عربي
Thursday 21st of November 2024
0
نفر 0

انسجام الدین مع الفطرة

نستفید مما جاء فی القرآن الکریم بأن الدین الإسلامی هو دین الفطرة، أی أنه یتلائم وینسجم مائة بالمائة مع خلقة الإنسان ومصیره، وعمق روحه. قال الباری تعالى فی محکم کتابه المجید:
انسجام الدین مع الفطرة
نستفید مما جاء فی القرآن الکریم بأن الدین الإسلامی هو دین الفطرة، أی أنه یتلائم وینسجم مائة بالمائة مع خلقة الإنسان ومصیره، وعمق روحه.

قال الباری تعالى فی محکم کتابه المجید:

(فَأقِمْ وجهک للدین حنیفاً فطرة الله التی فطر الناس علیها، لا تبدیل لخلق الله، ذلک الدین القیِّم) (1)
لقد جعل الله تبارک وتعالى الدین الإسلامی دیناً وسطاً، أی لا یوجد فیه إفراط ولا تفریط، وعلیه یکون مطابقاً مائة بالمائة للفطرة الإلهیة، ولهذا السبب کان هذا الدین قیّماً أو بالأحرى أبدیاً قائماً على مرور الدهور والأزمان.
وهذه الآیة الشریفة کأنما ترید أن تقول: لأن هذا الدین دینٌ وسطٌ، ولکونه یتلائم والفطرة، إذن هو باقٍ، وعلیه یکون رسول الإسلام خاتم الأنبیاء.

معنى الفطرة

الفطرة: هی الخلقة التی یکون علیها کلّ موجود أوَّلَ خلقه، أو الطبیعةُ السلیمة التی لم تُشَبْ بعیب، والفطرة السلیمة فی اصطلاح الفلاسفة: استعدادٌ لإصابة الحکم والتمییز بین الحق والباطل.
معلوماتنا تنقسم إلى قسمین: الأول فکری نکتسبه من التعلیم نظیر ما یقوله المعلم أثناء الدرس ویکتسبه التلمیذ منه، أو مثلما أقوله لکم فی هذا المقال وأنتم تکسبون بعض المعلومات مما أقول.
هذا هو قسم من المعلومات التی یمتلکها الإنسان، وهی التی ترتبط بالعقل البشری؛ أما القسم الآخر من المعلومات التی لا ترتبط بالعقل هی تلک التی حصل علیها مع قیام وجوده فی هذه الدنیا، وترتبط بالغرائز والمیول، نظیر أن یکون جائعاً فیأکل حتى یشبع، وعطشاناً فیشرب الماء حتى یرتوی؛ أی المبادئ والأفکار الموجودة فی النفس قبل التجربة.
إن إدراک الجوع والعطش نوع من المعلومات لا یمکن احتسابها ضمن دائرة التعلیم والتعلّم، بل نوع من المعلومات التی یبحث عنها الإنسان فیجدها.
أی أن الإنسان ومن خلال هذه الغرائز التی زرعها رب العالمین فیه یتأتّى له إدراک الجوع وإدراک الشبع، وبعبارة أخرى یجد الإنسان الجوع والعطش ثم یجد الشبع والارتواء بعد الأکل والشرب، وهذه الغرائز تقسم إلى قسمین.
القسم الأول: غرائز یشترک فیها مع الحیوانات، وقد تکون بعض الغرائز أقوى فی الحیوان مما علیه فی الإنسان من مثل الأکل والشرب.
القسم الثانی: غرائز تبرز بعد أن تُنبّه لتدخل الإرادة فی توجیهها وجهةً خاصة، وهی ما تسمّى بغرائز الفطرة.
فالفطرة هی نوع من أنواع الغرائز تبرز وفق الأفکار الموجودة فی العقل البشری، ووفق حدّة التنبیه، على العکس من تلک التی تبرز من حیث لا یشعر الإنسان بها، وبدون إلفات أو تنبیه، بل تبرز من غیر إرادة.

