عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

فضائل الامام الهادي عليه السلام

من الأدلة القاطعة على صحة الإمامة هي إظهار المعجزة، والنسب الرفيع، والنص عليه من الإمام الذي قبله، والتفوق العلمي، والحكمة، والشجاعة وكرم النفس، والحلم، والاستقامة وسلامة النشأة واستجابة الدعوة، وكل مكرمة للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) عدا الوحي والرسالة.
فضائل الامام الهادي عليه السلام

من الأدلة القاطعة على صحة الإمامة هي إظهار المعجزة، والنسب الرفيع، والنص عليه من الإمام الذي قبله، والتفوق العلمي، والحكمة، والشجاعة وكرم النفس، والحلم، والاستقامة وسلامة النشأة واستجابة الدعوة، وكل مكرمة للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) عدا الوحي والرسالة.
سئل الإمام الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟ قال: بالنص والدلائل. قيل: فدلالة الإمام، فيما هي؟ قال (عليه السلام): في العلم واستجابة الدعوة. قيل: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟ قال (عليه السلام): أما بلغك قول الرسول (صلى الله عليه وآله): اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه ، وقد جمع الله للأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين، وقال عز وجل في كتابه: *(إن في ذلك لآيات للمتوسمين)*(1).
فإن الأئمة (عليهم السلام) يتميزون بارتباط خاص بالله تعالى وبعالم الغيب بسبب العصمة والعناية الربانية، ولهم معاجز وكرامات وآيات تؤيد ارتباطهم المطلق بخالق الكون وبكونهم أئمة، وتظهر على أيديهم في الوقت المناسب نماذج من العلم والقدرة الإلهية بحيث تؤدي إلى اطمئنان النفس وتربية الأتباع، وتعد دليلا وحجة على أن ما يدعو:
1- عن خيران الأسباطي، قال: قدمت على أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) المدينة، فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك، خلفته في عافية، أنا من أقرب الناس عهدا به، عهدي به منذ عشرة أيام. قال: فقال لي: إن أهل المدينة يقولون: إنه مات. فقلت: أنا أقرب الناس به عهدا. قال: قال لي: إن الناس يقولون: إنه مات. فلما قال لي: إن الناس يقولون، علمت أنه يعني نفسه. ثم قال لي: ما فعل جعفر؟ قلت: تركته أسوأ الناس حالا في السجن. قال: فقال: أما إنه صاحب الأمر، ما فعل ابن الزيات؟ قلت: الناس معه والأمر أمره، فقال: أما إنه شؤم عليه. قال: ثم سكت، وقال لي: لا بد أن تجري مقادير الله وأحكامه. يا خيران، مات الواثق، وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات. قلت: متى جعلت فداك؟ قال: بعد خروجك بستة أيام (2).
2- وعن سعيد بن سهل البصري الملقب بالملاح، قال: حدث لبعض أولاد الخلفاء وليمة، فدعانا مع أبي الحسن (عليه السلام)، فدخلنا فلما رأوه أنصتوا إجلالا له، وجعل شاب في المجلس لا يوقره، وجعل يلعب ويضحك، فأقبل عليه وقال: يا هذا، أتضحك مل ء فمك وتذهل عن ذكر الله تعالى، وأنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور؟! فقلنا: هذا دليل حتى ننتظر ما يكون. قال: فأمسك الفتى وكف عما هو فيه، وطعمنا وخرجنا، فلما كان بعد يوم اعتل الفتى ومات في اليوم الثالث من أول النهار، ودفن في آخره (3).
3- وعنه، قال: اجتمعنا أيضا في وليمة لبعض أهل سر من رأى، وأبو الحسن (عليه السلام) معنا، فجعل رجل يلعب ويمزح، ولا يرى له إجلالا، فأقبل على جعفر وقال: إنه لا يأكل من هذا الطعام، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص عيشه ، فقدمت المائدة، فقال: ليس بعد هذا خبر، وقد بطل قوله، فوالله لقد غسل الرجل يده، وأهوى إلى الطعام، فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي، وقال له: إلحق أمك، فقد وقعت من فوق البيت وهي إلى الموت أقرب. فقال جعفر: قلت: والله لا وقفت بعد هذا، وقطعت عليه أنه الإمام (4).
4- وعن أبي يعقوب، قال: رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا، وقد استقبل أبا الحسن (عليه السلام)، فنظر إليه نظرا شافيا، فاعتل محمد ابن الفرج من الغد، فدخلت عليه عائدا بعد أيام من علته، فحدثني أن أبا الحسن (عليه السلام) قد أنفذ إليه بثوب، وأرانيه مدرجا تحت رأسه، قال: فكفن فيه والله (5).
5- قال علي بن محمد النوفلي: وكتب علي بن الخصيب إلى محمد بن الفرج بالخروج إلى العسكر، فكتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يشاوره، فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام): اخرج فإن فيه فرجك إن شاء الله. فخرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات (6).
6- وعن أبي يعقوب، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) مع أحمد بن الخصيب يتسايران، وقد قصر أبو الحسن (عليه السلام) عنه، فقال له ابن الخصيب: سر جعلت فداك، فقال أبو الحسن: أنت المقدم، فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الدهق (7) على ساق ابن الخصيب وقتل (8).
7- وروى محمد بن عياض، عن هارون، عن رجل كان رضيع أبي جعفرالثاني (عليه السلام)، قال: بينا أبو الحسن (عليه السلام) جالس مع مؤدب له - يعني أبا زكريا - وأبو جعفر عندنا ببغداد، وأبو الحسن يقرأ في لوح على مؤدبه، إذ بكى بكاء شديدا، فسأله المؤدب: مم بكاؤك يا سيدي؟ فلم يجبه، فقال له: إئذن لي بالدخول. فأذن له، فدخل فارتفع الصياح من داره بالبكاء، ثم خرج إلينا فسألوه عن السبب في بكائه، فقال: إن أبا جعفر أبي (عليه السلام) توفي الساعة. قال: قلنا له: فما علمك؟ قال: دخلني من إجلال الله عز وجل شيء لم أكن أعرفه قبل ذلك، فعلمت أن أبي قد مضى. قال: فعرفنا ذلك الوقت باليوم والشهر إلى أن ورد خبره، فإذا هو قد مات في ذلك الوقت بعينه (9).
8- وروى محمد بن جعفر الملقب بسجادة، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: حدثتني أم محمد مولاة أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بالخبر، وهي مع الحسن بن موسى، قالت: دنا أبو الحسن علي بن محمد من الباب وقد ذعر حتى جلس في حجر أم أبيها بنت موسى، فقالت له: فديتك، ما لك؟ قال لها: مات أبي، والله، الساعة. قالت: فكتبنا ذلك اليوم، فجاءت وفاة أبي جعفر (عليه السلام) في ذلك اليوم الذي أخبر (10).
9- وروى معاوية بن حكيم، عن أبي الفضل الشامي، عن هارون بن الفضل، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) صاحب العسكر في اليوم الذي توفي فيه أبوه أبو جعفر (عليه السلام)، يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى والله أبو جعفر (عليه السلام). فقلت له: كيف تعلم وهو ببغداد وأنت ها هنا بالمدينة! فقال: لأنه تداخلني ذلة واستكانة لله عز وجل، لم أكن أعرفها (11).
10- وروى المعلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي بن محمد النوفلي، قال: قال علي بن محمد (عليه السلام) لما بدأ المتوكل بعمارة الجعفري (12) في سر من رأى: يا علي، إن هذا الطاغية يبتلى ببناء مدينة لا تتم، ويكون حتفه فيها قبل تمامها، على يد فرعون من فراعنة الأتراك. ثم قال: يا علي، إن الله عز وجل اصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله) بالنبوة والبرهان، واصطفانا بالمحبة والتبيان، وجعل كرامة الصفوة لمن ترى، يعني نفسه (عليه السلام) (13).
