عن أمير المؤمنين عليه السلام
ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً 1 وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِسا 2 ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ 3 وَصَبٍ 4 وَنِضْوَ 5 سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ 6 وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ 7 السُّؤَالِ وَعَثْرَةِ 8 الِامْتِحَانِ1.
شرح المفردات
1- متحيّراً ويائساً.
2- طائعا سهلا.
3- الكال، المتعب.
4- المرض والألم.
5- الهزيل والمراد من هذه الجملة أنه يلقى في النعش كليلا متعباً هزيلاَ قد أخذ المرض منه حتّى صيّره رمة بالية وهيكلاَ خاوياَ.
6- حال الميت في قبره حيث لا يزوره أحد.
7- الحيرة.
8- السقطة.
سؤال ولا مفرّ من الجواب!
بعد أن يوضع الإنسان في القبر، ويُهال عليه التراب وينقطع عنه الناس. ويستنطق بالسؤال.
وأمّا الأسئلة التي يوجّهها له الملكان (منكر ونكير) فهي:
أ- مَن ربّك؟ ومَن نبيّك؟ وما دينك؟
ب- كيف كان عملك في هذه الدنيا؟
ففي الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "ألا وإنّ أوّل ما يسألانك، عن ربّك الذي كنت تعبده، وعن نبيّك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولّاه. ثمّ عن عمرك فيما أفنيته، ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته، فخذ حذرك وانظر لنفسك، وأعدّ للجواب قبل الامتحان والمسائلة والاختبار"2.
النتيجة طبقاً للجواب
فإذا كان الجواب صحيحاً، ولا طريق للكذب هناك، فنتيجة ذلك نعيم مقيم إلى قيام الساعة، فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره، فإذا ادخل قبره أتاه منكر ونكير فيقعدانه ويقولان له: من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول: ربّي الله، ومحمّد نبيّي، والإسلام ديني، فيفسحان له في قبره مدّ بصره، ويأتيانه بالطعام من الجنّة ويدخلان عليه الروح والريحان"3.
وأمّا إذا كان الجواب خاطئاً، فإنّ المصير كما ورد في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: بعد موت ابن أبي حمزة البطائني: "إنّه أقعد في قبره فسئل عن الأئمّة عليهم السلام فأخبر بأسمائهم حتّى انتهى إليّ فسئل فوقف، فضُرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً" 4.
1- الصلاة باب لحضور الجواب
ليس حسن اللسان والتعلّم على أساليب الكلام هو الذي يجعل الجواب حاضراً عند سؤال القبر، فإنّ ذلك العالم عالم الحقائق والواقع، لا مجال فيه للاحتيال والفرار، بل الذي ينفع الإنسان في ذلك اليوم هو العمل الذي أدّاه في هذه الدنيا، وأهمّ تلك الأعمال هي الصلاة، فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا دخل المؤمن في قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبرّ مطلّ عليه، ويتنحّى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة والزكاة والبرّ: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه"5.
إنّ الصلاة التي هي عمود الدين، وهي معيار قبول سائر الأعمال، لا بدّ وأن تكون أوّل ما يسأل عنه العبد، فقد ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها"6.
