عربي
Saturday 18th of May 2024
0
نفر 0

التمايز بين الجنسين

لقد حرر الاسلام المرأة من تقاليد الجاهلية وأعرافها المقيتة، وأعزها ورفع منزلتها، وقرر مساواتها بالرجل في الانسانية ووحدة المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأخروي على الأعمال.. وحدد قيم المرأة ومنزلتها من الرجل تحديداً عادلاً حكيماً. فهو يساوي بينها وبين الرجل فيما تقتضيه الحكمة والصواب، ويفرّق بينهما في بعض الحقوق وبعض الواجبات والأحكام، حيث يجدر التفريق ويحسن التمايز نظراً لاختلاف خصائصهما ومسؤولياتهما في مجالات الحياة.
التمايز بين الجنسين

لقد حرر الاسلام المرأة من تقاليد الجاهلية وأعرافها المقيتة، وأعزها ورفع منزلتها، وقرر مساواتها بالرجل في الانسانية ووحدة المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأخروي على الأعمال..
وحدد قيم المرأة ومنزلتها من الرجل تحديداً عادلاً حكيماً. فهو يساوي بينها وبين الرجل فيما تقتضيه الحكمة والصواب، ويفرّق بينهما في بعض الحقوق وبعض الواجبات والأحكام، حيث يجدر التفريق ويحسن التمايز نظراً لاختلاف خصائصهما ومسؤولياتهما في مجالات الحياة.
وهو في هذا وذاك يستهدف الحكمة والصلاح، والتقييم العادل لطبائع البشر وخصائصهم الأصيلة. فلم يكن في تمييزه الرجل في بعض الأحكام ليستهين بالمرأة او يبخس حقوقها، وانما أراد أن يحقق العدل، ويمنح كلاً منهما ما يستحقه ويلائم كفاءته وتكاليفه.
وسنبحث في المواضيع التالية أهم مواطن التفريق والتمايز بين الرجل والمرأة، لنستجلي حكمة التشريع الاسلامي وسمو مبادئه في ذلك.

1- القوامة:

الأسرة هي الخلية الأولى، التي انبثقت منها الخلايا الاجتماعية العديدة والمجتمع الصغير الذي نما واتسع منه المجتمع العام الكبير.
ومن الثابت أن كل مجتمع - ولو كان صغيراً - لا بد له من راع كفؤ يرعى شئونه، وينظم حياته، ويسعى جاهداً في رقيّه وازدهاره.
لذلك كان لابد للأسرة من راع وقيم، يسوسها بحسن التنظيم والتوجيه ويوفر لها وسائل العيش الكريم، ويحوطها بالعزة والمنعة، وتلك مهمة خطيرة تستلزم الحنكة والدُّربة، وقوة الارادة، ووفرة التجربة في حقول الحياة.
فأي الشخصين الرجل أو المرأة أحق برعاية الأسرة والقوامة عليها؟
إنّ الرجل بحكم خصائصه ومؤهلاته أكثر خبرةً وحذقاً في شئون الحياة من المرأة، واكفأ منها على حماية الأسرة ورعايتها أدبياً ومادياً، وأشدّ قوة وجَلداً على تحقيق وسائل العيش ومستلزمات الحياة. لذلك كان هو أحق برعاية الأسرة والقوامة عليها. وهذا ما قرره الدستور الاسلامي الخالد «الرجال قوامون على النساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض، وبما انفقوا من أموالهم»(1)
وليس معنى القوامة هو التحكم بالأسرة وسياستها بالقسوة والعنف، فذلك منافٍ لاخلاق الاسلام وآدابه. والقوامة الحقة هي التي ترتكز على التفاهم والتآزر والتجاوب الفكري والعاطفي بين راعي الأسرة ورعيته.
«ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة»(2)
أما المرأة فانها بحكم أنوثتها، رقيقة العاطفة، مرهفة الحس، سريعة التأثر، تتغلب عواطفها على عقلها ومشاعرها. وذلك ما يؤهلها لأداء رسالة الأمومة، ووظائفها المستلزمة لتلك الخلال، ويقصيها عن مركز القيادة في الأسرة الذي يتطلب الحنكة، واتزان العواطف، وقوة الجَلَد والحزم، المتوفرة في الرجل، وهذا ما يؤثره عليها في رعاية الأسرة والقوامة .
هذا إلى أن المرأة السويّة بحكم انوثتها تستخف بالزوج المائع الرخو، وتكبره اذا كان ذا شخصية قوية جذّابة، تستشعر في ظلال رجولته مفاهيم العزة والمنعة، وترتاح الى حسن رعايته وتدبيره.

