الکسب الحلال من أرباح التجارات و من سائرالتكسّبات من الصناعات والزراعات والإجارات حتّى الخياطة والكتابة والنجارة والصيد وحيازة المباحات وأُجرة العبادات الاستيجاريّة من الحجّ والصوم والصلاة و الزيارات و تعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال الّتي لها أُجرة، بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة و إن لم تحصل بالاكتساب كالهبة والهديّة والجائزة و المال الموصى به ونحوها، بل لا يخلو عن قوّة، نعم لا خمس في الميراث، إلاّ في الّذي ملكه من حيث لا يحتسب فلا يترك الاحتياط فيه، كما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات و كان هو الوارث له، و كذا لا يترك في حاصل الوقف الخاصّ، بل و كذا في النذور، و الأحوط استحباباً ثبوته في عوض الخلع دفع خمسها بإخراج القيمة، غاية الأمر أنّ العين رهن أو مثل رهن لأصحابه فإذا أدّى تحرّر خمس العين من الرهانة.
ولو قلنا بالشركة لكن في المالية بمعنى أنّ مالية الأرض لا شخصها مشترك بين أصحاب الخمس والذمي، وأنّ السادة لايملكون من الأرض إلاّ خمس ماليّتها لا خمس عينها، فحينئذ يكون دفع القيمة موجباً لتملّك خمس ماليتها لا نفسها وشخصها، ومثله ليس مشمولاً للدليل.
والمهر و مطلق الميراث حتّى المحتسب منه و نحو ذلك.
خمس أرباح المكاسب والفوائد
هذا القسم من أقسام ما يتعلّق به الخمس هو المهم في هذه الأيام، لأنّ بعض هذه الأقسام يتوقف على وجود الحكومة الإسلامية المقتدرة المجرية لأحكام الإسلام والأُمّة الإسلامية تفقدها منذ قرون، ولأجل ذلك صار خمس الغنائم وخمس الأرض المشتراة كأحلام النائم ليس منهما عين ولا أثر ، وأمّا المعادن الكبيرة كالنفط والغاز والنحاس فقد وضعت الحكومات يدها عليها تستخرجها وتبيعها ممّن تشاء، وقد تقدّم عدم تعلّق الخمس بمثلها لأنّها تصرف في المصالح العامة، وأدلّة الخمس منصرفة عنها، ولم يبق إلاّ الصغار التي يستخرجها الشعب برخصة من الحكومة فيتعلّق بها الخمس وليست لها أهمية كثيرة ، وأمّا غير هذه الثلاثة، كالكنز، والغوص، والعنبر، فالأوّل نادر، والأخيران على فرض شيوعهما قليل النفع، فصار العامل المهم في تمويل الحوزات الإسلامية الشيعية هو أرباح المكاسب والعوائد.
ولأجل ذلك وقعت فروعها ومسائلها مورداً للنظر والدّقة، ربّما لا تجد مثلها في غير هذا النوع، والمسائل الرئيسية فيه عبارة عن الأُمور التالية:
1. ما هو الرأي العام بين فقهاء الشيعة في هذا النوع؟
2. أدلّة وجوب الخمس في هذا النوع كتاباً وسنة.
3. في سعة متعلّق هذا النوع وضيقه.
4. ما هو المفهوم من أدلّة تحليل الخمس للشيعة؟
فهذه هي المسائل الرئيسية التي بحث عنها المصنف في المقام إلاّ الأخير، ونحن نقتفي أثره فيها من دون أن نعقد لكلّ منها فصلاً.
الأوّل: الرأي العام بين فقهاء الشيعة في هذا النوع
لو تفحصت الكتب الفقهية من أقدم العصور إلى العصر الحاضر، ترى اتّفاق كلمتهم على ثبوت وجوب الخمس في أرباح المكاسب أو مطلق الفوائد، على ما سيأتي . نعم اختلفوا في تحليله في زمان الغيبة، وهو لا ينافي ثبوته بل هو دليل على ثبوته وتشريعه، نعم نسب إلى القديمين ـ ابن أبي عقيل، و ابن الجنيد ـ عدم الوجوب، لكن العبارة المنقولة عنهما لا تدل بذلك، بل ظاهر الأوّل، هو التوقّف، وظاهر الثاني، الموافقة مع المشهور احتياطاً. حكى المحقّق: عن الأوّل العبارة التالية: قال ابن أبي عقيل: وقد قيل الخمس في الأموال كلّها حتى على الخياطة والنجارة وغلّة الدار والبستان والصانع في كسب يده، لأنّ ذلك إفادة من اللّه وغنيمة.(1)
ونقل العلاّمة في المختلف، عن ابن الجنيد، أنّه قال: فأمّا ما استفيد من ميراث أو كدّ بدن أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك، فالأحوط إخراجه لاختلاف الرواية في ذلك، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها، إلاّ أن يوجب ذلك من لا يسع خلافه ممّا لا يحتمل تأويلاً، ولا يرد عليه ورخصة في ترك إخراجه.(2)
والعجب أنّ جامع فتاوى القديمين من الكتب الفقهية غفل عمّا نقله المحقّق عن ابن أبي عقيل، في معتبره بل اكتفى بما في مختلف الشيعة، وبما أنّ نقل فتاوى العلماء طيلة القرون يوجب الإطناب فلنطوي الكلام عن ذكرها والوقوف عليها سهل لمن حاول، وإنّما الكلام في إقامة الدليل على وجوبه في هذا النوع وهو المقام الثاني.
الثاني: ما يدل على وجوب دفع الخمس في الفوائد والأرباح الكتاب والسنة وأحاديث العترة الطاهرة الحاكية للسنّة النبوية.
أمّا الكتاب فقوله سبحانه:(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فانّ للّهِ خُمسهُ وَلِلرَّسُول وَلِذي الْقُرْبى وَاليَتامى وَالْمَساكِين وَابْن السَّبيل...).
وقد أوضحنا دلالة الآية على وجوب الخمس في كلّ ما يفوز به الإنسان، وقد اعترف بما ذكرنا القرطبي إلاّ أنّه خصص مضمون الآية بالمعروف عند المتشرعة على عدم وجوبه في غيرالغنائم الحربيّة، وعلى ما ذكرنا فمفاد الآية أنّ كلّما يصدق عليه الغنم ففيه الخمس.
