هناک عوامل عدیدة تؤثر فی کمال الدعاء، فرغم أن الدعاء جید ومطلوب فی کل مکان وزمان وحال، إلا أنّ هناک بعض الأحوال یکون الدعاء فیها ذا أثر أکبر، وهذه المؤثرات التی تجعل الدعاء أکمل بعضها له علاقة بزمان الدعاء، وبعضها له علاقة بمکانه، بالإضافة إلى عوامل أخرى یمکن للإنسان أن یجعل دعاءه من خلالها أکمل الدعاء، وتفصیل ذلک ما یلی:
من أفضل الأوقات
لیست الأوقات کلها متساویة بحسب النصوص الشرعیة، فهناک أوقات خاصة تکون الحجُب فیها أقلّ وإمکانیة التوفیق فی الدعاء أکبر، وأثر الدعاء فیها آکد، ومن هذه الأوقات:
1- جوف اللیل
ففی الوقت الذی تنام فیه عیون العباد، تقوم بین یدی الله تعالى، فی وقت الصفاء وقلة الشاغل الدنیوی، ففی هذا الوقت یتفرّغ عباد الله المخلصون للدعاء والمناجاة، وعن نوف البکالی فی حدیث قال: رأیت أمیر المؤمنین علیه السلام ذات لیلة وقد خرج من فراشه وقال لی: "یا نوف، إن داود علیه السلام قام فی مثل هذه الساعة من اللیل فقال: إنها ساعة لا یدعو فیها عبد إلا استجیب له"(1). وعن الإمام الصادق علیه السلام: " کان فیما ناجى الله به موسى بن عمران علیه السلام أن قال له: یا ابن عمران، کذب من زعم أنّه یحبنی فإذا جنّه اللیل نام عنّی، ألیس کل محبّ یحبّ خلوة حبیبه ؟ ها أنا یا ابن عمران مطّلع على أحبائی، إذا جنّهم اللیل حوّلت أبصارهم فی قلوبهم، ومثلت عقوبتی بین أعینهم، یخاطبونی عن المشاهدة، ویکلّمونی عن الحضور. یا ابن عمران، هب لی من قلبک الخشوع، ومن بدنک الخضوع، ومن عینیک الدموع، وادعنی فی ظلم اللیل، فإنّک تجدنی قریباً مجیباً"(2). وعن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: "من قام من آخر اللیل فتطهّر وصلّى رکعتین وحمد الله وأثنى علیه، وصلّى على النبی صلى الله علیه وآله وسلم، لم یسأل الله شیئاً إلا أعطاه، إمّا أن یعطیه الذی یسأله بعینه، وإمّا أن یدّخر له ما هو خیر له منه"(3).
2- زوال الشمس
عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: "کان أبی إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلک قدّم شیئاً فتصدّق به، وشمّ شیئاً من طیب، وراح إلى المسجد، ودعا فی حاجته بما شاء الله"(4). وعنه علیه السلام: " إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء، وأبواب الجنان، وقضیت الحوائج العظام"، فقیل له علیه السلام: من أی وقت ؟ قال علیه السلام: "مقدار ما یصلی الرجل أربع رکعات مترسّلاً"(5).
3- بین الطلوعین
عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: "أجیبوا داعی الله، واطلبوا الرزق فیما بین طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإنّه أسرع فی طلب الرزق من الضرب فی الأرض، وهی الساعة التی یقسّم فیها الرزق بین عباده... توکّلوا على الله عند رکعتی الفجر إذا صلّیتموها، ففیها تعطوا الرغائب"(6). وعن الإمام أبی جعفر علیه السلام: " إنّ الله عز وجل یحبّ من عباده المؤمنین کلّ دعاء، فعلیکم بالدعاء فی السحر إلى طلوع الشمس، فإنّها ساعة تفتح فیها أبواب السماء، وتقسم فیها الأرزاق، وتقضى فیها الحوائج العظام"(7).
4- قبل طلوع الشمس وقبل الغروب
عن الإمام الصادق علیه السلام: "إذا کان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعلیک بالدعاء واجتهد، ولا یمنعک من شیء تطلبه من ربک، ولا تقل: هذا ما لا أعطاه، وادع فإن الله یفعل ما یشاء"(8).
5- بعد الصلوات المکتوبة
عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "من أدّى لله مکتوبة، فله فی أثرها دعوة مستجابة"(9)، وعن الإمام الصادق علیه السلام:
"إن الله تبارک وتعالى فرض الصلوات فی أفضل الساعات، فعلیکم بالدعاء فی أدبار الصلوات"(10).
6 - یوم الجمعة
عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "إن یوم الجمعة سیّد الأیّام، یضاعف الله عز وجل فیه الحسنات، ویمحو فیه السیئات، ویرفع فیه الدرجات، ویستجیب فیه الدعوات"(11).
