عربي
Sunday 19th of May 2024
0
نفر 0

البحث عن هوية

البحث عن هوية

مما لا شك فيه أن وجود الفرد في بيئة معينة واتصاله المستمر بالعالم الخارجي يجعله يكتسب خبرات جديدة تعدل من استعداداته وميوله الفطرية، فالعالم الخارجي له أثرا بالغا على تنظيم الانفعال الذي يمد الفرد بالطاقة العصبية اللازمة. للتعبير عن الغريزة حتى تتجمع حول شخص معين أو حول شئ معين، والمسيرة الإسرائيلية لم تنقطع يوما عن العالم الخارجي. ولهذا اكتسبت مجموعة من الخصائص الانفعالية المميزة للفرد، أو بعبارة أخرى مجموعة الصفات التي يتسم بها سلوك الفرد وانفعالاته ودوافعه، وعلى امتداد المسيرة وفي كل مرة يحدث الاتصال بالعالم الخارجي. تتأثر مجموعة من الغرائز والانفعالات المختلفة. فإن كانت في مجموعها تلتقي مع الأهواء أدت إلى عاطفة حب. وإن كانت في مجموعها مؤلمة أدت إلى عاطفة كره.
والدين الإلهي لم يترك الإنسان للعالم الذي من حوله، وإنما قدم البناء اللازم الذي تتكامل به الشخصية وتتآلف عناصرها بحيث تتجه اتجاها موحدا نحو غرض معين، ولكن المسيرة الإسرائيلية إختلفت عناصر شخصيتها عندما ابتعدت عن خط الأنبياء، مما أدى إلى حدوث الانقسامات المختلفة بين العناصر وتعارضت اتجاهاتها، فكان من نتيجة ذلك ضعف الشخصية أمام الزينة والزخرف في العالم الخارجي، فراحت تأكل من ثماره وتجتر ذكرياتها على سبيله، وأنتج زاد الثمار والذكريات العقد النفسية التي هي في مجملها استعداد وجداني مكتسب دائم. يؤثر في سلوك المرء وشعوره ويفرغ عليهما طابعا خاصا، ومما لا شك فيه أن العقدة النفسية قد تنشأ من صدمة انفعالية عنيفة، أو قد تنشأ من صراع نفسي غير محسوم، أو قد تنشأ من تربية غير رشيدة، هذا كله له معالم على امتداد المسيرة الإسرائيلية التي أرغمتها العقد النفسية في نهاية المطاف على الخوف. حتى ولو لم يكن هناك داعيا إلى الخوف، وهذا كله نتيجة حقيقية. لمقدمة حقيقية. غيروا فيها اتجاههم الفطري.وأصبحوا عالة على حركة وإنتاج الأمم من حولهم.
والباحث في المسيرة الإسرائيلية يجد أن المسيرة قد تأثرت بعقائد العالم الخارجي، ومن ثياب هذه العقائد اتخذت المسيرة ثوبا واحدا أضافت إليه معالم سماوية باهتة، تتفق مع أهوائهم وتنسجم مع العقد النفسية التي أفرزتها الأحداث على امتداد المسيرة، وفي نهاية المطاف رشحت ثقافات هذه العقائد على المدنية المعاصرة وهددت الإنسانية بالانهدام. ومهدت الطريق إلى المسيح الدجال. وفي إفرازات المسيرة الإسرائيلية يقول صاحب تفسير الميزان: إذا تأملت قصص بني إسرائيل المذكورة في القرآن، وأمعنت فيها. وما فيها من أسرار أخلاقهم وجدت أنهم كانوا قوما غائرين في المادة مكبين على ما يعطيه الحس من لذائذ الحياة الصورية، فقد كانت هذه الأمة لا تؤمن بما وراء الحس ولا تنقاد إلا إلى اللذة والكمال المادي، وهم اليوم كذلك، وهذا الشأن هو الذي صبر عقولهم وإرادتهم تحت انقياد الحس والمادة. لا يعقلون إلا ما يجوزانه، ولا يريدون إلا ما يرخصان لهم ذلك، فانقياد الحس يوجب لهم أن لا يقبلوا قولا إلا إذا دل عليه الحس، وانقياد المادة اقتضى فيهم أن يقبلوا كل ما يريده أو يستحسنه لهم كبرائهم من جمال المادة وزخرف الحياة، فأنتج