نعم هناك فرق بين الزكاة والخمس، فالأُولى للفقراء ومصالح المسلمين والنبي الأكرم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان مأموراً بالأخذ . قال سبحانه:(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) . فلأجل ذلك كان يبعث العمّال لأخذ الزكوات، وهذا بخلاف الخمس فانّه حقّ له ولأقربائه ـ وإن لم يكن ملكاً شخصياً له ـ فلم يؤمر بالأخذ، بل أمر الناس بالدفع حيث خوطبوا بقوله سبحانه: (وَاعْلَمُوا انَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء) ولأجل ذلك تطلب الزكاة من الناس، دون الخمس الذي هو حقّ له وقد أمر الناس بالدفع.
هذا كلّه حول دلالة الآية، وإليك الكلام في شرعية الخمس في عهود النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ومكاتيبه.
تضافرت الروايات على أنّ الرسول الأكرم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان يطلب في رسائله إلى قبائل مسلمة نائية عن المدينة دفع الخمس، كما تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت على تعلّق الخمس بأرباح المكاسب والفوائد، فلنذكر شيئاً ممّا ورد في السنّة النبوية وشيئاً ممّا ورد في أحاديث العترة الطاهرة.
الخمس في رسائل النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وعهوده
1. لما قدم وفد عبد القيس على رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وقالوا: إنّ بيننا وبينك المشركين، وأنّا لا نصل إليك إلاّ في أشهر الحرم، فمرنا بجمل من الأمر، إن عملنا به دخلنا الجنّة وندعوا إليها من وراءنا. فقال ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع : آمركم بالإيمان باللّه وهل تدرون ما الإيمان باللّه؟ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم».
ومن المعلوم أنّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب، كيف، وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم خوفاً من المشركين؟! وعلى هذا يكون المراد المغنم بمعناه الحقيقي وهو ما يفوزون به فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون أو يستفيدون.
2. كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن:
«بسم اللّه الرّحمن الرّحيم... هذا... عهد من النبي رسول اللّه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى اللّه في أمره كلّه وأن يأخذ من المغانم خمس اللّه وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عُشْر ما سقي البعل، وسقت السماء ونصف العشر ممّا سقي الغرب».(3)
والبعْل ما سُقي بعروقه، والغرب الدلو العظيمة.
3. كتب إلى شرحبيل بن كلال ونعيم بن كلال وحارث بن كلال رؤساء قبيلة ذي رعين ومعافر وهمدان:
«أمّا بعد فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس اللّه».
4. كتب إلى سعد هذيم من قضاعة، وإلى جذام، كتاباً واحداً يعلّمهم فيه فرائض الصدقة وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أُبيّ وعنبسة.
إنّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حينما طلب دفع الخمس على أيدي رسوليه، لم يطلب خمس غنائم الحرب التي خاضوها مع الكفّار ،وإنّما قصد ما استحق عليهما من الصدقة وخمس الأرباح.
5. كتب للفجيع ومن تبعه:
«من محمّد النبي للفجيع ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع اللّه وأعطى من المغانم خمس اللّه».
6. كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه:
«ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا اللّه ورسوله وأعطوا من المغانم خمس اللّه».
7. كتب لجهينة بن زيد فيما كتب:
«وتشربوا ماءها على أن تؤدّوا الخمس».
8. كتب لملوك حمير فيما كتب:
«وآتيتم الزكاة ومن المغانم خمس اللّه وسهم النبي وصفيه وما كتب اللّه على المؤمنين من الصدقة».
9. كتب لبني ثعلبة بن عامر:
«من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وخمس المغنم وسهم النبي والصفيّ».
10. كتب إلى بعض أفخاذ جهينة:
«من أسلم منهم... وأعطى من الغنائم الخمس».
ويتبيّـن ـ بجلاء ـ من هذه الرسائل أنّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي خاضوا فيها بل كان يطلب ما استحق في أموالهم من خمس وصدقة.
ثمّ إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط ـ في ذلك ـ خوض حرب واكتساب الغنائم.
هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الإسلامي أو نائبه هما اللّذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب وتقسيمها بالنحو الذي يجب بعد أن يستخرج منها الخمس ولا يملك أحدٌ من الغزاة عدا سلب القتيل(على قول) شيئاً ممّا سلب وإلاّ كان سارقاً مغلاً.
فإذا كان إعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ من شؤون النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، فما ذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب وفي عهد بعد عهد؟ فيتبيّـن أنّ ما كان يطلبه لم يكن له صلة بغنائم الحرب.
هذا، مضافاً إلى أنّه لا يمكن أن يقال: إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهلية عن طريق النهب، كيف وقد نهى النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عن النهبة بشدة ففي كتاب الفتن باب النهي عن النهبة عنه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «من انتهب نهبةً مشهورة فليس منّا».
وقال: «إنّ النهبة لا تحلّ».
وفي صحيح البخاري و مسند أحمد عن عبادة بن الصامت: بايعنا النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أن لا ننتهب.
وفي سنن أبي داود، باب النهي عن النهبى، عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فأصاب الناس حاجة شديدة وجهدوا وأصابوا غنماً فانتهبوها، فإنّ قدورنا لتغلي إذ جاء رسول اللّه يمشي متكئاً على قوسه فاكفأ قدورنا بقوسه ثمّ جعل يرمل اللحم بالتراب ثمّ قال: «إنّ النهبة ليست بأحلّ من الميتة».
وعن عبد اللّهبن زيد: نهى النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عن النهبى والمثلة.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتاب الجهاد .
وقد كانت النهيبة والنهبى عند العرب تساوق الغنيمة والمغنم ـ في مصطلح يومنا هذا ـ الذي يستعمل في أخذ مال العدو.