11- وروي أن رجلا من أهل المدائن كتب إليه يسأله عما بقي من ملك المتوكل، فكتب (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم: *(قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)*(14) فقتل في أول الخامس عشر (15).
12- روى أبو القاسم البغدادي، عن زرافة حاجب المتوكل، قال: أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) يوم السلام، فقال له وزيره: إن في هذا شناعة عليك وسوء قالة، فلا تفعل، قال: لا بد من هذا. قال: فإن لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد والأشراف كلهم، حتى لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره، ففعل ومشى (عليه السلام) وكان الصيف، فوافى الدهليز وقد عرق، قال: فأجلسته في الدهليز، ومسحت وجهه بمنديل، وقلت: ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك. فقال: إيها عنك *(تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب)*(16). قال زرافة: وكان عندي معلم يتشيع، وكنت كثيرا أمازحه بالرافضي، فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء وقلت: تعال يا رافضي حتى أحدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم. قال لي: وما سمعت؟ فأخبرته بما قال. قال: فقال: أقول لك فاقبل نصيحتي. قلت: هاتها. قال: إن كان علي بن محمد قال بما قلت، فاحترز واخزن كل ما تملكه، فإن المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام، فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يدي فخرج. فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان من هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرني ذلك.
قال: فركبت إلى دار المتوكل، فأخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيرا أقعد عليه. فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل، وسلمت أنا ومالي، وتشيعت عند ذلك، فصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعو لي، وتواليته حق الولاية (17).

معرفة الغائب وما يكون:

1- عن علي بن محمد النوفلي، قال: قال لي محمد بن الفرج الرخجي: إن أبا الحسن (عليه السلام) كتب إليه: يا محمد، اجمع أمرك وخذ حذرك. قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما المراد بما كتب به إلي، حتى ورد علي رسول حملني من مصر مصفدا بالحديد، وضرب على كل ما أملك، فمكثت في السجن ثماني سنين، ثم ورد علي كتاب منه وأنا في السجن: يا محمد بن الفرج، لا تنزل في ناحية الجانب الغربي، فقرأت الكتاب وقلت في نفسي: يكتب أبو الحسن إلي بهذا وأنا في السجن! إن هذا لعجب. فما مكثت إلا أياما يسيرة حتى أفرج عني وحلت قيودي، وخلي سبيلي. قال: فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله أن يرد علي ضياعي، فكتب إلي: سوف ترد عليك، وما يضرك ألا ترد عليك. قال علي بن محمد النوفلي: فلما شخص محمد بن الفرج الرخجي إلى العسكر، كتب له برد ضياعه، فلم يصل الكتاب حتى مات (18).
2- وعن أبي الطيب يعقوب بن ياسر، قال: كان المتوكل يقول: ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا، وجهدت أن يشرب معي، وأن ينادمني فامتنع، وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى فلم أجدها. فقال له بعض من حضر: إن لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذه الحال، فهذا أخوه موسى قصاف عزاف، يأكل ويشرب، ويعشق ويتخالع ، فأحضره واشهره، فإن الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك، ولا يفرق الناس بينه وبين أخيه، ومن عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله. فقال: اكتبوا بإشخاصه مكرما، فأشخص مكرما، فتقدم المتوكل أن يتلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس، وعمل على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة، وبنى له فيها، وحول إليها الخمارين والقيان ، وتقدم بصلته وبره، وأفرد له منزلا سريا يصلح أن يزوره هو فيه. فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن (عليه السلام) في قنطرة وصيف - وهو موضع يتلقى فيه القادمون - فسلم عليه ووفاه حقه، ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك، فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط، واتق الله يا أخي أن ترتكب محظورا. فقال له موسى: إنما دعاني لهذا، فما حيلتي؟ قال: فلا تضع من قدرك، ولا تعصي ربك، ولا تفعل ما يشينك، فما غرضه إلا هتكك، فأبى عليه موسى، قال: فأقام موسى ثلاث سنين يبكر كل يوم إلى باب المتوكل، فيقال له: قد تشاغل اليوم، فيروح، فيقال له: قد سكر، فيبكر فيقال له: قد شرب دواء، فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل، ولم يجتمع معه على شراب (19).
3- وروى محمد بن علي، قال: أخبرني زيد بن علي بن الحسين بن زيد، قال: مرضت فدخل الطبيب علي ليلا، ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا يوما، فلم يمكني تحصيله من الليل، وخرج الطبيب من الباب، وورد صاحب أبي الحسن (عليه السلام) في الحال ومعه صرة فيها ذلك الدواء بعينه. فقال لي: أبو الحسن يقرئك السلام ويقول: خذ هذا الدواء كذا وكذا يوما، فأخذت فشربت فبرئت (20).
4- وعن المنتصر بن المتوكل، قال: زرع والدي الآس في بستان وأكثر منه، فلما استوى الآس كله وحسن، أمر الفراشين أن يفرشوا له على دكان في وسط البستان وأنا قائم على رأسه، فرفع رأسه إلي وقال: يا رافضي، سل ربك الأسود عن هذا الأصل الأصفر ما له من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفر، فإنك تزعم أنه يعلم الغيب؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه ليس يعلم الغيب. فأصبحت [وغدوت] إلى أبي الحسن (عليه السلام) من الغد وأخبرته بالأمر، فقال: يا بني، امض أنت واحفر الأصل الأصفر، فإن تحته جمجمة نخرة، واصفراره لبخارها ونتنها . قال: ففعلت ذلك، فوجدته كما قال (عليه السلام)، ثم قال لي: يا بني، لا تخبرن أحدا بهذا الأمر إلا لمن يحدثك بمثله.
5- وعن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت بالمدينة حين مر بها بغا أيام الواثق في طلب الأعراب، فقال أبو الحسن (عليه السلام): اخرجوا بنا حتى ننظر إلى لغة هذا التركي . فمر بنا تركي وكلمه أبو الحسن (عليه السلام) بالتركية، فنزل عن فرسه وقبل حافر دابته. قال: فحلفت التركي، وقلت له: ما قال الرجل لك؟ قال: هذا نبي؟ فقلت: هذا ليس نبي. قال: دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك، وما علمه أحد إلى الساعة (21).
6- وعن عبد الله بن طاهر، قال: خرجت إلى سر من رأى لأمر من الأمور أحضرني المتوكل، فأقمت مدة ثم ودعت وعزمت على الانحدار إلى بغداد، فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أستأذنه في ذلك وأودعه، فكتب لي: فإنك بعد ثلاث يحتاج إليك ويحدث أمران . فانحدرت واستحسنته، فخرجت إلى الصيد، ونسيت ما أشار إلي أبو الحسن (عليه السلام)، فعدلت إلى المطيرة (22) وقد صرت إلى مصري وأنا جالس مع خاصتي، إذ ثمانية فوارس يقولون: أجب أمير المؤمنين المنتصر، فقلت: ما الخبر؟ فقالوا: قتل المتوكل، وجلس المنتصر، واستوزر أحمد بن محمد بن الخصيب، فقمت من فوري راجعا (23).
7- وعن الطيب بن محمد بن الحسن بن شمون، قال: ركب المتوكل ذات يوم وخلفه الناس، وركبت آل أبي طالب إلى أبي الحسن (عليه السلام) ليركبوا بركوبه، فخرج في يوم صائف شديد الحر، والسماء صافية ما فيها غيم، وهو (عليه السلام) معقود ذنب الدابة بسرج جلود طويل، عليه ممطر وبرنس، فقال زيد بن موسى بن جعفر لجماعة آل أبي طالب: انظروا إلى هذا الرجل يخرج مثل هذا اليوم كأنه وسط الشتاء! قال: فساروا جميعا، فما جاوزوا الجسر ولا خرجوا عنه حتى تغيمت السماء، وأرخت عزاليها كأفواه القرب، وابتلت ثياب الناس، فدنا منه زيد بن موسى بن جعفر، وقال: يا سيدي، أنت قد علمت أن السماء قد تمطر، فهلا أعلمتنا، فقد هلكنا وعطبنا (24).
