عربي
Thursday 25th of July 2024
0
نفر 0

فدك حق آخر

فدك حق آخر

قد تعرض الكثير من الباحثين والمحققّين لقضية فدك وكتبت أقلامهم الشريفة في ما يتعلق بها من أمور عقائدية وولائية أفضل وأروح الكتب والتحقيقات سواء كانت هذه المؤلفات من الأفذاذ من العلماء الدينيين وكتّاب الشيعة المخلصين أو الذين تنورت بصيرتهم بنور الإيمان من جمهور العامة ، حيث تعتبر هذه الكتب من روائع التراث الأسلامي عبر مرّ السنين والدهور ، وفي خضم الأحداث إلى وقتنا الحاضر في أرث الزهراء عليها السلام خاصة والولاية لعلي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامة ، ويدافعون عن الباطل ويمدههم الشيطان بطغيانهم لحرف المسلمين عن الطريق المستقيم ، والمحجة البيضاء بولاية عليّ و أولاده الأئمة الاطهار عليهم السلام .
فمن هذا المنطلق كان لابدلنا من وقفة يسيرة من عنوان الولاية والحق السليب من أهل بيت النبوة عليهم السلام تلك هي فداك التي جاءت لتعبر عن معاني الولاء أو البراءة بالنسبة للذين يقفون في سدة الحكم الإسلامي إذ بان رحلة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وفدك قرية بالحجاز ، بينهما وبين المدينة يومان ، وقيل : ثلاثة ، أفاءها الله إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في سنة « سبع » صلحاً ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نزل خيبر وفتح حصونها ، ولم يبق إلا ثلاث واشتد بهم الحصار ، راسلوا رسول الله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل ، وبلغ ذلك من أهل فدك ، فأرسلوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك ، فهي ممالم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيها عين خوارة ونخيل كثير ، وهي التي أقطعها رسول الله فاطمة صلوات الله عليها (1)
ولقد نزلت الآيات القرآنية الكريمة على قلب الرسول الأكرم كي تثبت حقيقة خالدة على من العصور ألا وهي منح فاطمة الزهراء فدكا
 وعلى لسان القرآن الكريم ، لذلك تعتبر فدك منحة ربانية قبل أن تكون هدية نبوية ، حيث جاء قوله تعالى : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير * ما أفاء الله على رسوله من أهل القربى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل لكيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم * وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب ) (2) .
ليكون دليلاً على أنّ قوله تعالى « وآت ذا القربى حقه » هو كون فدك للصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام ، ولقد أيدت هذا القول الكثير من الكتب الواردة في تفسير قوله تعالى « وآت ذا القربى حقه » منها كشف الغمة وتفسير العياشي وكتاب تأويل الآيات وتفسير مجمع البيان وتفسير فرات (3) ، حيث أجمعت جميع هذه الكتب أنّ فدك هبة من الله تعالى في القرآن الكريم وعلى لسان الرسول لفاطمة عليها السلام ، والذي يظهر من جميع هذه الكتب ان فدك لفاطمة ولعقبها من بعدها أي للائمة عليهم السلام ، ولقد غصبت فدك ظلماً وعدواناً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أما الشاهد على كونها هبة من الله تعالى ما روي في تفسير الإمام الرضا عليه السلام ، في مسألة اصطفاء أهل البيت في الكتاب العزيز في أثني عشر موطناً ...
قال عليه السلام : والآية الخامسة : قول الله عزوجل : ( وآت ذي القربى حقه ) ؛ خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها ، واصطفاهم على الأمة ؛ فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أدعوا إليّ فاطمة ، فدعيت له : « فقال ، قالت : لبيك يا رسول الله . فقال : هذه فدك ، هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة ، دون المسلمين ، قد جعلتها لك لما أمرني الله تعالى به ، فخذيها لك ولي ولدك » (4) .
ولكن القوم لم يتحملوا أن تكون فدك خالصة لأهل بيت النبوة بل شحت عليها أنفس القوم ، وإلى ذلك أشار الإمام علي عليه السلام في رسالته لابن حنيف : « بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أضلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله » (5)
والذي يظهر من جميع الروايات الواردة في المقام : إن فدك كانت فيئاً أفاءها الله على نبيه خاصة دون المسلمين لانه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله تعالى : ( وآت ذي القربى حقه ) فقال صلى الله عليه وآله وسلم لجبرائيل عليه السلام ومن ذا القربى ؟ وما حقه ؟ : أعط فاطمة فدكاً ، فأعطاها حوائط فدك ، ومالله ولرسوله فيها فدعا حوائط فدك ، وما الله ولرسوله فيها فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة عليهم السلام وقال لها عليه السلام : إن الله قد أفاء على أبيك فدكاً ، واختصه بها ، فهي لي خاصة دون المسلمين ، أفعل بها ما أشاء . وقال : كان لأمك خديجة على أبيك مهر وأنّ أباك قد جعل فدك لك بذلك .
أقول : يظهر من هذا الكلام أنّ مسألة المهر الحاضر للزوجة يكون في ذمة الرجل في حالة عدم دفعه بعد وفاة الزوجة ولابد من أعطاءه للورثة الذين هم أبناء الزوجة لذا كانت فاطمة وريثة أمها خديجة في مهرها فأعطاها فدك في قبال ذلك ، هذا مانستفيده من خلال الرواية وقال صلى الله عليه وآله وسلم : نحلتكها لتكون لك ولولدك من بعدك فخذيها ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : أكتب لفاطمة نحلة من رسول الله .
وبالجملة فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها حقها بأمر الله فدكاً ، فكانت لها من الله تعالى وقد جعلها في حياته لها نحلة ، وأشهد على ذلك أمير المؤمنين وأم أيمن .
وقالت فاطمة عليها السلام : لست أحدث فيها حدثاً وأنت حي ، أنت أولى بي من نفسي ومالي لك ثم قالت في احتجاجها عليها السلام في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هذا كتاب رسول الله أوجبها لي ولولدي دون احتجاجها عليها السلام في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هذا كتاب رسول الله أوجبها لي ولولدي دون المؤمنين ، وعلى كل فليس في الروايات في تعيين من له فدك ، ذكر على أو ما يشعر بأن فدكاً له وهو أول الأئمة ، أو لخصوص الأئمة من ولد الحسين عليه السلام ، أو للامامة ومن يتصدى لها ، بل هي عطية ونحلة وهبها وأعطاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام لذي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم ، وهم فاطمة وولديها الحسن والحسين عليهم السلام كما دعاهم واعطاها لتكون لفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ولا إختصاص في عقب فاطمة عليها السلام بالأئمة من ولد الحسين دون الحسن عليهم السلام ، وبعد فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام تكون ميراثاً لعقب الحسن والحسين عليهم السلام .
ثمّ قالت فنحلة لي مـن والدي *** المــصطفى فــلم يـنحلاها
 فأقامت بـها شـهوداً فـقالوا *** بــعلها شـاهد لهـا وابـناها
 لم يجيزوا شهادة ابني رسول *** الله هادي الانـام إذ نـاصباها

 إخراج عمال فاطمة عليها السلام من فدك
 وردت عدة أحاديث وروايات أثبتت حقيقة واضحة البرهان (6) جليلة البيان وهي أنه لما بويع أبو بكر ، واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار ، بعث إلى فدك وأخرج وكيل فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها ، فجاءت فاطمة عليها السلام مستعدية فطالبها بالبينة ؛ فجاءت بعلي والحسنين صلوات الله عليهم وأم أيمن المشهود لها بالجنة ، فرد شهادة أهل البيت عليهم السلام بجرّ النفع وشهادة أم أيمن بقصورها عن نصاب الشهادة ثم أدعتها على وجه الميراث ، فغضبت عليه وعلى عمر فهجرتهما ، واوصت بدفنها ليلاً ، لئلاً يصلّيا عليها فاسخطا بذلك ربّهما ورسوله ، واستحقا اليم النكال ، وشديد الوبال ، ثم لما انتهت الإمارة إلى عمر بن عبد العزيز ردّها على بني فاطمة عليهم السلام ، ثم انتزعها منهم يزيد بن عبدالملك ، ثم دفعها السفاح الى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، ثم أخذها المنصور ، ثم اعادها المهدي ، ثم قبضها الهادي ، ثم ردها المأمون لما جاءه رسول بني فاطمة ، فنصب وكيلاً من قبلهم وجلس محاكماً فردها عليهم ، وفي ذلك يقول دعبل الخزاعي :
أصبح وجه الزمان قد ضحكا *** بــرد مأمـون هـاشماً فـدكا

 خطأ الخليفة الأوّل
 ولنبين خطأ أبي بكر في تلك القضية مع وضوحها بوجوه :
أما أن فدكاً كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمما لا نزاع فيه ، وقد أوردنا من رواياتنا وأخبارنا للمخالفين مافيه كفاية ونزيده وضوحاً بما رواه في جامع الأصول : مما أخرجه من صحيح « أبي داود » عن عمر ، قال :
إنّ أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة قرى عرينة وفدك عرينة وفدك وكذا وكذا ينفق على أهله منها نفقة سنتهم ، ثم يجعل ما بقى في السلاح والكراع عدة في سبيل الله وتلا : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ) الآية .
وروي أيضاً : عن مالك بن أوس قال : كان فيما احتج به عمر أن قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث صفايا : بنو النضير ، وخيبر ، وفدك ، إلى آخر الخبر .
وروى ابن أبي الحديد : قال أبو بكر : حدّثني أبو زيد عمر بن شبّه ، قال : حدثنا حيان ابن بشير ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : أخبرنا ابن أبي زائدة (7) ، عن محمد ابن إسحاق ، عن الزهري ، قال : بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا ؛ فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم ، ففعل ، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك ، وكانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، لانه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب « قال » : قال أبوبكر : وروى محمد بن اسحاق أيضاً : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصالحوه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق ، أو بعد ما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم وكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالصة له ، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، قال : وقد روي انه صالحهم عليها كلّها ، الله أعلم أيّ الأمرين كان ، انتهى .
وسيأتي اعتراف عمر بذلك في تنازع عليّ عليه السلام والعباس ؛ وأما أنّه وهبها لفاطمة عليها السلام فلأنّه لاخلاف في أنّها صلوات الله عليها ادّعت النحلة مع عصمتها بالأدلة المتقدمة ، وشهد له من ثبت عصته بالأدلة الماضية والآتية والمعصوم لا يدّعي ، إلاّ الحقّ ولا يشهد إلاّ بالحقّ ويدور الحقّ معه ، حيثما دار ؛ وأمّا انها كانت في يدها صلوات الله عليها فلأنّها ادعتها بعد الوفاة صلى الله عليه وآله وسلم على وجه الاستحقاق وشهد المعصوم بذلك لها ، فإن كانت الهبة قال الموت تبطل بموت الواهب ، كما هو المشهود ، ثبت القبض وإلاّ فلا حاجة إليه في إثبات المدّعى .