2- الصلاة المثمرة
لم يشّرع الله عزّ وجلّ الصلاة إلّا لحكمة ومصلحة، والله غنيّ عن العالمين، فالمصلحة ترجع إلى العباد، وثمرة الصلاة ترجع إلى صلاح آخرة عباد الله، وهي إنّما تؤتي ثمارها إذا قام بها العبد على وجهها، بأن حافظ على باطنها كما يحافظ على ظاهرها، فكما يهمّك أن تأتي بالصلاة وأن لا تتخلّف عن أدائها، عليك أن تهتمّ بالإتيان بها على ما أراده الله عزّ وجلّ، بأن تستحضر قلبك في هذه الصلاة، وذلك بالانصراف عن التفكير في الأمور الدنيويّة أثناء الصلاة، لتفكّر في ما أخبر عنه الإمام الرضا عليه السلام من علّة تشريع الصلاة، حيث يقول عليه السلام: "إنّها إقرار بالربوبيّة لله عزّ وجلّ وخلع الأنداد، وقيام بين يدَيّ الجبار جلّ جلاله بالذلّ والمسكنة والخضوع والاعتراف، والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كلّ يوم خمس مرّات إعظاماً لله عزّ وجلّ، وأن يكون ذاكراً غير ناسٍ ولا بطر، ويكون خاشعاً متذلّلاً راغباً طالباً للزيادة في الدين والدنيا، مع ما فيه من الإنزجار والمداومة على ذكر الله عزّ وجلّ بالليل والنهار، لئلّا ينسى العبد سيّده ومدبّره وخالقه فيبطر ويطغى، ويكون في ذكره لربّه وقيامه بين يديه زاجراً له عن المعاصي ومانعاً من أنواع الفساد"7.
فالصلاة التي لا يُقبل بها الإنسان بقلبه إلى الله عزّ وجلّ قد تسقط الواجب عنه، فلا يحاسب على تركها ولكنّها لن تكون شافعة له عند سؤال منكر ونكير، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "يا كميل! ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدّق، إنّما الشأن أن تكون الصلاة فُعلت بقلب نقيّ، وعمل عند الله مرضيّ، وخشوع سويّ"8.
"هو أن يعمد الإنسان إلى السعي لمعالجة النفس، وأن يشدَّ أحزمة العزم لاستحصال في الأقلّ بعض مراتب حضور القلب، التي تسقط العبادات عن درجة الاعتبار من دونها، ولا تحظى بقبول الحضرة المقدّسة... وتجدر معرفة أنّ منشأ حضور القلب في عمل من الأعمال، وعلّة إقبال النفس عليه وتوجّهها إليه هو أن يتلقّى ذاك العمل بالتعظيم ويراه من المهمَّات"9.
أمور نافعة عند الموت
عن أحدهما عليه السلام يعني الإمام الصادق أو الإمام الباقر عليه السلام قال: "إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستّة صور، فيهنّ صورة أحسنهنّ وجهاً، وأبهاهنّ هيئة، وأطيبهنَّ ريحاً، وأنظفهنّ صورة.
قال: فتقف صورة عن يمينه وأخرى عن يساره وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجله.
وتقف التي هي أحسنهنّ فوق رأسه.
فإن أوتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثمّ كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست.
قال: فتقول أحسنهنّ صورة: ومن أنتم جزاكم الله عنّي خيراً؟
فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة.
وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة.
وتقول التي بين يديه: أنا الصيام.
وتقول التي خلفه: أنا الحجّ والعمرة.
وتقول التي عند رجليه: أنا برّ مَن وصلت من إخوانك.
ثمّ يقلن: مَن أنت؟ فأنت أحسننا وجهاً وأطيبنا ريحاً، وأبهاناً هيئة.
فتقول: أنا الولاية لآل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين".
وروى الصدوق في فضل صيام شعبان:
"ومَن صام تسعة أيّام من شعبان عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه".
وورد عن الإمام الباقر عليه السلام: في إحياء ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، وصلاة مائة ركعة فيها فضل كثير فمن جملته: "ودفع عنه هول منكر ونكير وإنّ من خواص تربة النجف الطاهرة إنّها تسقط حساب منكر ونكير عمّن يدفن فيها10.
*حياة القلوب، سلسة الدروس الثقافية
---------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- نهج البلاغة، الخطبة، 83.
2- الكافي- الشيخ الكليني- ج8 ص73.
3- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج6، ص222.
4- م. ن، ج6، ص242.
5- ميزان الحكمة - محمّدي الريشهري - ج 3 ص 2480.
6- م.ن، ص 1630.
7- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ص 1631.
8- م.ن، ص 1632.
9- سرّ الصلاة، الإمام الخميني، ص63، دار التعارف.
10- منازل الآخرة، الشيخ عبّاس القميّّ، ص154.