2- ايثار الرجل على المرأة في الارث:

وهكذا قضت حكمة التشريع الاسلامي ان تُؤثر الرجل على المرأة، بضعف نصيبها من الارث، مما حسبه المغفلون انتقاصاً لكرامة المرأة وبخساً لحقوقها لا... لم يكن الاسلام ليستهين بالمرأة او يبخس حقوقها، وهو الذي اعزها ومنحها حقوقها الأدبية والمادية. وانما ضاعف نصيب الرجل عليها في الارث تحقيقاً للعدل والانصاف، ونظراً لتكاليفه ومسؤولياته الجسيمة.فالرجل مكلف بالانفاق على زوجته وأسرته وتوفير ما تحتاجه من طعام وكساء وسكن، وتعليم وتطبيب، والمرأة معفوة من كل ذلك. وكذلك هو مسؤول عن حماية الاسلام والجهاد في نصرته، والمرأة غير مكلفة به. والرجل مكلف بالاسهام في دية العاقلة ونحوها من الالتزامات الاجتماعية، والمرأة معفاة منها.
وعلى ضوء هذه الموازنة بين الجهد والجزاء، نجد ان من العدل والانصاف تفوّق الرجل على المرأة في الارض، وانها أسعد حالاً، وأوفر نصيباً منه، لتكاليفه الأسرية والاجتماعية، التي هي غير مسؤولة عنها. وهذا ما شرعه الاسلام «للذكر مثل حظ الانثيين» (3)على ان تفضيل الرجل على المرأة في الارث لا يعمّ حقوقها الملكية، واموالها المكتسبة، فانها والرجل سيان، ولا يحق له ان يبتز فلساً واحداً منها الا برضاها وإذنها.

3- الشهادة:

وهكذا تجلت حكمة التشريع الاسلامي في تقييم شهادة المرأة، واعتبار شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد. وقد أراد الاسلام بهذا الاجراء أن يصون شهادة المرأة عن التزوير والافتراء، ليحفظ حقوق المتخاصمين عن البخس والضياع.
فالمرأة سرعان ما تستبد بها عواطفها الجيّاشة، وشعورها المرهف، وانفعالها السريع، فتزيغ عن العدل، وتتناسى الحق والواجب، متأثرة بنوازعها نحو أحد المتداعيين، قريباً لها أو عزيزاً عليها. وتفادياً من ذلك، قرن الاسلام بين المرأتين في الشهادة، لتكون احداهما مذكرة للاخرى ورادعة لها عن الزيغ والممالاة «واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى»(4)
هذا الى ان الطب الحديث قد اكتسف ان بعض النساء ابان عادتهن الشهرية، قد تضعف طاقاتهن الذهنية ويغدون آنذاك مظنة للنسيان، كما اوضحته التقارير السالفة، في بحث المساواة(5).وهذا ما يؤيد ضرورة اقتران امرأتين في الشهادة، اذ باقترانهما وتذكير احداهما للاخرى يتجلى الحق ويتضح الواقع.