فإذا لم يكن النهب مسموحاً به في الدين وإذا لم تكن الحروب التي يقوم بها أحد بغير إذن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ جائزة، لم تكن الغنيمة تعني دائماً ما يؤخذ في القتال، بل كان معنى الغنيمة الواردة في كتب النبي هو ما يفوز به الناس من غير طريق القتال، بل من طريق الكسب وما شابهه، ولا محيص حينئذ من أن يقال: إنّ المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال أو النهب الممنوع في الدين.
وعلى الجملة: إنّ الغنائم المطلوبة في هذه الرسائل النبوية، أداء خمسها إمّا أن يراد ما يستولى عليه أحد من طريق النهب والإغارة، أو ما يستولى عليه من طريق محاربة بصورة الجهاد، أو ما يستولى من طريق الكسب والكدّ.
والأوّل ممنوع بنص الأحاديث السابقة فلا معنى أن يطلب النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ خمس النهيبة.
وعلى الثاني يكون أمر الغنائم بيد النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ مباشرة، فهو الذي يأخذ كلّ الغنائم، ويضرب لكلّ من الفارس والراجل ما له من الأسهم بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم، فلا معنى لأن يطلب النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ الخمس من الغزاة، فيكون الثالث هو المتعين.
وقد ورد فرض الخمس في غير غنائم الحرب في أحاديث منقولة عن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، ففي سنن البيهقي عن أبي هريرة عن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أنّه قال: «في الركاز الخمس» قيل: وما الركاز يا رسول اللّه ؟ فقال: «الذهب والفضة الذي خلقه اللّه في الأرضين يوم خلقت». وقد تقدم الكلام فيه.
خمس الأرباح والفوائد في أحاديث العترة ـ عليهم السَّلام ـ لقد تضافرت الروايات عن العترة ـ عليهم السَّلام ـ على وجوبه فيها وننقل منها ما يلي:
1. معتبرة سماعة
سألت أبا الحسن ـ عليه السَّلام ـ عن الخمس فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير». والرواية موثقة لوجود سماعة في آخر السند، وغيره كلّهم إماميون ثقات.
والرواية معتبرة رواها علي بن إبراهيم،عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن شيخه ابن أبي عمير، عن شيخه الحسين بن عثمان الأحمسيّ البجلي (عرّفه النجاشي بقوله: كوفي ثقة، كتابه: رواية ابن أبي عمير ثمّ ذكر سنده إلى كتابه وقال: عن ابن أبي عمير عن الحسين) عن سماعة الذي عرفه النجاشي بقوله: ثقة ثقة.(4)
والرواية صحيحة، لولا أنّ سماعة رُمي بالوقف وإن كان غير ثابت، ومن كان واقفياً، لا يصفه خرّيت الفن النجاشي، بما عرفت من تكرير «الثقة».
2. صحيح أبي علي بن راشد روى الشيخ بإسناده إلى علي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فاعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه فقال: «يجب عليهم الخمس» فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: «في أمتعتهم وضياعهم»قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤنتهم».
وسند الشيخ إلى علي بن مهزيار في التهذيب صحيح، وأمّا أبو علي بن راشد هو الحسن بن راشد مولى آل المهلب أبوعلي البغدادي من أصحاب الجواد والهادي عليمها السَّلام كما يظهر من رجال الشيخ.
قال في المدارك: إنّ أبا علي بن راشد لم يوثق صريحاً.
3. مرسلة الشيخ عن الريان بن الصلت
روى الشيخ في التهذيب وقال: «وروى الريان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد ـ عليه السَّلام ـ : ما الذي يجب علي يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي وفي ثمن سمك وبرديّ وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب:« يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى».
و«الغلّة»: الدخل من كراء دار وفائدة أرض.
و«البَردي» :بالفتح، نبات كالقصب كان قدماء المصريين يستخدمون قشره للكتابة، والبردي بالضم من أجود الثمرة.
و«الأجمّة» الشجر الكثير الملتف.
وعبّرنا عنها بالمرسلة، لأنّ الشيخ نقلها على نحو ما ذكرت، ولم يذكر سنده إلى كتابه في المشيخة، وبذلك صارت الرواية مرسلة، وما في الوسائل «وبإسناده عن الريان بن الصلت» ناظر إلى إسناده إلى كتابه في الفهرست وسنده إليهصحيح، فبذلك تُصبح الرواية صحيحة، والريان بن الصلت ثقة بلا كلام.
وأورد عليه في المدارك بقوله: إنّـها قاصرة من حيث المتن لاختصاصها بالأرض القطيعة، وهي أرض الخراج أو محالّ ببغداد أقطعها المنصور (العباسي) أُناساً من أعيان دولته ليعمروها ويسكنوها ،كما ذكره في القاموس، ومستحق الخمس فيها غير مذكور فجاز أن يكون غير مستحق الغنائم.
يلاحظ عليه: أنّ السؤال غير مختص بالأرض الخراجية، بل يعمّ دخل الرحى الواقعة فيها، فهل يحتمل أن يكون للأرض مدخلية في تعلّق الخمس به؟
وما ذكره من أنّه لم يذكر فيها مصرف الخمس، غير تام، لأنّه لا يتبادر من مصرفه سوى ما جاء في الآية المباركة، ولا يتبادر إلى ذهن أحد أنّ مصرفه غير ما جاء فيها، فالرواية صالحة للاحتجاج.
4. خبر أبي عمارة عن الحارث بن المغيرة النصري
روى الشيخ عن أبي عمارة، عن الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قال: قلت له: إنّ لنا أموالاً من غلاّت و تجارات ونحو ذلك، وقد علمت أنّ لك فيها حقّاً، قال: «فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلاّ لتطيب ولادتُهم، وكلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا، ليبلغ الشاهد الغائب».
والسند لا غبار عليه إلاّ أنّ أبا عمّارة وهو عمران بن عطيّة لم يوثق، ووصفها في المدارك بالصحّة لأجل نهاية السند حيث قال: يمكن أن يستدل على ثبوت الخمس في هذا النوع في الجملة بصحيحة الحارث بن المغيرة النصري وقد عرفت أنّ الراوي عنه لم يوثق، إلاّ أن تستظهر وثاقته من رواية البزنطي عنه، لأنّه لا ينقل إلاّ عن ثقة كما أوضحناه في البحوث في علم الرجال.