قد مرّ من الأخبار الدالّة على نحلتها وانّها كانت في يدها عليها السلام مايزيد على كفاية المنصف بل يسدّ طريق إنكار المتعسف ، ويدّل على أنها كانت في يدها صلوات الله عليها ما ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى عثمان بن حنيف ، حيث قال : « بلى عنها نفوس آخرين ، ونعم الحكم الله « وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غير جدث ! » .
وأمّا أنّ أبا بكر وعمر أغضبا فاطمة عليها السلام فقد اتضح بالاخبار المتقدمة ، ثم اعلم أنا لم نجد أحداً من المخالفين أنكر كون فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ، ولا أحداً من الأصحاب طعن على أبي بكر بإنكاره ذلك ، إلاّ ما تفطّن به بعض الافاضل من الاشارف ، من أنه يظهر من أخبار المؤالف والمخالف ذلك . وقد تقدم ما رواه ابن ابي الحديد في ذلك ، عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري وغيرها من الأخبار ،
 إنّ فدك كانت في أيديهم ، وتحت تصرّفهم ، وعلى هذا فلم يكن للخليفة الغاصب مطالبتهم بالبينة ، فإنّها خلاف موازين القضاء ، ولم يكن إقطاع الرسول صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام وأهلها أمراً فريداً يخصّها :
ففي فتوح البلدان للبلاذري : 31 : انه صلى الله عليه وآله أقطع من أرض بني النضير أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة ، وغيرهم ، وفي ص 34 : وأقطع الزبير بن العوام أرضاً من أرض بني النضير ذات نخل .
وفي ص 27 : وأقطع بلالا أرضاً فيها جبل ومعدن ، وقال مالك بن أنس : أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلال بن الحارث معادن بناحية الفرع ؛ وأقطع علياً عليه السلام أربع أرضين : الفقيرين وبئر قيس والشجرة . وفي ص 34 : وأبو بكر نفسه أقطع الزبير الجرف ، وعمر أقطعه العقيق ، أجمع . فما أدري لماذا أخذوا من فاطمة نحلة أبيها صلى الله عليه وآله ؟ وهل كانت هي فقط من الأموال العامة للمسلمين ؟ نعم ، كان سبب ابتزازها نحلة فاطمة وأبنيها تكون دعماً لبيت الإمامة ملازمة .
ولا يخفى ، ان ذلك يتضمن إنكار الآية وإجماع المسلمين : إذ القائل :
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصرف شيئاً من غلّة فدك وغيره من الصفايا في بعض مصالح المسلمين ، لم يقل بأنها لم تكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بل قال : بأنه فعل ذلك على وجه التفضّل وابتغاء مرضاة الله ، وظاهر الحال أنه أنكر ذلك دفعاً لصحة النحلة ، فكيف كان يسمع الشهود على النحلة مع ادّعائه أنها كانت من أموال المسلمين .
واعتذر المخالفون من قبل أبي بكر بوجوه سخيفة :
الأول : منع عصمتها صلوات الله عليها ، وقد تقدمت الدلائل المثبتة لها .
الثاني : أنه لو سلم عصمتها ، فليس للحاكم أن يحكم بمجرد دعواها ، وإن تيقن صدقها ، وأجاب أصحابنا بالادلة الدالة على أن الحاكم يحكم يعلمه ؛ وأيضاً اتّفقت الخاصة والعامة على رواية قصة خزيمة بن ثابت وتسميته بذي الشهادتين لما شهد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بدعواه ، ولو كان المعصوم كغيره لما جاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبول شاهد واحد والحكم لنفسه ، بل كان يجب عليه الترافع إلى غيره ، وقد روى أصحابنا :
أن أمير المؤمنين عليه السلام خطّا شريحاً في طلب البينّة ، وقال : إن إمام المسلمين يؤتمن من امور على ماهو أعظم من ذلك ، وأخذ ما ادّعاه من درع طلحة بغير حكم شريح ، والمخالفون ، حرّفوا هذا الخبر وجعلوه حجة لهم ، واعتذروا بوجوه اخرى سخيفة لا يخفى على عاقل بعد ما أوردنا في تلك الفصول ضعفها ووهنها ، فلا نطيل الكلام بذكرها .

بطلان دعوى عدم توريث الأنبياء عليهم السلام
 استدل أصحابنا على بطلان ذلك بآي من القرآن الكريم منها : قوله تعالى مخبراً عن زكريا عليه السلام : ( وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولّياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّاً ) قوله تعالى : « ولياً » أي : ولداً يكون أولى بميراثي ، وليس المراد بالواليّ من يقوم مقامه ولداً كان أو غيره ، لقوله تعالى حكاية عن زكريّا ( ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة ) .وقوله ( ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير المؤمنين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى )
والقرآن يفسّر بعضه بعضاً ، واختلف المفسرون في أن المراد بالميراث العلم أو المال فقال ابن عباس والحسن والضحاك : أن المراد به في قوله تعالى : « يرثني » وقوله سبحانه : ( ويرث من آل يعقوب ) ميراث المال . وقال أبو صالح : المراد به في الموضعين ميراث النبوة .
وقال السدي ومجاهد والشعبي : المراد في الأول : ميراث المال ، وفي الثاني : ميراث النبوة ، وحكى هذا القول عن ابن عباس والحسن والضحاك .
وحكي عن مجاهد ، أنه قال : المراد من الأول : العلم ، ومن الثاني : النبوة .
وأما وجه دلالة الآية على المراد فهو أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة والعرف إذا اطلق ولم يقيد ، لا يفهم منه إلاّ الأموال ومافي معناها ، ولا يستعمل في غيرها إلاّ مجازاً ، وكذا لا يفهم من قول القائل : « لا وارث لفلان » إلاّ من ينتقل إليه وأمواله وما يضاهيها دون العلوم وما يشاكلها ، ولا يجوم العدول ، عن ظاهر اللفظ وحقيقة إلاّ لدليل ، فلو لم يكن في الكلام قرينة توجب حمل اللفظ على أحد المعنيين ، لكفى في مطلوبنا ، كيف والقرائن الدالة على المقصود موجودة في اللفظ .
أما أوّلاً : فلأنّ زكريا عليه السلام اشترط في وارثه أن يكون رضياً ، وإذا حمل الميراث على العلم والنبّوة لم يكن الإشتراط معنى ، بل كان كان لغواً عبثاً ، لأنّه إذا سأل من يقوم مقامه في العلم والنبوة فقد دخل في سؤاله الرضا ، وما هو أعظم منه ، فلا معنى لاشتراطها ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحد : اللهم ابعث إلينا نبياً واجعله مكلفاً عاقلاً .
وأما ترى أنه لا يحسن الخوف من بني العمّ ومن يحذر حذوهم يناسب المال دون النبوة والعلم ، وكيف يخاف مثل زكرياً عليه السلام من أن يبعث الله تعالى إلى خلقة نبياً يقيمه مقام زكرياً ولم يكن أهلاً للنبوة والعلم سواء كان من موالي زكرياً أو من غيرهم ؛
 على أن زكرياً عليه السلام كان إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس ، فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في بعثته ؛ فإن قيل : كيف يجوز على مثل زكرياً عليه السلام الخوف من أن يرث الموالي ماله ، وهل هذا إلاّ الشحّ والبخل ؟
 قلنا : لمّا علم زكرياً عليه السلام من حال الموالي أنهم من أهل الفساد ، خاف أن ينفقوا أمواله في المعاصي ، ويصرفوه في غير الوجوه المحبوبة ، مع أنّ في وراثتهم ماله كان يقوي فسادهم وفجورهم ، فكان خوفه خوفاً من قوة الفسّاق ، وتمكنهم في سلوك الطرائق المذمومة وانتهاك محارم الله عزّ وجلّ ، وليس مثل ذلك من الشحّ والبخل ؛
 فإن قيل : كما جاز الخوف على المال جاز الخوف على وراثتهم العلم ، لئلاّ يفسدوا به الناس ويضلّوهم ، ولا ريب في أنّ ظهور آثار العلم كان فيهم من دواعي إتباع الناس وإياهم وانقيادهم لهم ؟
 قلنا : لا يخلو هذا العلم الذي ذكرتموه من أن يكون هو كتب علمية وصحف حكمية ، لأنّه قد يسمى علما مجازاً ، أو يكون هو العلم الذي يملأ القلوب وتعيه الصدور ؛
 فإن كل الأوّل ، فقد رجع إلى معنى المال ، وصح أن الأنبياء عليهم السلام يورثون الاموال وكان حاصل خوف زكرياّ عليه السلام أنه خاف من أن ينتفعوا ببعض أمواله نوعاً خاصاً من الإنتفاع ، فسأل ربّه ان يرزقه الولد حذراً من ذلك ؛
 وإن كان الثاني : فلا يخل أيضاً من أن يكون هو العلم ، الّذي بعث النبي لنشره وأدائه إلى الخلق ، أو أن يكون علماً مخصوصاً لا يتعلق بشريعة ، ولا يجب إطلاع الأمة عليه كعلم العواقب وما يجري في مستقبل الأوقات ونحو ذلك . والقسم الأول : لا يجوز أن يخاف النبي من وصوله إلى بني عمّه ، وهم من جملة امته المبعوث إليهم لأن يهديهم ويعلمهم وكان خوفه من ذلك خوفاً من غرض البعثة .
والقسم الثاني : لا معنى للخوف من أن يرثوه إذ أمره بيده ، ويقدر على ن يليقه إليهم ولو صحّ الخوف على القسم الأوّل لجرى ذلك فيه أيضاً فتأمل .
هذا خلاصة ما ذكره السيّد المرتضى رضى الله عنه في الشافي عند تقرير هذا الدليل وما أورده عليه من تأخّر عنه يندفع بنفس التقرير ، كما لا يخفى على الناقد البصير فلذا لانسوّد بإيرادها الطوامير .