ذلك فيهم التناقض قولا وفعلا، فهم يذمون كل اتباع باسم أنه تقليد وإن كان مما ينبغي إذا كان بعيدا من حسهم، ويمدحون كل اتباع باسم أنه حظ الحياة وإن كان مما لا ينبغي إذا كان ملائما لهوساتهم المادية، وقد ساعدهم على ذلك وأعانهم عليه مكثهم الممتد وقطونهم الطويل بمصر تحت استذلال المصريين، واسترقاقهم وتعذيبهم، وبالجملة: فكانوا لذلك صعبة الانقياد لما يأمرهم به أنبيائهم والربانيون من علمائهم مما فيه صلاح معاشهم ومعادهم، وسريعة اللحوق إلى ما يدعوهم المغرضون والمستكبرون منهم، وقد ابتليت الحقيقة والحق اليوم بمثل هذه البلية بالمدنية المادية، فهي مبنية القاعدة على الحس والمادة. فلا يقبل دليل فيما بعد عن الحس، ولا يسأل عن دليل فيما تضمن لذة مادية حسية، فأوجب ذلك إبطال الغريزة الإنسانية في أحكامها، وارتحال المعارف العالية والأخلاق الفاضلة من بيننا. فصار يهدد الإنسانية بالانهدام، وجامعة البشر بأشد الفساد وليعلمن نبأه بعد حين (1).
. فالمسيرة اكتسبت من العالم الوثني الشئ الكثير، وكان لهذا أثرا بالغا على سلوك الفرد وانفعالاته ودوافعه، ودفعت المسيرة في صراع نفسي غير محسوم أدى إلى تناقض حركتها قولا وفعلا، وهذا الاهتزاز النفسي رشح فيما بعد على الجامعة البشرية وهددها بالفساد، ولبيان المكتسبات الإسرائيلية من الأمم الوثنية الاستكبارية، نلقي بعض الضوء على أهم المحطات التي تزودت منها المسيرة الإسرائيلية.
لا شك أن أبرز ظاهرة في خصائص الديانة المصرية القديمة هي كثرة الآلهة، ولو ذرعنا المنطقة من منف إلى أسوان وبحثنا في كل مركز من مراكز العبادة، لوجدنا كائنات إلهية تتخذ صور الأبقار والتماسيح والكباش والكلاب الوحشية واللبؤات والعجول، وكثيرا من المخلوقات الأخرى ويطلق عليها عادة أسماء شتى في مختلف المدن، ورغم أن الآلهة تبعا لبلادها كانت تختلف في الشكل وفي الاسم. إلا أنه توجد عدة دلائل على أن المعتقدات الدينية كانت موحدة في أذهان المصريين أكثر مما نظن من واقع اختلاف أشكال الآلهة وأسمائهم (2) ويجل جميع قدماء المصريين البقرة لأنها معطية اللبن ولأنها الأم السماوية للشمس كما يعتقدون، وأطلقوا على البقرة اسم (صخور) وكثيرا ما كانوا يبنون لها المعابد ويكرسون لها قطعانا كاملة من أخواتها، وكذلك للآلهة التي تتخذ صورة الثور (مثل: مونتو، ومين، وآمون) وللثيران التي تتجسد فيها الآلهة (مثل: منفيس، أبيس، هليوبوليس) (3).
والعجل أبيس له بصمات واضحة على العقيدة المصرية القديمة، فهو رمز الاخصاب. واعتقد المصريون أن العجل أبيس اقترن بإله منف (بتاح) واندمج في (أوزيريس) فتكون منهما إله جنائزي. ومنذ ذلك الوقت اتخذ موت العجل أبيس أهمية بالغة، فيدفن بجنازة رسمية وسط جمع من الكهنة وغيرهم الذين كانوا يحضرون له الهدايا من كافة أرجاء المملكة، وكانوا يعتقدون أن أبيس عندما يموت يعود فيولد من جديد، ولهذا كان الكهنة يبحثون عنه بمجرد أن يموت، ويتوجهون إلى الحقول ويفحصون القطعان للعثور على ذلك الإله الذي يمكن التعرف عليه بعلامات خاصة فوق جلده، وعندما يعثرون عليه يحل الفرح محل الحزن ويتوج العجل الإلهي في الحظيرة المقدسة بمنف. حيث يعيش مع أمه يحيط به حريم الأبقار (4).
