من مظاهر محبّة الإمام الرضا عليه السّلام...
عدد المسلمين في شبه القارّة الهندية ( الهند ـ الباكستان ـ بنغلادش ) يربو على ثُلث مسلمي العالم البالغ عددهم (5/1) مليار. في الهند وحدها (220) مليوناً، وفي الباكستان (160) مليوناً، وفي بنغلادس (160) مليون مسلم، فيكون مجموعهم (520) مليوناً من المسلمين، فيهم (55) مليوناً من المسلمين الشيعة المعتنقين لمذهب أهل بيت النبيّ صلوات الله عليهم.
* * *
منذ زمن بعيد ومسلمو شبه القارّة الهندية ينعمون بنعمة مودّة أهل البيت عليهم السّلام. وكثيراً ما كان رجال من الهند يقصدون الحجاز أو العراق من أجل اللقاء بالأئمّة المعصومين عليهم السّلام والاستمداد من محضرهم المبارك.
وقد شهدت هذه الديار ـ وما تزال ـ الولاء والمحبة والاحتفال بالمناسبات الخاصة بأهل البيت عليهم السّلام. ومن أبرزها الاهتمام بتخليد ذكرى فاجعة عاشوراء الدامية وإقامة المراسم المتنوّعة في هذه المناسبة الأليمة. وكانت هذه الظواهر تتعاظم بمرور القرون، وتزداد كثيرةً وتنوّعاً عبر الأجيال.
* * *
ثمّ لمّا بدأت الهجمات التيمورية على إيران هاجرت أعداد جمّة من ذريّة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام ومن أشياعهم ومحبيّهم إلى شبه القارّة الهندية، حاملين معهم مودّتهم الخاصة للإمام الرضا عليه السّلام وارتباطهم العميق بساحته القدسية.
وقد شهد تاريخ هجرة العلماء والسادة الأشراف ومشايخ الطرق الصوفية إلى الهند أنّهم كانوا يتّجهون أوّلاً ـ قبل هجرتهم ـ إلى خراسان لزيارة العتبة الرضوية المقدسة، تجديداً للعهد وطلباً للعون والمدد في عملهم على نشر المعارف الإسلاميّة في البلاد التي يقصدونها، ثمّ يتخذون سبيلهم إليها بهذه المعنوية العالية وبهذا الدافع العميق.
من هؤلاء العالم السيّد عليّ الهمداني الذي ارتحل إلى كشمير مبشّراً بالاسلام، وكان من ثمرة عمله أن أسلم أهل تلك الديار على يديه. ومنذ تلكم الحقبة الزمنية استنارت حياة أهل كشمير بمحبة خاصة لأهل بيت النبوّة.
ثمّ انتقل إلى الهند العالم الكبير المير شمس الدين الموسوي، برفقة عدد كبير من السادة الأشراف، لنشر مذهب أهل البيت عليهم السّلام في المناطق الجبلية الوعرة من جبال الهملايا. وقد استطاع هو ومرافقوه أن يبلغوا منطقة لداخ البوذية، وأن يبثّوا فيها تعاليم الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام. وما تزال الأكثرية المطلقة لسكّان هذه المنطقة تحيا في نعمة الولاء للأئمّة الطاهرين.
* * *
ومن مظاهر ارتباط سكّان هذه البلاد بأهل البيت، وبالإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام بوجه خاص: أنّهم كانوا ـ شيعةً وسنّة، وعلى اختلاف طبقاتهم ـ يُعنَون بزيارة مشهده الأنور في خراسان. وكان سلاطين شبه القارّة الهندية ـ على تنوّع مذاهبهم وتعاقب حكوماتهم خلال (1200) سنة ـ يَبعثون إلى مدينة مشهد مَن ينوب عنهم لزيارة الإمام الرضا سلام الله عليه، محمّلاً بهدايا نفيسة إلى العتبة الرضوية المقدسة.
ومن هذه المظاهر أن السلطان إبراهيم قُلي قطب (957 ـ 988هـ) ـ وهو الرابع من حكّام الأسرة القطب شاهيّة في حيدر آباد الهند ـ قد أوقف اراضي من مملكته للعتبة الرضوية المقدسة، تشمل أجزاء من أندهرا پرادش، وأرويسا، وكرناتاكي.
وفي شبه القارّة الهندية يُعرف الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام بأنّه « الإمام الضامن ». وكان المألوف في عصر حكم الأسرة القطب شاهيّة في جنوب الهند أنّهم إذا ما أرادوا بناء مدينة أو تنفيذ مشروع عمراني كبير فإنهم أول ما يبدأون باقامة مبنى باسم الإمام الرضا عليه السّلام، وبعد اكتمال هذا المبنى يُصار إلى بناء المدينة أو تنفيذ المشروع، انطلاقاً من الإيمان بأنّ هذا المبنى إنّما هو ضمانة وأمان للمدينة أو للمشروع من الكوارث والأخطار. ومن هذه المباني الرضوية الماثلة إلى الآن: المبنى التاريخي الرائع المعروف باسم ( چهار منار = المنارات الأربع )، وكذلك جبل الإمام الضامن الذي ما يزال يحتفظ بعظمته القديمة في مدينة حيدر آباد التاريخية جنوبيّ الهند.
* * *
إن مسلمي شبه القارّة الهندية يذكرون الإمام الرضا عليه السّلام باسم « الضامن »، وهذا العرف قديم الجذور فيهم يرجع إلى عصر ما بعد ولاية عهد الإمام في خراسان؛ إذ شاع بين المسلمين في أقاليم الهند أن يُشدّ على عضد المسافرين « حرز » تيمّناً بالإمام الرضا عليه السّلام، ويطلق على هذا الحرز اسم ( الإمام الضامن ).
وعماد هذا الحرز قطعة من عملة معدنية أو أكثر من قطعة واحدة، يُخيّط على قطعة من القماش، تُشدّ على عضد المسافر قبل سفره؛ طلباً للحماية والسلامة من الإمام عليه السّلام. وهذا العُرف شائع بين كلّ مسلمي شبه القارّة من كافّة المذاهب والفرق، وهم جميعاً يمارسون هذا النوع من طلب الحماية والضمانة الرضوية المباركة.
من هنا يُفضِّل زائرو مشهد القادمون إليها من الهند والباكستان أن يحملوا معهم عند عودتهم إلى بلادهم هدية للتبرّك يقدّمونها لأهليهم وأصدقائهم، هي قِطَع من العملة المعدنية الإيرانية من فئة (100) ريال المنقوشة عليها صورة عتبة الإمام عليّ بن موسى الرضا سلام الله عليه. وهذه العملة يُحتفَظ بها هناك في المنازل والمحلات التجارية ابتغاءً للتبرّك وطلباً للأمان.
واللافت للنظر أن أغلب زائري مشهد الإمام الرضا عليه السّلام اليوم إنّما هم من الهند والباكستان. وبعد قيام دولة الباكستان عام 1947م التزم رؤوساء هذه الدولة الذين يفدون على طهران في زيارة رسمية أن يقصدوا مدينة مشهد المقدسة لزيارة العتبة الرضوية الطاهرة قبل عودتهم إلى البلاد؛ إظهاراً للتواضع والمودّة والخضوع أمام عظمة الإمام الثامن من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.
نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام
source : alhassanain