8- وعن موسى بن جعفر البغدادي، قال: كانت لي حاجة أحببت أن أكتب إلى العسكري (عليه السلام)، فسألت محمد بن علي بن مهزيار أن يكتب في كتابه إليه بحاجتي، فإني كتبت إليه كتابا ولم أذكر فيه حاجتي، بل بيضت موضعها، فورد الكتاب في حاجتي مفسرا في كتاب لمحمد بن إبراهيم الحمصي (25).
9- وروى المعلى بن محمد البصري، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، قال: كتب إليه محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على الزجاج، قال: فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي: إنه مما أنبتت الأرض، وأنهم قالوا: لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض. قال: فجاء الجواب: لا تسجد، وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض، فإنه من الرمل والملح، والملح سبخ، والرمل سبخ، والسبخ بلد ممسوخ (26).
10- وعن أبي عبد الله القمي، قال: حدثني ابن عياش، قال: حدثني أبو الحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهقلي الكاتب بسر من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدثني أبي، قال: كنت بسر من رأى أسير في درب الحصا، فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بغاء فسايرني وأفضى بنا الحديث، إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار، تدري من صاحبه؟ قلت: ومن صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي - يعني علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) - وكنا نسير في فناء داره، قلت ليزداد: نعم فما شأنه. قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو. قلت: وكيف ذلك؟ قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبدا، ولا غيرك من الناس، ولكن لي الله عليك كفيل وراع أنك لا تحدث به عني أحدا، فإني رجل طبيب، ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان، وبلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه، لئلا ينصرف إليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم، يعني بني العباس. قلت: لك علي ذلك، فحدثني به، وليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني، لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم، وقد ضمنت لك الكتمان. قال: نعم، أعلمك أني لقيته منذ أيام وهو على فرس أدهم، وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء، وهو أسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاما له - لا وحق المسيح، ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس - وقلت في نفسي: ثياب سود، ودابة سوداء، ورجل أسود، سواد في سواد في سواد، فلما بلغ إلي وأحد النظر، قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد. قال أبي (رحمه الله): قلت له: أجل فلا تحدث به أحدا، فما صنعت، وما قلت له؟ قال: سقط في يدي (27) فلم أجد جوابا. قلت له: أفما ابيض قلبك لما شاهدت؟ قال: الله أعلم. قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إلي فحضرت عنده، فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواده، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن علي بن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعلم، ثم مات في مرضه ذلك، وحضرت الصلاة عليه (رحمه الله) (28).
11- وحدث محمد بن شرف، قال: كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) أمشي بالمدينة، فقال لي: ألست ابن شرف؟ قلت: بلى، فأردت أن أسأله عن مسألة، فابتدأني من غير أن أسأله، فقال: نحن على قارعة الطريق، وليس هذا موضع مسألة (29).
12- وعن محمد بن الفضل البغدادي، قال: كتبت إلى أبي الحسن أن لنا حانوتين خلفهما لنا والدنا (رضي الله عنه)، وأردنا بيعهما، وقد عسر علينا ذلك، فادع الله لنا يا سيدنا أن ييسر الله لنا بيعهما بإصلاح الثمن، ويجعل لنا في ذلك الخيرة، فلم يجب فيهما بشيء، وانصرفنا إلى بغداد والحانوتان قد احترقا.
13- وعن أيوب بن نوح، قال: كتبت إلى أبي الحسن: قد تعرض لي جعفر ابن عبد الواحد القاضي، وكان يؤذيني بالكوفة، أشكو إليه ما ينالني منه من الأذى، فكتب إلي: تكفى أمره إلى شهرين، فعزل من الكوفة في شهرين واسترحت منه.
14- وعن علي بن محمد الحجال، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): أنا في خدمتك وأصابتني علة في رجلي لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب، فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علتي، ويعينني على القيام بما يجب علي، وأداء الأمانة في ذلك، ويجعلني من تقصيري من غير تعمد مني وتضييع مال أتعمده من نسيان يصيبني في حل، ويوسع علي، وتدعو لي بالثبات على دينه الذي ارتضاه لنبيه (عليه السلام). فوقع: كشف الله عنك وعن أبيك، قال: وكان بأبي علة، ولم أكتب فيها، فدعا له ابتداء (30).
15- وعن كافور الخادم، قال: كان في الموضع المجاور الإمام من أهل الصنائع صنوف من الناس، وكان الموضع كالقرية، وكان يونس النقاش يغشي سيدنا الإمام ويخدمه. فجاءه يوما يرعد، فقال له: يا سيدي أوصيك بأهلي خيرا. قال: وما الخبر؟ قال: عزمت على الرحيل. قال: ولم يا يونس؟ وهو يتبسم (عليه السلام). قال: قال: موسى بن بغا وجه إلي بفص ليس له قيمة، أقبلت أنقشه، فكسرته باثنين، وموعده غدا، وهو موسى بن بغا، إما ألف سوط أو القتل. قال: امض إلى منزلك إلى غد، فما يكون إلا خيرا. فلما كان من الغد وافى بكرة يرعد، فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفص، قال: امض إليه، فما ترى إلا خيرا. قال: وما أقول له يا سيدي؟ قال: فتبسم وقال: امض إليه واسمع ما يخبرك به، فلن يكون إلا خيرا. قال: فمضى وعاد يضحك. قال: قال لي يا سيدي: الجواري اختصمن، فيمكنك أن تجعله فصين حتى نغنيك؟ فقال سيدنا الإمام (عليه السلام): اللهم لك الحمد إذ جعلتنا ممن يحمدك حقا، فأيش قلت له؟ قال: قلت له: أمهلني حتى أتأمل أمره كيف أعمله؟ فقال: أصبت (31).
16- وعن علي بن مهزيار، قال: وردت العسكر وأنا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع، إلا أنه صائف، والناس عليهم ثياب الصيف، وعلى أبي الحسن (عليه السلام) لباد، وعلى فرسه تجفاف لبود، وقد عقد ذنب الفرس، والناس يتعجبون منه، ويقولون: ألا ترون إلى هذا المدني ما قد فعل بنفسه؟ فقلت في نفسي: لو كان هذا إمامفلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت، فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر، وعاد (عليه السلام) وهو سالم من جميعه، فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام، ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت في نفسي: إن كشف وجهه فهو الإمام. فلما قرب مني كشف وجهه، ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب، وجنابته من حرام، فلا يجوز الصلاة فيه، وإن كان جنابته من حلال فلا بأس، فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة.
17- وعن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي، قال: ركب أبي وعمومتي إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام)، وقد اختلفوا في الأربعة أيام التي تصام في السنة، وهو مقيم بصريا قبل مصيره إلى سر من رأى، فقال: جئتم تسألوني عن الأيام التي تصام في السنة. فقالوا: ما جئنا إلا لهذا. فقال: اليوم السابع عشر من ربيع الأول، وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واليوم السابع والعشرون من رجب، وهو اليوم الذي بعث فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة، وهو اليوم الذي دحيت فيه الأرض، واليوم الخامس عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير (32).
