العِشرة لأجل الهداية
في منطقة سكناي في طهران، كنت أعرف شاباً لا يمتنع من منكر الا وفعله كالقمار والخمر والفجور واهدار حقوق الناس وما كان بين زملاءه من يستطيع انقاذه من هذا المستنقع النتن.
ذهبت يوماً للقاء رجل مؤمن وزيارته، وقد كنت احبه حباً جما حيث كان يتصف بأوصاف حميدة وحالات كريمة وكان مصدر خير للناس يسعى لحل مشاكلهم؛ في هذا اليوم رأيت ذلك الشاب جالساً عنده ناكساً رأسه وكان يظهر عليه أن نار طغيانه قد خمدت وتحلى إلى حد ما بالآداب الدينية والاخلاق الانسانية كما كان يبدو من حواره مع الرجل المؤمن انّه تغيرت أحواله وانتقل من طريق الشيطنة إلى جادة الهداية وخرج من مسار الانحراف إلى الصراط المستقيم.
بالنظر إلى وضعه انكشف لي أنّ نفساً الهية ونفحة عيسوية قد أحيت قلبه الميت وارشدته إلى سبيل اللَّه واخرجته من بئر الهلاك وأنقذته من مستنقع الفساد.
______________________________
(1)- طه (20): 43- 44.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 46
قلت له متسائلًا: أيشيء اتفق واية حادثة جميلة وقعت حيث أدّت إلى انقطاعك من الشيطان والتحاقك بالرحمن وعباده؟
أجابني قائلًا: في ليلة من ليالي الجمعة خرجت سكراناً فاقداً من حانة خمر ذاهباً إلى البيت، بسبب الاسراف في شرب الخمر والسكر المفرط، سقطت في طريق المارّة على الرصيف حتى كان الظلام يوشك على نهايته فكنت اصحو شيئاً فشيئاً؛ فتحت عينيّ فاذا برجل ديّن قد وضع رأسي في حضنه، يعطف علي! طلب مني ان انهض واذهب برفقته إلى مسجد يقيم هو فيه الصلاة ويقرأ فيه دعاء الندبة صباح كل يوم جمعة، قلت له بحياء وخجل: أبهذا الحال وهذا الوضع الذي أنا عليه اذهب؟ لا يليق بشأن المسجد أن أدخله!
قال مجيباً: بل أنت حريّ بالمسجد في وضعك هذا!
باصراره هيّأني للذهاب إلى المسجد، وضع يده بيدي وأخذني إلى المسجد وبعطف وشفقة طلب مني أن أتوضأ وأن أصلي؛ بعد الصلاة اخذني إلى مكتب المسجد وبنفسه اعدّ لي الفطور وطلب مني أن أتناول من مائدة صاحب الأمر (عجّل اللَّه فرجه) لعل مناخ المسجد والصلاة التي اديتها كل ذلك يعالجني ويدفعني إلى طريق الهداية فاصبح خليقاً بنزول رحمة الربّ عليَ «1».
______________________________
(1)- إنّ هذه القصة التي شاهدتها بأمّ عيني، تعود إلى عام 1395 ه. ق وذلك الرجل الدين الحنون هو المرحوم حجة الاسلام الحاج مصطفى مسجد جامعي امام جماعة مسجد المصطفى الواقع على جانب من ساحة حسن آباد في مدينة طهران وقد كان صاحباً وصديقاً لي.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 47
[يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ] «1».
بفعل شفقة وارشاد ذلك الرجل الرباني النبيل نجوت من الزيغ والانحراف وسرت في الصراط السوي وتزوجت من فتاة مؤمنة، وأنا راض من اهتدائي ومن العيش في ظل رحمة الرب ومجالسة ومصاحبة ذلك العالم الرباني الشفيق، أنا راضٍ جدّاً!
source : دار العرفان