الآية الثانية : قوله تعالى : ( وورث سليمن داود ) وقال : ( يا أيها الناس علّمنا منطق الطير واوتينا من كلّ شيء إن هذا لهو الفضل المبين ) وجه الدلالة هو أنّ المتبادر من قوله تعالى ورث : أنّه ورث ماله كما سبق في الآية المتقدمة ، فلا يعدل عنه إلاّ لدليل ؛
 وأجاب قاضي القضاء في المغني : بأن في ما يدل على أن المراد وراثة العلم دون المال ، وهو قوله تعالى : وقال : ( يا أيّها الناس علّمنا منطق الطير ) ، فإنه يدل على أنّ الّذي ورث هو هذا العلم وهذا الفضل ، وإلاّ لم يكن لهذا تعلّق بالاول ؛
 وقال الرازي في تفسيره : لو قال تعالى ورث سليمن داود ماله لم يكن لقوله تعالى وقال : ( يا أيها الناس علّمنا منطق الطير ) معنى ، وإذا قلنا : ورث مقامه من النبوّة والملك حسن ذلك ، لانّ علم منطق الطير يكون داخلاً في جملة ماورثه ، وكذلك قوله : ( واوتينا من كل شيء ) لأن وارث العلم يجمع ذلك ، ووارث المال لا يجمعه ، وقوله : ( إنّ هذا لهو الفضل المبين ) يليق أيضاً بما ذكر دون المال ، الّذي يحصل للكامل والناقص . وما ذكره الله تعالى من جنود سليمان بعده ، لا يليق إلاّ بما ذكرنا فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنّه لا يورث إلاّ المال فأما إذا ورث المال والملك معاً ؛ فهذا لا يبطل بالوجوه الّذي ذكرنا بل بظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث » ؛
 وردّ السيّد المرتضى رضى الله عنه في الشافي كلام المغني بأنّه : لا يمتنع أن يريد ميراث المال خاصّة ، ثمّ يقول مع ذلك إنّا علّمنا منطق الطير ويشير بالفضل المبين إلى العلم والمال جميعاً ، فله في الأمرين جميعاً فضل على من لم يكن كذلك ؛ وقوله : ( وأوتينا من كلّ شيء ) يحتمل المال كما يحتمل العلم ، فليس بخالص لما ظنه ولو سلّم دلالة الكلام لما ذكره ، فلا يمتنع ، أن يريد أنه ورث المال بالظاهر والعلم بهذا النوع من الإستدلال ، فليس يجب إذا دلّت الدلالة في بعض الألفاظ على المجاز أن نقتصر بها عليه ، بل يجب ان نحملها على الحقيقة التي هي الأصل ، إذا لم يمنع من ذلك مانع ؛
 وقد ظهر بما ذكره السيد قدس سره ، بطلان قول الرازي أيضاً ، وكان القاضي يزعم أنّ العطف لو لم يكن للتفسير لم يكن للمعطوف تعلق بما عطف عليه ، وانقطع نظام الكلام وما اشتهر من أن التأسيس أولى من التأكيد ، من الأغلاظ المشهورة ، وكان الرازي يذهب إلى أنّه لامعنى للعطف ، إلاّ إذا كان المعطوف داخلاً في المعطوف عليه ، فعلي أي شيء يعطف حينئذ قوله تعالى : ( وأوتينا من كل شيء ) فتدبروا : أمّا قوله : أنّ المال يحصل للكامل والناقص ، فلو حمل الميراث على المال لم يناسب قوله : ( إن هذا الفضل المبين ) فيرّد عليه :
أنّه إنما يستقيم إذا كانت الإشارة إلى أوّل الكلام فقط ، وهو وراثة المال وبعده ظاهر ، ولو كانت الإشارة إلى مجموعة الكلام كما هو الظاهر أو إلى أقرب الفقرات ؛ أعني قوله : ( واوتينا من كل شيءٍ ) لم يبق لهذا الكلام مجال ؛ وكيف لا يليق الإشارة دخول المال في جملة المشار إليه وقد منّ الله تعالى على عباده ، وفي غير موضع من كلامه المجيد بما أعطاهم في الدنيا من صنوف الأموال وأوجب على عباده الشكر عليه ، فلا دلالة فيه على عدم إرادة وراثة المال سواء كان من كلام سليمان أو من كلام المالك المنّان ؛ وقد ظهر بذلك بطلان قوله أخيراً إنّ كلام سليما أو من كلام المالك المنّان ؛ وقد ظهر بذلك بطلان قوله أخيراً إنّ ما ذكره الله من جنود سليمان لا يليق إلاّ بما ذكرنا ، بل الاظهر أنّ حشر الجنود من الجن والإنس والطير قرينة على عدم إرادة الملك من قوله : ( ورث سليمان داود ) فإنّ تلك الجنود لم تكن لداود حتّى يرثها سليمان ، بل كانت عظّية مبتدئاة من الله تعالى لسليمان عليه السلام ، وقد أجرى الله تعالى على لسانه أنّه أخبر الإعتراف بأنّ ما ذكره لا يبطل قول من حمل الآية على وارثة الملك معاً فإنّه يكفينا في إثبات المدّعى ؛

 وسيأتي الكلام في الحديث الّذي تمسّك به .
الآية الثالثة : ما يدّل على وارثة الاولاد والأرقاب ، كقوله تعالى : ( للرجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ نصيب أو كثر مفروضاً ) وقوله تعالى : ( وصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأثنين ) وقد اجتمعت الأمّة على عمومها إلاّ من أخرجه الدليل ، فيجب أن يتمسك بعمومها إلاّ إذا قامت دلالة قاطعة ؛ وقد قال سبحانه عقيب آيات الميراث : ( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك هو الفوز العظيم * ومن يعص الله و رسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ) ؛ ولم يقل دليل على خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله : نحن معاشر الانبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة ؛
 قال صاحب المغني : لم يقتصر أبو بكر على رواية حتّى استشهد عليه عمر وعثمان وطلحة والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف ، فشهدوا به فكان لا يحل لأبي ، وقد صار الأمر إليه أن يقسم التركة ميراثاً ، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنّها صدقة وليس بميراث ؛ وأقلّ ما في الباب أن يكون الخير من أخبار الآحاد ، فلو أنّ شاهدين شهدا في التركة أنّ فيها حقّاً ، أليس كان يجب أن يصرفه عن الإرث ؟ فعلمه بما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع شهادة غيره أقوى ، ولسنا نجعله مدعياً ، لأنّه لم يدّع ذلك لنفسه وإنّما بين أنه ليس بميراث ، وأنه صدقة ولا يمتنع تخصيص القرآن بذلك كما يخص في العبد والقاتل وغيرهما .
ويرد عليه : أنّ الإعتماد في تخصيص الآيات ، إمّا على سماع أبي بكر ذلك الخبر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويجب على الحاكم ان يحكم بعمله ؛ وإما على شهادة من زعموهم شهوداً على الرواية ، أو على مجموع الأمرين ، أو على سماعه من حيث الرواية منع انضمام الباقين إليه ؛ فإن كان الأول فيرد عليه بوجوه من الايراد عليه :
الأول : ما ذكره السيّد رضى الله عنه في « الشافي » من أنّ أبا بكر في حكم المدّعي لنفسه والجار إليها نفعاً في حكمه ، لأن أبابكر وسائر المسلمين سوى أهل البيت عليه السلام تحل لهم الصدقة ، ويجوز أن يصيبوا منها ، وهذه تهمة في الحكم والشهادة ثمّ قال رضى الله عنه : وليس له ان يقول يقتضي أن لا تقبل شهادة شاهدين في تركة فيها صدقة بمثل ما ذكرتم ، وذلك لأن الشاهدين إذا شهدا بالصدقة فحظهما منها كحظّ صاحب الميراث ، بل سائر المسمين ، وليس كذلك حال تركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأنّ كونها صدقة يحرّمها على ورثته ، ويبيحها لسائر المسلمين ، انتهى .
ولعلّ مراده رحمهم الله أنّ لحرمان الورثة في خصوص تلك المادة شواهد على التهمة بأن كان غرضهم إضعاف جانب أهل البيت عليهم السلام ، لئلاّ يتمكنوا عن المنازعة في الخلافة ، ولا يميل الناس لنيل الزخارف الدنيوية ، فيكثر أعوانهم وأنصارهم ويظفروا بإخراج الخلافة والإمارة من أيدي المتغلبينّ ، اذ لا يشك أحد ممن نظر
 في أخبار العامة والخاصة ، في أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في ذلك الوقت طالباً للخلافة ، مدّعياً لإستحقاقه لها ، وأنّه لم يكن إنصراف الاعيان والاشراف عنه ، وميلهم إلى غيره إلا لعلمهم بأنه لا يفضّل أحداً منهم على ضعفاء المسلمين ، وأنه يسوىّ بينهم في العطاء والتقريب ، ولم يكن إنصراف سائر الناس عنه إلا لقلة ذات يده ، وكون المال والجاه مع غيره .
والأولى أن يقال في الجواب : أنه لم تكن التهمة لأجل أن له حصة في التركة ، بل لأنه كان يريد أن يكون تحت يده ، ويكون حاكماً فيه يعطيه من يشاء ، ويمنعه من يشاء ويؤيده : قول أبي بكر فيما رواه في جامع الاصول من سنن أبي داود ، عن أبي الطفيل ، قال : جاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر تطلب ميراثها من أبيها ، فقال لها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الله إذا أطعم نبياً طعمة فهو للذي يقوم من بعده ؛ ولا ريب في أنّ ذلك ممّا يتعلق به الأغراض ، ويعد من جلب المنافع
 ولذا لا تقبل شهادة الوكيل فيما هو وكيل فيه والوصي فيما هو وصي فيه ؛ وقد ذهب قوم إلى عدم جواز الحكم بالعلم مطلقاً لأنّه مظنة التهمة ، فكيف إذا قامت القرائن عليه من عداوة ومنازعة ، وإضعاف جانب ونحو ذلك ، والعجب أنّ بعضهم في باب النحلة منعوا بعد تسليم عصمة فاطمة عليها السلام جواز الحكم بمجرد الدعوى وعلم الحاكم بصدقها ، وجوزوا الحكم بأن التركة صدقة ، للعلم بالخبر مع معارضته للقرآن وقيام الدليل على كذبه .
الثاني : أنّ الخبر معارض للقرآن لدلالة الآية في شأن زكريّا وداود عليهم السلام على الوارثة وليست الآية عامّة حتّى تخصص بالخبر فيجب طرح الخبر ، لايقال : إذا كانت الآية خاصّة فينبغي تخصيص الخير بها ، وحمله على غير زكريا وداود عليهما السلام لأنّا نقول : الحكم بخروجهما عن حكم الأنبياء مخالف لإجماع الأمة ، لإنحصارها بالإيراث مطلقاً ، وعدمه مطلقاً ، فلا محيص عن الحكم بكذب الخبر ، وطرحه .
الثالث : أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يرى الخبر موضوعاً باطلاً ، وكان عليه السلام لا يرى إلاّ الحق والصدق ، فلابد من القول بأنّ من زعم أنّه سمع الخبر كاذب .
أما الأولى : فلما رواه مسلم ، في « صحيحة » وأورده في « جامع الأصول » أيضاً عن مالك بن أوس ـ في رواية طويلة ـ قال : عمر لعليّ عليه السلام والعبّاس ، قال أبو بكر : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا نورث ، ما تركناه صدقة ، فرأيتماه كاذباً آثمناً غادراً خائناً ، والله يعلم أنّه لصادق بار راشد تابع للحق ، ثمّ توفي أبو بكر ، فقلت : أنا وليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً غادراً آثماً خائناً ، والله يعلم أنّي لصادق بار تابع للحقّ فولّيتها .