فالبقرة ترمز إلى الاخصاب. وعقيدتها تقول أنها في (أبيس) بمجرد أن تموت تبعث من جديد. وهي في (صخور) حاكمة السماء وجسمها الحقيقي، والروح الحية للأشجار، ومربية ملك مصر، وأم حورس، وربة الذهب، وشخصية متعددة الألوان بوسعها أن تأخذ صورة لبؤة، وهي ربة للسعادة والرقص والموسيقى (5).
فس هذه العقائد شربت قلوب الذين كفروا من بني إسرائيل حب العجول. وقبل أن تجف أقدامهم من عبور البحر مع موسى عليه السلام اتخذوا العجل إلها. قال تعالى: (ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) (6).
وعلى عقيدة بعث العجل بمجرد أن يموت، إنطلقوا في آشور وفي بابل تحت سقف السبي، يبحثون عن هوية جديدة تبعث عليها دولتهم، لتضاهي (حخور) حاكمة السماء وجسمها الحقيقي. وتكون كالروح الحية للأشجار كما تقول عقيدة الأبقار، وتحت سقف البحث عن هوية.
كانت يد الله تعمل في الخفاء وهم لا يشعرون، قال تعالى: (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين) (7) وذلك لأن نظام العالم هو نظام الأسباب والمسببات، والمسيرة لم تأخذ بأسباب التوبة والرجوع إلى الله، وإنما أخذت بأسباب لا تحقق النجاة ولا تهدي طريقا إلا طريق الفتنة التي تقود أتباعها إلى جهنم.
لا شك في أن الشيطان صد عن العبادة الحق التي تصل الإنسان بربه. وتحقق له السعادة في الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي، وبرنامج الشيطان الذي صد به عن العبادة. هو نفس البرنامج الذي شوه به رموز هذه العبادة لينفق الناس من حولهم، فالله تعالى اصطفى من خلقه آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد. كما أخبر القرآن والسنة.

فهؤلاء من دون الناس الذين أخلصهم الله تعالى لعبادته، وباختصار:

اصطفى الله الأنبياء والرسل واختار سبحانه من عباده من يقوم بيان شريعته للناس. فهؤلاء أصحاب الدماء النقية، بمعنى أن الشيطان ليس له فيهم نصيب، والشيطان صد عن هذا السبيل بإلقاءاته. ومن معالم هذه الإلقاءات ظهور ثقافة تبناها الجبابرة والطواغيت على امتداد المسيرة البشرية. والعمود الفقري لهذه الثقافة. أن في عروق هؤلاء وأسرهم تجري دماء الآلهة، ووفقا لهذا الاعتقاد الذي فرضوه على شعوبهم. حكموا بالحديد وبالنار، وظل الحكم في هذه الأسر قرونا طويلة نتيجة لهذا الاعتقاد، وما أن تسقط أسرة حتى تقوم مكانها أسرة جديدة. تنطلق من هذا المستنقع الذي ابتليت به المسيرة البشرية.
وعلى هذا الاعتقاد كان الفراعنة وملوك آشور وملوك بابل والإغريق والبطالمة، وجميع هؤلاء احتكت بهم المسيرة الإسرائيلية.
وتأثرت ببرامجهم المادية والحسية، ولقد رشحت ثقافة تزكية الفرد والأسرة والقبيلة التي تحتويها هذه البرامج على المسيرة البشرية فيما بعد، ورد عليها القرآن الكريم. قال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم. بل الله يزكي من يشاء ولا تظلمون فتيلا. أنظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا) (8) وقال جل شأنه (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) (9).