5. خبر محمّد بن علي بن شجاع
روى الشيخ في التهذيب، عن أحمد بن محمد، عن علي بن مهزيار، عن محمّد ابن علي بن شجاع النيسابوري أنّه سأل أبا الحسن الثالث ـ عليه السَّلام ـ عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى، فأخذ منه العُشر عشرة أكرار، وذهبَ منه بسبب عِمارة الضيعة ثلاثون كُرّاً وبقي في يده ستون كرّاً ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع ـ عليه السَّلام ـ : «لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤنته».
والسند لا غبار عليه إلاّ نهاية الحديث فإنّه مهمل في الرجال غير معنون، والمذكور في التهذيب والاستبصار هو ما ذكرناه محمّد بن علي بن شجاع، لكن نسب المامقاني هذا إلى التهذيب، وعلي بن محمّد إلى الاستبصار ولكن الوارد في المطبوع منهما هو الأوّل، نعم رجح المحقّق التستري كون الصحيح هو علي بن محمد، لوروده في الكشي في ترجمة سلمان ففيه: طاهر، عن أبي سعيد السمرقندي، عن علي بن محمد بن شجاع، عن أبي العباس المروزي عن الصادق ـ عليه السَّلام ـ قال في الحديث الذي روي فيه أنّ سلمان محدّثاً: إنّه كان محدّثاً عن إمامه لا عن ربّه».
وفيه تأمّل إذ لو كان المروزي ناقلاً عن الصادق بلا واسطة، فكيف يروي صحابي الإمام الهادي عن صحابي الإمام الصادق؟ إلاّ إذا كانت الرواية مرسلة.
وعلى كلّ تقدير فالرواية مؤيدة وكاشفة عن اشتهار الحكم عند أصحاب الأئمّة، لكن الكلام كان في تعلّق الخمس على المؤنة وعدمه فأوضحه الإمام.
6. ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد وعبد اللّه بن محمد جميعاً، عن علي بن مهزيار، قال: كتب إليه أبو جعفر ـ عليه السَّلام ـ وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة قال: «إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه وهي سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار وسأفسر لك بعضه إن شاء اللّه إنّ موالي ـ أسأل اللّه صلاحهم ـ أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم فعلمت ذلك، فأحببت أن أطهّرهم وأُزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس. قال اللّه تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللّهُ سَميعٌ عَلِيمٌ* أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ هُوَ يقبلُ التَوبَة عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَدقاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّاب الرَّحيم* وَقُل اعْمَلُوا فَسَيَرى اللّه عَمَلكُمْ وَرَسُولهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهادة فَيُنَبِّئكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .
ولم أوجب ذلك عليهم في كلّ عام ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها اللّه عليهم وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلاّ في ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفاً منّي عن موالي ومنّاً منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام ، قال اللّه تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ وَللرَّسُول وَلِذي القُربى وَالْيَتامى وَالمَساكِين وَابْن السَّبيل إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الفُرقان يَومَ التقى الجَمْعان وَاللّهُ عَلى كُلّ شيء قَدير ) والغنائم والفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يُحتسب من غير أب ولا ابن ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ومثلُ مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب، وما صار إلى مواليّ من أموال الخرّمية الفسقة فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من موالي، فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي، ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعمّد لإيصاله، ولو بعد حين فانّ نيّة المؤمن خير من عمله، فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلاّت في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعتُه تقوم بمؤنته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك».
والحديث صحيح لأنّ سند الشيخ إلى الصفّار صحيح في التهذيب والفهرست، والمراد من أحمد بن محمد وأخيه، هما: أحمد بن محمد بن عيسى (شيخ القميين) وعبد اللّه بن محمد الملقّب بـ «بتان» قوله: قال: أي كلّ من أحمد وعبد اللّه، قوله: كتب إليه أبوجعفر، أي كتب إلى عليّ بن مهزيار الإمام الجواد ـ عليه السَّلام ـ .
قوله: «وقرأت أنا» أي كلّ من الأخوين، فالسند معتبر، لكن في ظاهر الحديث إشكالات ثلاثة ذكرها صاحب المدارك وقال:
1. أمّا رواية علي بن مهزيار فهي معتبرة، لكنّها متروكة الظاهر من حيث اقتضائها وجوب الخمس فيما حال الحول عليه من الذهب والفضّة.
2. ومع ذلك فمقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممّن لا يحتسب، والمال الذي لا يعرف صاحبه وما يحلّ تناوله من مال العدوّ في اسم الغنائم، فيكون مصرف الخمس فيهما مصرف الغنائم.
3. وأمّا مصرف السهم المذكور في آخر الرواية وهو نصف السدس في الضياع والغلاّت فغير مذكور صريحاً، مع أنّا لا نعلم بوجوب ذلك على الخصوص قائلاً.
وقد ذكرها صاحب المدارك، كما تعرّض لبعضها ابن خاله صاحب المعالم في منتقى الجمان، وأضاف شيئاً آخر لم يذكره الأوّل، والفضل يرجع إلى الأوّل لسبقه عليه، لأنّه فرغ من قسم الصيام والاعتكاف من كتاب المدارك عام 995هـ، وقد فرغ ابن خاله عن قسم الصلاة من منتقى الجمان عام 1004هـ، وعلى كلّ تقدير فهما غصنان من شجرة واحدة تتلمذا على يدي المحقّق الأردبيلي وعاشا معاً، فلا بأس بتحليل ما استشكلا على الرواية.
الإشكال الأوّل
إنّ أئمّة أهل البيتعليهم السَّلام خزنة العلم وحفظة الشرع لا يغيّرون الأحكام بعد انقطاع الوحي، فكيف يستقيم قوله في هذا الحديث:«أوجبت في سنتي هذه ولم أوجب ذلك عليهم في كلّ عام» ؟إلى غير ذلك من العبارات الدالّة على أنّه ـ عليه السَّلام ـ يحكم في هذا الحقّ بما شاء واختار.(5)
وحاصل الإشكال أنّ الإمام تصرّف في حكم الخمس من حيث الزمان بسنة خاصة، كما تصرّف في متعلّق الخمس حيث خصّه بعض الأشياء دون بعض.
