اقطاب الغلاة الاخرون و علاقتهم بالموالي .
و مـن هـؤلا: حمزة بن عمار البربري الذي ذكر في عداد اقطاب الغلاة و هذا الشخص مذموم في كتب الرجال الشيعية و اثرت روايات عن الائمة ـ عليهم السلام ـ في تكذيبه ((399)) كان يعيش فـي الـمـدينة والتحق به عدد من اهل المدينة والكوفة كمانقل ((400)) و هذا الرجل كان يعرف بـالـبربري , و حتى لو لم يكن له هذا اللقب البسيط ((401)) , و علمنا ا نه من بلاد المغرب , فليس لـمـوضـوعـه عـلاقة بالموالي الفرس وفي الان ذاته , ان اقبال اهل المدينة عليه و هم من العرب الـخـالـصة يدل نوعا ما على تنامي افكار الغلاة بين اناس سلموا من تهمة الامتزاج الثقافي بالمذاهب الاخرى , لا كاهل الكوفة الذين وجهت لهم هذه التهمة .
و من اقطابهم : المغيرة بن سعيد البجلي و كان من الموالي يقول الدكتور سامي النشاربعد اشارته الى ان الـمـغيرة كان من موالي قبيلة بجيلة : فهو اذن على الارجح فارسي الاصل ((402)) , بيد ا نه لم يذكر دليلا على هذه الارجحية لذلك يحتمل ان يكون من الموالي غير الفرس , اذ كان عددهم كبيرا آنـذاك , بـخـاصـة في اواخر القرن الاول و اوائل القرن الثاني و كان للمغيرة عقائد غالية , و على الـرغـم من ا نه كان يزعم ا نه من محبي الامام الباقر ـ عليه السلام ـ الا ان الامام لعنه و دعا عليه مرات ((403)) و مضافا الى ما ادعاه الدكتور سامي النشار بشانه , فان المصادر الشيعية تذهب الى ا نه كان متاثرا باليهود ((404)) و هذا ما يثير الشك حول نسبه الفارسي , او يدل كحد ادنى على عدم وجود علاقة بين افكاره و الافكار الفارسية .
و منهم : ابو منصور العجلي المتوفي سنة 121 ه يرى سامي النشار ان ابا منصوروالمغيرة بن سعيد كانا من غلاة الامامية و هذا التعبير غير صحيح طبعا اذ ان اضفا صبغة الغلو على الفكر الامامي امر لا يـمكن قبوله و انما نسميهم غلاة الشيعة فحسب و كان ابومنصور من قبيلة بني عجل , و هي من العرب الخالصة يقول الاشعري : ((العجلي من اهل الكوفة من عبدالقيس و كان منشاه في البادية كان اميا لا يقرا ((405)) )).
و لـما كان هذا الشخص احد الاركان المهمة للغلاة , فيمكننا ان ندرك جيدا ان الموالي برآ من الغلو و كـان انصار هذا الشخص ايضا من قبيلة كندة , كما ذكر ذلك ابن قتيبة ((406)) و يضاف اليه ان قـبـائل بني عجل , و بني بجيلة , و كندة كانت مشهورة بالغلو,كما قال سامي النشار ((407)) و لم يرد في التاريخ ان الموالي كانوا من انصاره .
و مـن الطبيعي ان الموالي الساكنين في العراق يركنون الى الغلاة كغيرهم من العرب بيدان ركونهم هذا لا يعني ان القسم الاعظم من انصار الغلاة كانوا من الموالي , او ان جميع الموالي ركنوا اليهم اذ نقرا ان عددا كبيرا من الموالي التحق بالخوارج , و عددا اكبر منهم اختار المذهب السني و نـقرا ايضا ان ابا حنيفة كان محترما بين الموالي اذ كانوا يلتفون حوله ((408)) فكيف يمكننا ان نـعـتـبـر ذكـر اسـم واحـد من الموالي دليلا على ركونهم الى الغلاة ؟ التاريخية التي تحكي دعم القبائل العربية لهذا التيار ؟ و بغض النظر عن الادلة المتقدمة التي تعتبر براهين ساطعة على عربية تيار الغلاة من حيث مؤسسيه و انصاره ,فلابد ان نقف عند عقائدهم ايضا.
