عربي
Monday 23rd of December 2024
0
نفر 0

الإيمان عقد القلب والعقل

الإيمان عقد القلب والعقل

ان كمال الإنسان هو في ان يحول إلى القلب ما فهمه حتى يحلق بجناح القلب وجناح العقل ، لا يمكن أبداً التحليق بجناح العقل لوحده ، أي أن الفكر هو جناح واحد ، كما أنه لا يمكن أبداً السفر بجناح القلب ، لأن العمل هو جناح واحد .
والذي هو من أهل السير والسلوك هو من أهل الفكر وأهل الذكر أيضاً ، يفهم ويقبل أيضاً . الشخص الذي آمن على أساس التقليد وأصبح مؤمناً على أساس الجهل لا يصل إلى المقصد ، رغم انه عالم في بعض طريقه ان الذي يصرف جميع عمره في طريق العلم ويسير ويسافر ، ولكن إلى بلاد قريبة لا بعيدة . الشخص الذي يصل إلى المقصد هو الذي يكون محققاً عن طريق الفكر ، ويكون متحققاً عن طريق الذكر .
من هنا يتضح ان الإلهيات والفلسفة ليست هدفاً ذاتياً أيضاً بل ليصبح ذا رؤية كونية حتى يؤمن بالتوحيد .
وحيث توضح من حيث النظر ان للإنسان شأنين : أحدهما النظر والآخر العمل ، وأن الآيات القرآنية أيدت صحة هذا النظر والتقسيم ، يجب رؤية هل أن المرأة والرجل متساويان في هذه الجهة أم لا ؟ اتضح حتى الآن أن الأساس هو طريق القلب ، أي أن كل علم هوأرضية لأجل ان يقبل القلب .
وفي البحوث الفلسفية إتضح ان للإنسان عقدين : عقد بين موضوع ومحمول القضية ، وهذا الانعقاد بعهدة عقل النظر الذي يتولى الفكر ويبحث بصورة تحقيقية محمولات موضوع من المواضيع ، فإذا لم يكن المحمول مناسباً للموضوع ، يبني القضية سالبة ، أي ليس هناك عقد ، وإذا كان المحمول من العوارض الذاتية ولوازم موضوع القضية يقيم عقداً بين المحمول والموضوع ، لذا تسمى القضية في اصطلاح المنطق ( عقد ) .
إن عمل عقل النظر هو تنفيذ العقد بين الطرفين أي بين الموضوع والمحمول فقط ، فإذا كنا نقول باتحاد العاقل والمعقول ـ كما أن الحق هو ذلك أيضاً ـ فان جناح النظر يصبح واحداً مع العلم . إذا انعقدت نفس الإنسان مع العلم في قسم النظر وأصبحت واحدة مع العلم ، فعند ذلك تكون قطعت نصف الطريق فقط ويلزم عقد آخر ، وذلك العقد الآخر ينعقد بين النفس وبين خلاصة تلك القضية ، وليس بين الموضوع والمحمول . العقد بين الموضوع والمحمول يسمى ( التحقيق ) والعقد بين ذلك الحق ( خلاصة التحقيق ) وبين النفس يسمى ( التحقيق والاعتقاد ) وهذا هو ( الإيمان ) .
ان الايمان ليس عمل عقل النظر ، بل عقل العمل ، يعقد عقل العمل بينه وبين عصارة التحقيق ، عقداً ويقول انني معتقد بهذه المسألة العميقة ، وهذه هي خلاصة العلم ، وهي نور ومتعلق بالنفس إذا كان شخص محققاً ولكن لم يكن متحققاً فهو يعيش بعقد واحد في الحقيقة ويعقد دائماً بين الموضوع والمحمول فقط ، ولا يطيع عقل العمل الذي يجب أن يطيعه ، ويقوم بشكل متواصل بحل العقد بين النفس وبين عصارة العلم ولا يسمح ان يصل العقد إلى النفس وتصبح النفس معتقدة ، بناء على هذا يقطع العمل طريقه ، ويقطع النظر طريقه ، لذا عندما سمع ذلك السالك هذه الآية الكريمة :
( يا أيتها النفس المطمئنة * أرجعي إلى ربك راضية مرضية ) (1) .
اندهش ، وقال : أنا أقول تعالي ولكن هذه النفس لا تأتي ، أنا أشكو من نفسي . أي انني اشكو من جناح العمل والجذبة والسعي هذا ، أقول تعال ، لا يأتي وتعلق بالطبيعة ، ( اثاقلتم إلى الأرض ) (2) .
( أخلد إلى الأرض ) (3) .
يسمع هذا النداء أن يقال لكن العقل لا يذهب ، العقل يفهم ، ولكن الذي يجب ان يذهب هو القلب ، والقلب إذا ابتلي بالإخلاد إلى الأرض ، لا يسافر ، العقل يسمع أمر الرجوع إلى الرب ، ولكن القلب لا يرجع .
بناء على هذا فإن هذا الجدال موجود دائماً بين العقل والقلب ، بين الذكر والفكر ، بين التفكير والسعي ، إذا استطاع أشخاص الملائمة بينهما في جبهة الجهاد الأكبر فـ ( طوبى لهم وحسن مآب ) (4) .
السالك الجامع هو من أهل الفكر ومن أهل الذكر أيضاً ، محقق ومتحقق ، عالم وعادل ، وإذا لم يستطع الجمع إما أن يسقط أو يقطع قسماً من الطريق فقط .
إن المرأة والرجل وان اختلفا من حيث المركب ـ وهو البدن ـ وان كانا مختلفين من حيث أجهزة المخ ، ومن حيث أجنحة الفكر ، ليسا متساويين من حيث أجنحة الجذب والميل والانجذاب والعاطفة ، ويمكن أن يفكر أوساط من الرجال أفضل من أوساط من النساء ، ولكن لا يمكن ان يستطيع شخص إثبات ان أوساطاً من الرجال يطرحون ويقطعون أكثر من أوساط من النساء طريق القلب ، طريق العاطفة ، طريق الموعظة ، طريق النصيحة ، الجذب ، السعي والجذبة بصورة أفضل ولا يوجد أي طريق لإثبات هذا الموضوع .