والجواب أنّ الوجه في إيجابه في سنة 220هـ، دون غيرها، لأنّه كان يعلم أنّها السنة الأخيرة من عمره الشريف لانتقال الإمامة بعده إلى ولده أبي الحسن الثالثعليه السَّلام .
وأمّا التصرّف الثاني أي التصرف في متعلّق الخمس حيث أوجب في الذهب والفضة وأسقطه عن المتاع والآنية والدواب والربح والضيعة إلاّ في ضيعة خاصّة التي ذكرها في الحديث(من التفصيل بين ضيعة تقوم بمؤنة صاحبها ففيها نصف السدس دون ما لا تقوم) فمرجعه إلى إسقاط حقّه لمصلحة فيه، ولا يعدّ مثل هذا تصرّفاً في الحكم، أو تبديلاً له وأمّا المصلحة فغير معلومة، وقد أشار الإمام إليها بقوله: «اكره لمعنى من المعاني اكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسأفسّر لك بعضه إن شاء اللّه».
وبالجملة هذا المقدار من التصرّف مع ما أعطوا من الولاية على الأموال والنفوس ممّا لا إشكال فيه، فقد كان الرسول يتصرّف في الغنائم وبما يخص المهاجرين بها وأُخرى يخص الأنصار وربّما يشاركهم وكأنّه المعنى بقوله سبحانه: (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِحِساب).
الإشكال الثاني
إنّ قوله: «ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها اللّه عليهم» ينافيه قوله: بعد ذلك: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام».(6)
والجواب عنه واضح وهو أنّ الحصر يرجع إلى عام الوفاة وهي سنة 220هـ.
وأمّا الثاني: فهو لبيان قاعدة كلية راجعة إلى غيرها. والحاصل أنّ الإمام لمصالح غير معلومة ولعلّ عدم بسط يده في نفس السنة، أسقط حقّه في بعض ما يتعلّق به الخمس من غير تصرّف فيما يرجع إلى الباقي غير هذه السنة.
الإشكال الثالث
إنّ قوله: «وإنّما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول» خلاف المعهود إذا الحول يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب والفضّة لا في تعلّق الخمس بهما.
أقول: إنّ الذهب والفضة كما يقعان مورداً للزكاة مثل ما لو ترك المورث ما بلغ حدّ النصاب وحال عليهما الحول فيجب إخراج زكاتهما كذلك يقعان مورداً للخمس إذا كانا من الأرباح كما هو الحال في الصائغ فلا مانع من تعلّق الخمس بهما بعد ما حال عليهما الحول كسائر المنافع.وأي إشكال في ذلك؟ وأمّا إثبات الخمس فيهما وإسقاطه عن غيرهما من متاع وآنية ودواب وخدم وربح ربحه في تجارة فلمصلحة اقتضت ذلك.
الإشكال الرابع
اندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممّن لا يحتسب، والمال الذي لا يعرف صاحبه وما يحلّ تناوله من مال العدو في اسم الغنائم فيكون تصرّفه مصرف الخمس.
يلاحظ عليه: أيّ مانع من دخول الجميع تحت عنوان الغنائم؟ وقد علمت أنّ معنى الغنيمة كلّ ما يفوز به الإنسان بسهولة أو بمشقّة. مع أنّ الإمام أردف الغنائم بلفظ الفوائد وقال: «والغنائم والفوائد رحمك اللّه».
ويحتمل أن يكون المراد من قوله:«والمال الذي لا يعرف له صاحب» المباحات العامّة لا اللقطة، وإلاّ كان عليه أن يعبّر عنه بما «لا يعرف صاحبه».
الإشكال الخامس
إنّ مصرف السهم المذكور في آخر الرواية أعني: «ونصف السدس في الضياع والغلاّت» غير مذكور صريحاً.
ولا يخفى ضعف الإشكال، لأنّ الرواية بصدد بيان أحكام الخمس فقط، فيكون مصرف نصف السدس هو مصرف الخمس أيضاً وإلاّ كان عليه التنبيه على تعدد الصرف.
الإشكال السادس
انّ وجوب نصف السدس في الضياع لم يقل به أحد .
يلاحظ عليه: أنّه صحيح لكن الإمام ليس بصدد بيان الحكم الشرعي، بل بصدد بيان ما أسقط وما أثبت من باب الولاية، فيكون حكماً ولائيّاً مؤقتاً، ويشهد لذلك قوله: «تخفيفاً منّي عن مواليّ و منّاً منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم».
إلى هنا تبيّن اندفاع الإشكالات وأنّ الرواية صالحة للاستدلال على وجوب الخمس في الغنائم والفوائد.
ثمّ إنّ الكتاب الذي كتبه الإمام الجواد ـ عليه السَّلام ـ ، إلى علي بن مهزيار، وقرأه الأخوان، أعني: أحمد و عبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، هوالكتاب الذي قرأه إبراهيم بن محمد الهمداني أيضاً، روى الشيخ: كتب إليه (إلى الإمام الهادي ـ عليه السَّلام ـ ) إبراهيم بن محمد الهمداني: واقرأني علي (بن مهزيار)كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤنة وأنّه ليس على من لم يقم ضيعته بمؤنته نصف السدس ولا غير ذلك فاختلف من قِبَلِنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع، الخمس بعد المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله: فكتب (الإمام الهادي إلى إبراهيم بن محمد الهمداني) وقرأه علي بن مهزيار (أيضاً): «عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان».
ولا يخفى ما في تعبير الشيخ من الإجمال حيث قال: «وكتب إليه أبوجعفر» من دون تعيين المرجع، ومثله في الحديث المتقدّم قال: قال لي أبو علي قلت له. غير أنّ المرجع كان في كتاب علي بن مهزيار معيّناً، حيث صدر الباب بأحاديث الإمام الهادي فجاء بعده بالضمير والشيخ أخذ الحديث من الكتاب، بنصّه غافلاً من أنّ النقل بهذا النحو يوجب الإجمال الثالث: في متعلّق الخمس من هذا القسم
أقول: إنّ الفوائد التي يحوزها الإنسان على أقسام، إمّا أن تحصل بالاكتساب كالتجارة والصناعة والزراعة والإجارة، وإمّا أن تحصل بشرط القبول فقط كالجوائز والهدايا، وإمّا أن تدخل في ملك الإنسان بلا اختيار كالإرث، وإمّا أن تحصل في ملكه من دونه كالتوالد وارتفاع القيمة السوقية.