18- وعن الحسن بن إسماعيل - شيخ من أهل النهرين - قال: خرجت أنا ورجل من أهل قريتي إلى أبي الحسن (عليه السلام) بشيء كان معنا، وكان بعض أهل القرية قد حملنا رسالة، ودفع إلينا ما أوصلناه، وقال: تقرؤونه مني السلام، وتسألونه عن بيض الطائر الفلاني من طيور الآجام، هل يجوز أكله أم لا؟ فسلمنا ما كان معنا إلى جارية، وأتاه رسول السلطان، فنهض ليركب، وخرجنا من عنده، ولم نسأله عن شيء، فلما صرنا في الشارع لحقنا (عليه السلام) وقال لرفيقي بالنبطية: أقرئه مني السلام وقل له: بيض الطائر الفلاني لا تأكله فإنه من المسوخ (33).
19- وروي عن أحمد بن عيسى الكاتب، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما يرى النائم، كأنه نائم في حجري، وكأنه دفع إلي كفا من تمر عدده خمس وعشرون تمرة، قال: فما لبثت إلا وأنا بأبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) ومعه قائد، فأنزله في حجرتي، وكان القائد يبعث ويأخذ من العلف من عندي، فسألني يوما: كم لك علينا؟ قلت: لست آخذ منك شيئا، فقال لي: أتحب أن تدخل إلى هذا العلوي فتسلم عليه؟ قلت: لست أكره ذلك. فدخلت فسلمت عليه، وقلت له: إن في هذه القرية كذا وكذا من مواليك، فإن أمرتنا بحضورهم فعلنا، قال: لا تفعلوا. قلت: فإن عندنا تمورا جيادا، فتأذن لي أن أحمل لك بعضها. فقال: إن حملت شيئا يصل إلي، ولكن احمله إلى القائد، فإنه سيبعث إلي منه، فحملت إلى القائد أنواعا من التمر، وأخذت نوعا جيدا في كمي وسكرجة (34) من زبد فحملته إليه. ثم جئت، فقال القائد: أتحب أن تدخل على صاحبك؟ قلت: نعم، فدخلت فإذا قدامه من ذلك التمر الذي بعثت به إلى القائد، فأخرجت التمر الذي كان معي والزبد، فوضعته بين يديه، فأخذ كفا من تمر فدفعه إلي، وقال: لو زادك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزدناك، فعددته فإذا هي كما رأيت في النوم لم يزد ولم ينقص (35).
20- وروى الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، قال: دخلت يوما على المتوكل، وهو يشرب، فدعاني إلى الشرب، فقلت: يا سيدي ما شربته قط، قال: أنت تشرب مع علي بن محمد. قال: فقلت له: ليس تعرف من في يدك، إنما يضرك ولا يضره، ولم أعد ذلك عليه. قال: فلما كان يوما من الأيام قال لي الفتح بن خاقان: قد ذكر الرجل - يعني المتوكل - خبر مال يجئ من قم، وقد أمرني أن أرصده لأخبره له، فقل لي من أي طريق يجئ حتى أجتنبه، فجئت إلى الإمام علي بن محمد، فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم، وقال لي: لا يكون إلا خيرا يا أبا موسى، لم لم تعد الرسالة الأولة؟ فقلت: أجللتك يا سيدي. فقال لي: المال يجئ الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي. فلما كان من الليل، وقام إلى ورده، قطع الركوع بالسلام، وقال لي: قد جاء الرجل ومعه المال، وقد منعه الخادم الوصول إلي، فاخرج وخذ ما معه، فخرجت فإذا معه زنفيلجة (36) فيها المال، فأخذته ودخلت به إليه، فقال: قل له:هات الجبة التي قالت لك القمية إنها ذخيرة جدتها، فخرجت إليه فأعطانيها، فدخلت بها إليه، فقال لي: قل له: الجبة التي أبدلتها منها ردها إلينا، فخرجت إليه فقلت له ذلك، فقال: نعم، كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة، وأنا أمضي فأجئ بها. فقال: اخرج فقل له: إن الله تعالى يحفظ لنا وعلينا، هاتها من كتفك، فخرجت إلى الرجل، فأخرجتها من كتفه، فغشي عليه، فخرج إليه فقال له: قد كنت شاكا فتيقنت (37).
21- وعن محمد بن عيسى، عن أبي علي بن راشد، قال: قدمت علي أحمال، فأتاني رسوله (عليه السلام) قبل أن أنظر في الكتب أن أوجهه بها إليه: سرح إلي بدفتر كذا، ولم يكن عندي في منزلي دفتر أصلا، قال: فقمت أطلب ما لا أعرف بالتصديق له، فلم أقع على شيء، فلما ولى الرسول قلت: مكانك، فحللت بعض الأحمال، فتلقاني دفتر لم أكن علمت به، إلا أني علمت أنه لم يطلب إلا حقا، فوجهت به إليه (38).

في معرفة اللغات:

1 - عن علي بن مهزيار، قال: أرسلت غلاما لي إلى أبي الحسن في حاجة، وكان صقلابيا، قال: فرجع الغلام إلي متعجبا، فقلت: ما لك يا بني، فقال لي: وكيف لا أتعجب، ما زال يكلمني بالصقلابية كأنه واحد منا (39).
2 - وروى محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن علي بن مهزيار، عن الطيب الهادي (عليه السلام)، قال: دخلت عليه فابتدأني وكلمني بالفارسية (40).
3 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: مر بأبي الحسن (عليه السلام) تركي، فكلمه أبو الحسن (عليه السلام) بالتركية، فنزل عن فرسه، فقبل حافر دابته، قال: فحلفت التركي أنه ما قال لك الرجل؟ قال: هذا تكناني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك، ما علمه أحد إلى الساعة (41).
4 - وعنه، قال: دخلت عليه فكلمني بالهندية، فبهت فلم أحسن أن أرد عليه (42).
5 - وعنه، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) وهو مجدر، فقلت للمتطبب: (آب گرفت) ثم التفت إلي وتبسم، وقال: تظن أن لا يحسن الفارسية غيرك؟ فقال له المتطبب: جعلت فداك، تحسنها؟ فقال: أما فارسية هذا فنعم. قال لك: احتمل الجدري ماء (43).
6 - وعنه، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام) وعلى رأسه غلام: كلم الغلام بالفارسية، وأعرب له فيها، فقلت للغلام: (نام تو چيست؟) فسكت الغلام، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): يسألك ما اسمك؟ (44).
7 - وروي عن داود بن أبي القاسم، قال: دخلت على أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام)، فقال لي: كلم هذا الغلام بالفارسية، فإنه زعم أنه يحسنها، فقلت للغلام: (زانو تو چيست؟) فلم يجب. فقال له: يسألك ويقول: ركبتك ما هي؟ (45).

في ظهور آياته في الماء والشجر والجماد وغيرها:

1- عن يحيى بن هرثمة، قال: صحبت أبا الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى سر من رأى في خلافة المتوكل، فلما صرنا ببعض الطريق عطشنا عطشا شديدا، فتكلمنا، وتكلم الناس في ذلك، فقال أبو الحسن (عليه السلام): الآن نصير إلى ماء عذب فنشربه . فما سرنا إلا قليلا حتى صرنا إلى تحت شجرة ينبع منها ماء عذب بارد، فنزلنا عليه وارتوينا، وحملنا معنا وارتحلنا، وكنت علقت سيفي على الشجرة فنسيته.
فلما صرت غير بعيد في بعض الطريق ذكرته، فقلت لغلامي: ارجع حتى تأتيني بالسيف، فمر الغلام ركضا، فوجد السيف وحمله ورجع متحيرا، فسألته عن ذلك فقال لي: إني رجعت إلى الشجرة، فوجدت السيف معلقا عليها، ولا عين ولا ماء ولا شجر، فعرفت الخبر، فصرت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فأخبرته بذلك، فقال: احلف أن لا تذكر ذلك لأحد فقلت: نعم (46).
