طويلة، والغيبة الاُولى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته، والاُخرى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه»(8).
وهذا الخبر لاريب في صدوره عن الاِمام الصادق عليه السلام لوثاقة رواته جميعاً ، ودلالته على الاِمام المهدي بن الحسن العسكري أبين من ضوء الشمس في رائعة النهار .
وفي كمال الدين بسند صحيح : «حدثنا أبي رضي الله عنه ، حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان ؟ قال: يتمسكون بالاَمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم»(9)
وفي اُصول الكافي : عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : « إن بلغكم عن صاحب هذا الامر غيبة فلا تنكروها»(10).
أقول : لم يغب من الاَئمة الاثني عشر عليهم السلام سوى المهدي بالاتفاق، وهو لم يكن مولوداً في زمان صدور هذا الحديث، ولهذا جاء التأكيد فيه على غيبته بعد ولادته.
وقد أخرجه الكليني بسندين معتبرين لاشائبة فيهما أصلاً باتفاق علماء الشيعة أجمع.
وفي كمال الدين : «حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما؛ قالا : حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري وأحمد بن ادريس ؛ قالوا : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار، وعبدالله بن عامر بن سعد
الاشعري، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن المساور، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : إيّاكم والتنويه، أما والله لَيَغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصنّ حتى يقال: مات أو هلك بأي وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، ولاينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الاِيمان وأيّده بروح منه...»(11)
ورجال الحديث قبل محمد بن المساور كلّهم من أجلاء الرواة وثقاتهم بلا خلاف، وأما محمد بن مساور فقد مات سنة ( 183 هـ ) وحاله غير معلوم، وفي وثاقة المفضل كلام، ولكن الحديث شاهد صدق على امانتهما في نقله لما فيه من إخبار معجز تحقق بعد وفاة ابن المساور بسبعة وسبعين عاماً لوقوع الغيبة فعلاً في سنة (260 هـ) .
وقد أخرجه الكليني بسند صحيح إلى محمد بن المساور ، عن المفضل أيضاً(12) ، ومما يقطع بصدوره الاحاديث الكثيرة جداً عن أهل البيت بهذا المعنى :
كصحيح عبدالله بن سنان الذي رواه الصدوق عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسن بن محبوب ، عن حماد بن عيسى ، عن اسحاق بن جرير ، عن عبدالله بن سنان قال : «دخلت انا وأبي على أبي عبدالله عليه السلام فقال : فكيف انتم اذا صرتم في حال لا ترون فيها امام هدىً ولا علماً يرى ..»(13).
وفي اُصول الكافي : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه محمد بن عيسى ، عن ابن بكير، عن زرارة قال : «سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : إنَّ للقائم غيبة قبل ان يقوم، انه يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ يعني القتل»(14) والسند من أصح الاسانيد بلا خلاف .
وفي عقد الدرر للمقدسي الشافعي : عن الاِمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام قال : «لصاحب هذا الامر ـ يعني الاِمام المهدي عليه السلام ـ غيبتان، احداهما تطول ، حتى يقول بعضهم : مات ، وبعضهم : قُتل، وبعضهم : ذهب...»(15) .
وفي كمال الدين : «حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري، قالا: حدثنا أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، عن الحسين بن الربيع المدائني(16) قال : حدثنا محمد بن اسحاق، عن أُسَيْد بن ثعلبة عن أُم هانئ قالت : لقيتُ أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فسألته عن هذه الآية: ( فلا أُقسم بالخنّس الجوار الكنّس ) ؟ فقال : إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة ستين ومائتين، ثم يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل، فإنْ أدركتِ ذلك قرّتْ عينُكِ»(17).
ويلاحظ في سند الحديث أنّ أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ثقة بالاتفاق ومن قبله كذلك، وهو قد روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، كما صرّح بهذا النجاشي في ترجمته، وأمّا من بعده فإنّ اثبات صدقهم في خصوص هذا الخبر، هو تقدم وفاتهم لِما في الخبر من إعلام معجز تحقق بعد وفاتهم، وورد بنقل الثقات عنهم، فالخبر شاهد على صدقهم.
وفي كمال الدين : بسند صحيح ، قال : «حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه، قال : حدثنا سعد بن عبدالله، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد العلوي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : سمعتُ أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام يقول : الخلف من بعدي ابني الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت : وَلِمَ جعلني الله فداك ؟ فقال: لانكم « لاترون شخصه » ، ولايحلّ لكم ذكره باسمه ، قلت : فكيف نذكره ؟ قال : قولوا : الحجة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم »(18).
وهذا السند حجة لوثاقة رجاله ، والعلوي الذي فيه هو من مشايخ الشيعة الاجلاء كما يعلم من رجال النجاشي في ترجمة العمركي البوفكي(19).
ونكتفي بهذا القدر من الاحاديث مع التنبيه على ثلاثة أُمور وهي :ـ
الاَول : إنَّ الحديث الاَخير لايدل على عدم رؤية الاِمام المهدي مطلقاً؛ لاَنّ قوله عليه السلام : (لاترون شخصه) إذا عُطِفَ على النهي عن التسمية المعلل بوقوع الطلب أي الخوف على حياة الاِمام المهدي عليه السلام في أحاديث أُخرى صحيحة، يفهم منه الكناية عن الغيبة فيكون المعنى : إنّكم لاترون إمامكم المهدي كلما أردتم، إذ ليس قدرتكم على رؤيته كقدرتكم على رؤيتي في حياتي كلما أردتم؛ لاَنّه سيكون في غيبة عنكم، وإياكم أن تذكروه باسمه لكي لايعرفه اعداء الله فيدركوا أثره .