4- تعدد الزوجات:

وما فتئ اعداء الاسلام يشنون الحملات الظالمة على الدين الاسلامي وشريعته الغراء، في صور من النقد اللاذع، والتنديد الرخيص، الكاشف عن حقدهم وكيدهم للاسلام.
فمن ذلك تشنيعهم على الاسلام باباحته تعدد الزوجات، وأنها على زعمهم اضرار بالزوجة وارباك لحياتها.
وقد جهل الناقدون أو تجاهلوا انّ الاسلام لم يكن المشرع الاول لذلك، فقد شرعته الاديان السماوية والقوانين الوضعية قبل الاسلام بآماد وقرون مديدة.
«فلا حجر على تعدد الزوجات في شريعة قديمة سبقت قبل التوراة والانجيل، ولا حجر على تعدد الزوجات في التوراة او في الأنجيل، بل هو مباح مأثور عن الأنبياء انفسهم، من عهد ابراهيم الخليل الى عهد الميلاد. ولم يرد في الانجيل نص واحد يحرم ما أباحه العهد القديم للآباء والانبياء، ولمن دونهم من الخاصة والعامة. وما ورد في الانجيل يشير الى الاباحة في جميع الحالات، والاستثناء في حالة واحدة، وهي: حالة الاسقف حين لا يطيق الرهبانية فيقنع بزوجة واحدة اكتفاء بأهون الشرور...
وقال (وسترمارك) العالم الثقة في تاريخ الزواج: أنّ تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي الى القرن السابع عشر، وكان يتكرر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة...
فالاسلام لم يأت ببدعة فيما أباح من تعدد الزوجات، وإنما الجديد الذي اتى به: أنه اصلح ما أفسدته الفوضى من هذه الاباحة، المطلقة من كل قيد، وانه حسب حساب الضرورات التي لا يغفل عنها الشارع الحكيم، فلم يحرم أمراً قد تدعو اليه الضرورة الحازبة. ويجوز ان تكون اباحته خيراً من تحريمه في بعض ظروف الاسرة، او بعض الظروف الاجتماعية العامة»(6).إن الذين استنكروا اباحة تعدد الزوجات في التشريع الاسلامي، قد مارسوه فعلاً بطرق الغواية والعلاقات الاثيمة بالخليلات والعشيقات، وتجاهلوا واقعهم السيئ وتحللهم من القيم الأخلاقية، كأنما يحلو لهم ان يتنكبوا النهج السوي المشروع، ويتعسفوا الطرق الموبوءة بالفساد.
ولو أنهم فكروا وأمعنوا النظر بتجرد وانصاف في حكمة ذلك التشريع الاسلامي، لايقنوا أنه العلاج الوحيد لحل المشاكل والازمات التي قد تنتاب الفرد وتنتاب المجتمع ويصلحها اصلاحاً فريداً لا بديل له ولا محيص عنه.

أ - المبررات:

ونستطيع ان نستجلي أهداف الشريعة الاسلامية في تعدد الزوجات على ضوء المبررات التالية:
قد تمرض الزوجة جسمياً أو عقلياً، وتعجز آنذاك عن أداء رسالتها الزوجية، ولاتستطيع تلبية رغبات الزوج، ورعاية الأسرة والابناء، مما يفضي بهم الى القلق والتسيب.
ولا ريب أنها أزمة خانقة تستدعي العلاج الحاسم الحكيم، وهولا يخلو من فروض ثلاثة:
أ - إما أن يُترك الزوج هملاً يعاني مرارة الحرمان من حقوقه الزوجية، ويغدو عرضة للتردي في مهاوي الرذيلة والاثم، وتترك الاسرة كذلك نهباً للفوضى والتبعثر. وهذا اجحاف بالزوج والاسرة، واهدار لحقوقهما معاً.
ب - واما ان يتخلص الزوج من زوجته المريضة بالطلاق، والتخلي عنها، ويدعها تقاسي شدائد المرض ووحشة النبذ والانفراد، وهذا ما يأباه الوجدان لمنافاته مبادئ الانسانية وسجايا النبل والوفاء.
ج - وإما ان يتسرى الزوج على زوجه المريضة، متخذاً زوجة أخرى تلبي رغباته، وتلمّ شعث الاسرة، وتحيط الاولى بحسن الرعاية واللطف، وهذا هو أفضل الحلول واقربها الى الرشد والصواب.
وقد تكون الزوجة عقيمة محرومة من نعمة النسل والانجاب، فماذا يصنع الزوج والحالة هذه، أيظل محروماً من الابناء يتحرق شوقاً اليهم، وتلهفاً عليهم مستجيباً لغريزة الابوة ووخزها الملح في النفس. فان هو صبر على ذلك الحرمان مؤثراً هوى زوجته على هواه، فذلك نبل وتصحية وايثار. أو يتسرى عليها بأخرى تنجب له أبناءً يملؤن فراغه النفسي، ويكونون له قرة عين وسلوة فؤاد. وهذا هو منطق الفطرة والغريزة الذي لا يحيد عنه الا نفر قليل من الناس.
والنساء - في الغالب - أوفر عدداً واكثر نفوساً من الرجال، وذلك لأمرين:
أ - ان الرجال اكثر تعرضاً لاخطار العمل وأحداث الوفاة من النساء، لممارستهم الاعمال الشاقة الخطيرة، المؤدية الى ذلك، كالمعامل والمناجم والمطافي ونحوها، مما يسبب تلفهم وقلتهم عن النساء.
اضف الى ذلك، أن الرجال أضعف مناعة من النساء وأكثر اصابة بعدوى الاوبئة والامراض، مما يجعلهم أقل عدداً منهن «ويعزو علماء الحياة ذلك الى ما تتميز به المرأة على الرجل بدنياً. والى ان الامراض كلها تقريباً تهلك من الرجال اكثر مما تهلك من النساء، ولذا فان في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر (000،700و7 أرملة)، ويتنبأ مكتب التعداد الامريكي بأن هذه الفئة سيرتفع عددها في امريكا بمعدل مليونين كل 10 سنين.
وان الدكتورة (ماريون لانجر) العالمة الاجتماعية المتخصصة في استشارات الزواج تقول: ان لدى المجتمع حلّين ممكنين فقط لتغطية النقص المتزايد في الرجال اما تعدد الزوجات، او ايجاد طريقة ما لاطالة اعمار الرجال...»(7)

ب - الحروب:

فانها تفني اعداداً ضخمة من الرجال وتسبب هبوط نسبتهم عن النساء هبوطاً مريعاً. فقد كان المصابون في الحرب العالمية الاولى (واحداً وعشرين مليون نسمة) بين قتيل وجريح. وكانت ضحايا الحرب العالمية الثانية (خمسين مليون نسمة).
وقد أحدث ذلك فراغاً كبيراً في صفوف الرجال وأثار أزمة عالمية تستدعي العلاج الحاسم الناجع.
أما الأمم الغربية، فقد وقفت ازاء هذه الازمة موقف العاجز الحائر في علاجها وملافاتها... لمنعها تعدد الزوجات، فراحت تعالجه عن طريق الفساد الخلقي، مما دنسها واشاع فيها البغاء وكثرة اللقطاء، وعمتها الفوضى الاخلاقية.
وأما الاسلام، فقد عالج ذلك علاجاً فذاً فريداً يلائم الفطرَ البشرية، ومقتضيات الظروف والحالات. حيث اباح التعدد وقاية للفرد والمجتمع من تلك المآسي التي عانتها الامم المحرّمة له، «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة»(8).
وحين شرع الاسلام التعدد لم يطلقه ارسالاً وجزافاً، فقد اشترط فيه العدل والمساواة بين الازواج صيانة لحقوق المرأة وكرامتها.
بيد ان ذلك العدل مشروط في مستلزمات الحياة المادّية، كالمطعم والملبس والمسكن، ونحوها من المآرب الحسّية المتاحة للانسان، والداخلة في نطاق وسعه وقدرته.
أما النواحي الوجدانية والعاطفية، كالحب والميل النفسي، فانها خارجة عن طوق الانسان، ولا يستطيع العدل فيها والمساواة، لوهنه أزاء سلطانها الآسر، «ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم»(9).
وقد يعترض البعض أنّ المرأة الغربية قادرة على ممارسة الاعمال وكسب المعاش، فهي غنية عن الزواج.
وهم زعم باطل يكذبه واقع الفطرة الانسانية وغرائزها الراسخة في النفس. فحاجة المرأة الى الرجل ليست مقصورة على المآرب المادية فحسب، وانما هي حاجة نفسية ملحة تستكمل به كيانها وتشعر بوجودها كحاجة الرجل اليها على سواء.- ومن مبررات التعدد أنه قد يتصف بعض الرجال بطاقة جنسية عارمة، تتطلب المزيد من التنفيس والافضاء وتستدعي الازواج، فان تيسر له ذلك، وإلا نفّس عن طاقته بالدعارة والفساد، كما حدث ذلك في الامم التي حرمت التعدد المشروع، فابتلت بالتعدد الموبوء من الخليلات والعشيقات.