2 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: خرجت مع أبي الحسن (عليه السلام) إلى سر من رأى نتلقى بعض القادمين فأبطأوا، فطرح لأبي الحسن (عليه السلام) غاشية السرج فجلس عليها، فنزلت عن دابتي وجلست بين يديه وهو يحدثني، فشكوت إليه قصور يدي، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا، وناولني منه كفا، وقال: اتسع بهذا يا أبا هاشم، واكتم ما رأيت، فجئت به معي، ورجعنا فأبصرته فإذا هو يتقد كالنيران ذهبا أحمر. فدعوت صائغا إلى منزلي، وقلت له: اسبك لي هذا فسبكه، وقال لي: ما رأيت ذهبا أجود منه، وهو كهيئة الرمل، فمن أين لك هذا؟ فما رأيت أعجب منه! قلت: هذا شيء كان عندنا قديما تدخره لنا عجائزنا على طول الأيام (47).
3 - وعنه، قال: حججت سنة حج فيها بغا (48)، فلما صرت إلى المدينة إلى باب أبي الحسن (عليه السلام) وجدته راكبا في استقبال بغا، فسلمت عليه فقال: امض بنا إذا شئت . فمضيت معه حتى خرجنا من المدينة، فلما أصحرنا التفت إلى غلامه، وقال: إذهب فانظر في أوائل العسكر . ثم قال: انزل بنا يا أبا هاشم . قال: فنزلت وفي نفسي أن أسأله شيئا وأنا أستحيي منه، وأقدم وأؤخر. قال: فعمل بسوطه في الأرض خاتم سليمان، فنظرت فإذا في آخر الأحرف مكتوب: خذ وفي الآخر اكتم وفي الآخر اعذر ثم اقتلعه بسوطه وناولنيه، فنظرت فإذا بنقرة (49) صافية فيها أربعمائة مثقال، فقلت: بأبي أنت وأمي، لقد كنت شديد الحاجة إليها، وأردت كلامك وأقدم وأؤخر، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، ثم ركبنا (50).
4 - وروى أبو محمد البصري، عن أبي العباس خال شبل كاتب إبراهيم ابن محمد، قال: كنا أجرينا ذكر أبي الحسن (عليه السلام)، فقال لي: يا أبا محمد، لم أكن في شيء من هذا الأمر، وكنت أعيب على أخي وعلى أهل هذا القول عيبا شديدا بالذم والشتم، إلى أن كنت في الوفد الذي أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن (عليه السلام)، فخرجنا إلى المدينة. فلما خرج وجدنا في بعض الطريق، وطوينا المنزل، وكان منزلا صائفا شديد الحر، فسألناه أن ينزل، فقال: لا. فخرجنا ولم نطعم ولم نشرب، فلما اشتد الحر والجوع والعطش، فبينما ونحن إذ ذلك في أرض ملساء لا نرى شيئا ولا ظل ولا ماء نستريح، فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه، قال: وما لكم أحسبكم جياعا وقد عطشتم، فقلنا: إي والله يا سيدنا قد عيينا، قال: عرسوا ، وكلوا واشربوا. فتعجبت من قوله ونحن في صحراء ملساء، لا نرى فيها شيئا نستريح إليه، ولا نرى ماء ولا ظلا، فقال: ما لكم عرسوا ، فابتدرت إلى القطار لانيخ، ثم التفت وإذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظل تحتهما عالم من الناس، وإني لأعرف موضعهما، إنه أرض براح قفراء، وإذا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء وأبرده. فنزلنا وأكلنا وشربنا واسترحنا، وإن فينا من سلك ذلك الطريق مرارا، فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب، وجعلت أحد النظر إليه وأتأمله طويلا، وإذا نظرت إليه تبسم وزوى وجهه عني. فقلت في نفسي: والله لأعرفن هذا كيف هو؟ فأتيت وراء الشجرة، فدفنت سيفي، ووضعت عليه حجرين، وتهيأت للصلاة، فقال أبو الحسن (عليه السلام): استرحتم؟ قلنا: نعم. قال: فارتحلوا على اسم الله، فارتحلنا. فلما أن سرنا ساعة رجعت على الأثر، فأتيت الموضع، فوجدت الأثر والسيف كما وضعت والعلامة، وكأن الله لم يخلق ثم شجرة ولا ماء ولا ظلالا ولا بللا، فتعجبت من ذلك، ورفعت يدي إلى السماء، فسألت الله الثبات على المحبة والإيمان به، والمعرفة منه، وأخذت الأثر فلحقت بالقوم، فالتفت إلي أبو الحسن (عليه السلام) وقال: يا أبا العباس فعلتها؟ قلت: نعم يا سيدي، لقد كنت شاكا، وأصبحت وأنا عند نفسي من أغنى الناس في الدنيا والآخرة. فقال: هو كذلك هم معدودون معلومون لا يزيد رجل ولا ينقص.
5 - وروى أبو هاشم الجعفري: أنه كان للمتوكل مجلس بشبابيك كيما تدور الشمس في حيطانه، قد جعل فيها الطيور التي تصوت، فإذا كان يوم السلام جلس في ذلك المجلس، فلا يسمع ما يقال له، ولا يسمع ما يقول، لاختلاف أصوات تلك الطيور، فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) سكتت الطيور، فلا يسمع منها صوت واحد إلى أن يخرج، فإذا خرج من باب المجلس عادت الطيور في أصواتها. قال: وكان عنده عدة من القوابج في الحيطان، فكان يجلس في مجلس له عال، ويرسل تلك القوايج تقتتل، وهو ينظر إليها، ويضحك منها، فإذا وافى علي ابن محمد (عليه السلام) ذلك المجلس لصقت القوابج بالحيطان، فلا تتحرك عن مواضعها حتى ينصرف، فإذا انصرف عادت في القتال (51).

استجابة دعائه وشفاء الأمراض:

1- عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي، قال: إن أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسن (عليه السلام) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد، فقال له: ادع الله تعالى يا سيدي، فإني لا أستطيع ركوب الماء خوف الإصعاد (52) والإبطاء عنك، فسرت إليك على الظهر، وما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع الله تعالى أن يقويني على زيارتك، على وجه الأرض، فقال: قواك الله يا أبا هاشم، وقوى برذونك . قال: فكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد، ويسير على البرذون، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت (53).
2- وعن أبي هاشم الجعفري، قال: ظهر برجل من أهل سر من رأى من البرص ما ينغص عليه عيشه، فجلس يوما إلى أبي علي الفهري، فشكا إليه حاله، فقال له: لو تعرضت يوما لأبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام)، فتسأله أن يدعو لك، رجوت أن يزول عنك. فجلس له يوما في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكل، فلما رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك، فقال: تنح عافاك الله ، ثلاث مرات، فابتعد الرجل ولم يجسر أن يدنو منه، وانصرف، فلقى الفهري فعرفه الحال وما قال، فقال: قد دعا لك قبل أن تسأله، فامض فإنك ستعافى، فانصرف الرجل إلى بيته فبات ليله، فلما أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك (54).
3- وعن جماعة من أهل إصفهان، منهم العياشي محمد بن النضر، وأبو جعفر ابن محمد بن علوية، قالوا: كان بإصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن، وكان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي (عليه السلام) دون غيره من أهل زمانه؟ قال: شاهدت ما أوجب ذلك علي، وذلك أني كنت رجلا فقيرا، وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل إصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين، فأتينا باب المتوكل يوما، إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد النقي (عليه السلام)، فقال بعض من حضر: من هذا الرجل الذي أمر بإحضاره؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ثم قيل: ويقدر أن المتوكل يحضره للقتل. فقلت: لا أبرح من ها هنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو. قال: فأقبل راكبا، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفين، ينظرون إليه، فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته، لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا دائم الدعاء له. فلما صار إلي أقبل بوجهه علي، وقال: قد استجاب الله دعاءك، وطول عمرك، وكثر مالك وولدك . فارتعدت ووقفت بين أصحابي يسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟! فقلت: خيرا، ولم أخبرهم بذلك. فانصرفنا بعد ذلك إلى إصفهان، ففتح الله علي وجوها من المال حتى اليوم، أغلق بابي على مائة ألف ألف درهم، سوى مالي خارج الدار، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت الآن من العمر نيفا وسبعين سنة، وأنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه في.