فطرة التعلق بالله

من جملة ما جُبِلَ علیه الإنسان من فِطرات، وهنَّ کثار، فطرة التعلّق بالله، وفطرة البحث عن الله تبارک وتعالى، فالإنسان بطبیعته باحثٌ عن الله فی ذاته، ومتعلّق بالله تبارک وتعالى من حیث لا یشعر، ولو تأتّى هتک الستر والحجاب، بالإضافة إلى انعدام الصفات الرذیلة فی الإنسان، لوجدنا إنساناً یبحث عن الله تعالى مثلما یبحث الظمآن عن الماء، وهذه المسألة لیست بمسألة تعلیم ولا تعلم، بل مسألة وجدانیة تکمن فی أعماق النفس البشریة منذ أن خُلق البشر.
لا یوجد من لم یصل به الأمر إلى حالة من الضیق، حیث یصل الإنسان فی بعض أوقاته إلى أن یقطع یده عن الجمیع لیمدّ یده إلى الله تعالى فقط، بعد أن یعتقد أن لا ملجأ من تلک الحالة إلاّ إلى الله جلّت حکمته، وعندها یضحى الإنسان باحثاً عن المنجی الوحید مثلما یبحث الظامئ عمّا یبلُّ به شفتیه من ماء، وهذه الحالة بیَّنها القرآن المجید فی الآیة المبارکة التی تقول:
(فإذا رکبوا فی الفلک دعوا الله مخلصین له الدّین، فلمّا نجّاهم إلى البرِّ إذا هم یشرکون) (2)
إن هذه الآیة الشریفة تبیّن لنا الحالة العصیبة التی یصل فیها الإنسان إلى التوحید، حین یراه الله تعالى یدعوا باخلاص بأن ینجّیه مما هو فیه، وعندها یدرک أن الله سمیع، بصیر، رؤوف، کریم وقدیر، وأنّه القدرة المطلقة، والعلم المطلق، والرأفة المطلقة.
فالبشر إجمالاً یسمع منادیا ربّه فی البلایا والمصائب من حیث لا یشعر، فتراه یقول: إلهی إنک قادرٌ على أن تنجینی مما أنا فیه، إلهی إنک تعلم حالی، فالطف بی کما فعلت ذلک من قبل، إلهی أنت الرؤوف، أنت الجواد، أنت... أنت.
على أیّة حال، إن البلایا والمصائب تستجمع جمیع الکمالات فی الشخص المبتلى، وحینها یمجد الله تعالى. ویسمى حینئذ موحداً، وعلى حدّ قول الله تعالى: (مُخلصاً) فی دعائه.
إن "124" ألف نبیّ ورسول وما أُنزل إلیهم من کتب، کان کل ذلک من أجل إحیاء هذه الفطرة، الفطرة التی تبرز جلیّة عند البلایا والرزایا والمصائب، لیصل الإنسان من خلالها إلى المقام أو المکان الذی یُبقیه دائماً یبحث عن الله، ویبقیه دائماً متعلقاً بالله تبارک وتعالى.
وبعبارة أخرى، إن جمیع الأنبیاء والرسل، وکلّ هذه المساجد، وما فیها من المنابر، وکلّ هذه العبادات هی من أجل تذکیر الإنسان بربّه الذی خلقه فسوّاه فی أحسن تقویم، وهذا ما أشارت إلیه الآیة الشریفة التی جاء فیها:
(إنَّنی أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنی، وأقم الصلاة لذکری) (3)
فهذه الآیة المبارکة تعنی: إذا أضحى المحراب والمنبر مذکّرا للإنسان بربّه دائماً، وأضحت الأنبیاء والرسل وکتبهم باعثاً على عدم نسیان رب الأرباب، تعلّق الإنسان بربّه تعلّق العاشق بمعشوقه، وأصبح یراه بعین قلبه، عندها لا تراه یرفع یدیه بالدعاء والطلب والحاجة إلاّ إلیه سبحانه، وبهذا یصل إلى المقام الذی وعده الله به:
(رجالٌ لا تلهیهم تجارة ولا بیع عن ذکر الله) (4)فبلوغ المقام السامی والرفیع لا یبقی على أستارٍ ولا على حجب، فلا التجارة تمنعه عن ذکر الله ولا بیع ولا أی شیءٍ آخر، کونه أصبح یرى الله ویُدرک وجوده، ومن لم یَر الله بعین قلبه، عُدّ کالجائع الذی لا یدرک جوعه وهذا محال، إذن هناک شیء غیر طبیعی ألا وهو وجود حجاب أو ستر یحول دون حکومة الله على قلب الفرد، وهذا الحجاب هو اللهو، والتجارة، وحبّ الدنیا، وما إلى ذلک، ولکن لو أزیح هذا الحجاب من على ذلک القلب لرأى الإنسان ربّه، ولعاد إلى فطرته التی فطر علیها، بل ولأضحى باحثاً عن الله تعالى فی کلّ ما یرى أو یسمع.
إن هذه المسائل لا تدلل على أنها مرتبطة بالتعلیم أو التعلّم، ولیس لها علاقة بالنظم، ولا ببراهین الصدیقین، والحدوث والإمکان، بل إنها مرتبطة فقط بالوجدان.
من المعلوم لدینا ولدیکم بأن الإنسان حینما یجدُ ضالّته، أو یجدُ ربّه الذی یبحث عنه فی کلّ آثاره، یکون کالإنسان الظامئ المدرک لحالة الظمأ، والخارج علیها بحالة الارتواء بعد للماء؛ لذا یتصاغر الإنسان مقابل ربّه بعد أن یجده أقرب إلیه من حبل الورید.