العلاقة بين عقائد الغلاة و عقائد الفرس .
زعم بعض المؤلفين و الكتاب ان ثمة صلة بين عقائد الغلاة والمجوسية فقد قال الاشعري : وهو اقدم الـمؤرخين في الفرق والمذاهب : ((و فرقة من الغلاة لعنهم اللّه اظهروادعوة التشيع واستبطنوا الـمـجـوسية ((409)) )) و نلحظ بين الكتاب المعاصرين من يذهب الى هذا الراي ايضا, فقد كتب الـدوري قـائلا: ((و فـي اواخـر الفترة الاموية نرى ازدياد نشاطالغلاة وهؤلا كانوا يتمسكون بتراثهم الديني المجوسي ((410)) )) و اشار الفياض الى هذاالموضوع ايضا ((411)) .
و هـذه رؤيـة نـسبت الى الشيعة كلهم على امتداد القرون المنصرمة و جا في كتاب تاريخ ايران ـ كـمـبريج : ((عندما ورد في كتاب فضائح الروافض ان الشيعة هم مجوس في الباطن , و مسلمون فـي الـظـاهـر, فـان المؤلف يعيد تهمة قديمة (و لعل مبتدعها هو ابن حزم المتوفى سنة 457 ه ) اصـبـحـت الـيـوم مـصـدرا لـبـعـض الـدعـاوى الـجـوفا القائلة بوجود شبه بين التشيع والدين المجوسي ((412)) )).
و لابد لنا هنا من القا نظرة ثانية , و لو كانت عابرة , على عقائد الغلاة لندحض الصلة المزعومة بين عـقـائد الـغلاة و بين المجوسية , او نخفف منها على الاقل و اذا ما ثبت ذلك ,في فصل اساسي آخر طـبعا, فان النتيجة التي سنتوصل اليها تتمثل في عقم و هرا ما قيل عن ركون الموالي الى الغلاة , او دورهم في الغلو.
يـقـول الشهرستاني في الغلاة : ((الذين غلوا في حق ائمتهم حتى اخرجوهم من حدودالخليقية , و حكموا فيهم باحكام الهية ((413)) )).
و يعرض في عبارته الاخرى اربع عقائد من عقائدهم بوصفها بدعا, وهي :.
1 ـ التشبيه 2 ـ البدا 3 ـ الرجعة 4 ـ التناسخ ((414)) .
و يشير على وجه الخصوص الى ان جميع فرق الغلاة تتفق في عقيدة التناسخ ((415)) ويذكر ان التجسيم , والتشبيه من عقائدهم الثابتة , و يقول في عقيدة بيان بن سمعان : ((و زعم ان معبوده على صورة انسان عضوا فعضوا, و جزا فجزا ((416)) )).
و من الجدير ذكره ان الذين يعرفون بالغلاة هم الذين يعتقدون بربوبية الائمة و اقل منهم درجة هم الـمـفـوضـة الـذين لا يقولون بربوبيتهم بيد ا نهم يرون لهم اختيارات خاصة خارجة عن الحدود المرسومة لهم .
و لـو انـعمنا النظر في العقائد السابقة , فاننا سنجد ان اشهرها هو الغلو في حق الائمة ,و قد كذبه الائمـة انـفسهم ((417)) و هذا الغلو ناتج عن حب مفرط ظهر في البداية بين شيعة الكوفة الذين كانوا عربا و اشار كثير من المؤلفين الى ان الغلو منبثق اساسا عن هذا الحب ,و ان جذوره تكمن في عدا الامويين الشديد للعلويين و تضييق الخناق عليهم ((418)) يقول الدكتور الفياض : ((احتل علي و آل بـيـتـه مركزا مرموقا بين الغالبية العظمى من المسلمين , فلا عجب ان نجد ان الغلو في بداية ظـهـوره يـتـمـركـز فـي الـغـالـب حـول اشـخـاصـهـم ويظهر في بيئة شيعية هي الكوفة و نواحيها ((419)) )).