4- وعن أيوب بن نوح، قال: كتبت إلى أبي الحسن: أن لي حملا، فادع الله أن يرزقني ابنا، فكتب إلي: إذا ولد لك فسمه محمدا. قال: فولد لي ابن فسميته محمدا. قال: وكان ليحيى بن زكريا حمل فكتب إليه: أن لي حملا، فادع الله أن يرزقني ابنا، فكتب إليه: رب ابنة خير من ابن، فولدت له ابنة.
5- 5 - وروى ابن شهرآشوب، بإسناد عن أبي محمد الفحام، عن أبي الحسن محمد بن أحمد، قال: حدثني عم أبي، قال: قصدت الإمام يوما، فقلت: إن المتوكل قطع رزقي، وما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك، فينبغي أن تتفضل علي بمسألته، فقال: تكفى إن شاء الله. فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولا، فجئت إليه فوجدته في فراشه، فقال: يا أبا موسى، تشغل شغلي عنك وتنسينا نفسك، أي شيء لك عندي؟ فقلت: الصلة الفلانية، وذكرت أشياء، فأمر لي بها وبضعفها، فقلت للفتح: وافى علي بن محمد إلى ها هنا وكتب رقعة؟ قال: لا. قال: فدخلت على الإمام (عليه السلام)، فقال لي: يا أبا موسى، هذا وجه الرضا. قلت: يا سيدي، ولكن قالوا إنك ما مضيت إليه، ولا سألت؟(هامشقال: إن الله تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه، ولا نتوكل في الملمات إلا عليه، وعودنا إذا سألناه الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل (55).
6- وقال أحمد بن علي، دعانا عيسى بن الحسن القمي أنا وأبا علي، وكان أعرج، فقال لنا: أدخلني ابن عمي أحمد بن إسحاق على أبي الحسن (عليه السلام)، فرأيته، وكلمه بكلام لم أفهمه. ثم قال له: جعلني الله فداك، هذا ابن عمي عيسى بن الحسن، وبه بياض في ذراعه وشيء قد تكتل كأمثال الجوز. قال: فقال لي: تقدم يا عيسى. فتقدمت. فقال: أخرج ذراعك، فأخرجت ذراعي، فمسح عليها، وتكلم بكلام خفي طول فيه، ثم قال في آخره ثلاث مرات: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم التفت إلى أحمد بن إسحاق، فقال له: يا أحمد بن إسحاق، كان علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) أقرب إلى الاسم الأعظم من بياض العين إلى سوادها. ثم قال: يا عيسى، قلت: لبيك. قال: أدخل يدك في كمك ثم أخرجها. فأدخلتها ثم أخرجتها، وليس في ذراعي قليل ولا كثير (56).
7- وعن إبراهيم بن محمد الطاهري، قال: مرض المتوكل من خراج خرج به، فأشرف منه على الموت، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) مالا جليلا من مالها. وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل - يعني أبا الحسن (عليه السلام) - فسألته، فإنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج الله به عنك؟ فقال: ابعثوا إليه، فمضى الرسول ورجع فقال: خذوا كسب الغنم (57)، فديفوه بماء الورد، وضعوه على الخراج، فإنه نافع بإذن الله. فجعل من بحضرة المتوكل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح: وما يضر من تجربة ما قال؟ فوالله إني لأرجو الصلاح به، فاحضر الكسب، وديف بماء الورد، ووضع على الخراج، فانفتح وخرج ما كان فيه. فبشرت أم المتوكل بعافيته، فحملت إلى أبي الحسن (عليه السلام) عشرة آلاف دينار تحت ختمها، واستقل المتوكل من علته (58)... الحديث وسنذكره مفصلا في موقف الحكام من الإمام (عليه السلام).
8- 8 - وعن محمد بن الريان بن الصلت، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أستأذنه في كيد عدو، ولم يمكن كيده، فنهاني عن ذلك، وقال كلاما معناه: تكفاه، فكفيته والله أحسن كفاية، ذل وافتقر ومات أسوأ الناس حالا في دنياه ودينه (59).
9- وعن محمد بن عيسى، عن علي بن جعفر: أن أبا الحسن (عليه السلام) أتى المسجد ليلة الجمعة، فصلى عند الأسطوانة التي حذاء بيت فاطمة (عليها السلام)، فلما جلس أتاه رجل من أهل بيته يقال له معروف، قد عرفه علي بن جعفر وغيره، فقعد إلى جانبه يعاتبه، وقال له: إني أتيتكم فلم تأذن لي. فقال: لعلك أتيت في وقت لم يمكن أن يؤذن لك علي، وما علمت بمكانك، وأخبرت عنك أنك ذكرتني وشكوتني بما لا ينبغي. فقال الرجل: لا والله، ما فعلت، وإلا فهو برئ من صاحب القبر إن كان فعل. فقال أبو الحسن (عليه السلام): علمت أنه حلف كاذبا، فقلت: اللهم إنه قد حلف كاذبا، فانتقم منه، فمات الرجل من غد، وصار حديثا بالمدينة (60).
10- وعن المسعودي، قال: روي أنه دخل دار المتوكل، فقام يصلي، فأتاه بعض المخالفين، فوقف حياله، فقال له: إلى كم هذا الرياء؟ فأسرع الصلاة وسلم، ثم التفت إليه فقال: إن كنت كاذبا مسخك الله، فوقع الرجل ميتا، فصار حديثا في الدار (61).
11- وعن محمد بن مسعود، قال: قال يوسف بن السخت: كان علي بن جعفر وكيلا لأبي الحسن صلوات الله عليه، وكان رجلا من أهل همينيا (62)، قرية من قرى سواد بغداد، فسعي به إلى المتوكل، فحبسه فطال حبسه، واحتال من قبل عبد الرحمن بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار، وكلمه عبيد الله ، فعرض حاله على المتوكل، فقال: يا عبيد الله، لو شككت فيك لقلت إنك رافضي، هذا وكيل فلان ، وأنا على قتله. قال: فتأدى الخبر إلى علي بن جعفر، فكتب إلى أبي الحسن (عليه السلام): يا سيدي، الله الله في، فقد والله خفت أن أرتاب، فوقع في رقعته: أما إذا بلغ بك الأمر ما أرى، فسأقصد الله فيك، وكان هذا في ليلة الجمعة. فأصبح المتوكل محموما، فازدادت عليه حتى صرخ عليه يوم الاثنين، فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه حتى ذكر هو علي بن جعفر، وقال لعبيد الله: لم لم تعرض علي أمره؟ فقال: لا أعود إلى ذكره أبدا. قال: خل سبيله الساعة، وسله أن يجعلني في حل، فخلى سبيله، وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن (عليه السلام) مجاورا بها، وبرأ المتوكل من علته (63).

في ظهور آياته في معان شتى:

1 - عن محمد بن الفرج، قال: قال لي علي بن محمد (عليهما السلام): إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها، وضع الكتاب تحت مصلاك، ودعه ساعة، ثم أخرجه وانظر إليه . قال محمد: ففعلت، فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا في الكتاب.
2 - وعن إسحاق الجلاب، قال: اشتريت لأبي الحسن (عليه السلام) غنما كثيرة، فأدخلني في اصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني به، فبعثت إلى أبي محمد وإلى والدته وغيرهما ممن أمرني، ثم استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدي، وكان ذلك يوم التروية، فقال: تقيم غدا عندنا ثم تنصرف ، فأقمت. فلما كان يوم عرفة أقمت عنده، وبت ليلة الأضحى في رواق له، فلما كان في السحر أتاني وقال: يا إسحاق، قم فقمت وفتحت عيني، فإذا أنا على باب بغداد، فدخلت على والدي، وأتاني أصحابي، فقلت لهم: عرفت بالعسكر، وخرجت ببغداد إلى يوم العيد.