العبادة مسألة فطریّة

إن من جملة ما جبل علیه الإنسان من فطرة هی مسألة العبادة، فصوم شهر رمضان على سبیل المثال ینسجم والفطرة البشریة. لذا ترى قلب الفرد المحبّ لله یحاول التشبه به سبحانه. وإن أسمى مراتب التشبّه بالله هو الصوم، فالذین نراهم یتلذذون بصیام شهر رمضان المبارک ویبکون فی أواخر أیامه ـ کما کان یفعل الإمام علی بن الحسین"ع" ـ یجدون انسجاماً بین الصیام وفطرتهم، لذا هم یفرحون حینما یأتی شهر الصیام، وینقبضون نفسیاً حینما یرید أن یفارقهم إلى العام القادم.وکذا الأمر بالنسبة للصلاة، فالمصلّی الذی یروم القرب من الحبیب، وقد تمکن من إزاحة الحجب والأستار بینه وبین الباری تعالى یتلذذ حینما یقوم للصلاة بشکل لیس بعجیب على من أدرک معنى الصلاة، وعلى حدّ قول الإمام الصادق جعفر بن محمد "ع": "الرکعتان فی جوف اللیل أحب إلی من خیر الدنیا وما فیها"(5)
فالذی لا یبدل خیر الدنیا برکعتی صلاة، لا شک من إدراکه لوجود الله تبارک وتعالى، ولا شک فی أن فطرته هی التی أمرته بالتصاغر أما الله تعالى فی جوف اللیل والناس نیام.
ولذا فهو یتلذذ فی الصلاة والعبادة، ویستسهل الإنفاق فی سبیل الله، ولا یستصعبه، ومن یفعل ذلک فهو لا یمکن أن یعتبر إلاّ جامع لجمیع صفات الکمال،ولهذا نجده یضحّی بماله وزوجه وولده ونفسه فی سبیل الله، ومن أجل الله، مثله کمثل الفراشة التی تحترق أمام الشمعة المشتعلة، وکم هو جمیل تعبیر القرآن المجید حین قال:
(تتجافى جنوبهم عن المضاجع یدعون ربهم خوفاً وطمعاً، ومما رزقناهم ینفقون، فلا تعلم نفس ما أُخفی لهم من قرة أعین جزاءً بما کانوا یعملون) (6)
من هم هؤلاء الذین تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ إنهم الذین تعرّفوا على الله تعالى، إنهم من حکمت صفات الجمال والجلال الإلهیة على قلوبهم، وهم من أزیحت الحجب والأستار عن أعینهم، لیجدوا الله أمامهم، وهذه المسألة لا تتعلق بالمرة بالعلم والتعلّم.فهؤلاء الأفراد الذین ترکوا مضاجعهم، وقاموا إلى الصلاة، صلاة اللیل، ینفقون ممّا رزقناهم فی سبیل هذا الذی قاموا للصلاة من أجله، إنهم یتلذذون بهذا القیام، وذاک الإنفاق بشکل لا یدرکه إلاّ من عمل به لتضحى الصلاة والصیام والإنفاق وما إلى ذلک أموراً عادیة، کونها تنبع من کوامن الوجدان، من کوامن الفطرة، ولا یقف الأمر عند مسألة الصلاة والصیام والإنفاق والخمس والزکاة، بل یتعدّاه إلى أبعد من ذلک، إلى الجود بالنفس والمال إذا رأوا أن الأمر یستلزم ذلک، ناهیک عن قیامهم بإعطاء الزکاة أو الخمس أو متابعة أمور الفقراء والمعدمین.
مثلهم فی ذلک کمثل الظمآن الذی یسعى وراء الماء أینما کان؛ فالجائع على سبیل المثال یسعى للفوز بلقمة خبز من خلال متابعته لذلک، والمتعلق بالله تعالى بعدما وجده وعرفه یسعى لإقامة الصلاة وإیتاء الزکاة والخمس وما إلى ذلک، لأنه یجد فی ذلک لذّته، ویجد کذلک أعلى مراتب لذّاته فی الطواف حول بیت الله تبارک وتعالى؛ نظیر ذلک العاشق الذی یطوف حول سور وبوابة مدینة معشوقه، فتراه حیناً یقبّل السور، وأخرى یرى مقبلاً للبوابة، وهذا ما نراه فی حالة الطواف، والسعی بین الصفا والمروة، والسعی وراء کلّ ما یؤمِّن کلّ تلک اللذّة المقدسة.