وكان سيّدنا المحقّق البروجردي يقسّمها بشكل آخر: إنّ الفوائد إمّا أن تحصل بتبادل شيء بشيء كالتجارات و الإجارات، وإمّا أن تحصل بتغيّـر المادة وتصويرها بصورة كالصناعة ،وإمّا أن تحصل بالتزايد والنمو كالثمار والزراعات، وإمّا أن تحصل بلا عمل إلاّ القبول كالجوائز، وإمّاأن تحصل بلا اختيار كالإرث.
ولك أن تقول أنّ مدار المعيشة إمّا على الإنتاج بالإنماء كالزراعة والرعي، أو على تبديل المواد الأوّلية إلى أُمور صناعية وهذا هي الصناعة، أو بالاقتناء والتوزيع في أزمنة وأمكنة مختلفة كالتجارة أو بالأعمال اليدوية كالنجارة، والكلّ لا يخلو عن تعب; وأمّا ما لا تعب فيه فإمّا لا يحصل إلاّ بالقبول كالهبة والجائزة والصداق وعوض الخلع والمال الموصى به ونحوها، أو يحصل بلا حاجة إلى القبول كالميراث وهو إمّا ميراث محتسب أو غير محتسب، ولا يخفى أنّ رحى المعيشة على الأُمور الأربعة الأُول، وأمّا الباقية فأُمور اتفاقية.
وعلى كلّ تقدير فقد اختلفت آراؤهم فيما هو متعلّق الخمس في هذا القسم على أربعة أقوال:
1. اعتبار التكسب مطلقاً فتخرج غير الأربعة.
2. تقييد الكسب باتخاذه مهنة وشغلاً مستمرّاً نسب إلى جمال المحقّقين في حاشيته على اللمعة .
3. عموم الحكم لكلّ فائدة، اختيارية أو غير اختيارية فيشمل الهبة والهدية والخلع والمواريث ولو غمضنا النظر عن القول الثاني يدور الأمر بين قولين:
1. تعلّق الخمس بمطلق ما يملكه الإنسان ولو بإرث ونحوه.
2. تعلّقه بمطلق فائدة يحصل من طريق التكسب وإن لم يطلق في بعضها على فاعلها الكاسب، دون ما يدخل في ملكه بغير هذه الأسباب كالإرث والصدقة والصداق، والعطية ونحوها، فمال شيخنا الأنصاري إلى الأوّل، وجزم المحقّق الهمداني بالثاني.
وأمّا كلمات الأصحاب فيظهر من الشيخ في النهاية، وأبي الصلاح في الكافي، وابن زهرة في الغنية، العموم لوجود كلمة «غير ذلك» في عبارتي النهاية والغنية، بل عبارة الكافي صريحة في الموضوع .
وإليك ما يستفاد منه العموم من العبارات.
قال الشيخ في النهاية: ويجب الخمس أيضاً في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك بعد إخراج مؤنته ومؤنة عياله.
ويحتمل أن يكون «غير ذلك» إشارة إلى الصناعات والإجارات، كما يحتمل أن يكون إشارة إليهما وإلى غيرهما.
وقال أبو الصلاح الحلبي: وما فضل عن مؤنة الحول على الاقتصاد من كلّ مستفاد بتجارة أو صناعة أو زراعة أو إجارة أو هبة أو صدقة أو ميراث أو غير ذلك.
وقال في الغنية: ويجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤنة الحول على الاقتصاد من كلّ مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة بأيّ وجه كان بدليل الإجماع المشار إليه وطريقه الاحتياط.
هذا ما وقفنا عليه من الكلمات التي تُعبِّر عن عموم الحكم، ومع ذلك ففي دلالة غير عبارة الحلبي على العموم تأمّل لاحتمال أن يراد من قولهما «أو غير ذلك» ما يشبه التكسب كالإجارات والاحتطاب والاحتشاش وجمع العسل من الجبال، وبالجملة كلّ عمل يدوي يورث نفعاً.
وفي مقابلها ما يستظهر منه الخصوص أو هي نص فيه.
فمن الأوّل عبارة الشيخ في الخلاف، قال: يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلاّت والثمار على اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها ومؤنها وإخراج مؤنة الرجل لنفسه ومؤنة عياله سنة.
ومن الثاني: عبارة السرائر: ويجب الخمس أيضاً في أرباح التجارات والمكاسب وفيما يفضل من الغلاّت والزراعات على اختلاف أجناسها عن مؤنة السنة له ولعياله.
وقال: بعد صفحة : والعسل الذي يؤخذ من الجبال، وكذلك المنّ، يؤخذ منه الخمس وجميع الاستفادات من الصيود والاحتطاب و الاحتشاش والاستقاء والإجارات، والمجتنيات والاكتسابات، يخرج منه الخمس.
ثمّ نقل عبارة الكافي لأبي الصلاح ـ حيث ذهب إلى تعلّق الخمس بالميراث والهدية والهبة ـ وقال: ولم يذكره أحد من أصحابنا إلاّ المشار إليه ، ولو كان صحيحاً لنقل أمثاله متواتراً.
والظاهر من المفيد في المقنعة، والسيد المرتضى في الانتصار،وسلاّر في المراسم، وابن حمزة في الوسيلة، والمحقّق في المعتبر،الاختصاص.