الطلاق في الإسلام:

وهكذا انطلقت حناجر لاغية، تتشدق بانتقاد الاسلام على تشريع الطلاق، بأنه يهدد كيان المرأة وسعادتها، فتغدو بنزوة من نزوات الرجل ولوثة من لوثاته الغاضبة، طريدة كسيرة القلب مهدورة الكيان.
وهذا من صور التجني والتشنيع على الاسلام، اذ لم يكن هو المشرع الاول للطلاق، ولا المقنن الوحيد له، وإنّما كان شائعاً في أغلب الامم ومن أقدم العصور. وكان آنذاك بأسلوب فوضوي يهدر حقوق الزوجة وكرامتها، ويجعلها طريدة شريدة هائمة حيث تشاء.
فقد شاع عند اليونانيين دون قيد او شرط، وأباحهُ الرومانيون دينياً ومدنياً بعد أن حرمته الاجيال الأولى منهم.
وحينما جاءت الشريعة الموسوية قلّصت من نطاق الطلاق وأباحته في حالات ثلاث: الزنا والعقم والعيب الخَلقي والخُلقي.
وأما الشريعة المسيحية فقد حرمته إلا في حالتين: اقتراف أحد الزوجين أو كلاهما جريمة الفسق، أو في حالة العقم.
وهذا ما دفع الامم الغربية الحديثة، بضغط الحاجة الملحة الى تقنين الطلاق المدني وجعله قانوناً ثابتاً، وإن خالف دينها وشريعتها.
ولما أطل الاسلام بعهده الزاهر وتشريعه الكافل، أقرّ الطلاق وأحاطه بشروط من التدابير الوقائية والعلاجية، لتقليصه وملافاة ازماته ومشاكله.
فهو أبغض الحلال الى اللّه عز وجل، ولكن الضرورة تبيح المحذور، فهناك حالات يتسع الخلاف فيها بين الزوجين ويشتد الخصام وتغدو الحياة الزوجية أتوناً مستعراً بالشحناء والبغضاء، مما يتعذر فيها التفاهم والوفاق.وهنا يعالج الاسلام هذه الحالة المتوترة والجو المكفهر المحموم بحكمة وتدرج بالغين، فهو «لا يسرع الى رباط الزوجية المقدس فيصمه لأول وهلة، ولأول بادرة من خلاف، انه يشد على هذا الرباط بقوة، ويستمسك به في استماتة، فلايدعه يفلت إلا بعد المحاولة واليأس.
انه يهتف بالرجال «وعاشروهن بالمعروف، فلن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً» (10)
فيميل بهم الى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية.فان تجاوز الامر مسألة الكره والحب، إلى النشوز والنفور، فليس الطلاق اول خاطر يهدي اليه الاسلام، بل لا بد من محاولة يقوم بها الآخرون وتوفيق يحاوله الخيّرون «وان خفتم شقاق بينهما، فابعثوا حكماً من أهله، وحكماً من أهلها، ان يريدا اصلاحاً يوفق اللّه بينهما. ان اللّه كان عليماً خبيراً» (11) «وان امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو اعراضاً، فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما، والصلح خير» (12). فان لم تجدِ هذه الوساطة فالأمر إذن جدّ، وهناك ما لا تستقيم معه هذه الحياة، وامساك الزوجين على هذا الوضع محاولة فاشلة، ويزيدها الضغط فشلاً. ومن الحكمة التسليم بالواقع وانهاء هذه الحياة - على كره من الاسلام - فان أبغض الحلال الى اللّه الطلاق.