7- لیالی الإحیاء
وهی اللیالی الخاصّة الوارد إحیاؤها والدعاء فیها، کلیلة القدر، بالإضافة إلى لیلة الفطر، ولیلة الأضحى، ولیلة النصف من شعبان، وأول لیلة من رجب، فقد روی عن الإمام الکاظم علیه السلام أنه قال: "کان علی علیه السلام یقول: یعجبنی أن یفرغ الرجل نفسه
فی السنة أربع لیال: لیلة الفطر ولیلة الأضحى ولیلة النصف من شعبان، وأوّل لیلة من رجب"(12). وهناک أوقات أخرى أیضاً مذکورة فی کتب الأدعیة.
من أفضل الأحوال
هناک أحوال معینة روی أنها تفتح فیها أبواب السماء، وتهبط فیها الرحمة، ولا یحجب فیها الدعاء، وهذه الأحوال أشارت إلیها بعض الروایات، منها:
1- عند قراءة القرآن
روی عن أبی الحسن علیه السلام أنّه قال: "إذا خفت أمراً، فاقرأ مائة آیة من القرآن من حیث شئت، ثمّ قل: اللهمّ اکشف عنّی البلاء، ثلاث مرات"(13).
2- فی ساحات الجهاد والشهادة
ففی الروایة عن أمیر المؤمنین علیه السلام: "اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغیث، وعند التقاء الصفین للشهادة، وعند دعوة المظلوم، فإنّها لیس لها حجاب دون العرش"(14).
وعنه علیه السلام أنه قال: "تفتح أبواب السماء عند نزول الغیث، وعند الزحف، وعند الأذان، وعند قراءة القرآن، ومع زوال الشمس، وعند طلوع الفجر"(15). وعن الإمام الصادق علیه السلام: "اطلبوا الدعاء فی أربع ساعات: عند هبوب الریاح، وزوال الأفیاء، ونزول القطر، وأول قطرة من دم القتیل المؤمن، فإنّ أبواب السماء تفتح عند هذه الأشیاء"(16).
3- عند اجتماع المؤمنین
ومن أفضل الحالات أیضاً اجتماع المؤمنین بین یدی ربهم فی دعائهم وتضرعهم إلیه، فعن الإمام الصادق علیه السلام: " ما من رهط أربعین رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزّ وجلّ فی أمر إلا استجاب الله لهم، فإن لم یکونوا أربعین فأربعة یدعون الله عزّ وجلّ عشر مرات إلا استجاب الله لهم، فإن لم یکونوا أربعة فواحد یدعو الله أربعین مرة، فیستجیب الله العزیز الجبّار له"(17). وعنه علیه السلام: " ما اجتمع أربعة رهط قط على أمر واحد، فدعوا الله عز وجل، إلا تفرّقوا عن إجابة"(18).
من أفضل الأمکنة
هناک أمکنة خاصة یکون العبد فیها أقرب لساحة القبول والتوفیق، وعلیه أن یغتنم مثل هذه الأمکنة، ومنها:
1- مکة المکرمة
روی عن الإمام الرضا علیه السلام أنه قال: "ما وقف أحد بتلک الجبال إلا استجیب له، فأمّا المؤمنون فیستجاب لهم فی آخرتهم، وأمّا الکفّار فیستجاب لهم فی دنیاهم"(19). وعن الإمام علی بن الحسین علیه السلام: "لما هبط آدم علیه السلام إلى الأرض طاف بالبیت، فلما کان عند المستجار، دنا من البیت فرفع یدیه إلى السماء، فقال: یا رب اغفر لی، فنودی: أنّی قد غفرت لک، قال: یا رب، ولولدی، فنودی: یا آدم، من جاءنی من ولدک فباء بذنبه بهذا المکان غفرت له"(20).
2- المساجد
عن الإمام الصادق علیه السلام: "علیکم بإتیان المساجد، فإنّها بیوت الله فی الأرض... فأکثروا فیها الصلاة والدعاء"(21). فالمساجد بشکل عام هی محل للإجابة، وهناک مساجد ورد التأکید علیها بشکل خاص کمسجد الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله وسلم فی المدینة المنورة، حیث ورد عن الإمام الصادق علیه السلام: "إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبی صلى الله علیه وآله وسلم، فائت المنبر وسل حاجتک، فإن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قال: ما بین منبری وبیتی روضة من ریاض الجنة، ومنبری على ترعة من ترع الجنة.." (22).
المصادر :
1- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7 - ص 78
2- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7.
3- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7 -ص 77.
4- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7 - ص67
5- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7 ص66
6- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7 - ص 68
7- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7 نفس المصدر - ص34
8- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7 - ص66
9- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7 - ص110
10- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج7 - ص376
11- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق. - ج8 - ص109
12- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق.- ج6 - ص468
13- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق - ج7 - ص65
14- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق.
15- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق - ص64
16- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق - ص104
17- وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق.
18- بحار الأنوار/مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانیة المصححة - ج 96 - ص261
19- بحار الأنوار/مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانیة المصححة - ص 206
20- بحار الأنوار/مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانیة المصححة - ج80 - ص384
21- الحر العاملی/ وسائل الشیعة- مؤسسة أهل البیت- الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق- ج14 - ص345
22- بحار الأنوار/مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانیة المصححة
source : rasekhoon