أهمية طريق القلب في القرآن والروايات :
نظرأً لأن القرآن ليس كتاب علم فقط ، بل كتاب نور( فآموا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير ) (5)
وهداية ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) (6)
، لذا فانه لا يقتصر على توجيه الفكر بل يسعى بصورة مباشرة وغير مباشرة إلى مخاطبة القلب .
بيان المسألة هو أنه إذا أراد شخص تعليم مسألة لشخص ، فالمستمع في الحقيقة هو الجناح الفكري والعقل النظري لذلك الشخص ، والمدرس والمتكلم أو الكاتب له عمل مع الجهاز الفكري لقارىء أو السامع ، وبعد ذلك يتخذ قارىء أو سامع المسألة التي فهمها قراراً على أساس ذلك ، ويعمل بالشكل الذي يقبله ( أو الذي لا يقبله ) لذا قد يكتب الإنسان كتاباً فيه أثر علمي فقط أو يقول كلاماً فيه أثر فكري ، ولكن القرآن ليس كذلك ، فالقرآن في كثير من الآيات يتعامل مع القلب بمباشرة وفي بعضها يتكلم مع القلب بصورة غير مباشرة .
تلاحظون أن شخصاً إذا كتب موضوعاً جيداً بقلم جيد يتأثر القارىء بسرعة ، أو إذا قال أحد الصالحين والمتقين موعظة فإن أثرها يكون أعمق ، لأن هذا الأخير يتعامل بلغته مع فكر المستمع ، وكذلك مع ذكر وجهاز قبول المستمع ، إذا قرأ شخصاً شعراً جيداً يعرف مضمونه بدقة ويؤدية بلحن جيد فانه يؤثر ، سريعاً ، عندما يكون كل من المضمون والتلفظ واللافظ جيداً وحسناً ، فن المستمع عند الاستلام يستلم بجهاز الفكر وبجهاز الذكر والموعظة والجذب أيضاً . أو إذا كانت هناك مثلاً لوحة ملونة بلون جيد ، أو مكتوب عليها شعر أو مضمون نثري جيد فإن المشاهد يتأثر بسرعة ؛ لأن المضمون رفيع يقنع العقل والكيفية جميلة تعين جنبة العمل .
لذا قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام :
( فقولا له قولاً ليناً ) (7) .
أي تكلموا جيداً وتكلموا كلاماً جيداً أيضاً ، القول اللين لا يعني الضعيف ، لا يعني الموهون أو الموهوم . بل يعني المحكم والظريف ، لذا أقام موسى الكليم برهاناً قطعياً ، وتكلم أيضاً ببيان مليح ، وبين كذلك مسألة ( ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) (8)
التي تتضمن ثلاثة أنظمة من النظام الداخلي ، الفاعلي والغائي في جملة قصيرة . هي قول محكم ، وتكلم مع فرعون بصورة موعظة وسألة موعظه وسأله إن كان راغباً في أن يقول كلاماً ينفعه ؟ هذا هو القول اللين .
على هذا الأساس قيل لنا أن لا ننظر في المسائل الفكرية إلى القائل .
« أنظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال » (9) .
أما في مسائل القلب والمسائل التربوية فقد أوصينا أن نرى من القائل ، ولا نسمع أي كلام من أي شخص ، قال تعالى :
( فلينظر الإنسان إلى طعامه ) (10) .
في سورة عبس آخر هذه الآية ورد أن الإمام السادس قال :
( علمه الذي يأخذ عمن يأخذه ) (11) .
وكذلك طبقاً لما ذكره المرحوم الكليني عندما سألوا المعصوم عليه السلام مع من نجلس ؟ من أي عالم نستفيد ؟ لم يقل ( انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال ) ، بل قال : اجلسوا إلى الشخص الذي :
( يذكركم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله ) (12) .
المصادر :
1- سورة الفجر ، الآيتين : 27 ـ 28 .
2- سورة التوبة ، الآية : 38 .
3- سورة الأعراف ، الآية : 176 .
4- سورة الرعد ، الآية : 29 .
5- سورة التغابن ، الآية : 8 .
6- سورة البقرة ، الآية : 2 .
7- سورة طه ، الآية : 44 .
8- سورة طه ، الآية : 50 .
9- كنز العمال ، ح 42218 وميزان الحكمة ، ج 6 ص 485 .
10- سورة عبس ، الآية : 24 .
11- أصول الكافي ، ج 1 ، ص 50 .
12- أصول الكافي ، ج 1 ، ص 39 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لماذا فرض الله صيام 30 يوما على الامه؟؟
محمد (صلى الله عليه وآله) رسول الإنسانية والحرية
الإمام الحسن كريم أهل البيت(ع)
أضواء على سيرة وشخصية السيّدة أم البنين
نقد وتحليل حول كتاب فلسفتنا
اعمال يوم عيد الفطر
موسسا ت الشیعه - سوریا
الوهابیة او السیف
فضائل الإمام الحسن علیه السّلام
الإيمان عقد القلب والعقل

 
user comment