3 - وعن هبة الله بن أبي منصور الموصلي، قال: كان بديار ربيعة كاتب لنا نصراني، وكان من أهل كفرتوثا (64)، يسمى يوسف بن يعقوب، وكان بينه وبين والدي صداقة. قال: فوافى ونزل عند والدي، فقال: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: قد دعيت إلى حضرة المتوكل، ولا أدري ما يراد مني، إلا أني اشتريت نفسي من الله تعالى بمائة دينار، قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) معي، فقال له والدي: وفقت في هذا. قال: وخرج إلى حضرة المتوكل، وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحا مستبشرا، فقال له أبي: حدثني بحديثك. قال: سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في دار وقلت: يجب أن أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضا (عليه السلام) قبل مصيري إلى باب المتوكل، وقبل أن يعرف أحد قدومي. قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب، وأنه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا، لا آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره. قال: فتفكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من البلد، ولا أمنعه من حيث يريد، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحدا. قال: فجعلت الدراهم في كاغذ، وجعلتها في كمي، وركبت فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار ابن الرضا (عليه السلام). فقلت: الله أكبر، دلالة والله مقنعة. قال: فإذا خادم أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم. قال: انزل، فنزلت، فأقعدني في الدهليز، ودخل، فقلت في نفسي: وهذه دلالة أخرى، من أين يعرف هذا الخادم اسمي وليس في هذا البلد أحد يعرفني ولا دخلته قط؟! قال: فخرج الخادم وقال: المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها. فناولته إياها وقلت: هذه ثالثة، ثم رجع إلي وقال: ادخل، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده، فقال: يا يوسف، أما بان لك؟ فقلت: يا مولاي، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى. فقال: هيهات هيهات، أما إنك لا تسلم، ولكن سيسلم ولدك فلان، وهو من شيعتنا. يا يوسف، إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك، كذبوا والله، إنها لتنفع أمثالك، امض فيما وافيت، فإنك سترى ما تحب . قال: فمضيت إلى باب المتوكل، فقلت كلما أردت وانصرفت. قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا وهو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية، وأنه أسلم بعد موت والده، وكان يقول: أنا بشارة مولاي (عليه السلام) (65). 4 - وعن علي بن مهزيار، قال: إنه صار إلى سر من رأى، وكانت زينب الكذابة ظهرت وزعمت أنها زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأحضرها المتوكل وسألها، فانتسبت إلى علي بن أبي طالب وفاطمة (عليهما السلام)، فقال لجلسائه: كيف بنا بصحة أمر هذه، وعند من نجده؟ فقال الفتح بن خاقان: ابعث إلى ابن الرضا فأحضره حتى يخبرك بحقيقة أمرها.
فأحضر (عليه السلام) فرحب به المتوكل، وأجلسه معه على سريره، فقال: إن هذه تدعي كذا، فما عندك؟ فقال: المحنة في هذا قريبة، إن الله تعالى حرم لحم جميع من ولدته فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) على السباع، فألقوها للسباع، فإن كانت صادقة لم تتعرض لها، وإن كانت كاذبة أكلتها. فعرض عليها فكذبت نفسها، وركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي على نفسها وجاريتها على حمار آخر بأنها زينب الكذابة، وليس بينها وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم قرابة، ثم دخلت الشام. فلما أن كان بعد ذلك بأيام، ذكر عند المتوكل أبو الحسن (عليه السلام)، وما قال في زينب، فقال علي بن الجهم: يا أمير المؤمنين، لو جربت قوله على نفسه فعرفت حقيقة قوله. فقال: أفعل. ثم تقدم إلى قوام السباع، فأمرهم أن يجوعوها ثلاثة ويحضروها القصر، فترسل في صحنه، فنزل وقعد هو في المنظر، وأغلق أبواب الدرجة، وبعث إلى أبي الحسن (عليه السلام) فأحضر، وأمره أن يدخل من باب القصر، فدخل، فلما صار في الصحن، أمر بغلق الباب، وخلى بينه وبين السباع في الصحن. قال علي بن يحيى: وأنا في الجماعة وابن حمدون، فلما حضر (عليه السلام) وعليه سواد وشقة، فدخل وأغلق الباب، والسباع قد أصمت الآذان من زئيرها، فلما مشى في الصحن يريد الدرجة، مشت إليه السباع وقد سكنت، ولم نسمع لها حسا حتى تمسحت به، ودارت حوله، وهو يمسح رؤوسها بكمه، ثم ضربت بصدورها الأرض، فما مشت ولا زأرت حتى صعد الدرجة، وقام المتوكل ودخل، فارتفع أبو الحسن (عليه السلام) وقعد طويلا، ثم قام فانحدر، ففعلت السباع به كفعلها في الأول، وفعل هو بها كفعله الأول، فلم تزل رابضة حتى خرج من الباب الذي دخل منه،
وركب وانصرف، وأتبعه المتوكل بمال جزيل صلة له. وقال علي بن الجهم: فقمت وقلت: يا أمير المؤمنين، أنت إمام فافعل كما فعل ابن عمك. فقال: والله لئن بلغني ذلك من أحد من الناس لأضربن عنقه وعنق هذه العصابة كلهم، فوالله ما تحدثنا بذلك حتى قتل.
5 - وعن كافور الخادم، قال: قال لي الإمام علي بن محمد (عليه السلام): اترك لي السطل الفلاني لأتطهر منه للصلاة، وأنفذني في حاجة وقال: إذا عدت فافعل ذلك، ليكون معدا إذا تأهبت للصلاة، واستلقى (عليه السلام) لينام وأنسيت ما قال لي، وكانت ليلة باردة، فحسست به وقد قام إلى الصلاة، وذكرت أنني لم أترك السطل، فبعدت عن الموضع خوفا من لومه، وتألمت له حيث يشقى بطلب الإناء، فناداني نداء مغضب فقلت: إنا لله، أيش عندي أن أقول نسيت مثل هذا ولم أجد بدا من إجابته. فجئت مرعوبا، فقال: يا ويلك، أما عرفت رسمي أنني لا أتطهر إلا بماء بارد، فسخنت لي ماء فتركته في السطل! فقلت: والله يا سيدي، ما تركت السطل ولا الماء. قال: الحمد لله، والله لا تركنا رخصة، ولا رددنا منحة، الحمد لله الذي جعلنا من أهل طاعته، ووفقنا للعون على عبادته، إن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله يغضب على من لا يقبل رخصته (66).
6 - وروى السيد ابن طاووس في كشف المحجة، بإسناده من كتاب الرسائل للكليني، عمن سماه، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أن الرجل يحب أن يفضي إلى إمامه بما يحب أن يفضي إلى ربه، قال: فكتب: إن كان لك حاجة، فحرك شفتيك، فإن الجواب يأتيك. 7 - وعن محمد بن داود القمي ومحمد الطلحي، قالا: حملنا مالا من خمس ونذر وهدايا وجواهر اجتمعت في قم وبلادها، وخرجنا نريد بها سيدنا أبا الحسن الهادي (عليه السلام)، فجاءنا رسوله في الطريق: أن ارجعوا، فليس هذا وقت الوصول، فرجعنا إلى قم، وأحرزنا ما كان عندنا، فجاءنا أمره بعد أيام: أن قد أنفذنا إليكم إبلا عيرا، فاحملوا عليها ما عندكم، وخلوا سبيلها. قال: فحملناها وأودعناها الله، فلما كان من قابل، قدمنا عليه، فقال: انظروا إلى ما حملتم إلينا، فنظرنا فإذا المنايح كما هي (67).