و كـلـمـا ازدادت صـلافة الامويين وقاحتهم في سب اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ و ابنائه ,اشتد تـمـسك الشيعة بحب اهل البيت , و تصلبوا في تعظيم منزلتهم , حتى اصبح هذاالحب نزعة مشهورة في الكوفة , ثم شابته اوهام اخرى نتيجة لمرور الزمان و ابتعاد الائمة عن الكوفة .
و نقرا في التاريخ ان هشام بن عبدالملك كتب رسالة الى يوسف بن عمر قال فيها: امابعد, فقد علمت بـحال اهل الكوفة في حبهم اهل هذا البيت و وضعهم اياهم في غير مواضعهم ,لا نهم افترضوا على انفسهم طاعتهم , و وظفوا عليهم شرائع دينهم , و نحلوهم علم ما هوكائن ((420)) .
اذن , تكمن جذور هذا الغلو في الحب الذي كان يكنه الشيعة لاميرالمؤمنين ـعليه السلام ـ و ابنائه و بغض النظر عن هذا الحب , ثمة نقطتان اخريان لهما اهميتهما:الاولى : الامامة , و كانت قد طرحت ايـام الـنـبـي ـ صـلى اللّه عليه و آله ـ و مسك ختامها في عصره ببيعة الغدير و ظلت معروفة بين شريحة من الصحابة بعد وفاته , ثم اتسعت دائرتهاعلى تواتر الايام و لما كانت هذه العقيدة تنطلق من نص الهي , لذلك يمكن ان تولد نوعامن التصور الغالي عند ذوي النفوس الضعيفة و كان جزا الهيا قد حـل فـي ارواح الائمـة و نـلاحـظ ا نـها نسبت الى عدد من الائمة و لم تقتصر على الامام علي ـ عـلـيـه الـسـلام ـفحسب و ان عقيدة الامامة عقيدة اصيلة و صحيحة , بيد ا نها اتخذت طابع الغلو عـنـدذوي الـنـفـوس الـضـعـيـفـة او المفرطة تدريجا كما ان هذه الرؤية تصدق على كثير من الافكارالاخرى , اذ اضحت باعثا على تشويه هويتها, و قدح اصالتها على كرور الايام .
الـنـقـطـة الثانية : كان ائمة الشيعة ـ عليهم السلام ـ يقومون ببعض الاعمال الخارقة شيئا مالاثبات امامتهم و ذكرت كتب اهل السنة كرارا ان اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ كان يخبرببعض المغيبات و نـقـل عـن الامام الباقر, و الصادق ((421)) و الكاظم ـ عليهم السلام ـقصص و حكايات حول اخـبـارهـم بالمغيبات ((422)) و كتب الشيعة ايضا مليئة بذكر هذه الخوارق التي نسبت الى كافة الائمة ـ عليهم السلام ـ لاثبات امامتهم ((423)) .
اذن , بغض النظر عن الحب المفرط, فان هاتين النقطتين يمكن ان تؤديا دورا خطيرا في هذا المجال و لـذلـك قـلـما نسبت هذه العقائد الى غيرهم و اذا ما نسبت , فان ذلك يعود الى الاواصر التي كانت تربطهم بالائمة ـ عليهم السلام فيستبين من هذه المعلومات ان اصل الغلو هو العقائد الشيعية المعتدلة التي اخرجها ذوو النفوس الضعيفة او المريضة من حدودها المنطقية من هذا المنطلق فندها الشيعة و كـذبوها على مر التاريخ , و ابتعدوا عنهاتماما, و هذا هو الحق , لا ان تلك العقائد اخذت من عقائد الغلاة .
ان مـسـالـة حـلـول الجز الالهي في الائمة التي تمثل الموضوع الاساس للغلاة لا علاقة لها بعقائد الـفـرس من قريب او بعيد فاذا كان الفرس يعتقدون ان القدرة الالهية تدعم سلطة ملوكهم , فان هذه العقيدة لم تصل الى حد الايمان بحلول الجز الالهي في الملوك الساسانيين حتى ان نموذجا و احدا من هذه العقيدة لم ينقل في هذاالمجال اذن , لو قدر ان امر الفرس يفضي الى الغلو بسبب هذه العقيدة , فقد كـان مـناسبا ان تظهر العقائد الغالية في حق الساسانيين قبلهم او ان العدد الكبير الذي سار على خ ط الخلفا منهم كان يبث مثل هذه العقائد في حق الخلفا انفسهم .