وعن البخاري : في منازعة علي والعباس فيما أناه الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من بني النضير ، أنه قال عمر بن الخطاب : قال أبو بكر : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقبضها فعمل فيها بها عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأنتما حينئذ ـ وأقبل على علي عليه السلام والعباس تزعمان أن أبابكر فيها كذا .
والله يعمل أنّه فيها صادق بار راشد تابع للحق وكذلك زاد في حق ، نفسه ، قال : والله يعلم أنّي فيها صادق بار راشد تابع للحق ، إلى آخر الخبر ، وقد روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، : من كتاب « السقيفة » عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري « مثله » بأسانيد . وأما المقدمة الثانية : فلما مر وسيأتي من الأخبار المتواترة ، في أنّ عليّاً عليه السلام لا يفارق الحق والحق لا يفرقه ، بل يدور معه حيث ما دار ، ويؤيده روايات السفينة والثقلين وأضرابهما .
الرابع : أنّ فاطمة عليها السلام أنكرت رواية أبي بكر ، وحكمت بكذبه فيها ، ولا يجوز الكذب عليها ، فوجب الرواية وراويها .
أما المقدمة الاولى : فلما مر في خطبتها وغيرها ، وسيأتي من شكايتها في مرضها وغيرها ، وقد رووا في صحاحهم : أنها عليها السلام انصرفت من عند أبي بكر ساخطة ، وماتت عليه واجدة ، وقد اعترف بذلك ابن أبي الحديد ؛ وأما الثانية : فلما من من عصمتها وجلالتها عليها السلام .
الخامس : أنّه لو كانت تركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة ، ولم يكن لها صلوات الله عليها حظّ فيها ، لبيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحكم لها إذا التكليف في تحريم أخذها ، يتعلق بها ول بينه لها لما طلبتها لعصمتها ، ولايرتاب عاقل في أنّه لو كانت بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل بيتهأن تركتي صدقة لاتحل لما خرجت ابنته وبضعته من بيتها مستعدية ساخطة صارخة في معشر المهاجرين ، والانصار ، تعاتب إمام زمانها بزعمكم ، وتنسبه إلى الجور والظلم في غصب تراثها ، وتستنصر المهاجر ، والانصار ، في الوثوب عليه ، وإثارة الفتنة بين المسلمين ، وتهيّج الشرّ
 ولم تستقر بعد أمر الامارة والخلافة ، وقد أيقنت بذلك طائفة من المؤمنين ، أن الخليفة غاصب للخلافة ناصب لأهل الإمامة ، فصبّوا عليه اللعن والطعن إلى نفخ الصور وقيام النشور ؛ وكان ذلك من أكد الدواعي إلى شقّ عصا المسلمين ، وافتراق كلمتهم ، وتشتت الفتهم ، وقد كانت تلك النيران يخمدها بيان الحكم لها ولامير المؤمنين عليه السلام ، ولعله لا يجسر من اوتي حظاً من الاسلام على القول بان فاطمة عليها السلام مع علمها بأن ليس لها في التركة بأمر الله نصيب ، كانت تقدم على مثل ذلك الصنيع ، أو كان أمير المؤمنين عليه السلام مع علمه بحكم الله ، لم يزجرها عن التظلم والإستعداء ، ولم بالقعود في بيتها ، راضية بأمر الله فيها ، وكان ينازع العباس ، بعد موتها ويتحاكم إلى عمر ابن الخطاب ؛ فليت شعري هل كان ذلك الترك والإهمال لعدم الإعتناء بضعته الّتي كانت تؤذيه ما آذاها ، ويريبه مارابها ، أو بأمر زوجها وابن عمّه وأخيه المساوي لنفسه ومواسيه بنفسه ، أو لقلة المبالاة بتبليغ أحكام أحكام الله وأمر امته ، وقد أرسله الله بالحق بشيراً ونذيراً للعالمين .
السادس : أنّا مع قطع النظر عن جميع ما تقدم ، نحكم قطعاً بأن مدلول هذا الخبر كاذب باطل ومن اسند إليه هذا الخبر ، لا يجوز عليه الكذب ، فلابد من القول بكذب من رواه ، والقطع بأنه وضعه وافتراه ؛ وأما المقدمة الثانية فغنية عن البيان .
وأما الاولى : فبيانها أنّه قد جرت عادة الناس قديماً وحديثاً بالإخبار عن كل ما جرى ، بخلاف المعهود بين كافة الناس ، وخرج عن سنن عاداتهم ، سيمّا إذا وقع في كل عصر وزمان ، وتوفرت الدواعي ، إلى نقله وروايته ؛ ومن العلوم لكل أحد ، أن جميع الامم على اختلافهم في مذاهبهم يهتمون بضبط أحوال الأنبياء وسيرتهم ، وأحوال أولادهم ، وما المعلوم أيضاً أنّ العادة قد جرت من يوم خلق الله الدنيا واهلها ، إلى زمان انقضاء مدتها وفنائها ، بأن يرث الاقربون من الاولاد ، وغيرهم أقاربهم وذوي أرحامهم ، وينتقعون ماموالهم وما خلفوه بعد موتهم ؛ ولا شك لأحد في أنّ عامة الناس ، عالمهم وجاهلهم ، وغنيهم وفقيرهم وملوكهم ، ورعاياهم يرغبون إلى كل ما نسب إلى ذي شرف وفضيلة ، ويتبركون به ويحرزه الملوك في خزائنهم ، ويوصون به لاحب أهلهم ، فكيف بسلاح الانبياء في ثيابهم وأمتعتهم ، ألا ترى إلى الاعمى إذ أبصر في مشهد من المشاهد المشرفة ، أو توهمت العامة أنّه أبصر اقتطعوا ثيابه وتبركوا بها وجعلوها حرزاً من كل بلاء ؛ إذا تمهّدت المقدمات فنقول :
لو كان ما تركه الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى الخاتم صلى ال عليه وآله وسلم صدقة ، لقسمت بين الناس ، بخلاف المعهود من توارث الآباء والاولاد وسائر الاقارب ، ولا يخلو الحال : إمّا أن يكون كلّ نبي يبين الحكم لورثته بخلاف نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، أو يتركون البيان كما تركه صلى الله عليه وآله وسلم فجرى على سنّة الذين خلوا من قبله ، من أنبياء الله عليهم السلام :
فإن كان الأوّل ، فمع أنّه خلاف الظاهر ، كيف خفي هذا الحكم على جميع أهل الملل والأديان ، ولم يسمعه أحد إلاّ أبوبكر ، ومن يحذو حذوه ، ولم ينقل أحد أنّ عصا موسى عليه السلام فجرى على وجه الصدقة إلى فلان ، وسيف سليمان عليه السلام صار إلى فلان ، وكذا ثياب سائر الأنبياء وأسلحتهم وأدواتهم فرقّت بين الناس ، ولم يكن في ورثة أكثر من مائة الف نبي ، قوم ينازعون في ذلك ، وإن كان بخلاف حكم الله عزوجل ؛ وقد كان أولاد يعقوب عليه السلام مع علوّ قدرهم يحسدون على أخيهم
 ويلقونه في الجبّ لما رأوه أحبّهم إليه ، أو وقعت تلك المنازعة كثيراً ، ولم ينقلها أحد في الملل السابقة وأرباب السير ، مع شدّة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبياء وخصائهم ، وما جرى بعدهم كما تقدم ؛ وإن كان الثاني ، فكيف كانت حال ورثة الأنبياء أكانوا يرضون بذلك ولا ينكرون ؟ فكيف صارت ورثة الأنبياء جميعاً يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء ، ولم ترض به سيّده النساء ؟
 أو كانت سنة المنازعة جارية في جميع الامم ، ولم ينقلها أحد ممّن تقدّم ، ولا ذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم ؛ إنّ هذا لشيء عجاب ، وأعجب من ذلك ، أنّهم ينازعون في وجود النص على أمير المؤمنين عليه السلام ، مع كثرة الناقلين له من يوم السقيفة إلى الآن ؛ ووجوه الأخبار في صحاحهم ، وادّعائهم الشيعة تواتر ذلك ، من أول الأمر إلى الآن ويستندون في ذلك إلى أنه لو كان حقاً ، لما خفي ذلك لتوفر الدواعي إلى نقله وروايته ، فانظر بعين الإنصاف أن الدواعي لشهرة أمر خاص ، ليس الشاهد له إلاّ قوم مخصوص من أهل قرن معين أكثر
 أم لشهرة أمر قل زمان من الأزمنة من لدن آدم عليه السلام إلى الخاتم صلى الله عليه وآله سلم عن وقوعه فيه ؟ مع أنّه ليس يدعو إلى كتمانه وإخفائه في الامم السالفة داع ، ولم يذكره رجل في كتاب ، ولم يسمعه أحد من أهل ملّة ؛ ولعمري لا أشك في أن من لزم الإنصاف وجانب المكابرة ، والإعتساف ، وتأمل في مدلول الخبر وأمعن النظر ، يجزم قطعاً بكذبه وبطلانه ؛ وإن كان القسم الثماني ،وهو أن يكون إتماد أبي بكر في تخصيص الآيات بالخبر من حيث رواية الرواة له دو علمه بأنه من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لسمعه باذنه فيرد عليه أيضاً

 وجوه من النظر :

الأوّل :
أن ما ذكره قاضي القضاة ، من أنه شهد بصدق الرواية في أيام أبي بكر : عثمان وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمان ، باطل غير مذكور في سيرة ورواية من طرقهم وطرق أصحابنا ؛ وإنما المذكور في رواية مالك بن أوس التي رووها في صحاحهم : أنّ عمر بن الخطاب لمّا تنازع عنده أمير المؤمنين عليه السلام والعبّاس استشهد نفراً فشهدوا بصدق الرواية :
ولنذكر ألفاظ صحاحهم في رواية مالك بن أوس على اختلافها ، حتّى يتضح حقيقة الحال : روي البخاري ومسلم وأخرجه الحميدي ، وحكاه في جامع « الأصول » في الفرع الرابع من كتاب الجهاد من حرف الجيم ، عن مالك أنّه قال : أرسل إليّ عمر فجئته حين تعالى النهار ، قال : فوجدته في بيته جالساً على سرير مفضياً ، إلى رماله ، متكئاً على وسادة من أدم ، فقال لي : يا مالك ، أنّه قد دفّ أهل أبيات من قومك وقد أمرت فيهم برضخ فخذه فأقسم بينهم قال : قلت : لو أمرت بهذا غيري ، قال : خذه يا مالك ، قال : فجاء يرفأ فقال : هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد ؛ فقال عمر : نعم فأذن لهم فدخوا ؛
 ثمّ جاء فقال : هل لك في عباس وعلي عليه السلام قال : نعم فأذن لهما : فقال العباس : اقض بيني وبين هذا ، فقال القوم أجل ! فاقض بينهم وارحهم ، قال مالك بن أوس : فخيل إلى أنهم قد كانوا قدموهم لذلك ، فقال عمر اتّئدوا : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا نوّرث ما تركنا صدقة ؟ قالوا : نعم ؛ ثم أقبل على العبّاس وعليّ عليه السلام فقال : أنشدكما بالله الذي بأذنه تقوم السماء والأرض ، أتعلمان أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا نورث ، ما تركنا صدقة ؟ قالا : نعم ، إلى آخبر الخبر ؛
 ثمّ حكى في جامع الأصول ، عن البخاري ومسلم ، أنّه قال عمر لعلي عليه السلام : قال أبوبكر : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا نورث ، ما تركناه صدقة ، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً ، خائناً ، وتزعمان أنّه فيها كذا كما نقلنا سابقاً ؛ وحكي في جامع الاصول ، عن أبي دواد ، أنّه قال أبو البختري : سمعت حديثاً من رجل فأعجبني ، فقلت : اكتبه لي ، فاتي به مكتوباً مدبراً ، دخل العباس وعلي عليه السلام على عمر ، وعنده طلحة والزبير وعبدالرحمان وسعد وهما يختصمان ، فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمان وسعد : ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : كل مال النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقة ، إلاّ مااطعمه أهله ، أو كساهم ، إنا لانورث ؟ قالوا : بلى (8) .