ولعل هذه التفرقة تثير في نفس الزوجين رغبة جديدة لمعاودة الحياة فكثيراً ما نرى حسنات الشيء عندما نحرمه، والفرصة لم تضع، «الطلاق مرتان، فامساك بمعروف أو تسريح باحسان» (13) وهناك فترة العدة في حال الدخول بالزوجة، وعليه ان ينفق عليها في هذه الفترة ولا يقتر. وفي خلالها يجوز له - ان كان قد ندم - ان يراجع زوجه، وان يستأنفا حياتهما بلا أي إجراء جديد.
فان تركت مدة العدة تمضي دون مراجعة، ففي استطاعتهما ان يستأنفا هذه الحياة متى رغبا. ولكن بعقد جديد.
وتلك هي التجربة الأولى وهي تكشف لكلا الزوجين عن حقيقة عواطفهما، وعن جدية الاسباب التي انفصلا بسببها، فاذا تكررت هذه الاسباب، أو جدّ سواها، واندفع الزوج الى الطلاق مرة أخرى، فعندئذٍ لا تبقى سوى فرصة واحدة، هي الثالثة.
فاذا كانت الثالثة، فالعلة اذن عميقة والمحاولة غير مجدية، ومن الخير له ولها ان يجرب كل منهما طريقه، ومن الخير كذلك ان يتلقى الزوج - ان كان عابثاً - نتيجة عبثه أو تسرعه «فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره» (14)
فماذا ينقم الثرثارون على الاسلام بتشريع الطلاق؟ أيريدون إلغاءه وتحريمه، لتشيع المآسي في المجتمع الاسلامي، التي عاشتها الامم الكاثوليكية، التي حرمت الطلاق وحرمت تعدد الزوجات، مما اضطرهم الى اتخاذ العشيقات والاخدان، وتعسف مسالك الغواية والآثام الخلقية؟
المصادر :
1- النساء: 34
2- البقرة: 228
3- النساء: 11
4- البقرة: 282
5- قول الطبيب جب هارد
6- عن كتاب حقائق الاسلام، للأستاذ العقاد، بتصرف.
7- الاسلام والعلم الحديث، عن مجلة المختار (عدد فبراير 1958)
8- النساء:3
9- النساء: 129
10- النساء: 19
11- النساء: 35
12- النساء: 128
13- البقرة: 229
14- البقرة: 230/نقل بتصرف واختصار عن كتاب السلام العالمي، لسيد قطب ص 64 - 67


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الحكمة في فكر نهج البلاغة – الثاني
أسماء شهر رمضان
انتفاع الموتى بأعمال الاَحياء
كيف يمكنكم استعادة الحب المفقود؟
المرجع السيد الحكيم يدعو العاملين بالعتبات ...
النضج ودوره في قدرتك على الحب الحقيقي
ذكر ما نورده من اجابة الدعاء في رجب
بيان حركة أنصار ثورة 14 فبراير بعد مضي أسبوع على ...
كيف تواجهين الظروف القاسية مع زوجكِ؟
ماهي أسباب الخجل الجنسي بين الزوجين؟

 
user comment