و لـو تـقـرر ان يكون هناك تاثير من عقائد الاخرين في عقيدة الغلاة , فان هذا التوجه ينطبق على عـقائد اهل الكتاب اكثر, لا سيما على عقائد النصارى ذلك ا نهم كانوا يرون لائمتهم منزلة تماثل ما يـؤمن به الغلاة من نظرة حيال اقطابهم كما نلاحظ عقيدة اليهود في العزير, و عقيدة النصارى في المسيح .
عـلـى اي حال , لو كان هناك تاثير من المجوس ايضا, فلا نستطيع ان نجده في هذالحقل من الغلو في حـق الائمـة والـنظرة التي كان يعرضها ابوالخطاب في الامام الصادق ـعليه السلام ـ كانت نتيجة لـتـشـبيه الامام بالمسيح ـ عليه السلام ((424)) يضاف الى ذلك ان المصادر الشيعية نصت على ان الغلاة كانوا يتعلمون من اليهود اشيا كثيرة , كما مر بنا في موضوع المغيرة بن سعيد و روي ايضا ان الامـام الـصـادق ـ عـلـيـه الـسلام ـ قال في بشارالشعيري و امثاله : قال هؤلا بما قالت اليهود, او الـنـصارى , او المجوس ((425)) اذن , مادام لليهود والنصارى قصب السبق في هذه العقائد, و ان عقائد الغلاة تماثل عقائدهم , فليس لنا ان نقول بدور للموالي في جذور الغلو, مع ا نهم كانوا كغيرهم ايـضـا و ربـمـا وردت جـزئيـات مـن عـقائدهم في تضاعيف اقوال الغلاة , كما يدل كلام الامام ـ عليه السلام ـ على ذلك .
و يمكننا ان نجزم ان ما ذكر من التجسيم والتشبيه جا الى المسلمين من اليهود ((426)) , و نلحظه عند كثير من فرق المسلمين , بيد ان الشيعة منه برآ.
و امـا فـي مـجال التناسخ بوصفه من اشهر عقائدهم , فينبغي ان نقول : على الرغم من ان هذه العقيدة كـانـت مـوجـودة عـنـد بـعـض الفرس , الا ان كثيرا من الامم والشعوب كان يؤمن بها ايضا يقول الـشـهرستاني في هذا المجال : ((لقد كان التناسخ لفرقة في كل ملة تلقوها من المجوسية المزدكية والـهـنـد الـبرهمية و من الفلاسفة والصابئة ((427)) )) اذن , لا يمكننا ان ننسب هذه العقائد الى الفرس وحدهم .
الغلاة تيار ضئيل الحجم .
ان الـنـقـطة التي ينبغي ان نقولها في ختام هذا البحث هي ا ننا لا يمكن ان ننظر الى الغلاة في عصر الائمـة و بـعدهم على ا نهم فرقة بالمفهوم الذي يتبادر الى الاذهان , اذ لم يشكلوا جماعة كبيرة بل كـان عددهم محدودا, و لم يتجاوز انصارهم عدد الاصابع و ان كان يمكننا القول : ان تيار المفوضة كان يتمتع بقدرة بين الشيعة و قد ترك بصماته على الاخبار والعقائد الشيعية اما كتب الفرق التي الفها اهـل الـسنة فقد اسهبت و فصلت في الحديث عن عقائد الغلاة ليكون ذريعة لادانة التشيع و انتقاص الشيعة عادة و لم تشر هذه الكتب الى تفرعها عن التشيع المعتدل , بل نسبتها كلها الى مصدر واحد من جـهـة اخرى نقرا ان ائمة الشيعة قد كذبوا الغلاة و فندوا مزاعمهم بخاصة , ان كثيرا منهم ـ كما تـفيده تراجمهم المذكورة في كتب الرجال الشيعية ـ اسس تلك الفرق لمرب دنيوية , و زعم مهدوية بعض الائمة و عدم وفاته طمعا في حطام الدنيا و زبرجها و يـمـكن القول بكل جراة : ان اكثر الانشقاقات التي اختلقتها كتب الفرق و نسبتها الى فرق الشيعة كـانـت لاكـثـار الـعـدد, و تحقيق اغراض خاصة ايضا و لعل من الصحيح ان عددامنها قد استمر برهة ((428)) , بيد ا نها كانت محدودة بحياة قادتها, او ربما ظلت بعدهم فترة قصيرة .