توضيح : ولا يذهب على ذي فطنة أن شهادة الاربعة التي تضمنتها الرواية الاولى والثانية على اختلافهما ، لم يكن من حيث الرواية والسماع عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، بل لثبوت الرواية عندهم بقول أبي بكر ، بقرينة أن عمر ناشد علياً عليه السلام والعباس : أتعلمان أن الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا نورث ، ما تركناه صدقة ؟ فقالا : نعم ؛ وذلك لانه لا يقدر أحد في ذلك الزمان على تكذيب تلك الرواية ، وقد قال عمر في آخر الرواية : رأيتماه ، يعني أبا بكر كاذباً آثماً غادراً خائناً ، وكذا في حق نفسه ؛ والعجب أن القاضي لم يجعل علياً عليه السلام والعباس شاهدين على الرواية مع تصديقهما كما صدّق الباقون ، بل جميع الصحابة لأنهم يشهدون بصدقهما .
وقال ابن أبي الحديد بعد حكاية كلام السيد رضى الله عنه في أن الاستشهاد كان في خلافة عمر دون أبي بكر ، وأن معول المخالفين على إمساك الأمة عن النكير على أبي بكر دون الاستشهاد ما هذا لفظه : قلت : صدق المرتضى فيما قال ، أما عقيب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومطالبة فاطمة عليها السلام بالإرث فلم يرو الخبر إلاّ أبا بكر وحده ، وقيل : إنّه رواه معه مالك بن أوس ابن الحدثان ؛ وأما المهاجرين الذين ذكرهم قاضي القضاة فقد شهدوا بالخبر في خلافة عمر ، وتقدم ذكر ذلك ، وقال في الموضع المتقدم الذي أشار إليه ،
 وهو الفضل الذي ذكر فيه روايات أبي البختري على مارواه أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، بإسناده عنه : قال جاء عليّ والعباس إلى عمر ، وهما يختصمان ، فقال عمر لطلحة والزبير وعبدالرحمان وسعد : أنشدكم الله ، أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : كل مال نبي فهو صدقة إلاّ ما أطعمه أهله ، إنّا لا نورّث ! فقالوا : نعم ؛ قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتصدّق به ، ويقسم فضله ، ثمّ توفّي ، فولّيه أبو بكر سنتين يصنع فيه ما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنتما تقولان ، إنه كان بذلك خاطئاً ، وكان بذلك ظالماً وما كان بذلك إلاّ راشداً ، ثم ولّيته بعد أبي بكر فقلت لكما : إن شئتما قبلتماه على عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهده الذي عهد فيه ، فقلتما : نعم ، وجئتماني الآن تختصمان ؛ يقول هذا : اريد نصبي من ابن أخي ، ويقول هذا : اريد نصبي من امرأتي ! والله لا أقضي بينكما إلاّ بذلك .
قال ابن ابي الحديد : قلت : وهذا أيضاً مشكل ، لأن أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلاّ أبا بكر وحده ، ذكر ذلك معظم المحدثين ، حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في إحتجاجهم في الخبر برواية الصحابي والواحد . وقال شيخنا أبو علي : لا يقبل في الرواية إلاّ رواية إثنين كالشهادة ، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلّهم ، واحتجّوا عليه بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده ، قال : « نحن معاشر الأنبياء لانورث » حتّى أن أصحاب أبي علي تكلف لذلك جواباً
 فقال : قد روي أن أبا بكر يوم حاجّ فاطمة عليها السلام قال : انشد الله امرءً سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا شيئاً ! فروى مالك بن أوس بن الحدثان : أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا الحديث ينطق بأنه استشهد عمر وطلحة والزبير وعبد الرحمان وسعداً ، فقالوا : سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأين كانت هذه الرواية أيّام أبي بكر ! ما نقل أنّ أحداً من هؤلاء يوم خصومة فاطمة عليها السلام وأبي بكر روى من هذا شيئاً . انتهى .
فظهر أنّ قول القاضي ليس إلا شهادة زور ، ولو كان لما ذكره من إستشهاد أبي بكر مستند لاشار إليه كما هو الدأب في مقام الإحتجاج ، وأما هذه الرواية التي رواها ابن أبي الحديد فمع أنّها لا تدل على الإستشهاد في خلافة أبي بكر ، فلا تخلو من تحريف ، لما عرفت من أن لفظ رواية أبي البختري على ما رواه أبو داود ، وحكاه في جامع الاصول (9) : ألم تعلموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : كلّ مال النبي صدقة أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما رواه الجوهري ، على أنّه لا يقوم فيما تفر دّوابه من الأخبار حجّة علينا ، وأنّما الإحتجاج بالمتفق عليه ، أو ما اعترف به الخصم والإستشهاد على الرواية لم يثبت عندنا لا في أيّام أبي بكر ولافي زمن عمر ثمّ أورد السيد رحمه الله على كلام صاحب المغني بأنا لو سلّمنا إستشهاد من ذكر على الخبر لم يكن فيه حجة ، لأن الخبر على كل حال لا يخرج من أن يكون غير موجب للعلم ، وهو في حكم أخبار الآحاد ، وليس يجوز أن يرجع عن ظاهر القرآن بما يجري هذا المجرى ، لأن المعلوم لا يخص إلاّ بمعلوم ؛ قال : على أنّه لو سلم لهم أنّ الخبر الواحد يعمل به في الشرع لا حتاجوا إلى دليل مستأنف على نّه يقبل في تخصيص القرآن لأن مادل على العمل به في الجملة لا يتناول هذا الموضع كما لا يتناول جواز النسخ به ، وتحقيق هاتين المسئلتين من وظيفة اصول الفقه .
والثاني :
أنّ رواه الخبر كانوا متّهمين في الرواية بجلب النفع من حيث حلّ الصدقة وما أجاب به شارح كشف الحق من الفرق بين الرواية والشهادة ، وأنّ التهمة إنّما تضر في الشهادة دون الرواية ، فسخيف جداً ولم يقل أحد بهذا الفرق غيره .
الثالث :
ما تقدم في الإيراد الثالث والرابع من القسم الأوّل .
الرابع :
ما تقدم من وجوب البيان للورثة .
أما القسم الثالث : وهو أن يكون مناط الحكم على علم أبي بكر مع شهادة النفر ؛ وكذلك الرابع : وهو أن يكون الإعتماد على روايته معهم ، فقد ظهر بطلانها مما سبق ، فإن المجموعة وإن كان أقوى من كل واحد من الجزئين ، إلاّ أنه لا يدفع التهمة ولامناقضة الآيات الخاصة ولا باقي الوجوه السابقة ؛ وقد ظهر بما تقدم أن الجواب عن قول أبي علي : « أتعلمون كذب أبي بكر أم تجوزون صدقة ، وقد علم أنّه لا شيء يعلم به كذبه قطعاً فلابد من تجويز كونه صادقاً كما حكاه في المغني » هو أنا نعلم كذبه قطعاً والدليل عليه :
ما تقدم من الوجوه الستّة المفصلة ، وأن تخصيص الآيات من هذا الخبر ليس من قبيل تخصيها في القاتل والعبد كما ذكره قاضي القضاة . إذ مناط الثاني روايات معلومة الصدق ، والأول خبر معلوم الكذب . وقد سبق في خطبة فاطمة عليها السلام إستدلالها بقوله تعالى : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) وبثلاث من الآيات السابقة ، وهو يدل مجملاً ، على بطلان ما فصّلوه من الأجوبة ؛ ثمّ إن بعض الاصحاب حمل الرواية على وجه لا يدل على ما فهم منها الجمهور وهو أن يكون ما تركناه صدقة مفعولاً ثانياً للفعل أعني « نورث » سواء كان بفتح الراء على صيغة المجهول من قولهم : ورثت أبي شيئاً
 أو بكسرها من قولهم : أورثه الشيء أبوه . وأما بتشديد الراء فالظاهر أنه لحن ، فإن التوريث إدخال أحد في المال على الورثة كما ذكره الجوهري وهو لا يناسب شيئاً من المحامل ويكون صدقة منصوباً على أن يكون مفعولا لتركنا ، والإعراب لا تضبط في أكثر الروايات ؛ ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف على الصدقة فتوهّم أبو بكر أنه بالرفع وحينئذ يدل على أن ماجعلوه صدقة في حال حياتهم لا ينتقل بموتهم إلى الورثة أي مانووا فيه الصدقة من غير أن يخرجوه من أيديهم لايناله الورثة حتى يكون للحكم إختصاص بالإنبياء عليهم السلام ولا يدل على حرمان الورثة مما تركوه مطلقاً ؛ والحق أنه لا يخلو عن بعد ، ولا حاجة لنا إليه لما سبق ، وأما الناصرون لأبي بكر فلم يرضوا به وحكموا ببطلانه ، وإن كان لهم فيه التخلص عن القول بكذب أبي بكر ، فهو إصلاح لم يرض به أحد المتخاصمين ، ولا يجري في بعض رواياتهم .
