أنف مقطوع ومتورم يرتجف سيف محمد ويمسك بظهره. وكان قبل ذلك بيوم قد نجا من الموت بأعجوبة بعد انفجار سيارة ملغومة نفذه احد عناصر داعش التكفيري ثم فر من منزله في مدينة الموصل العراقية ليتخذ ملاذا له على بعد كيلومترات.
وقال الشاب البالغ من العمر 24 عاما "الانفجار لم يدمر منزلي فحسب بل دمر حيا بأكمله".
وتابع قوله "إنه داعش (الارهابي) لا يستهدف الجيش بل يستهدف المدنيين. كانت هناك ثلاث سيارات ملغومة في (حي) الانتصار. لا يزال والدي وأخي في المستشفى ولا أعرف أخبارا عنهم. الجيران قتلوا".
ودخلت القوات العراقية الموصل الأسبوع الماضي وشقت طريقها نحو حي الانتصار في عملية للقضاء على داعش التكفيري في آخر مدينة كبيرة يسيطر عليها في العراق.
وتقاتل القوات العراقية داعش الاجرامي في حي الانتصار يوم الثلاثاء.
ويقولون السكان الهاربون إن التكفيريين صعدوا أعمال العنف ضد المدنيين بما في ذلك استخدام السيارات الملغومة مع زيادة تعرضهم للضغط العسكري في الانتصار.
وتنفس علي ضاهر (20 عاما) والذي احتمى في منزل مهجور خلال الليل الصعداء حتى مع دوي الانفجارات حوله واشتداد حدة القتال على مقربة منه.
ويقول "الحمد لله أننا لم نعد تحت قبضة داعش.. داعش هي مثال للهمجية. إنهم يستهدفون المدنيين حتى قبل استهداف الجيش. بل وزاد ذلك أيضا كلما ضاق الحصار عليهم وخسروا أراض زادت هجماتهم على المدنيين".
ويقول ضاهر إن أسرته نجت أيضا بأعجوبة من هجوم بقنبلة قبلها بيوم. ورغم أن الأسرة في أمان فقد قتل بعض الناس في حيهم.
وتحدث ضاهر ومحمد من حي شهرزاد على مشارف شرق الموصل حيث احتميا خلال الليل. وتقصف القوات العراقية مواقع داعش التكفيري في الانتصار من هناك يوم الثلاثاء.
وبعد أكثر من عامين تحت سيطرة داعش التكفيري هرب المئات من المنطقة هذا الأسبوع لكن حتى في شهرزاد فهم ليسوا بمنأى عن الخطر بعد. ودفع انفجار مدو مجموعة منهم للركض بحثا عن مخبأ.
وكان فتحي أبو عبد الله يعالج جرحا حديثا في شفته العليا وبدا عليه الاضطراب.
وقال "أطلقوا النار علي وأنا أجمع المساعدات الغذائية قرب مسجد في هذا الركن قبل عدة دقائق".
ورفرف علم عراقي فوق مئذنة خضراء وأمكن سماع دوي أعيرة نارية بعيدة وانفجار قذيفة مورتر عسكرية على مقربة. واختبأ مدنيون خلف جدار لعدة دقائق بعد إصابة أبو عبد الله.
الهروب وصناديق الأغذية
ومرت النساء اللواتي تحملن الأطفال والمسنين بمحاذاة السيارات المحترقة في غمرة استعجالهم للهرب من شرق الموصل. وكان الجنود بانتظارهم لتوزيعهم على الشاحنات التي تنقلهم إلى مخيم خزير للنازحين.
ودخلت الشاحنات المحملة بصناديق الطعام والمؤن الطبية إلى شهرزاد على الرغم من تحرك الدبابات والمدرعات لتتمركز وراء المباني المتضررة جراء القتال.
وقال كاتب العدل المحلي عباس الذي كان يدير عملية توزيع مواد الإغاثة "هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها المساعدات إلى شهرزاد ونحن شاكرون لهذا. الناس جوعى ولا توجد معدات طبية".
وأشار إلى أن حوالي 70 عائلة هربوا من انتصار ويحتاجون إلى المؤن.
وقال "إلا أن (الكميات) لا تكفي. هناك صندوق واحد لكل عائلة قد تدوم لأربعة أو خمسة أيام لكن بعد ذلك ماذا سيحصل؟".
وتسلق الشباب ظهور الشاحنات لإفراغها من حمولتها في حين اصطف الرجال بانتظار توزيع الصناديق أو افترشوا الأرض.
وتوصل ضاهر ووالده حسن في النهاية إلى أن الخيار الأفضل هو في توجههما إلى خزير سيرا على الأقدام إذا اقتضت الضرورة.
وقال حسن ضاهر "علينا التوجه إلى أي مخيم. الحياة مستحيلة. لا نملك شيئا ولم نأكل أو نشرب منذ هربنا".
وأضاف "تحت حكم داعش لم يكن لدينا شيئا أيضا. الجميع كانوا فقراء".
وقالت العائلة التي تتبع الطريقة الصوفية إنها عانت تحت حكم التكفيريين المجرمين.
وقال حسن ضاهر "قتل صهراي. تم ذبحهما. أحدهما بتهمة التآمر والآخر ببساطة لأنه صوفي. كان الأمر يشبه العيش في السجن . التزمنا منزلنا وحاولنا ألا يلاحظ أحد وجودنا".
وعبرت العائلة عن أملها في أن تطرد القوات العراقية ارهابيي داعش التكفيري من حيهما إلى الأبد.
وقال قائد عسكري عراقي عالي الرتبة في المنطقة لرويترز في وقت سابق إن التقدم بات بطيئا منذ دخول الموصل نفسها.
وقال اللواء شاكر كاظم محسن "لا نريد أن نستعجل الأمر لوجود المدنيين ولا نريدهم أن يتأذوا. دخول المناطق السكنية أصعب بالنسبة لنا".
في شهرزاد أطال ضابط في الجيش العراقي النظر في البوصلة قبل أن يأمر جنوده بتعديل اتجاه قذائف المورتر والتركيز على مواقع داعش التكفيري.
وقدم عدد من السكان الذي بقوا في الحي الشاي للجنود بينما كانت أصداء طلقات الأسلحة الخفيفة تصبح أكثر خفوتا.