و يحدثنا التاريخ عن تشدد المهدي العباسي على اصحاب الاهوا والفرق و كتب له ابن المفضل ـ عن قـول هشام ـ صنوف الفرق صنفا صنفا, ثم قرا الكتاب على الناس فقال يونس : قد سمعت الكتاب يقرا عـلـى الـنـاس في المدينة ثم قال ايضا: ان ابن المفضل صنف لهم صنوف الفرق فرقة فرقة حتى قال فـي كـتـابـه : و فـرقـة يـقال لهم الزرارية نسبة الى زرارة بن اعين احد اصحاب الامام الصادق ـ عليه السلام , والعمارية نسبة الى عمارالساباطي , واليعفورية نسبة الى ابن ابي يعفور, والجواليقية , و اصحاب سليمان الاقطع ((429)) الخ و لعل اسم الفرقة الجعفرية من مبتدعات هؤلا الاشخاص , لا كـما هومشهور عنها, اذ اننا ندعى : جعفرية لان فقهنا ينسب الى جعفربن محمد ـ عليه السلام و ان كان لا ضير من اطلاق مثل هذا الاسم نظرا الى النقطة المشار اليها.
انـنـا نـعلم من السياسة التي كان انتهجها المهدي العباسي ا نه كان يعذب المؤمنين بذريعة الزندقة و ضـروب الـتـهـم الاخـرى , و كـان بـيـنـهـم عـدد من الزنادقة فعلا, وان الكتاب الذي الفه ابن الـمـفضل ((430)) له كان يستهدف تلفيق هذه التهم لذلك يقول اليعقوبي فيه :((كان اول خليفة امر المتكلمين ان يضعوا الكتب على اهل الالحاد ((431)) )) و يذهب المسعودي الى هذا الراي ايضا و يـقـول : ((و كان المهدي اول من امر الجدليين من اهل البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين ((432)) )).
و تـسـتـبين الصلة المزعومة بين هذه الامور و بين الشيعة اكثر عندما نقرا ما قاله بدوي اذذكر ((ان الاتـهـام بـالـزنـدقـة فـي ذلـك الـعـصـر, كـان يـسـيـر جنبا الى جنب مع الانتساب الى مـذهـب الـرافـضة ((433)) )) نلحظ في ضؤ ما تقدم ان المبالغة ترافق كثيرا من التهم المنسوبة الـى هؤلا الافراد, و ان فرقا اخترعت باسما اشخاص لم يكونوا اصحاب فرق اصلا و هكذاالامر بالنسبة الى الغلاة نوعا ما و لذلك ينبغي ان لا نتصور ان تيارهم كان على درجة من الضخامة فجرف قـسـمـا مـن الـمـوالي , و من تعاطف معهم من العرب ان هؤلا ـ كما مر بنا ـكانوا افرادا معدودين ينتسبون الى بعض القبائل العربية و نقرا ايضا اسما عدد من الموالي الذين كانوا ـ اعتمادا على اسما آبائهم ـ مسلمين من قبل جيلين في الاقل و نستبعد ان يكونوا على درجة مرموقة من الفهم و العلم و الوعي و التفكيرفيحتفظوا بافكارهم الفارسية بعد زها سبعين سنة من الحياة في المجتمع الاسلامي كـمـاان وجود عدد كبير من الموالي بين علما السنة لا يعني تاثر المذهب السني بالموالي ونقل ان اكثر الذين التفوا حول ابي حنيفة كانوا من الموالي ((434)) .
و لـو فـرضـنـا ان العقائد الفارسية كان لها تاثيرها المحدود في هذا التيار, فلا ضرورة لمشاركة الموالي فيه , اذ ان عقائد الفرس كانت معروفة في العراق منذ القديم .
