عربي
Friday 27th of September 2024
0
نفر 0

کلمة التوحید و توحید الکلمة

انّ الهدف الاَسمى لجمیع الرسل هو مکافحة الشرک وتحطیم قلاعه، قال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنا فی کُلِّ أُمّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوت) .(1) وقد أضحت مسألة التوحید والشرک من المسائل الهامّة فی عصرنا هذا، لا سیما وأنّها صارت ذریعة لتشتیت الصفوف وتمزیق الوحدة الاِسلامیة، مع أنّ الواجب على کلّ مسلم الحفاظ على توحید الکلمة وتعزیز أواصر الاَخوَّة. بُنی الاِسلام على کلمت
کلمة التوحید و توحید الکلمة

انّ الهدف الاَسمى لجمیع الرسل هو مکافحة الشرک وتحطیم قلاعه، قال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنا فی کُلِّ أُمّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوت) .(1)
وقد أضحت مسألة التوحید والشرک من المسائل الهامّة فی عصرنا هذا، لا سیما وأنّها صارت ذریعة لتشتیت الصفوف وتمزیق الوحدة الاِسلامیة، مع أنّ الواجب على کلّ مسلم الحفاظ على توحید الکلمة وتعزیز أواصر الاَخوَّة.
بُنی الاِسلام على کلمتین: «کلمة التوحید» والشهادة على أنّه لاإله إلاّ اللّه ونفی أُلوهیة وربوبیة کلّ موجود سواه، و«توحید الکلمة» والاعتصام بحبل اللّه المتین والنهی عن التفرق والتشتت وراء مسائل هامشیة لا تمسُّ ـ فی کثیر من الاَحیان ـ جوهرَ الاِسلام، ورائدُنا فی الدعوة إلى الوحدة وحفظ کیان الاِسلام، قوله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمیعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْکُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَیْنَقُلُوبکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَکُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَکُمْ مِنْها کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ) .(2)
ولو سبرنا أقوال النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) وسیرته العملیة نلمس منها اهتماماته الکبیرة بتوحید الکلمة ولمّ الشمل، فانّ الوحدة هی دعامة القوة والرفاه ونیل السعادة، کما أنّ التفرقة هی بوَرة الضعف والشقاء والاندحار.
ولنقتصر من سیرته وکلامه (صلى الله علیه وآله وسلم) على الاَمور التالیة:
أــ قدِم النبیص یثرب، و الاَوس و الخزرج یقودان جمله وشبّانهم یطوفون حوله وکانت القبیلتان هما الحجر الاَساس لبناء الدعوة الاِسلامیة، ولکن کان بین الطائفتین قبل اعتناق الاِسلام حروب طاحنة أسفرت عن مصرع العدید منهم و کانت البغضاء والعداوة متفشیة بینهم، وفی تلک الظروف هبط علیهم النبیورأى ضرورة رأب الصدع وتقریب الخطى بین القبیلتین بل جعْلَهما اخوین متحابین ومتراحمین.
فأوّل خطوة قام بها هی التآخی بینهما حسماً لمادة الخلاف وإنساءً للماضی.(3)
ب ــ انتصر المسلمون على قبیلة بنی المصطلق، فبینا رسول اللّه على مائهم نشب النزاع بین رجل من الاَنصار ورجل من المهاجرین، فصرخ الاَنصاری، فقال: یا معاشر الاَنصار، وصرخ الآخر، وقال: یا معشر المهاجرین، فلما سمعهما النبیصقال: دعوها فانّها منتنة...(4) یعنی انّها کلمة خبیثة، لاَنّها من دعوى الجاهلیة، واللّه سبحانه جعل الموَمنین إخوة وصیّرهم حزباً واحداً، فینبغی أن تکون
الدعوة فی کلّ مکان وزمان لصالح الاِسلام والمسلمین عامة، لا لصالح قوم ضد الآخرین، فمن دعا فی الاِسلام بدعوى الجاهلیة یعزر.
فالنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) یصف کلّدعوة تشقّ عصا المسلمین وتمزق وحدتهم بأنّها دعوى منتنة، وکیف لا تکون کذلک وهی توجب انهدام دعامة الکیان الاِسلامی.
ج ــ نزل النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) دار هجرته والتفت حوله القبیلتان: الاَوس والخزرج، فمرَّ شاس بن قیس ـ الذی کان یحمل فی قلبه ضغناً للمسلمین ـ على نفر من أصحاب رسول اللّه ص من الاَوس والخزرج فی مجلس یتحدثون فیه، فغاظه ما رأى من أُلفتهم وجماعتهم، وصلاح ذات بینهم على الاِسلام، بعد الذی کان بینهم من العداوة فی الجاهلیة.