فالعاشق وجد معشوقه، وجده فی قلبه الذی طالما بحث عنه، وعندها تمکن المعشوق من إقامة حکومته على ذلک القلب وصاحبه، فالحاکم هو الله تعالى،والمحکوم هو القلب الذی ینبض بالحیاة، وما یمکن أن یصدر عن صاحب ذلک القلب من عبادة أضحى فطریاً، ووجدانیاً، کون ذلک الفرد رأى الله بعین قلبه، مثل ذلک الذی یرى الجوع والعطش بحسّه وشعوره.
إن بعض البشر یرون بعین الفطرة ذاتاً تجمع کلّ الکمالات، ولذا هم یعشقون تلک الذات؛ ما نوع ذلک العشق؟ عشقٌ لا یرى فیه العاشق من معشوقه غیر الجمیل، ولا یشعر منه بغیر العشق أبداً، وهذا ما رأینا من زینب بنت علی"علیهما السلام" حینما أجابت ذلک الأحمق المسمّى "عبید الله بن زیاد" بعد أن قال لها: أرأیت صنع الله فیکم؟ ـ هذا بعد مقتل الإمام الحسین:"علیه السلام" فی صحراء کربلاء فأجابت: "ما رأیت إلاَّ جمیلاً.. ثکلتک أمک یابن مرجانة" (7) .
إلا تفهم؟ ألا ترى؟ إن الذی قدّمنا فی سبیل الله تعالى هو الصواب، وما عداه خطأٌ فاضح،ولکنک لن تدرک ذلک أبداً لکثرة الرین والحجب الجاثمة على قلبک، أما نحن فقد وجدنا ربّنا بعد أن تمکّنا من إزاحة الأستار والحجب فأصبح کل شیءٍ بالنسبة لنا أمراً طبیعیاً، أمراً فطریاً؛ فالجهاد، الأمر بالمعروف، النهی عن المنکر، الحبّ فی الله، البغض فی الله، وکل شیء لا نراه إلاَّ أمراً فطریاً.
فمن وجد ربّه ینبغی له أن یصلّی، ومن أراد أن یتعرّف على إنسانیته یجب علیه أن یصوم ویتشبه بالحیّ الذی لا یموت، کی یتمکن من السیر فی طریق الکمال، لأن الذی لا یحاول التشبّه بالله تعالى لا یتأتى له رؤیة أول طریق الکمال أبداً.
وخلاصة القول: إن جمیع عبادات الإسلام لا تتعدى أن تکون أمراً فطریاً، أمراً یبحث عنه فی أعماق الضمائر، فإذا ما أردنا أن نجد هذا الأمر الفطری، ینبغی أن تزال الأستار والحجب کی نتمکن من العثور علیه، ومن لم یتسطع أن یجد ربّه فلیعلم بأنه مریض، ومن رأى منکم تثاقله لإقامة الصلاة فلیستدل على مرضه من تلک الحالة.
قد یکون الإنسان فی بعض أحیانه جائعاً، لکنه لا یشعر بذلک، بسبب المرض، فتمرّ علیه الأیام دون تناولٍ للطعام، ویبقى علیه حیا بواسطة تزریقه بالسوائل فی الدم مباشرة، ویبقى لا یجد رغبة فی الأکل بالشکل الطبیعی، کونه مریضاً، والمریض لا تعمل غرائزه.وکذا الامر بالنسبة لغریزة الفطرة، فمن شعر بثقل الإنفاق فی سبیل الله تعالى، فلیعلم بمرضه، مثله کمثل ذلک الذی لا یطعم الطعام لمدة یومین أو ثلاثة، بالإضافة إلى عدم میله لأن یطعم شیئاً بعد تلک الأیام الثلاثة، کونه لم یجد الجوع بعد، أما صاحبنا هذا الذی یستثقل الإنفاق ثم یعثر بعد على غریزته التی أثقلتها الأستار والحجب من مثل أستار حبّ الدنیا، أستار الصفات الرذیلة وأستار المعاصی والذنوب والآثام التی جبلته لا یدرک الصلاة والصیام وباقی الأغذیة الروحیة.