اذن , استبان ان ما اراده بعض المؤلفين من عقد صلة بين الغلاة والموالي لا يتوكا على دليل قاطع كما لا يـمـكـن الـجزم بشي في هذا المجال و كذلك الزعم بركون الموالي الشيعة كلهم في البداية الى الـغـلاة , فانه لا يقوم على دليل راسخ و لم يذكر هؤلا الزاعمون ـفي الاقل ـ مصدرا لمزاعمهم و انـمـا كـل مـا نلحظه هو اصدار حكم قاطع اعتمادا على ماذكره الشهرستاني او البغدادي من اسم الـمـزدكـيـة و لا يـهدف هؤلا الى عرض دراسة تحليلية علمية , بل ان هدفهم الاساس هو مناواة الشيعة ((435)) .
و نـرى ان احـد اشـكال هذه المناواة هو ضرب الشيعة من خلال ضرب الغلاة الذين ادانهم الشيعة انفسهم , و وقف ائمتهم منهم موقفا صلبا ((436)) يضاف الى ذلك ا نهم ينسبون الافكار الشيعية الى اليهود او الفرس او غيرهما, من اجل تشويه هويتها بافقاداصالتها المعهودة .
و هـذه الـمـزاعـم التي كانت سائدة في القرن الرابع و الخامس غالبا لا تكفي وحدها, اذتحتاج الى نـصـوص تعرض البعد التاريخي لاثبات هذه الاواصر كما توضحه تماما ليس من الوجهة التاريخية فحسب , بل من الوجهة الفكرية ايضا و كذلك التشابه بين العقائد لايكفي , لانه ـ كما مر بناـ قد ثبت هـذا الـيوم ان كثيرا من الثقافات تتشابه فيما بينها, و لايمكن ان نحتمل وجود آصرة كانت تربطها في الماضي البعيد.
و لـو سلمنا ـ فرضا ـ ان للافكار الاجنبية تاثيرا على افكار الغلاة , فينبغي ان نفصل افكارالشيعة المعتدلة منها فالغلاة ادينوا منذ عصر الائمة ـ عليهم السلام .
و في الاثر ان الامام الصادق ـ عليه السلام ـ فسقهم و كفرهم مرارا و نقل الكشي في كتابه روايات كـثـيـرة فـي هـذا الـبـاب , و قد قام بعض الاشخاص بجمع قسم منها, بيد ان المؤسف هو ان نقرا فـي الـتـاريخ اقحام افكار الغلاة في افكار الشيعة الامامية سهوا او عمداو كان هذا الاقحام ذريعة لادانـة الافـكـار الشيعية الصحيحة , بينما نطالع ان علما الشيعة ادانوا تلك العقائد منذ البداية , كما ادانها ائمتهم ـ عليهم السلام ـ من قبل .
يـقـول الـشـيـخ الـمـفـيـد: ((و هـم ضـلا ل كـفـار و قـضت الائمة عليهم بالكفر و الخروج عن الاسلام ((437)) )) و يقول المجلسي ايضا بعد ذكر عقائد الغلاة : ((والقول بكل منها, الحاد وكفر و خروج عن الدين ((438)) )).
و نقل عن الشيخ الصدوق ايضا قوله : ((اعتقادنا في الغلاة والمفوضة ا نهم كفار باللّه ـ جل جلاله ـ و ا نهم شر من اليهود والنصارى والمجوس و جميع اهل البدع والاهواالمضلة ((439)) )).
و قـد التفت الكثيرون ايضا الى فصل الامامية عن غيرهم , و قالوا : ان الزيدية ,و الامامية من فرق الاسلام , لا الكفر ((440)) .
و كتب سامي النشار قائلا : ((ان الافكار الفلسفية للشيعة الاثني عشرية هي في مجموعهااسلامية بحتة ((441)) )).
و قـال ابـو زهـرة ايـضـا: ((لا شـك ان الـشـيـعة فرقة اسلامية و لا شك ا نها في كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية و احاديث منسوبة الى النبي ((442)) )).
و هذا معلم واضح على تمسك الشيعة الامامية بالثقافة الاسلامية الاصيلة المنبثقة عن القرآن والسنة