وأمّا المتأخرون المتقاربون لعصرنا فقد قوّى الشيخ الأعظم، سعة الحكم، وقال في رسالته: الوجوب لا يخلو عن قوّة وفاقاً للمحكي عن الحلبي وعن المعتبر، و اختاره في اللمعة، ومال إليه في شرحها، وهو ظاهر الإسكافي، لكن من حيث الاحتياط.(7)
وقال المحقّق الهمداني: إنّه يمتنع عادة إرادة ثبوت الخمس من مثل الإرث والهبة مع عموم الابتلاء بهما وكونهما من اشيع ما يملكه الإنسان، من غير تصريح به ـ إلى أن قـال ـ: ولو كان هذا مرادهم لم يكن وجه يعتد به، لحصرهم الخمس في فتاواهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية في أقسام معدودة، كي يوهم ذلك خلاف مقصودهم، بل كيف يحتمل كون كلّ الأصحاب أو جلهم أو كثير منهم قائلين بثبوت الخمس في الإرث ونحوه، ولم يشتهر ذلك بين العوام اشتهار الشمس في رابعة النهار مع عموم الابتلاء به؟ مضافاً إلى ما يظهر من الحلّي وغيره، بل كلّ من تعرض له مخالفة القول بثبوت الخمس في الإرث والهبة والصدقة للمشهور، بل اختصاص القول به في القدماء بالحلبي.
والذي يسهل الخطب، أنّ عدم التصريح بالعموم والاكتفاء بالاكتساب لا يعدّ دليلاً على الإعراض لما بيّنّا من أنّ وجوب الخمس في هذا القسم برز وظهر في عصر الصادقين عليمها السَّلام ولم يكن قبل عصرهما منه اسم ولا أثر وإن كان أصله موجوداً في كلمات النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ على ما بيّناه، وعلى هذا الأساس لا بأس أن يختفي حكم بعض أصنافه على أكثر القدماء، أضف إلى ذلك وجود الاختلاف بين استنباط القدماء والمتأخرين حيث إنّ المتأخرين يستعملون الدقة في الأحاديث أكثر من القدماء ويحيطون بها ببركة الجوامع أكثر من غيرهم ويصنّفون الروايات على وجه يظهر منه حكم كثير من الفروع وعلى ذلك لا يعدّ عدم إفتائهم دليلاً على الإعراض.
ولأجـل ذلك يجب إمعان النظر في روايات الباب والدقة في الكلمـات الواردة فيها حتى نستقطب الإطلاقات ونستفيد منها أحكاماً وراء المكاسب.
الجوائز والعطايا
فنقول: يمكن استفادة حكم المقام، أعني: الجوائز والعطايا من الآية والروايات.
أمّا الآية المباركة: فانّ لفظ الغنيمة يصدق على العطايا والجوائز، هذا ابن فارس يقول: إنّها بمعنى إفادة شيء لم يملك من قبل. وقال الراغب: والغنم إصابته والظفر به ثمّ استعمل في كلّ مظفور به من جهة العِدى وغيرهم. إلى غير ذلك من الكلمات التي قدّمناها في صدر البحث عن أدلّة تعلّق الخمس بهذا الصنف.
أمّا الروايات فهناك روايات متضافرة بين صحيح وغير صحيح تؤيّد تعلّقه بكلّ فائدة ومنفعة وإليك بيانها.
1. والغنائم والفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر.
والفائدة في اللغة بمعنى الزيادة التي تحصل للإنسان والفعل في قوله ـ عليه السَّلام ـ : «والفائدة يفيدها» من باب الإفعال بمعنى يستفيدها وهو ليس منحصراً بالاكتساب بل هو أحد الطرق وله طرق أُخرى، كما في الجوائز والعطايا والمال الموصى به، وما ذكره الإمام ـ عليه السَّلام ـ من قوله:«والجائزة الخ» بيان مصداق له، وتقييدها بالخطر لأجل أنّه لولاه لما يبق إلى آخر السنة بل تصرف في مؤنة الحياة. وبعبارة أُخرى القيد غالبي، ولو حمل قوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ويفيدها على الاكتساب لكفى قوله ـ عليه السَّلام ـ : «الجائزة من الإنسان».
2. صحيحته الأُخرى نقلاً عن أبي علي بن راشد الثقة... فقال: «يجب عليهم الخمس» فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: «في أمتعتهم وصنائعهم»، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤنتهم» . والمتاع كلّ ما يتمتع به من عروض الدنيا كثيرها وقليلها.
3. موثقة سماعة، قال: سألت أبا الحسن ـ عليه السَّلام ـ عن الخمس فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير». أي أوجب حصول زيادة في المال للناس وهو بعمومه يعمّ غير المكاسب.
4. ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى، الثقة، عن سهل بن زياد (والأمر في سهل، سهل) عن محمّد بن عيسى (ابن عبيد ـ الثقة ـ ) عن علي بن الحسين بن عبدربّه (وهو من أصحاب الإمام الهادي ـ عليه السَّلام ـ ووكيله معتمد عليه) قال: سرح الرضا ـ عليه السَّلام ـ بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي، هل عليّ فيما سرحتَ إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس».
«السراح» هو التسهيل، والمراد الصلة التي سهّل بها أمر الحياة للمهدى إليه، والحديث يعرب عن تعلّق الخمس بطبيعة الصلة، إلاّ أن يُسرّح به صاحب الخمس، وإلاّ فيكون القيد زائداً.
هذه هي الروايات الصحيحة أو المعتبرة في المقام وهناك روايات غير نقيّة الأسناد تؤيد ما ذكرناه والمجموع من حيث المجموع يشرف الفقيه على القطع بالحكم.
5. رواية محمد بن الحسن الأشعري (وهو ابن خالد المعروف بـ «شنبولة» ولم يوثق) قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه السَّلام ـ :أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى جميع الصناع؟
وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤنة».
وربّما يتراءى أنّ الجواب غير مطابق للسؤال، ولكنّه بعد الدقة جواب يشمل على أمر زائد وهو لزوم الخمس في هذه الموارد بعد إخراج المؤنة.
6. رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن (بن) يزيد أو عن يزيد، وعلى كلّ تقدير فهو مجهول، وربّما يحتمل أنّ المراد هو يزيد ابن إسحاق ويؤيّده أنّه من مشايخه كما ذكره السيد الخوئي في معجم رجال الحديث. وعنونه النجاشي: يزيد ابن إسحاق بن أبي الخسف، ولم يوثقه، لكن رواية أحمد بن محمد يضفي إليه السلامة في الحديث، لأنّه كان رجلاً محتاطاً في نقل الحديث، لا أقول: إنّه لا يروي عن الضعفاء أبداً، بل أقول: إنّه رجل لا ينقل إلاّ ما يعتمد، قال: كتبت : جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة وما حدّها؟ رأيك أبقاك اللّه إن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة».
