قال الخليل: الأمن: ضدّ الخوف، والفعل منه أمن يأمن أمناً، والإيمان: التصديق نفسه، وقوله تعالى: «وَما أنْتَ بِمُؤمنٍ لَنا» بمصدِّق لنا «1».
قال ابن فارس: «أمن» له أصلان: أحدهما الأمانة التي هي ضدّ الخيانة، والآخر التصديق. والمعنيان متدانيان «2».
وقال ابن الأثير: في أسماء اللَّه تعالى: «المؤمن» هوالذي يَصدُق عباده وعده، فهو من الإيمان: التصديق، أو يؤمّنهم في القيامة من عذابه، فهو من الأمان، والأمن ضدّ الخوف «3».
وقال ابن الأثير: في أسماء اللَّه تعالى: «المؤمن» هوالذي يَصدُق عباده وعده، فهو من الإيمان: التصديق، أو يؤمّنهم في القيامة من عذابه، فهو من الأمان، والأمن ضدّ الخوف «3».
ويظهر من ابن منظور أنّ له استعمالات مختلفة:
1- الأمن ضدّ الخوف. 2- الأمانة ضد الخيانة. 3- الإيمان ضد الكفر. 4- الإيمان: التصديق، ضدّه التكذيب يقال: آمن به قوم، وكذَّب به قوم. فأمّا آمنته المتعدي فهو ضدّ أخفته. وفي التنزيل العزيز: «آمنهم من خوف» «4».
والحصيلة من كلماتهم أنّ الثلاثي المجرّد من مادة «أمن» يستعمل في ضدّ الخوف كما قال سبحانه: «وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً يَعْبُدونَنِي لايُشْرِكُوا بِي شَيْئاً» (النور- 55) وأمّا المزيد منه فالمقرون بالباء أو اللام يأتى بمعنى التصديق كقوله سبحانه: «امَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إلَيهِ مِنْ رَبّهِ» (البقرة- 285) وقوله عزّ من قائل: «وَما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا» (يوسف- 17) وأمّا المتعدّي بنفسه فهو بمعنى ضدّ أخاف، كما عرفت.
وعلى ذلك درج المتكلّمون في تعريف الإيمان حيث فسّروه بالتصديق.
قال عضد الدين الإيجي: الإيمان: التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة، فتفصيلًا فيما علم تفصيلًا، وإجمالًا فيما علم إجمالًا «5».
وقال التفتازاني: الإيمان: اسم للتصديق عند الأكثرين أي تصديق النبىّ فيما علم مجيئه به بالضرورة «6».
وأمّا أكثر أعلام الشيعة ففسّروه بالتصديق، نقتصر على ما يلى:
قال المرتضى (355- 436 ه): إنّ الإيمان عبارة عن التصديق القلبي ولا اعتبار بما يجري على اللسان، فمن كان عارفاً باللَّه تعالى وبكلّ ما أوجب معرفته، مقرّاً بذلك ومصدّقاً فهو مؤمن «7».
وقال ابن ميثم: إنّ الإيمان عبارة عن التصديق القلبي باللَّه تعالى، وبما جاء به رسوله من قول أو فعل، والقول اللساني سبب ظهوره، وسائر الطاعات ثمرات مؤكدة له «8».
وقال نصير الدين الطوسي: والإيمان: التصديق بالقلب واللسان، ولا يكفي الأوّل لقوله تعالى: «و اسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ» ونحوه، ولا الثاني لقوله: «قُلْ لَمْ تُؤمِنُوا» واختاره العلّامة الحلّى في شرحه لكلام المحقّق الطوسي «9».
وقال نصير الدين الطوسي: والإيمان: التصديق بالقلب واللسان، ولا يكفي الأوّل
وهو خيرة المحقّق الطوسي في الفصول النصيرية «10» والفاضل المقداد في إرشاد الطالبين «11» ونقله المجلسي عن بعض المحقّقين وقال: إنّه عرفه بقوله: هو التسليم للَّه تعالى والتصديق بما جاء به النبيّ لساناً وقلباً على بصيرة «12».
نعم، فسّره الطبرسى في تفسيره بالمعرفة وقال: أصل الإيمان هو المعرفة باللَّه وبرسوله وبجميع ما جاءت به رسله، وكل عارف بشيء فهو مصدّق له «13».
ونسبه الشهيد الثاني إلى أصحابنا «14».
ولكنّه تفسير له بالمبدأ فإنّ التصديق القلبي فرع المعرفة فكلّ مصدّق، عارف بما يصدّقه ولا عكس؛ إذ ربّما يعرف ولا يصدّق قال سبحانه: «الَّذينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كما يَعْرِفُونَ أبْناءَهَمْ» (البقرة- 146) ومع العرفان ما كانوا مؤمنين.
والفرق بين التصديق والمعرفة واضح، لأنّ في الأوّل سكون النفس وهو كسبي اختياري يؤمر به ويثاب عليه، والمعرفة ربّما تحصل بلا كسب والفرق بينهما كالفرق بين الإيمان والعلم، فلو كان التصديق ملازماً للتسليم فهو، وإلّا يشترط فيه وراء التصديق: التسليم، لقوله سبحانه: «فلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنونَ حَتّى يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيما» (النساء- 65).
وبما ذكرنا يعلم عدم تمامية ما ذكره التفتازاني في ذيل كلامه المتقدم، وهو أنّ الشيعة فسّرت الإيمان بالمعرفة كجهم والصالحي، لما عرفت أنّه قول الطبرسى- قدّس سرّه- وغيره على ما نقله الشهيد الثاني، لا قول الشيعة بأجمعهم.
--------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1). ترتيب العين: 56.
(2). المقاييس: 1/ 133.
(3). النهاية: 1/ 69.
(4). لسان العرب: 13/ 21.
(5). شرح المواقف: 8/ 323، قسم المتن.
(6). شرح المقاصد: 5/ 176.
(7). المرتضى: الذخيرة في علم الكلام: 536- 537.
(8). ابن ميثم: قواعد المرام: 170.
(9). العلّامة الحلي: كشف المراد: 426.
(10). نقله العلّامة المجلسي عنه في البحار: 69/ 131، وقال: إنّ الإيمان هو التصديق القلبي مذهب جمع من متقدّمي الإمامية ومتأخّريهم ومنهم المحقّق الطوسي في فصوله.
(11). الفاضل المقداد: إرشاد الطالبين: 442.
(12). المجلسي: البحار: 68/ 296.
(13). الطبرسى: مجمع البيان: 1/ 89.
(14). زين الدين العاملي في رسالة حقائق الإيمان وهو فسّره لغة بالتصديق، لاحظ البحار: 69/ 131.