واعلم أن بعض المخالفين استدلوا ـ على صحّة الرواية وما حكم به أبو بكر ـ بترك الامة النكير عليه ، وقد ذكر السيد الأجل رضى الله عنه في الشافي كلمهم ذلك على وجه السؤال ، وأجاب عنه بقوله فإن قيل : إذا كان أبو بكر قد حكم بخطأ في دفع فاطمة عليها السلام من الميراث واحتج بخبر لا حجة فيه ، فما بال الامة اقرتّه على هذا الحكم ولم تنكر عليه وفي رضاها وإمساكها دليل على صوابه ؛ قلنا قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا ، إلاّ في الموضع الّذي لا يكون له وجه سوى الرضا وبينا في الكلام على إمامة أبي بكر هذه الموضع بياناً شافياً .
وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية عن هذا السؤال جواباً جيّد المعنى واللفظ ، نحن نذكره على وجهه ليقابل بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها . قال : وقد زعم ناس أن الدليل على صدق خبرهما يعني أبابكر وعمر في منع الميراث وبراءة ساحتهما ترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النكير عليهما ؛ ثمّ قال : فيقال لهم : لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما ليكونن ترك النكير على المتظلمين منهما والمحتجين عليهما والمطالبين لهما بدليل دليلاً على صدق دعواهم وإستحسان مقالتهم لا سيما وقد طالت المشاحات ، وكثرت المراجعة والملاحات ، وظهرت الشكيمة ، واشتدت الموجدة ، وقد بلغ ذلك من فاطمة عليها السلام حتى أنّها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر وقد كانت ؛ قالت له حين أتته طالبة بحقها ومحتجة برهطها : من يرثك يا أبا بكر ، إذا مت ؟ قال : أهلي وولدي ، قالت : فما بالنا لا نرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما منعها ميراثها وبخسها حقها ، واعتل عليها ، ولج في أمرها ، وعاينت التهضم ، وآيست من النزوع ، ووجدت مس الضعف وقلة الناصر ؛ قالت :
والله لأدعونّ الله عليك ، قال : والله لا دعون الله لك . قالت : ـ والله ـ لا اكلمك أبداً ، قال : والله أهجرك أبداً ؛ فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلاً على صواب منعه إنّ في ترك النكير على فاطمة عليها السلام دليلاً على صواب طلبها ؛ وأت ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت عادلاً ، أو تقطع واصلاً ، فإذا لم نجدهم أنكروا على الخضمين جميعاً فقد تكافأت الامور واستوت الاسباب والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم ، وأوجب علينا وعليكم ، وإن قالوا كيف يظن ظلمها والتعدي عليها ؟
 وكلما ، ازدادت فاطمة عليها السلام غلظة ازداد عليها ليناً ورقّة حيث تقول : ـ والله ـ لا اكلّمك أبداً فيقول : والله لا أهجرك أبداً ، ثم تقول : والله لأدعونّ الله عليك فيقول : والله لأدعون الله لك ؛ ثم يحتمل هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والرفعة وما يجب لها من التنويه والهيبة ، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذراً أو متقرباً كلام المعظم لحقها ، المكبر لقيامها والصائن لوجهها ، والمتحنن عليها : ما أحد أعزّ عليّ منك فقراً ولا حبّ إليّ منك غنىّ ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه فهو صدقة ؛
 قيل لهم : ليس ذلك بدليل على البرائة من الظلم والسلامة من الجور ، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصف ، وجدة الوامق ، ومقة المحق ؛ وكيف جعلتم ترك النكير حجّة قاطعة ودلالة واضحة ؟ وقد زعمتم أنّ عمر قال على منبره : متعتان كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعة النساء ومتعة الحجّ ، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، فما وجدتم أحداً أنكر قوله ، ولا استشنع مخرج نهيه ، ولا خطأه في معناه ، ولا تعجب منه ولا استفهمه ، وكيف تقضون بترك النكير ، وقد شهد عمر يوم السقيفة ، وبعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
الأئمة من قريش ثم قال في مكانه : لو كان سالم حيّاً ما يخالجني فيه شك حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين جعلهم شورى وسالم عبد لأمراة من الأنصار وهي اعتقته وحازت ميراثه ، ثم لم ينكر ذلك من قريش قوله منكر ولا قابل إنسان بين قوليه ولا تعجب منه ؛ وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة عند دليلاً على صدق قوله وثواب عمله ، فأما ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي والقتل والإستحياء والحبس والإطلاق فليس بحجة تشفي ولا دليل يغني ؛
 قال : وقال آخرون : بل الدليل على صدق قولهما وصواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما وهم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل وردّ النصوص ، ولو كانوا يقولون ويصفون ما كان سبيل الامة فيهما إلاّ كسبيلهم فيه وعثمان كان أعزّ نفراً وأشرف رهطاً وأكثر عدداً وثروة وأقوى عدة .
قلنا : إنهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص ولكنهما بعد إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة ادّعيا رواية وتحدثا بحديث لم يكن محالاً كونه ولا يمتنع في حجج العقول مجيئه وشهد لهما عليه من علته مثل علتهما فيه ؛ ولعل بعضهم كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلاً في وهطه مأموناً في ظاهره ، ولم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة ، ولا جرّب عليه غدرة ، فيكون تصديقه له على جهة حسن الظن وتعديل الشاهد ؛ ولأنه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج والذي يقطع بشهادته على الغيب ، وكان ذلك شبهة على أكثرهم ، فلذلك قلّ النكير وتواكل الناس واشتبه الأمر ، فصار لا يتخلص إل معرفة حق ذلك من باطله إلاّ العالم المتقدم والمؤيد المرشد ؛ ولأنه لم يكن لعثمان في صدور العوام ، وفي قلوب السفلة والطغات ما كان لهما من الهيبة والمحبة
 ولأنهما كانا أقل استيثاراً بالفيء واقل تفكهاً بمال الله منه ، ومن شأن الناس إهمال السلطان ماوفر عليهم أموالهم ولا يستأثر بخراجهم ولم يعطل ثغورهم ؛ ولأن الذي صنع أبو بكر من منع العترة حظها والعمومة ميراثها قد كان موافقاً لجلة قريش ولكبراء العرب ، ولأن عثمان أيضاً كان مضعوفاً في نفسه مستخفاً بقدرة لا يمنع ضيماً ولا يقمع عدواً ؛ ولقد وثب ناس على عثمان بالشتم والقذف والتشنيع والنكير لامور لو أتى عمر أضعافها وبلغ أقصاها لما اجترؤا على اغتيابه فضلاً عن مباداته والإغراء به ومواجهته كما أغلظ عيينة بن حصين له :
فقال : أما إنّه لو كان عمر لقمعك ومنعك ؛ فقال عيينة : إنّ عمر كان خيراً إلي منك أرهبني فابقاني ، ثم قال : والعجب أنّا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه والقدر والوعيد يرد كل صنف منهم من أحاديث مخالفيه وخصومه ، ما هو أقرب استناداً وأوضح رجالاً وأحسن اتّصالاً حتّى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم نسخوا الكتاب وخصوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما رووه وأكذبوا ناقليه وذلك أنّ كل إنسان منهم إنما يجري إلى هواه ويصدق ما وافق وضاه ، هذا آخر كلام الجاحظ ؛ ثم قال السيد رضى الله عنه : فإن قيل : ليس ما عارض به الجاحظ من الإستدلال بترك النكير ، وقوله كما لم ينكروا على أبي بكر فلم ينكروا أيضاً على فاطمة عليها السلام ولا غيرها من المطالبين بالميراث كالازواج وغيرهن معارضته صحيحة ؛
 وذلك أن نكير أبي بكر لذلك ودفعه والإحتجاج عليه يكفيهم ويغنيهم عن تكلف نكير ولم ينكر على أبي بكر مارواه منكر فيستغنوا بإنكاره ؛ قلنا : أوّل ما يبطل هذا السؤال أن أبا بكر لم ينكر عليها ما أقامت عليه بعد إحتجاجها بالخبر من التظلم والتألم والتعنيف والتبكيت وقولها على ما روي : والله لأدعون الله عليك ، ولا كلّمتك أبداً ، وما جرى هذا المجرى فقد كان يجب أن ينكره غيره فمن المنكر الغضب على المنصف وبعد فإن كان إنكار أبي بكر مقنعاً أو مغنياً عن إمكار غيره من المسلمين ، فإنكار فاطمة عليها السلام حكمه مقامها على التظلم منه يغني عن نكير غيرها ، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه ، انتهى كلامه « رفع الله مقامه »
الخامس :
قال ابن أبي الحديد : اعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة عليها السلام أبا بكر كان في أمرين في الميراث والنحلة ، وقد وجدت في الحديث أنّها نازعت في أمر ثالث ومنعها أبو بكر إيّاها أيضاً وهو سهم ذي القربى ؛ روى أحمد بن عبدالعزيز الجوهري عن أنس ، أن فاطمة عليها السلام أتت أبا بكر فقالت : قد علمت الذي حرم علينا أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى ، ثم قرأت عليه قوله تعالى : ( واعلموا أنّما غنمتم من شيء فان الله خمسه وللرسول ولذي القربى ) الآية : فقال لها أبو بكر : بأبي أنت وأميّ وولدي وولدك ، السمع والطاعة لكتاب الله ولحقّ رسوله وحقّ قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الّذي تقرأين ، ولم يبلغ علمي منه أنّ هذا السهم من الخمس مسلّم إليكم كاملاً ، قالت : أملك هو لك ولا قربائك ؟ قال : لا ، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين .
قالت : ليس هذا بحكم الله تعالى ، فقال : هذا حكم الله فإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إليك في هذا عهداً صدقّتك وسلّمته كلّه إليك وإلى أهلك .
قالت : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعهد إليّ في ذلك بشيء إلاّ أنّي سمعته يقول لمّا أنزلت هذه الآية : ابشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى ، قال أبوبكر : لم يبلغ من هذه الآية أن أسلم اليكم هذا السهم كلّه كاملاً ولكن لكم الغنى الّذي يغنيكم ويفضل عنكم ، هذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما فاسأليهم عن ذلك وأنظري هل يوافقك على ماطلبت أحد منهم ؟ فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر ، فقال لها مثل ما قال لها أبو بكر فتعجبت فاطمة عليها السلام من ذلك وتظنّت قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه . ثم قال : قال أحمد بن عبد العزيز :
حدثّنا أبو زيد بإسناده إلى عروة قال : أرادت فاطمة عليها السلام أبا بكر على فدك وسهم ذي القربى تأبى عليها وجعلهما في مال الله تعالى .
