وهو المنهج الذي عني بالجانب اللغوي، وتمحض لاشتقاق المفردات وجذورها، وشكل الالفاظ وأصولها، فجاء مزيجا بين اللغة والنحو والحجة والصرف والقراءات، وكان مضماره في الكشف والابانة استعمالات العرب وشواهد أبياتهم، فابتنى الاصل اللغوي بكثير من أبعاده على الغريب والشكل والشوارد والأوابد في الألفاظ والكلمات والمشتقات، وقد سخرت بهذا اللغة العربية طاقاتها المتعددة لخدمة القرآن واستشهد بها على تقرير قاعدة، أو تقعيد نظرية، أو بناء أصل لغوي أو نحوي أو صرفي، فتبلورت في هذا السبيل عدة مسائل في الفروع والجزئيات والأصول والقواعد وعاد النص القرآني يقذف باشعاعه حجة اثر حجة في سماء المعرفة اللغوية، وجلاء معاني الاستعمالات العربية.
وقد أثر في هذا الجانب هوى المتخصصين، ورغبة العلماء الباحثين فشكلوا بذلك مدرسة خاصة بهم تميزت أبعادها في البحث عن لغة القرآن ومجاز القرآن وغريب القرآن ومعاني القرآن ومفردات القرآن.
ولعل ابن عباس (ت: 62 هجري) هو أول من اعتمد المنهج اللغوي في تفسيره بعدد من آيات القرآن الكريم، وقد سأله نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر تفسير عدد من الآيات الكريمة، واشترطا أن يأتيهما بما يؤيد ذلك من كلام العرب، ففسر ذلك على شرطهما.
وقد نسب لابن عباس الاستاذ بروكلمان كتاباً اسمه غريب القرآن، وأدّعى وجود نسخة منه في برلين.
إلا أن رؤوس هذ المنهج في التفسير ثلاثة دون منازع:
1- أبو زكريا الفراء (ت:207هجري) في كتابه معاني القرآن.
2- أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت:209/2210 هجري) في كتابه مجاز القرآن.
3- أبو اسحاق الزجاج (ت:311هجري) في كتابه معاني القرآن.
ويلحق شأوهم ويداني تخصصهم ابن قتيبة في كتابيه:
تأويل مشكل القرآن، وغريب القرآن.
أما أبو زكريا الفراء (ت:207هجري) فقد بحث في تراكيب الجمل، والاعراب، والاشتقاق، ووقف عند القراءات، وقد عني بالايقاع الموسيقي للالفاظ، والميزان الصرفي للمفردات، وملاحظة النسق الصوتي في الفواصل، وقد قارن بين وزن الشعر، ووزن القرآن، ومراعاة السياق، وترتيب السجع، بما يعتبر جميعه منهجاً لغوياً، وان تعرض فيه لمباحث بلاغية أملتها الضرورة عليه كالتشبيه والتمثيل والمجاز والاستعارة، وهو في كل ذلك لم يخرج عن منهجه اللغوي الاصيل الذي شاركه في معاصره أبو عبيدة.
وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى( ت: 209/210هجري) فالمتتبع لكتابه مجاز القرآن قد يظنه بلاغياً بحسب عنوانه، إلا أنه يفاجئ بأنه كتاب لغوي يتتبع المفردات والمركبات الجملية تتبعاً لغوياً جدياً، وان كان الكتاب لايخلو من لمسات بلاغية، ولكنه طالما يقصد بالمجاز المعنى اللغوي، وقد يقصد به الميزان الصرفي للكلمة، وقد يعني به نحو العرب وطريقتهم في التفسير أو التعبير، إلا أنه على أية حال يمثل التيار اللغوي في التفسير وإن أكد على فنون التعبير عند العرب، فهو يبدأ بالسور ثم الآيات ويتناولها بالشرح اللغوي بحسب ورودها على ترتيب المصحف، مستشهداً بالفصيح من كلام العرب على إرادة المعنى المطلوب من خطب وأقوال وأشعار.
وأما أبو اسحاق الزجاج (ت: 311هجري) فقد عرض في كتابه: (معاني القرآن) التفسير النقلي، ولكنه ابتنى على التفسير اللغوي أغلب فصوله، فأولى لذلك الأهمية الكبرى، وبين أمام آرائه الدليل من كلام العرب وأساليبهم، إفتن في تخير ذلك مؤكدا على نظرته الى التعبير القرآني في ملائمته للبيئة العربية، كما يناقش من ألفوا قبله كأبي عبيدة والفراء، ويخلص من وراء ذلك الى اثبات الاعجاز القرآني عن طريق الاسرار الجمالية، وقد اثنى عليه الزركشي فقال: "ومعاني القرآن للزجاج لم يصنف مثله".
وأما ابن قتيبة فيمكن أن يلحق بهؤلاء في حدود معينة، وهي تناوله للألفاظ، والنغم الموسيقي وتآلف الحروف، وبحث الفواصل وانسجامها مما يعتبر بحثاً بلاغياً أحياناً، والحق أنه استدرج كثيراً من الفنون البلاغية والتفسير البياني للقرآن.
source : البلاغ