عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

الحوار المطلوب‏

الحوار المطلوب‏

و ربما كان من الأفضل- بل المتعين- أن يكون الحوار بين رجال المذاهب الإسلامية المتنوعة، الكلامية و الفقهية، لأن ذلك هو الذي ينزع الكثير من الأوهام التي حملها هذا الفريق عن ذاك، من خلال بعض الكلمات أو بعض الممارسات، مما يمكن أن يجد لدى صاحبها تأويلا أو تفسيرا يصل بالمسألة إلى مستوى الوضوح الكامل.
و هذا ما يسهّل قضية التفاهم بينهم عند ما يطرح كل واحد منهم وجهة نظره في المسألة الفقهية أو الكلامية في مواقع تقديم الحجج عليها و الدفاع عنها، مما يتيح للآخر القيام بمثل ذلك، ثم اكتشاف الثغرات التي تخضع للحساب و للمعالجة على أساس القواعد الإسلامية الثابتة بشكل قطعي.
إن تأكيدنا على هذه النقطة، في خضوع الحوار للمنهج الإسلامي، و في ممارسته بشكل مباشر، وجها لوجه، ينطلق من ملاحظاتنا على تجارب الجدال بين المذاهب الإسلامية، التي قد تنسب بعض الأفكار إلى جماعات لا تقول بها، أو تبتعد عن الدقة في المفردات المتناثرة في هذا المحور أو ذاك، كنتيجة لسوء الفهم، أو لإجمال الكلام، أو لبعض الروايات غير الدقيقة في نقل المضمون الفكري، أو ما إلى ذلك.
و هذا ما لاحظناه في ما نسب إلى الشيعة الإمامية من الغلوّ في الأئمة و من السجود لغير اللَّه، في ما يأخذونه من تراب قبر الإمام الحسين عليه السّلام، للسجود عليه في الصلاة، بحجة أنه يمثل السجود للإمام الحسين عليه السّلام، و من التحريف للقرآن، و غير ذلك من الأمور التي قد يلتقي المسلمون على                        تفسير من وحي القرآن، ج‌1، ص: 62
 معرفتها بدقّة- من خلال الحوار- لتصفو النظرة، و تستقيم الفكرة، و تتأكد الثقة.
و خلاصة الفكرة في مسألة العبادة، أنها تمثل غاية الخضوع للمعبود من حيث الشكل، في ما يعبر عنه من وسائل التعبير القولية و الفعلية بالمستوى الذي يوحي بالانسحاق أمامه، و من حيث المضمون في ما ينطلق به العبد من الخضوع الداخلي للمعبود بحيث يستغرق في ذاته، في ما هي عبادة الذات، أو في موقعه، في ما هي عبادة الموقع- الرمز.
أمّا الشرك في عبادة اللَّه، فإنه ينطلق من الاستغراق في عبادة غيره من موقع التألّه، أو من موقع الإيحاء بالأسرار الإلهية الكامنة في ذاته، كما في قوله تعالى في الحديث عن منطق العابدين للأصنام: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‌ [الزمر: 3].
فقد كان الوثنيون يتوجهون إليهم بالعبادة، فيطلبون منهم حوائجهم، و يبتهلون إليهم على أساس أنهم يتقربون إليهم بذلك ليقربوهم إلى اللَّه، من خلال الحظوة الذاتية لديهم عند اللَّه، كما توهم الجاهليون.
بين عبادة الأصنام و احترام الأولياء
و هذا هو الفرق بين ما يفعله الوثنيون و ما يفعله المسلمون الذين يؤكدون شرعية الشفاعة و التوسل بالأنبياء و الأولياء، باعتبار أن المسلمين يفعلون ذلك من موقع التوجه إلى اللَّه بأن يجعلهم الشفعاء لهم، و أن يقضي حاجاتهم بحق هؤلاء في ما جعله لهم من حق، مع الوعي الدقيق للمسألة الفكرية في ذلك كله، و هي الاعتراف بأنهم عباد اللَّه المكرمون المطيعون له الخاضعون لألوهيته                        تفسير من وحي القرآن، ج‌1، ص: 63
 لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء: 27] و أنهم البشر الذين منحهم اللَّه رسالته في ما ألقاه إليهم من وحيه، و منحهم ولايته في ما قربهم إليه في خطهم العملي، فكيف يقاس هذا بذاك؟! و إذا كانوا يعتقدون أنهم الشفعاء، فلأن اللَّه أكرمهم بذلك، و حدّد لهم حدودا في من يشفعون له: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‌ [الأنبياء: 28]، فليست القضية قضية أسرار ذاتية في خصائص الألوهية تتيح لهم هذا الموقع، تماماً كما هي قضية العلاقات المميّزة الخاضعة للأوضاع العاطفية أو نحوها، بل القضية قضية كرامة من اللَّه لهم من خلال حكمته البالغة في ألطافه بأوليائه.
و هكذا نرى أن الذهنية العقيدية لدى المسلمين لا تحمل أيّ لون من ألوان الشرك بالمعنى العبادي، كما لا يحملون ذلك بالمعنى الفكري، بل يختزنون، في دائرة التعظيم للأنبياء و الأولياء، الشعور العميق بأن اللَّه هو خالق الكون و مدبّره، و أن هؤلاء لا يملكون لأنفسهم ضرّا و لا نفعا إلّا به، و أن كل ما لديهم مما يعتقد الناس أنهم يملكون التأثير فيه بشكل و آخر، هو من آثار لطف اللَّه بهم في تمكنهم من ذلك بإذنه و إرادته، تماما كما هو الإيحاء في ما تحدّث به القرآن عن عيسى عليه السّلام في حديثه عن مواقع قدرة اللَّه في ذاته، و ذلك قوله تعالى: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى‌ بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران: 49].
و إذا كان اللَّه قادراً على أن يحقّق ذلك- من خلالهم- في حياتهم، فهو القادر على أن يحقق ذلك بعد مماتهم- باسمهم-، لأن القدرة، في الحالين، واحدة في ما يريد اللَّه له أن تتجلى قدرته في حركة خلقه.
فليس في ذلك شي‌ء من الشرك، بالمعنى الدقيق لهذا المفهوم، عند ما نريد التدقيق في حدود المصطلح، و في ما تحكم به الشريعة من أحكام محدّدة                        تفسير من وحي القرآن، ج‌1، ص: 64
 على الناس الذين ينطقون بالشهادة بالمستوى الذي لا تتسع له كلمة الكفر أو الشرك في ما يتعلق بها من أحكام.


   تفسير من وحي القرآن، ج‌1، ص: 64


source : دار العرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الدفن في البقيع
عليّ عليه السلام الإنسان الكامل
الميزان
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
قصة استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه ...
التفسیر التقلیدی للقرآن الکریم
نحن وعاشوراء (علينا إحياء عاشوراء)
العقل يصبح خرافة إذا خاصم الوحي
ابا الفضل العباس حامل لواء الحسین (ع) فی کربلاء .
نعم.. أفتى شلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري

 
user comment