ثمّ روي عن الحسن بن عليّ عليه السلام : أنّ أبا بكر منع فاطمة عليها السلام وبني هاشم سهم ذي القربى وجعلها في سبيل الله في السلاح والكراع . ثمّ روي بإسناده عن محمّد بن إسحاق قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام قلت : أرأيت علياً عليه السلام حين ولّى العراق وما ولى من أمر الناس ، كيف صنع في سهم ذي القربى ؟ قال : سلك بهم طريق أبي بكر وعمر ، قلت : كيف ولم وأنتم تقولون ، ما تقولون : أما والله ما كان أهله يصدرون إلاّ عن رأيه ، فقلت : فما منعه ، قال : يكره أن يدعى عليه من مخالفة أبي بكر وعمر . انتهى ما أخرجه ابن أبي الحديد بن كتاب أحمد بن عبدالعزيز .
وروي في جامع الأصول : من سنن أبي داود ، عن جبير بن مطعم : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً كما قسم لبني هاشم قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي منه قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه . وروى مثله بسند آخر ، عن حبير بن طعم ؛
 ثمّ قال : وفي اخرى له والنسائي : لمّا كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني عبد المطلب .
ثمّ قال : وأخرج النسائي أيضاً بنحو من هذه الروايات من طرق متعددة بتغيير بعض ألفاظها وإتفاق المعنى .
وروي أيضاً، عن أبي داود بإسناده ، عن يزيد بن هرمز : أنّ ابن الزبير أرسل إلى ابن العباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه ؟
 فقال له : لقربى رسول الله صلى الله عليه و آله سلم ، قسّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم ، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا ورددناه عليه وأبينا أن نقبله . وروي مثله عن النسائي أيضاً وقال : وفي اخرى له مثل أبي داود ، وفيه : وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم ويقضي عن غارمهم ويعطي فقيرهم وأبي أن يزيدهم على ذلك . وروى العياشي في تفسيره : رواية ابن عبّاس ورويناه في موضع آخر .
وروى أيضاً : عن أبي جميلة ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهم السلام ، قال : قد فرض الله الخمس نصيباً لآل محمد عليهم السلام فأبي أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم ، حسداً وعداوة ، وقد قال الله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون ) ؛ والأخبار من طريق أهل البيت عليهم السلام في ذلك أكثر من أن تحصى ؛
 فإذا اطّلعت على ما نقلناه من الأخبار من صحاحهم ، نقول : لا ريب في دلالة الآية ، على اختصاص ذي القربي القربى بسهم خاص ؛ سواء كان هو سدس الخمس كما ذهب إليه أبو العالية ، وأصحابنا ، ورووه عن أئمتنا عليهم السلام وهو الظاهر من الآية كما اعترف به البيضاوي وغيره ؛ أو خمس الخمس لإتّحاد سهم الله وسهم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر الله للتعظيم كما زعم ابن عباس ، وقتادة وعطا ؛
 أو ربع الخمس ، والأرباع الثلاثة الباقية للثلاثة الاخيرة ، كما زعمه الشافعي ؛
 وسواء كان المراد بذي القربى أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ، وبعده الإمام من أهل البيت كما ذهب إليه أكثر أصحابنا ، أو جميع بني هاشم كما ذهب إليه بعضهم وعلى ما ذهب إليه الاكثر يكون دعوى فاطمة عليها السلام نيابة عن أمير المؤمنين عليه السلام تقيّة أو كان المراد بني هاشم وبني المطلب كما زعمه الشافعي ، أو آل عليّ ، وعقيل وآل عبّاس ، وولد الحارث بن عبد المطلب ، كما قال أبو حنيفة .
وعلى أي حال فلا ريب أيضاً في أن الظاهر من الآية تساوي الستّة في السهم ، ولم يختلف الفقهاء في أنّ إطلاق الوصيّة والإقرار لجماعة معدودين يقتضي التسوية لتساوي السنة ، ولم يشترط الله عزّ وجلّ في ذي القربى فقراً أو مسكنة بل قرنه بنفسه وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم للدلالة على عدم الإشتراط ؛ وأما التقييد إجتهاداً فمع بطلان الإجتهاد الغير المستند إلى حجة فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدفع التقييد لدلالة خبر جبير وغيره على أنّه لم يعطيها ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيهم ، وقد قال أبوبكر في رواية أنس : لكم الغنى الّذي يغنيكم ويفضل عنكم ؛ فما زعمه أبو بكر من عدم دلالة الآية على أن السهم مسلم الذي القربى ووجوب صرف الفاضل من السهم عن حاجتهم في مصالح المسلمين مخالف للآية والأخبار المتفق على صحّتها ؛ وقد قال سبحانه في آخر الآية : ( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا ) ؛ واعترف الفخر الرازي في تفسيره بأن من لم يحكم بهذه القسمة فقد خرج عن الإيمان ، وقال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فالئك هم الكافرون ) ؛ وقال : هم الفاسقون ، وقال هم الظالمون ، فاستحق بما صنع ما يستحقه الراد على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
السادسة :
مادلت عليه الروايات السالفة وما سيأتي في باب شهادة فاطمة عليها السلام ، من أنّها أوصت أن تدفن سراً ، وأن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر لغضبها عليهما في منع فدك وغيره من أعظم الطعون عليهما ؛ وأجاب عنه قاضي القضاة في « المغني » بأنه قد روي أنّ أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة عليها السلام وكبر أربعاً ، وهذا أحد ما استدل به كثير من الفقهاء في التكبير على الميّت ولا يصح أنّها دفنت ليلاً ؛ وإن صحّ ذلك فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلاً وعمر دفن ليلاً ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدفنون بالنهار ويدفنون بالليل ؛ فما في هذا ما يطعن به بل الاقرب في النساء أنّ دفنهنّ ليلاً أستر وأولى بالسنة .
وردّ عليه السيّد الأجلّ في الثاني : بأن ما ادّعيت من أنّ أبا بكر هو الذي صلّى على فاطمة عليها السلام وكبر أربعاً ، وإنّ كثيراً من الفقهاء يستدلون به في التكبير على الميت فهو شيء ما سمع إلاّ منك وإن كنت تلقّيته عن غيرك فممن يجري مجراك في العصبّية وإلاً فالروايات المشهورة وكتب الآثار والسير خالية من ذلك ، ولم يختلف أهل النقل في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى على فاطمة عليها السلام إلاّ رواية شاذّة نادرة وردت بأن العباس صلّى عليها .
روى الواقدي : بإسناده ، عن عكرمة ، قال : سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة عليها السلام ؟ قال : دفناها بليلٍ بعد هدأة . قال : قلت : فمن صلّى عليها ؟ قال : عليّ عليه السلام .
وروى الطبرسي ، عن الحرث بن أبي أسامة ، عن المدايني ، عن أبي زكريا العجلاني أن فاطمة عليها السلام عمل لها نعش قبل وفاتها فنظرت وقالت : سترتموني ستركم الله . قال أبو جعفرمحمد بن جرير : والثبت في ذلك أنّها زينب ؛ لأن فاطمة عليها السلام دفنت ليلاً ولم يحضرها إلاّ العباس وعليّ عليه السلام ، والمقداد والزبير .
وروى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه : عن الزهري ، قال : حدّثني عروة بن الزبير ، أنّ عائشة أخبرته : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستّة أشهر فلما توفيت دفنها علي عليه السلام ليلاً وصلّى عليها عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وذكر في كتابه هذا أنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهما السلام دفنوها ليلاً وغيّبوا قبرها .
وروى سفيان بن عيينة ، عن عمرو عن الحسن بن محمد : أنّ فاطمة عليها السلام دفنت ليلاً وروى عبدالله بن أبي شيبة ، عن يحيى بن سعيد العطار ، عن معمر ،عن الزهري : مثل ذلك ؛ وقال البلاذري في تاريخه : إن فاطمة عليها السلام لم تر مبتسمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها ؛ والأمر في هذا أوضح وأظهر من أن يطنب في الإستشهاد عليه ، وبذكر الروايات فيه ، فأما قوله ولا يصح ، أنّها دفنت ليلاً ، وإن صحّ فقد دفن فلان وفلان ليلاً فقد أنّ دفنها ليلاً في الصحّة كالشمس الطالعة ، وأن منكر ذلك كدافع المشاهدات ولم نجعل دفنها ليلاً بمجرد ، وهو الحجّة .
فيقال : فقد دفن فلان وفلان ليلاً بل مع الإحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة الّتي هي كالمتواتر أنها عليها السلام أوصت بأن تدفن ليلاً حتى لا يصلي عليها الرجلان ، وصرّحت بذلك وعهدت فيه عهداً بعد أن كانا استاذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما فلّما طال عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، في أن يستأذن لهما وجعلاها حاجة إليه فكلّما أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك وألحّ عليها فأذنت لهما في الدخول ثمّ أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما ؛ فلمّا خرجا قالت لأمير المؤمنين عليه السلام : قد صنعت ما أردت ، قال : نعم ؛ قالت : فهل أت صانع ما آمرك ؟
 قال : نعم ؛ قالت : فإنّي أنشدك الله لا يصليا على جنازتي ، ولا يقوما على قبري ، وروي أنه عليه السلام عمى على قبرها ، ورشّ أربعين قبراً في البقيع ولم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه ، وأنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها وإحضارهما للصلاة عليها ، فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلاً ، ولو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه وتأخر عنه ، لم يكن فيه حجّة ، انتهى كلامه رفع الله مقامه .
ومما يدل من صحاح أخبارهم على دفنها ليلاً ، وأن أبا بكر لم يصلّ عليها ، وعلى غضبها عليه وهجرتها إيّاه :
مارواه مسلم في « صحيحة » وأورده في « جامع الاصول » في الباب الثاني من كتاب الخلافة والإمارة من حرف الخاء عن عائشة ـ في حديث طويل ـ بعد ذكر مطالبة فاطمة عليها السلام أبا بكر في ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفدك وسهمه من خيبر ؛ قالت : فهجرته فاطمة عليها السلام ، فلم تكلّمة في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي عليه السلام ولم يؤذن بها أبابكر ؛ قالت : فكان لعلّي وجه من الناس حياة فاطمة عليها السلام فلّما توفيت فاطمة عليها السلام انصرفت وجوه الناس عن عليّ ، ومكثت فاطمة عليها السلام بعد رسول الله ستة أشهر ثم توفيت ، وروى ابن أبي الحديد : عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه ، قال : قالت فاطمة عليها السلام لأبي بكر : إنّ أمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاني فدك
 فقال : يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والله ما خلق الله خلقاً احب إلي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبيك ولوددّت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك ، والله لئن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري ، أتراني اعطي الأسود والأحمر حقّه وأظلمك حقّك وأنت بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّ هذا المال لم يكن للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولّيته كما كان يليه ، قالت : والله لا كلمتك أبداً قال : والله لا هجرتك أبداً قالت : والله لادعون الله عليك قال : والله لأدعون الله لك : فلّما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها ، فدفنت ليلاً وصلى عليها العباس بن عبد المطلب ، وكان بين وفاتها ووفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم إثنتان وسبعون ليلة ، ومما يؤيّد إخفاء دفنها ، جهالة قبرها والإختلاف فيه بين الناس إلى يومنا هذا ، ولو كان بمحضر من الناس لما اشتبه على الخلق ولا اختلف فيه .