هذا ما كان من بعض المعاجز التي صدرت منه (عليه السلام)، ولو أردنا الاستقصاء لطال بنا المقام - والله العالم بالمرام.
المصادر :
1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 324.
2- الإرشاد 2: 301، الكافي 1: 416 / 1، إعلام الورى: 358، مناقب ابن شهرآشوب 4: 410، الخرائج والجرائح 1: 407 / 13، الفصول المهمة: 279، بحار الأنوار 50: 158 / 48.
3- الثاقب في المناقب: 536، المناقب 4: 414، إعلام الورى: 364.
4- الثاقب في المناقب: 537، المناقب 4: 415، إعلام الورى: 364.
5- الإرشاد 2: 306، الكافي 1: 419 / 6، إعلام الورى: 359، مناقب ابن شهرآشوب 4: 414، الثاقب في المناقب: 537.
6- الإرشاد 2: 305، الكافي 1: 418، إعلام الورى: 359، بحار الأنوار 50: 141.
7- الدهق: خشبتان تعصر بهما الساق للتعذيب.
8- الإرشاد 2: 306، الكافي 1: 419، إعلام الورى: 359، الخرائج والجرائح 2: 681 / 11، بحار الأنوار 50: 139 / 23.
9- دلائل الإمامة: 415 / 379، بصائر الدرجات: 487 / 2، إثبات الوصية: 194.
10- دلائل الإمامة: 413 / 374، إثبات الوصية: 194، كشف الغمة 3: 174.
11- دلائل الإمامة: 415 / 378، بصائر الدرجات: 487 / 3 و5، الكافي 1: 312 / 5، إثبات الوصية: 194، نوادر المعجزات: 189 / 8.
12- الجعفري: اسم قصر بناه المتوكل قرب سامراء، واستحدث عنده مدينة انتقل إليها، وفيه قتل سنة 247 ه‍.
13- دلائل الإمامة: 415 / 376، إثبات الوصية: 202.
14- يوسف: 47 - 49.
15- بحار الأنوار 50: 186، عن عيون المعجزات.
16- هود: 65.
17- بحار الأنوار 50: 147 / 32.
18- الإرشاد 2: 304، الكافي 1: 418 / 5، إعلام الورى: 358، بحار الأنوار 50: 141، إثبات الوصية: 196، الخرائج والجرائح 2: 679 / 9، مناقب ابن شهرآشوب 4: 414.
19- الإرشاد 2: 307، الكافي 1: 420 / 8، المناقب لابن شهرآشوب 4: 409،إعلام الورى: 362 - 363.
20- الإرشاد 2: 308، الكافي 1: 420 / 9، الخرائج والجرائح 1: 406 / 12، الثاقب في المناقب: 549، الهداية الكبرى: 314، المناقب لابن شهرآشوب 4: 408، بحار الأنوار 50: 15 / 36.
21- الثاقب في المناقب: 538، الخرائج والجرائح 2: 674 / 4، مناقب ابن شهرآشوب 4: 408، إعلام الورى: 359.
22- المطيرة: قرية من نواحي سامراء.
23- الثاقب في المناقب: 539.
24- الثاقب في المناقب: 540.
25- الثاقب في المناقب: 540 - 541.
26- دلائل الإمامة: 414 / 375، الكافي 3: 332 / 14، إثبات الوصية: 195، علل الشرائع: 342 / 5، كشف الغمة 3: 174.
27- أي ندمت وتحيرت.
28- دلائل الإمامة: 418 / 382، نوادر المعجزات: 187 / 6، فرج المهموم: 233، بحار الأنوار 50: 161 / 50.
29- كشف الغمة 3: 175.
30- كشف الغمة 3: 175. 178
31- بحار الأنوار 50: 173، مناقب ابن شهرآشوب 4: 414.
32- مناقب ابن شهرآشوب 4: 417، بحار الأنوار 50: 157 / 47.
33- بحار الأنوار 50: 186 عن عيون المعجزات.
34- السكرجة: القصعة أو الوعاء.
35- بحار الأنوار 50: 153 / 39.
36- الزنفيلجة: وعاء أدوات الراعي، فارسي معرب.
37- بحار الأنوار 50: 124 / 2، المناقب 4: 413.
38- بحار الأنوار 50: 130 / 9.
39- كشف الغمة 3: 179، الإختصاص: 289، مناقب ابن شهرآشوب 4: 408.
40- بصائر الدرجات: 333، بحار الأنوار 50: 130 / 10.
41- مناقب ابن شهرآشوب 4: 408.
42- مناقب ابن شهرآشوب 4: 408، بحار الأنوار 50: 139 / 17.
43- مناقب ابن شهرآشوب 4: 139 / 18.
44- بحار الأنوار 50: 137 / 19.
45- بحار الأنوار 50: 157 / 46.
46- الثاقب في المناقب: 531.
47- الثاقب في المناقب: 532، الخرائج والجرائح 2: 673، المناقب 4: 409 قطعة منه، إعلام الورى: 360
48- بغا: قائد المتوكل، تركي.
49- النقرة: القطعة المذابة، وقيل: السبيكة.
50- الثاقب في المناقب: 532 - 533.
51- بحار الأنوار 50: 148 / 34.
52- أي السير عكس تيار الماء.
53- الثاقب في المناقب: 544، الخرائج والجرائح 2: 672 / 1، المناقب 4: 409، إعلام الورى: 361.
54- الثاقب في المناقب: 554، الخرائج والجرائح 1: 399 / 5، كشف الغمة 3: 183.
55- بحار الأنوار 50: 127 / 5 عن المناقب.
56- دلائل الإمامة: 420 / 382، نوادر المعجزات: 188 / 7.
57- الكسب: عصارة الدهن.
58- الإرشاد 2: 302، الكافي 1: 417 / 4، إعلام الورى: 361، دعوات الراوندي: 202 / 555، الخرائج والجرائح 1: 676 / 8، بحار الأنوار 50: 198 / 10، الفصول المهمة: 277، المناقب 4: 415.
59- بحار الأنوار 50: 180، كشف الغمة 3: 178.
60- إثبات الوصية: 224.
61- إثبات الوصية: 230.
62- وهي قرية كبيرة في ضفة دجلة فوق النعمانية.
63- أي قبل الحوالة. يعني عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل. يريد الإمام الهادي (عليه السلام). بحار الأنوار 50: 183 / 58.
64- الثاقب في المناقب: 548، كشف الغمة 3: 185. الثاقب في المناقب: 549، الكافي 1: 417 / 3، المناقب 4: 411. كفرتوثا: قرية كبيرة من أعمال الجزيرة، ويقال: إنها من قرى فلسطين.
65- الثاقب في المناقب: 553، الخرائج والجرائح 1: 396 / 3، كشف الغمة 3: 182، بحار الأنوار 50: 144 / 28.
66- الثاقب في المناقب: 545، مروج الذهب 4: 86، الخرائج والجرائح 1: 404 / 11، المناقب 4: 416، حلية الأبرار 2: 348. بحار الأنوار 50: 126 / 4، المناقب 4: 414.
67- بحار الأنوار 50: 155 / 42. المنايح: الهدايا والعطايا. بحار الأنوار 50: 185 / 62.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قراءة جديدة في كتاب نهج البلاغة
كلمات في الإمام الرضا ( ع )
الزهراء بعد الرسول الله صلوات الله عليهما
قم وأهلها فی روایات أهل البیت (علیهم السلام)
النص على إمامته
المسيح.. في كربلاء
معاشرة فاطمة ( عليها السلام ) للإمام علي ( عليه ...
البعثة النبوية المباركة
مرقد الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع)
آداب الأخوة عند الإمام علي ( عليه السلام )

 
user comment