وفي آشور وبابل لم يضع بني إسرائيل أعمدة الأسرة المختارة وإنما وضعوا أعمدة الشعب المختار الذي يدخر له الغيب أميرا مختارا يمتلكون به الأرض، وكانت الأرضية التي وضعوا عليها هذه الأعمدة قولهم: سيغفر لنا، ولكي يتفق هذا المدخل مع ما ارتكبوه من جرائم، نسبوا إلى الأنبياء ما لا يتفق مع عصمتهم ومكانتهم، بمعنى أن الخطأ إذا وقع فيه الأنبياء. فإن من دونهم يلتمس له الأعذار، وبعد أن أدخلوا أنفسهم في دائرة المغفرة، أدخلوا أنفسهم في دوائر التبشير التي أخبر بها الأنبياء عن ربهم، بمعنى إذا كان في بطن الغيب أمه اختارها الله لقيادة البشرية ادعوا أن الأمة أمتهم، وأن الأوصاف التي بينها الأنبياء تنطبق عليهم في بطن الغيب لكونهم شعب الله المختار. الذين ينفردون عن الناس ولهم أفضليتهم على جميع المخلوقات في نظر الخالق، وبهذا وبغيره جعلوا الكتاب المقدس ينطق. بعد أن حرفوا النصوص وتأولوها. وبعد أن وضعوها في غير مواضعها.
وقولهم سيغفر لنا. أشار إليه قوله تعالى: (وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك. وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون. فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق..) (10) قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه فرقهم في الأرض طوائف وفرقا، فيهم الصالح وغير ذلك، واختبرهم بالرخاء والشدة والرغبة والرهبة والعافية والبلاء لعلهم يرجعون، فخلف من بعدهم خلف لا خير فيهم وقد ورثوا دراسة التوراة، لا يشرف لهم شئ من الدنيا إلا أخذوه حلالا كان أو حراما ويقولون سيغفر لنا (11).
وقال في الميزان: قولهم " سيغفر لنا " قول جزافي لهم قالوه، ولا معول لهم فيه إلا الاغترار بشعبهم الذي سموه شعب الله. كما سموا أنفسهم أبناء الله وأحباءه، ولم يقولوا ذلك لوعد النفس بالتوبة، ولا أنهم قالوا ذلك رجاء للمغفرة الإلهية، فليس ما تظاهروا به رجاءا صادقا بل أمنية نفسانية كاذبة، وتسويل شيطاني موبق، فمن كان يرجو لقاء ربه، فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (12).
ومن باب قولهم سيغفر لنا فتحوا أبوابا قالوا عندها يوما: نحن أولياء الله من دون الناس، ويوما: نحن أبناء الله وأحبائه، ووضعوا هذه الأقوال داخل عقيدة تقول خطوطها العريضة: ليس علينا في الأميين سبيل، ومن هذا النسيج قاموا ببناء نظرية تفوقهم على البشر وانفراديتهم عن الناس وأفضليتهم على جميع المخلوقات في نظر الخالق، وانطلقوا وراء الأحبار يرددون القول بأنهم أمة فريدة تقف من الأمم موقف المختار الذي يتمتع بحقوق ليس لغيره، ولأنهم أمة فريدة فإن أمتهم عندما تموت تبعث من جديد، لأنها كالروح الحية للأشجار، وكالأم السماوية معطية اللبن لجميع المواليد ليؤمنوا بالعهد الألفي السعيد.
ومن الترديد وراء الأحبار انطلقوا إلى دائرة العمل، وخطوطها العريضة تقول: إن داوود إختاره الإله وعينه ملكا، ومملكة داوود هي
عنوان ودعاء عهد الإله لإبراهيم، وأورشاليم اختارها الله عاصمة لهذا الملك، وعلى الجميع أن يخضعوا لهذه المملكة ولعاصمتها، لأن التعبد لله لا ينفصل عن الدولة وعاصمتها، وإذا كانت الدولة قد اندثرت على أيدي الغزاة، فإنها عندما اندثرت من على الأرض ولدت من جديد داخل صدور بني إسرائيل، وعليهم أن يعملوا لبسط نفوذ الدولة وفقا لنظرية تفوقهم على البشر وانفراديتهم عن الناس، حتى يأتي ابن داوود أمير السلام آخر الزمان. فهو وحده المسيح الذي سيعيد المجد لإسرائيل على أرض الواقع، وعلى الجميع أن يخضع من اليوم لمملكته الأزلية ولعاصمتها أورشاليم.