فقال: قد اجتمع ملاَ بنی قیلة بهذه البلاد، لا واللّه ما لنا معهم إذا اجتمع ملوَهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً من الیهود کان معهم، فقال: اعمد إلیهم، فاجلس معهم، ثمّ اذکر یوم بُعاث، یوم إقتتلت فیه الاَوس والخزرج، وکان الظفر فیه یومئذ للاَوس على الخزرج، وکان على الاَوس یومئذ حُضیر بن سماک الاَشهلی، وعلى الخزرج عمرو بن النُّعمان البیاضی، فقتلا جمیعاً.
دخل الشاب الیهودی مجتمعَ القوم فأخذ یذکر مقاتلتهم ومضاربتهم فی عصر الجاهلیة فأحیى فیهم حمیَّتها حتى استعدُّوا للنزاع والجدال، وأخذ الشاب یوَجج نار الفتنة.
فبلغ ذلک رسول اللّهص فخرج إلیهم فیمن معه من أصحابه المهاجرین، حتى جاءهم فقالص: یا معشر المسلمین! اللّه، اللّه، أبدعوى الجاهلیة وأنا بین أظهرکم، بعد أن هداکم اللّه بالاِسلام، وأکرمکم به، وقطع به عنکم أمر الجاهلیة، واستنقذکم من الکفر وألّف به بین قلوبکم.(5)
وقد ترکت کلمة النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) وقعاً فی نفوسهم، حیث فطنوا إلى أنّـها نزعة من نزعات الشیطان، فندموا على ما وقع منهم ثمّ انصرفوا.
انّ کلمة الرسول، کشفت القناع عن الخدعة الیهودیة، وأطفأت نار الفتنة فی مهدها، ودخلت فی القلوب الموَمنة وصیّرتهم إخواناً متحابِّین.
هذه القصة وکم لها من نظیر تعکس لنا المحاولات المستمیتة التی یبذلها أعداء الاِسلام بغیة الاِطاحة بوحدة المسلمین وتمزیق شملهم.
ولو کان فی عصر الرسول شاس أو شاسان من الیهود، ففی الوقت الحاضر المئات بل الاَلوف منهم جنّدوا قواهم الشیطانیة، وأثاروا النعرات الطائفیة بین المسلمین من خلال طرح مسائل هامشیة لتکدیر صفوهم.
إنّ أسالیب الاَعداء فی إثارة الفتن لا تعدُّ ولا تُحصى، ولهم مخططات مختلفة حسب ما تقتضیه الظروف والبیئات.
فالعقل یفرض على المسلمین رصَّ صفوفهم، وتوحیدَ کلمتهم بغیة الوقوف أمام تلک الخُطط والموَامرات .
إنّ مسألة التوحید ونبذ الشرک من المسائل الهامّة التی تعد الهدف الاَسنى للاَنبیاء والمرسلین وکبار المصلحین. فالتوحید رمز الاِسلام وعزّة المسلمین .
هذا ومع الاعتراف بأهمیته ولکن وجدت ـ من خلال البحث فی التوحید والشرک ـ مسائل هامشیة صارت ذریعة للاختلاف ووسیلة للتشتت فآثرنا فی هذه الرسالة المتواضعة استنطاق القرآن الکریم فی هذه المسائل والاستنارة بنور السنة النبویة التی اتفق المسلمون على کونها المصدر الثانی للعقیدة والشریعة بعد الذکر الحکیم.
وأخیراً ندعو المجتمع الاِسلامی إلى ما دعا به القرآن الکریم، وقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَلا تَفَرَّقُوا) .
فالمسلمون ملّة واحدة یجمعهم إله واحد، وکتاب واحد، ودین واحد، وشریعة واحدة فما یجمعهم أکثر ممّا یفرقهم.
والجمیع کما یقول شاعر الاهرام:
انّا لتجمعنا العقیدة أمَّة * ویضمّنا دین الهدى أتباعا
ویؤلف الاِسلام بین قلوبنا * مهما ذهبنا فی هوى أشیاعا
المصادر :
1- النحل / 36
2- آل عمران/103.
3- الدر المنثور:2/287، تفسیر الآیة 103 من سورة آل عمران، نقل عن مقاتل بن حیان انّ هذه الآیة نزلت فی قبیلتین من قبائل الاَنصار، إلى أن قال: فقدم النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) فأصلح بینهم.
4- ابن هشام: السیرة النبویة:3/303، غزوة بنی المصطلق.
5- انظر السیرة النبویة: 1/555ـ556، ط عام 1375هـ.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

النسيان.. نعمة أم نقمة؟
الامامة الابراهيمية في القرآن الكريم (القسم ...
الشيخ جعفر بن الحسن الحلّي قدس سره المعروف ...
الأمر بين الأمرين
إجراءات تأسيس دولة العدل الإلهيّ
طلب الشفاعة من أولیاء الله
عقيدة بعضهم في النبي صلى الله عليه وآله
روايات نهج البلاغة في ضوء علم الدلالة
الشيخ عبد الحسين البغدادي
الإرادة الإلهية في روايات أئمّة أهل البيت عليهم ...

 
user comment