ذبح بعضهم خروفاً فی زمن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وقسّمه على الفقراء والمساکین، وبعد أن سأله الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)عما بقی منه، أجاب: یا رسول الله بقیت رقبته باستثناء، فناء رقبته، لأن الرقبة لم تعط فی سبیله تعالى.
إن الإنفاق فی سبیل الله، والطواف حول بیت الله، وبذل النفس على جادة الله، وترویج ما جاء فی کتاب الله، وما إلى ذلک لا یحتاج فی طبیعته إلى استدلال، ومن اراد الاستدلال على ذلک لا یمکن أن یکون له أساس من حدید، بل من خشب ومن کان أساسه من خشب صعب علیه إدراک تلک المعانی.فالاستدلال لمن هو مثلی حسن، وهو کذلک لمن کان فی دائرة الأعداء، والکل یجب أن یکون لدیهم استدلال فی أصول دینهم، ولکن یبقى ذلک الاستدلال سهل الکسر (خشبی)؛ أی لا تأثیر له على إثارة الفطرة والوجدان. فقد نشاهد أفراداً یحللون برهان الصدّیقین بشکل جید، ویتمکنون من إجلاس الحرکة الجوهریة، والمعاد الجسمانی لملا صدرا على کرسی البحوث، ولکن هل یکون کل ذلک دلیلاً على أن عبادتهم أصبحت فطریة؟ کلا، لأن الذی یرید أن یثبت ذلک وهو مفطور على فطرة الله السلیمة لا یحتاج بالمرّة إلى ألف باء العلم، وإن الکثیر من الذین لا یمتلکون ألف باء العلم أقوى من کثیر من الفلاسفة، لاستطاعتهم تمزیق الأستار والحجب من خلال ارتباطهم بالله، واکتسابهم نوراً ترک آثاره فی قلوبهم فجعل من الصلاة والصوم، والبذل فی سبیل الله، واجتناب المعاصی أمراً طبیعیاً بالنسبة لهم، بل أمراً یشعرون من خلاله باللذة العظمى التی لا تماثلها لذة.
إن اجتناب المعاصی فتح الدرب لهم لکی ینهلوا من النور الإلهی، بعد أن أدرکوا بأن تلک المعاصی تؤثر على القلب المفطور على حبّ الله، وتحول دون الالتزام بما أمر الله؛ فالقلب العاصی والمتیّم بالآثام یشبه إلى حدًّ ما الحدیث الموضوع فی النار الحامیة، والذی اکتسب لون النار لیضحى ناریًّاً أو کالخشب الملتهب والمتأثر بالنار، والذی یعصب على ناظره التمییز بینه وبین النار.
وأما الشخص الذی ابتعد عن المعاصی والآثام فسوف یبقى على ما فطره الله علیه من طهارة وقلب سلیم، فهو لا یحتاج إلى علم کثیر کیما یدرک الغایة من وجوده، والغایة من ذهابه، لعدم وجود أستار وحجب تحول دون هذا الفهم، وذلک الإدراک.


المصادر :
1- الروم/30
2- العنکبوت/65
3- طه/14
4- النور/37
5- وسائل الشیعة /ج5 ص 276.
6- السجدة/16، 17
7- اللهوف ص/90.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من بنی الکعبة
أسباب تخلّف المسلمین
فی العلة التي من أجلها يبتلى النبيون و المؤمنون
الحتمية التاريخية والحتمية الكونية
السقف المحفوظ
مكونات الهوية الشيعية
لغة القرآن إعراب سورة الكوثر
زيارة النساء للقبور.. هل هي جائزة؟ - 1
السر في بقاء التشيع
ما معنى الخط و النقطة و ما معنى "أنا النقطة تحت ...

 
user comment