والحاصل : إنَّ نفي الرؤية كناية عن الغيبة، والنهي عن التسمية لاَجل الخوف عليه، مع اختصاص النفي والنهي بزمان الغيبة ، وتوجهه للمخاطبين بالكلام كلهم أو بعضهم دون غيرهم، وإلاّ فقد رآه المئات من أصحاب أبيه الاِمام الحسن العسكري عليه السلام في حياته وبإذن منه، كما رآه غيرهم بعد وفاة أبيه عليهما السلام كما سيتضح في هذا الفصل .
الثاني : إنّ ماذكرناه من النصوص لايمثل في الواقع إلاّ جزءاً يسيراً من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن، ولم يخضع انتقاؤها لاعتبارات علمية، بمعنى : إنّا لم نبحث عن الاَسانيد الصحيحة لترسيخ العقيدة إذ المفروض رسوخها قبل ذلك ، وانما كوسيلة لاِثبات المدعى ، وإلاّ فنحن لسنا بحاجة إلى الاَسانيد اصلاً ، لسببين :
أحدهما : توفر الدليل القاطع على استمرار وجود الاِمام المهدي إلى آخر الزمان ، وقد مرّ بيان ذلك مفصلاً ، ومع هذا فأي حاجة تبقى للاَسانيد؟
الآخر : توفر الدليل على أنّ الاَحاديث المروّية في المهدي عليه السلام قد اُخِذت مباشرة من الكتب المؤلفة قبل ولادته عليه السلام بعشرات السنين ، وقد شهد الصدوق بذلك ، وعليه فالضعف الموجود في سند بعضها على الاصطلاح لايقدح بصحتها لكون الاِخبار فيها اعجازاً تحقق بعد حين،وهو آية صدقها.
الثالث : إن أحاديث المهدي المسندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أهل البيت عليهم السلام كلها تعبر عن حقيقة واحدة اتفق عشرات الصادقين على الاِخبار عنها ، ولا فرق في اثبات تلك الحقيقة بين ما كان سنده صحيحاً أو ضعيفاً ، بحيث لو أخبر الثقة بموت زيد، ثم أخبر غيره بموته أيضاً ، لا نقول له : كذبت . ولو جاء ثالث، ورابع ، وخامسٌ... وعاشرٌ لا نقول لهم: كذبتم وإنْ لم نعرف درجة صدقهم، بل سيكون كل خبر من هذه الاَخبار قرينة احتمالية تضاف إلى خبر الصادق حتى يصبح على درجة من اليقين كلما تراكمت القرآئن بحيث يتضاءل احتمال نقيضها حتى يصل إلى درجة الصفر.
إنّ منطق قواعد حساب الاحتمال وقوانينه الرياضية في تحصيل اليقين الموضوعي من تراكم الاَخبار على محور واحد، يستحيل معه أن لايكون ذلك المحور صادقاً ومنطبقاً مع الواقع.
ومن هنا يعلم أنّ إثارة الشكوك حول أحاديث المهدي وسلب دلالتها على شخصه العظيم ، كما يزعمه بعض المتطفلين على علم الحديث الشريف ، متخطياً في ذلك جميع الاعتبارات العلمية، وبخاصة بعد ثبوت انطباقها عليه عليه السلام ، ليس إلاّ التعبير عن هزيمة نكراء من الداخل ، وعن ضحالة التفكير في كيفية المساس بعقيدة ولو بالكذب والافتراء بعدم وجود الصحيح الثابت ، مع التستر بمزاعم التصحيح كما تخبرك محاولات تحويل العقائد إلى حرفة صحفية تنطلق من اجواء الغرب، وتستظل بفيئه، وتحركها أصابعه، وتموّلها عملاؤه، غافلة عن أنّ العقيدة ليست قشّة في مهب الريح، وتاركة ما رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام من المسار الصحيح لمعرفة من هو الاِمام المهدي باسمه ونسبه الكريم.
المصادر:
1- كمال الدين 2 : 370 / 1 باب 35.
2- كمال الدين 2 : 360 / 2 باب 34،
3- عقد الدرر : 188 باب 6 .
4- أُصول الكافي 1 : 336 / 4 باب 80.
5- ينابيع المودة 3 : 166 باب 94.
6- ينابيع المودة 3: 115 ـ 116 باب 80
7- أُصول الكافي 1 : 337 / 5 باب 80، كمال الدين 2: 342 / 24 باب 33 و2: 346 / 32 ب 33 .
8- أُصول الكافي 1 : 340 / 19 باب 80.
9- كمال الدين 2 : 350 / 44 باب 33
10- أُصول الكافي 1 : 338 / 10 باب 80، محمد بن مسلم 1 : 340 / 15.
11- كمال الدين 2 : 347 / 35 باب 33.
12- أُصول الكافي 1 : 336 / 3 باب 80.
13- كمال الدين 2 : 348 / 40 باب 33.
14- أُصول الكافي 1 : 340 / 18 باب 80. كمال الدين 2 : 418 / 10 باب 44.
15- عقد الدرر : 178 باب / 5.
16- أورده في الكافي 1 : 341 / 33 باب 80.
17- كمال الدين 1 : 324 / 1 باب 32.
18- كمال الدين 2 : 381 / 5 باب 37 ، والكافي 1 : 328 / 3 باب 75.
19- رجال النجاشي : 303 / 828
source : rasekhoon