السابعة :
ممّا يرد على الطعون على أبي بكر في تلك الواقعة .
أنّه مكّن ازواج النبيّ التصرفّ في حجراتهّن بغير خلاف ولم يحكم فيها بأنّها صدقة ، وذلك يناقض ما منعه في أمر فدك وميراث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن انتقالها إليهنّ إمّا على جهة الإرث أو النحلة والأوّل مناقض لروايته في الميراث ؛ والثاني يحتاج إلى الثبوت ببينّة ونحوها ولم يطالبهنّ بشيء منها كما طلب فاطمة عليها السلام في دعواها وهذا من أعظم الشواهد لمن له أدنى بصيرة على أنّه لم يفعل إلاّ عداوة لأهل بيت الرسالة ولم يقل ما قال إلاّ إفتراء على الله وعلى رسوله !!
ولنكتف بما ذكرنا ، فإن بسط الكلام في تلك المباحث ممّا يوجب كثرة حجم الكتاب وتعسّر تحصيله على الطلاّب ؛ فانظر أيّها العاقل المنصف بعين البصيرة فيما اشتمل عليه الأخبار الكثيرة التي أوردوها في كتبهم المعتبرة عندهم ، من حكم سيدة النساء صلوات الله عليها مع عصمتها وطهارتها باغتصابهم للخلافة ، وأنّهم اتباع الشيطان وأنّه ظهر فيه حسيكة النفاق ، وأنّهم أرادوا إطفاء نور الدين وإهماد سننّ سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله و أنّهم آذوا أهل بيته واضمروا لهم العداوة وغير ذلك ممّا اشتملت عليه الخطبة الجليلّة فهل يبقى بعد ذلك شك في بطلان خلافة أبي بكر ونفاقه ونفاق أهل بيته ؟!
ثمّ أنّها عليها السلام حكمت بظلم أبي بكر في منعها الميراث صريحاً بقولها عليها السلام لقد جئت شيئاً فريّاً ، ودعت الأنصار إلى قتاله فثبت جواز قتله ، ولو كان إماماً لم يجز قتله ، ثمّ انظر إلى هذا المنافق كيف شبّه أمير المؤمنين وسيّد الوصيين وأخا سيد المرسلين وزوجته الطاهرة بثعالة شهيده ذنبه وجعله مريّاً لكل فتنة !
ثمّ إلى موت فاطمة صلوات الله عليها ساخطة على أبي بكر ، مغضبة عليه منكرة لإمامته وإلى انكار أبي بكر كون فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه آله وسلم مع كونه مخالفاً للآية والإجماع وأخبارهم وإلى أنّه انتزع فدك من يد وكلاء فاطمة عليها السلام وطلب منها الشهود مع أنّها لم تكن مدعية ، فحكم بغير حكم الله وحكم الرسول وصار بذلك من الكافرين بنص القرآن وإلى طلب الشاهد من المعصومة وردّ شهادة المعصومين الذين أنزل الله تعالى فيهم ما أنزل وقال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قال ، ومنعها الميراث خلافاً لحكم الكتاب وافترائه على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بما شهد الكتاب والسنة بكذبه فتبوء مقعده من النار وظلمه عليها صلوات الله عليها في منع سهم ذي القربى خلافاً لله تعالى ومناقضة لما رواه حيث مكن الازواج من التصرف في الحجر وغيرهما ممّا يستنبط من فحاوي ما ذكر من الأخبار ولا يخفى طريق استنباطها على أولي الابصار .


ما لعيني قد غـاب عــنها كـراهـا *** وعــراهــا مــن عـبرةٍ مـاعراها
 ألدارٍ نـــــعمت فــــيها زمــاناً *** ثـــم فــارقتها فــلا أغشـــاها
 أم لحــيّ بــانوا بــــاقمار ثــمً *** يــتجلّى الدجـى بــــضوء سـناها
 حـاش لله لســـت أطـــمع نــفسي *** أخــر العـمر فـي اتّـباع هــواهـا
 بل بكـائي لذكـر مــــن خـصّها الله *** تـــعالى بــــلطفه واجــــتباها
 خــــتم الله رســــله بأبــــيها *** واصـــطفاه لوحــيه واصـــطفاها
 وحـــباها بــــالسيّدين الزكـــيين *** الأمــامين حــنه حـــين حـــباها
 ولفكري فـــي الصـــاحبين الّــلذين *** اأمـــامين مــنه حــين حـــباها
 مــنعا بـعلها مـن العــهد والعـــقد *** وكــــان المــــنيب والأوّاهـــا
 واســــتبدّا بأمـــرةٍ دبّـــراهــا *** قــبل دفــن النـــبيّ وانـــتهزاها
 وأتت فــاطم تـــطالب بــــالأرث *** مــن المـــصطفى فــما ورثــاها
 ليت شــعري لــم خـولفت ســـنن *** القــرآن فـــيها والله قـد أبـداهــا
 نسـخت آيــة المــــواريث مــنها *** أم هــما بــعد فــرضها بـــدّلاها
 قـــالا أبــــوك جـــاء بــهذا *** حــجة مـــن عـــنداهم نـصباها
 قــــال للأنــــبياء حكــم بأن لا *** يــورثوا فــي القـديم وانـتهراهــا
 أفــبنت النــبىّ لم تـــدر إن كــا *** ن نــــبيّ الهــدى بــذلك فــاها
 بضعة من مـحمدٍ خـالفت مـا قـــال *** حــــاشا مــــولاتنا حـــاشاها
 ســـمعته يــقول ذاك وجــــاءت *** تـــطلب الارث ضــلة وســـفاها
 هــي كـــانت لله أتــقى وكــانت *** افــضل الخـــلق عــفّةً ونــزاها
 أو تـقول النـبيّ قـد خـالف القــــر *** آن ويـح الأخــبار مــمن رواهـــا
 سل بإبطال قـولهم ســـورة النـــمل *** وســـل مــريم التــي قـبل طــه
 فــهما يــنبئان عــن إرث يـحيى *** وســــليمان مـــن أراد انــتباها
 فـدعت واشـتكت إلى الله مــــن ذا *** ك وفـــاضت بــدمعها مـــقلتاها
 ثـمّ قـالت فـنحلة لي مــــن والدي *** المـــصطفى فـــلم يــــنحلاها
 فأقــامت بــها شــهوداً فـــقالوا *** بـــعلها شـــاهد لهــا وابــناها
 لم يجيزوا شهادة ابني رســـــول الله *** هــــادي الأنـــام إذ نــاصباها
 لم يكــن صـــادقاً عـــلي ولافـا *** طـــمة عـــندهم ولا ولـــداها
 كـــان أتــقى لله مـــنهم فــلان *** قــبح القــائل المــحال وشــاها
 جـــرّعاها مــن بــعد والدهـــا *** الغـيض مـراراً فـبئس مـاجـرعاها
 ليت شــعري مــا كــان ضــرّهما *** الحـفظ لعـهد النـبيّ لو حـــفظاها
 كــان إكـرام خـاتم الرّســل الهــا *** دي البشـــير النــذير لو اكــرماها
 ولو ابـــتيع ذاك بــالثمن الغــــا *** لي لما ضـاع فـي اتّـباع هـواهــا
 ولكـــان الجــــميل أن يــقطعاها *** فـــدكاً لا الجــميل أن يــقطعاها
 أتــرى المســلمين كــانوا يــلومو *** نــهما فـــي العـطاء لو أعـطياها
 كــان تــحت الخـضراء بـنت نـبيّ *** صــادقٍ نـاطقٍ أمــين سـواهــا
 بــنت مـــن أمّ مــن حـليلة مـن *** ويــل لمــن ســـنّ ظلمها وأذاها
 قل لنا أيـها المـجادل فـي القــــول *** عــــن الغــاصبين إذ غــصباها
 أهــما مــا تعمّداهــا كـما قــلت *** بــــظلم كــلاّ ولا اهــتضمـاها
 فـــلماذا إذ جــــهزت للــــقاء *** لله عــند المــمات لم يـحضراهــا
 شــيعت نـــعشها ملائكة الرحــمن *** رفـــقاً بـــها ومــا شـــيعّاها
 كـان زهـداً فـي أجـرها أم عـــناداً *** لأبــــيها النــــبيّ لم يـــتبعاها
 أم لأنّ البـــــــــتول أوصت بألا *** يشــهدا دفــنها فــما شــهداهــا
 أغــضباها وأغـضبا عـــند ذاك الله *** ربّ الســـــماء إذ أغــــضباها
 وكــــذا أخــــبر النــــبي بأنّ *** الله يــرضى ســبحانه لرضـــاها
 لا نــــبيّ الهـــدى أطـــيع ولا *** فـــاطمة أكـــرمت ولا حســناها
 ولأيّ الامــــور تــــدفن ســرّاً *** بضعة المـصطفى ويـعفى ثـراهـــا (10)


المصادر:
1- معجم البلدان : 4 / 238 ، لسان العرب : 10 / 203 .
 2- الحشر : آية 6 ـ 7 .
 3- كشف الغمة ج 1 / ص 476 . وتفسير العياشي 2 / 287 ح 50 . وكتاب تأويل الآيات 1 / 435 ح 5 ، البرهان : 3 / 264 ح 3 . وتفسير مجمع البيان 6 / 411 . وتفسير فرات 239 / ح 323 ، 322 / ح 437 .
 4- عيون أخبار الرضا : 1 / 233 ضمن ح 1 ، البرهان : 2 / 415 ح 2 ، غاية المرام : 323 ح 219 ، نور الثقلين : 5 / 275
 5- نهج البلاغة : 417 ضمن كتاب : 45 .
 6- العوالم : 707 الخاصة بفاطمة عليها السلام .
7- شرح نهج البلاغة : 16 / 210 .
 8- جامع الاصول : 3 / 311 .
 9- جامع الاصول 3 / 311 .
 10- يقول السيد الأمين في المجالس السنية ص 101 ج 5 وجدت هذه القصيدة بخط الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي ويظهر أنها لبعض أشراف مكة .


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فن التفسير
صفات أهل البيت عليهم‌السلام
الانابة
البكاء على أهل البيت‏
امرأة.. اسمها زينب (رواية)
المصادر الشيعية لحديث (فاطمة بضعة مِنِّي)
التطیّر
فدك حق آخر
هل الإسلام دين أممي؟
جهاد النفس في فكر الإمام الخميني (قدس سره)

 
user comment