وقوله ـ عليه السَّلام ـ : «يفيد إليك» أي يحصل لك.
7. رواية محمد بن علي بن محبوب، الثقة، عن محمد بن الحسين أبي الخطاب الثقة، عن عبد اللّه بن القاسم الحضرمي ـ قال النجاشي: كذّاب غال ـ عن عبد اللّه ابن سنان قال: قال أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : «على كلّ امرئ غنم أو اكتسب، الخمس».
والمراد من «غنم» الفوز بمال من غير طريق الاكتساب بقرينة المقابلة.
8. ما رواه محمد بن إدريس في آخر السرائر عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ :
كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب: «الخمس في ذلك».
وفي السند أحمد بن هلال قال النجاشي: صالح الرواية يعرف منها وينكر، وقد روي فيه ذموم من سيّدنا أبي محمد العسكري ـ عليه السَّلام ـ . وأبان بن عثمان الأحمر المرمى بالناووسية وهو من أصحاب الإجماع.
9. ما رواه علي بن موسى بن طاووس في كتاب الطرف بإسناده عن عيسى ابن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه عليمها السَّلام :«أنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال لأبي ذرّ وسلمان والمقداد... وإخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى وليّ المؤمنين وأميرهم».والحديث ضعيف بعيسى بن المستفاد وقال: النجاشي روى عن أبي جعفر الثاني ولم يكن بذاك.
10. ما رواه في تحف العقول عن الرضا ـ عليه السَّلام ـ في كتابه إلى المأمون قال: «والخمس من جميع المال مرّة واحدة».
11. ما في الفقه الرضوي، من قوله: «وربح التجارة وغلّة الضيعة وسائر الفوائد والمكاسب والصناعات والمواريث وغيرها لأنّ الجميع غنيمة وفائدة».
وهذه الروايات المتضافرة كافية في الإفتاء بالوجوب في مطلق الفائدة من غير فرق بين الاكتساب وغيره. والإمعان في هذه الروايات يثبت أنّ الموضوع ما يملكه الإنسان بطريق من الطرق من غير اعتبار المهنة،ولا القصد ولا الاختيار مضافاً إلى أنّ الهدية والجائزة والميراث غير المحتسب مذكورة فيها.
المال الموصى به
وبذلك يتّضح حكم المال الموصى به سواء كانت الوصية عهدية بأن يعهد إلى الوصي أن يعطي فلاناً بعد وفاته ذاك المال. فيكون شبه هدية من الميّت إلى الحي كالجائزة التي هي من الحي إلى الحي، أو تمليكية بأن يملّك مقداراً من ماله لزيد ويقول: هذا المتاع لزيد بعد وفاتي. سواء قلنا باحتياجه إلى القبول، أو قلنا إنّ له الرد ولا يحتاج إلى القبول، فعلى الأوّل يصحّ كالهدية، وعلى الثاني يصدق عليه أنّه غنم وفائدة وإن لم يصدق له عنوان التكسب.
الميراث غير المحتسب
الأقوال فيه لا تتجاوز الثلاثة:
الأوّل: الوجوب مطلقاً، كما عليه ظاهر الفقه الرضوي وظاهر الكافي للحلبي.
الثاني: عدمه مطلقاً، كما عليه السرائر، وقال ردّاً على الحلبي: ولم يذكره أحد من أصحابنا إلاّ المشار إليه ولو كان صحيحاً لنقل أمثاله متواتراً والأصل براءة الذمة.
الثالث: التفصيل، بين المحتسب وغيره، فيجب في الثاني دون الأوّل، لصحيحة علي بن مهزيار قال: والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن .(8)
وما ذكره ابن إدريس غير تام لندرة هذا النوع من الإرث وإنّما يتمّ في مطلق الميراث ونحن لا نقول به، والدليل الوحيد هو الحديث.وما ربّما يقال: من عدم صدق الفائدة في الإرث المرجو فلا يصدق على الوارث أنّه غنم إذ عدم الترقّب والرجاء كأنّه مأخوذ في صدق عنوان الغنم خصوصاً في نسبته إلى الفاعل، غير تام، فلو صحّ ما ذكره لوجب عدم صدقه على ما يحصل من الإجارات والتجارات إذا كان الربح مرجوّاً كما هو الغالب، بل الوجه ـ مع صدق الفائدة ـ هو أنّ المسألة لمّا كانت عامة البلوى فلوكان الخمس ثابتاً لظهر وبان.
نعم صوّر المصنف الميراث غير المحتسب بما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات وكان هو الوارث له، لكن التصوير لا يتوقف على ذينك القيدين بل يمكن تصويره في الرحم القريب العائش معه في البلد فيما إذا كان أخ وله أولاد كثيرة وهلك الجميع ومات الأخ وورثه الأخ الآخر من غير احتساب، وما ذكره من التصوير، لبيان الفرد الواضح.
المصادر :
1- المعتبر:1/293، الطبعة القديمة.
2- المختلف:3/313، المقصد السادس في الخمس.
3- صحيح البخاري: 9/160، باب واللّه خلقكم و ما تعملون من كتاب التوحيد و 1/13 و19 و ج3/53; صحيح مسلم:1/35 و36، باب الأمر بالإيمان; سنن النسائي: 2/333 ; مسند أحمد:3/318; والأموال 12 وغيرها. . فتوح البلدان:81; سيرة ابن هشام:4/265.
4- وسائل الشيعة:6، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6. . رجال النجاشي: 1/165 برقم 121. . رجال النجاشي: 1/431 برقم 515.
5- مدارك الأحكام: 5/383. . منتقى الجمان:2/438ـ 439.
6- منتقى الجمان:2/439.
7- السرائر: 1/486، 488، 490. . كتاب الخمس:191 ـ 192.
8- الوسائل: ج6، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.