وهكذا جعلوا الكرامة الإلهية سهلة التناول، وزعموا أن هذه الكرامة وضعت على عاتق العنصر العبري. أكرمهم الله بها إكراما مطلقا من غير شرط ولا قيد، ولما كانت هذه الكرامة والسؤدد أمر جنسي خص بني إسرائيل، جعلوا الانتساب الإسرائيلي مادة الشرف وعنصر السؤدد. والمنتسب إلى إسرائيل له التقدم المطلق على غيره، لأن هذه الروح الباغية إذا دبت في قالب قوم. بعثتهم إلى إفساد الأرض وإماتة روح الإنسانية وآثارها الحاكمة في الجامعة البشرية، بينت الرسالة الخاتمة على نبيها الصلاة والسلام. أن الكرامة الإلهية ليست بذاك المبتذل السهل التناول. يحسبها كل محتال أو مختال كرامة جنسية أو قومية. بل يشترط في نيلها الوفاء بعهد الله وميثاقه والتقوى في الدين، فإذا تمت الشرائط حصلت الكرامة. وهي المحبة والولاية الإلهية التي لا تعدوا عباده المتقين، وأثرها النصرة الإلهية والحياة السعيدة التي تعمر الدنيا وتصلح بال أهلها وترفع درجات الآخرة، وبالجملة: إن الله تعالى لا يصطفي أحدا بالاستخلاف اصطفاءا جزافا. ولا يكرم أحدا إكراما مطلقا من غير شرط ولا قيد، والاستخلاف تحت سقف الامتحان والابتلاء يخضع لسنة الله الحاكمة. ومنها النقل والإقالة، ولا يخص الله بحسن العاقبة إلا من يتقيه من عباده أينما وجدوا. ولقد رد القرآن الكريم على بني إسرائيل ومن حذى حذوهم من النصارى قولهم بأفضليتهم على البشر، فقال تعالى: (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه. قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) (13). ورد على بني إسرائيل قولهم بأنهم مغفور لهم. وأن مسيرتهم نحو أهدافهم مسيرة يتعبدون فيها لله، فقال جل شأنه (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين. ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة. وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون) (14).
والخلاصة: لقد أخذت المسيرة الإسرائيلية بسنن الأولين، فأخذوا من عقائد البقر وعقائد الدماء النقية الأعمدة التي أقاموا عليها ديمومة الكرامة والحكم، والكتاب المقدس ينفي في أكثر من موضع مقولتهم بالدماء النقية. ويسجل أنهم سكنوا بين الأمم الوثنية واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم. وعبدوا آلهتهم (15) وقال نحميا في سفره " رأيت اليهود الذين ساكنوا نساء أشدوديات وعمونيات وموآبيات، ونصف كلام بينهم باللسان الأشدودي، ولم يكونوا يحسنون التكلم باللسان اليهودي، بل بلسان شعب وشعب " (16) فكيف يكون نقاء الدم تحت سقف هذه الأصول وغيرها؟
المصادر :
1- الميزان 296 / 8
2- الميزان 210 / 1.
3- معجم الحضارة المصرية القديمة ص 32.
4- المصدر السابق ص 3.
5- المصدر السابق ص 96.
6- سورة البقرة آية 92.
7- سورة الأعراف آية 152.
8- سورة النساء آية 49.
9- سورة النجم آية 32.
10- سورة الأعراف آية 168.
11- تفسير ابن كثير 2 / 265.
12- الميزان 298 / 8.
13- سورة المائدة آية 18.
14- سورة البقرة آية 94.
15- القضاه 3 / 5 - 7.
16- نحميا 13 / 22 - 5 2.

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مسجد السهلة؛ بيت الأنبياء ومقام الأولياء ومقصد ...
الرجعة باختصار
أوّل‌ من‌ كُنِّي‌ بأبي‌ تراب‌
باب في غيبة يوسف عليه السلام
قبسات من نهج البلاغة – السادس
النهی عن الجدال والمراء فی الله عز وجل
بشائر رمضانيّة 3
الواقفية
اللعن في القرآن الكريم
الغرب ينحني تعظيماً لرسول الله (صلى الله عليه ...

 
user comment