عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

الإمام المهدی علیه السلام وأصحاب الکهف

قال الله تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْیَةُ إِلَى الْکَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً وَهَیِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً * فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (1). کان عند أصحاب الکهف تمام التوجّه إلى الباری تعالى واستمدّوا منه الرشاد فی مقابل طغیان النظام العاتی الدقیانوسی الذی کانوا یعیشون فی ظلّه حیث یذکر القرآن الکریم ملخَّص الق
الإمام المهدی علیه السلام وأصحاب الکهف

قال الله تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْیَةُ إِلَى الْکَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً وَهَیِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً * فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (1).
کان عند أصحاب الکهف تمام التوجّه إلى الباری تعالى واستمدّوا منه الرشاد فی مقابل طغیان النظام العاتی الدقیانوسی الذی کانوا یعیشون فی ظلّه حیث یذکر القرآن الکریم ملخَّص القصَّة فی ثلاث آیات بعد أن فرّوا من ذلک المجتمع الفاسد الظالم، وبعدما انقرض وباد ملک دقیانوس وبادت معالم المجتمع الکافر وتبدَّل إلى مجتمع موحّد، فکان البقاء والعاقبة للموحّدین وللمتّقین، وهم الذین یورثهم الله العاقبة، وهذه سُنّة الله أنَّ العاقبة للمتّقین، العاقبة لأهل التقوى والیقین، ولیست العاقبة للجاحدین والمکذّبین والمنکرین والمفسدین والظالمین، ثمّ تستعرض الآیات الأخرى بشکل مفصَّل تلک الواقعة. هذه الظاهرة نفسُها فیها أبعاد کثیرة، فأوّل بُعد فیها یتراءى للنظّار وللقارئ لهذه الآیات أنَّ القرآن الکریم یتعرَّض إلى نمط الإرهاصات الغیبیة غیر المألوفة لدى البشر من وجود ثلّة فتیة مؤمنة رشیدة تستمدّ من الله الهدایة والرشاد، وأنَّهم مجموعة أو طائفة من بین المجتمع کانت على هدى من ربّها على رغم أنَّ غالبیة المجتمع کانت على نهج الضلال. ورغم هذا التفاوت والمفارقة فی النسبة والقوّة والعدّة والعدد لم یُثنهم عن الثبات على نهج الحقّ، هذه خصلة مهمّة یُطلعنا علیها القرآن الکریم وهذا درس للمؤمنین فی وعد الله بإظهار هذا الدین على الدین کلّه ولو کره المشرکون، على ید المهدی من ولد رسول الله وذرّیة فاطمة وعلی، والمؤمنون بهذه العقیدة والحقیقة القرآنیة یجب أن لا تضیرهم ولا تبئسهم القلّة فی مقابل کثرة ممَّن لا یعتقد بالإسلام أو لا یعتقد ولا یؤمن بظهور الإمام المهدی الذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً أو یکذب بهذه العقیدة.
المهمّة الأولى: الثبات والإیمان:
والمسؤولیة والمهمّة الأولى التی تقع على حزب المؤمنین، هی الثبات والإیمان وهم حزب علی ابن أبی طالب علیه السلام، وحزب إمامة ولده المهدی (علیه السلام) وأنَّه سیظهره الله لإصلاح الأرض لیملأها قسطاً وعدل، هذه الثلّة المؤمنة یجب أن لا یثنیها قلّتها فی مقابل کثرة المکذّبین أو المنکرین أو الجاحدین أو الظالمین أو المفسدین؛ لأنَّ نهج الحقّ یبقى والعاقبة لأهل التقوى ولأهل الیقین، وهذا مثل الفتیة فی کیفیة قیامهم بمسؤولیة الثبات على الدین رغم أنَّهم لیسوا بحجج، وإنَّما هم ثلّة مؤمنة من أهل الإیمان، فهذه خصلة مهمّة أولى.
المهمّة الثانیة: الغیبة والخفاء:
هناک المحور الثانی والعِظة والعبرة الثانیة التی یسطرها لنا القرآن الکریم فی أصحاب الکهف، حیث یبیّن لنا نوعاً من الإرهاصات الخاصّة الغیبیة التی لم یألف ویأنس بها البشر، وربَّما یستنکرونها ویجحدونه، وهی أنَّ الله عز وجل قد یغیّب ثلّة بشریة سنین ومئات السنین ثمّ یظهرها لهم، وهذه لیست أسطوریات، وحاشا للقرآن هذا العبث، فهو ذکر ولیس بشعر، (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما یَنْبَغِی لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِینٌ) (2)، (وَلَقَدْ یَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّکْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّکِرٍ) (3)، هو ذکرى وذکر لمن یرید أن یبصر ویطَّلع على الحقیقة، فسورة الکهف هی فی الواقع _ کما یعبّر بعض المحقّقین _ کهف الأسرار وکهف المعارف، اسم على مسمّى، وهی شدیدة الصلة بغیبة الإمام المهدی (علیه السلام)، وکما مرَّ بنا أنَّ المصادر التاریخیة تنقل قراءة سیّد الشهداء لمطلع آیة فی هذه السورة: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْکَهْفِ وَالرَّقِیمِ کانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً) (4)، إذ أنَّ صلة وطیدة ببقاء الدین والحفاظ على الدین، کما قام به سیّد الشهداء، وبإمامة أهل البیت (علیهم السلام) وکیفیة مآل الأمور إلى ظفرهم بوراثة الأرض وتدبیر زمام أمورها فی العلن بیدهم، وإلاَّ فإنَّ الجهاز الإلهی والحکومة الإلهیة فی الخفاء بیدهم، کما یقول الإمام الصادق (علیه السلام) للمفضَّل بن عمر:
(مقصرة شیعتنا تقول: إنَّ معنى الرجعة أن یرد الله إلینا ملک الدنیا فیجعله للمهدی. ویحهم! متى سلبنا الملک حتَّى یرد علینا؟). قال المفضَّل: لا والله یا مولای ما سلبتموه ولا تسلبونه لأنَّه ملک النبوّة والرسالة والوصیّة والإمامة. قال الصادق (علیه السلام): (یا مفضَّل لو تدبَّر القرآن شیعتنا لما شکّوا فی فضلنا...).(5)
وکأنَّ الإمام الصادق (علیه السلام) یشیر إلى ما أشار إلیه القرآن الکریم فی آل إبراهیم الذین أوتوا الإمامة: (أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنا آلَ إِبْراهِیمَ الْکِتابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظِیماً) (6)، الملک العظیم هو الخلافة الإلهیة التی یُطوع الله عز وجل علیها کلَّ الملائکة، وأیضاً ملک فی الجانب المادی وهو الذی استعرضته لنا سورة الکهف مثل وجود جهاز خفی وشبکة خفیة تقوم بأدوار مفصلیة هی أقوى الحکومات بالقیاس إلى الحکومات البشریة الأخرى؛ لأنَّها تخترق تلک الحکومات.
وجود الخلیفة فی الأرض:
إنَّ المُلک والحکومة للخلیفة فی الأرض تترافق مع طاعة جمیع الملائکة، وخلفاء الله فی الأرض هم خلفاء النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) الاثنی عشر، وثانی عشرهم الإمام المهدی، هذه الطاعة هی قدرة ونفوذ یصوّرها لنا القرآن الکریم کحقائق قرآنیة فی سورٍ قرآنیة سبع عن شأن الخلافة الإلهیة والاستخلاف الإلهی، وجعل ثلّة من البشر المستضعفین أئمّة، کما فی قوله تعالى لإبراهیم: (إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) (7)، وقوله تعالى فی شأن یعقوب وإسحاق من ذرّیة إبراهیم: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَکَانُوا بِآیَاتِنَا یُوقِنُونَ) (8)، مع أنَّ التاریخ لم یحدّثنا بأنَّ آل إبراهیم ملکوا ملکاً أو حکموا حکماً ظاهری، ورغم ذلک تصف سورة النساء أنَّ آل إبراهیم اُوتوا إلى جانب الکتاب والحکمة وهی النبوّة اُوتوا الملک العظیم: (فَقَدْ آتَیْنا آلَ إِبْراهیمَ الْکِتابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظیماً) ، فأیّ ملک عظیم هذا؟ فی بُعده الملکوتی وفی بعده المادی والملکی، فی بعده الملکوتی: (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ)، أی أطیعوا واخضعو، (فَسَجَدُوا) (9)، کلّ الملائکة بکلّ طبقاتهم من مقرّبین ومن ملائکة السماء ومن ملائکة الأرض وما شابه ذلک، لما فضَّل الله وزوَّد به خلیفته فی الأرض من علم یتقاصر عنه علم جمیع الملائکة، ومن ثَمَّ هو الذی علَّمهم الأسماء کلّه، فالخلیفة یعلّم الملائکة تلک الأسماء وهم یتَّبعونه فی ذلک: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأْسْماءَ کُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِکَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِی بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ * قالُوا سُبْحانَکَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّکَ أَنْتَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ * قالَ یا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ غَیْبَ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ) (10)، هذا بعد وجناح وذراع من أذرع الحکومة التی یتولاّها ویتصدّى لها خلفاء الله فی الأرض المنصوبون أئمّة على الخلائق، وهو مقام ومنصب إلهی. وما تذکره لنا سورة الکهف من وجود شبکة بشریة کما فی مثال الخضر وظاهرة الخضر مزودون بالعلم اللدنی، ویقومون بأدوار مفصلیة حساسة فی مسار النظام البشری، وتهیمن هذه الحکومة الخفیّة على أدوار الأنظمة البشریة الأخرى، وتکون تلک الأنظمة والحکومات البشریة الأخرى وحتَّى الکبرى أو العظمى منها حکومات صغیرة بالقیاس وبالمقارنة إلى نفوذ ونفاذ وقدرة تلک الحکومة والجهاز الإلهی الخفی.
فهذا هو الملک الذی لا یسلب من خلفاء الله فی الأرض، وإن سُلب فی السطح المکشوف الظاهر غیر العمیق فی إبصار ورؤیة حقیقة مسلسل الأحداث فی النظام البشری، ففی ظاهر الحال الدول العظمى الموجودة ودول العالم الثانی ودول العالم الثالث کلّها تدبّر وتدیر شؤون أرجاء الکرة الأرضیة، هذا فی ظاهر الحال فی النظرة غیر الثاقبة، أمَّا النظرة القرآنیة فتقول: کل، إنَّما هناک جهاز إلهی حکومی بید خلیفة الله یتغلغل فی الأنظمة الأخرى، وله أدوار حاسمة فی درء الفساد ولو فی درجة السقف الأدنى أی الحدّ الخطیر من الفساد، ویبثون العدالة والقسط بدرجة السقف الأدنى، ویحولون دون قطع النسل البشری بسبب نزوات تلک الأنظمة التی تحکم الأرض، ویحولون دون ذلک إلى أدنى درجة من الصلاحیة إلى أن یحین الوقت المعلوم للظهور، أی للبروز على المکشوف لإرساء تلک الحکومة الإلهیة فی العلن، بدلاً من أن تکون فی مرحلة الخفاء.
نعم هذا هو الملک الذی یقول عنه صادق آل محمّد (علیه السلام): (متى سُلبنا الملک حتَّى یرد علینا؟).
المصادر :
1- الکهف: 10 – 12
2- یس: 69
3- القمر: 17
4- الکهف: 9
5- الهدایة الکبرى: 419؛ بحار الأنوار 53: 25 و26.
6- النساء: 54
7- البقرة: 124
8- السجدة: 24
9- البقرة: 34
10- البقرة: 31 – 33


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
الحرب العالمیة فی عصر الظهور
في رحاب بقية الله: المهدوية عقيدة النجاة
المعالم الاقتصادية والعمرانية في حكومة الامام ...
تكاليف عصر الغيبة الكبری
المهدي والحسين عليه السلام الدور والتجلي
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)
أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
كيف يكون الإنتظار للإمام المهدي عليه السلام
المدخل إلى عقيدة الشيعه الإمامية في ولادة الإمام ...

 
user comment